الاثنين، 19 سبتمبر 2011

بعد أربعين عاماً.. لا اعتزال!

ليس شأنا شخصياً حديثي المتكرر عن مكافحة التدخين، وليس بدواعي المهنة الطبية فقط واصلت مع غيري هذا الجهد «الاجتماعي الصحي» لأكثر من أربعين عاماً أي منذ أقلعتُ عن التدخين وبدأت أتلمس طريقي لمحاربة هذه الآفة في بلدي، وفي بلاد أخرى كما سيأتي فيما بعد.. وحين أبدعتْ وزارة الصحة عام 1977 استنباطَ الشكل القانوني لمكافحة التدخين من فصل «المكاره الصحية» في قانون الصحة العامة رقم 21 لسنة 1971، اعتبرنا ذلك «تخريجة» ذكية بدوافع خيّرة أتاحت الفرصة عام 1981 لظهور الجمعية الوطنية الأردنية لمكافحة التدخين التي أسسها الدكتور زهير ملحس وحمل لواءها محاربا صادقاً لزمان طويل.. وقد أنجزتْ هذه الجمعية بالتعاون - طوال الطريق - مع وزارة الصحة ما لولاه لكان ضيقُنا هذه الأيام بشرور انتشار التدخين أشد وطأة، ولكانت حسرتنا من ارتفاع نسبة المدخنين بين شبابنا وشاباتنا أدعى للقلق المُمضّ، وفي كلا الحالين لسنا متشائمين ولسنا قانطين..

في تاريخ مكافحة التدخين يكفينا فخراً أن بلدنا كان من اسبق دول العالم في منع الإعلان عن التبغ ومشتقاته ولم تكن المهمة سهلة فقد واجهنْا ضغوطاً متواصلة مارستها شركات الإعلانات لكن الموقف المشرّف لصحفنا وإذاعتنا وتلفزيوننا احبطها، كما عانينا من حرب شرسة شنّها «المتضررون» في صناعة السجائر لأنهم خَشَوْا بعض الهبوط في أرباحهم الفاحشة التي يجنونها من إمراض الناس بسمومهم ومخدراتهم «المشروعة»! وهو ما يذكرني بموقف اعتز به حين كنت ذات يوم من عام 1986 على منصة الرئاسة في منظمة الصحة العالمية في جنيف أُرحّبُ بكلمة وزير الصحة الايرلندي التي أعلن فيها عن نية حكومته سن قانون لمنع الإعلان عن السجائر ثم اقترحُ على المنظمة اصدار قرار يدعو الدول الأعضاء لسن مثل هذا التشريع كما فعل الأردن عام 1977، وإذا ببعض الصحف السويسرية في اليوم التالي تهاجمني لأني «خرقت مبدأ الحياد الذي ينبغي على الرئيس الالتزام به»! وقد تبّين بعد ذلك بسنوات اثناء التحقيق في قضايا فساد داخل المنظمة أن احد موظفيها كان في نفس الوقت «عميلاً سرياً» لشركات التبغ وربما كان هو الذي أبلغها بتعليقي وأشار عليها «قانونيا» بان تومي للصحف التي لها عليها نفوذ «إعلاني» بأن تنتقدني! المهم إن اقتراحي على المنظمة والذي أيده الكثيرون استمر في ضميرها أمداً طويلاً ونال من الدراسات الكثير حتى تمخض عن الاتفاقية الاطارية لمنع اضرار التدخين وقد صادقت عليها الحكومة الأردنية في عام 2008 فشكلت نقطة انطلاق جديدة لمكافحة التدخين في بلدنا..

وبعد.. في تشرين الأول من عام 2009 شرفني رفاق الدرب في الجمعية الوطنية الأردنية لمكافحة التدخين برئاستها وها قد انقضت الدورة التي واصلت فيها مع زملائي في الهيئة الإدارية ما بدأه الأولون.. ولا أنوي التجديد، ليس تخلياً عن المسؤولية بل إيماناً بالتداول وباتاحة المجال لتدفق الدماء الشابّة وبضرورة تخفيف أعبائي وأنا مشرف على الثمانين، وليس اعتزالاً لاني سأبقى جنديا بسيطاً في خدمة الفكرة النبيلة حتى آخر عمري..
استحضار نموذج روبن هود!

«نحن نعيش في عصر يشبه الى حد كبير ذاك الذي عاشه روبن هود حين كان اللوردات الاقطاعيون يحكمون انجلترا وينهبون الناس وسط فوضى ادارية وانفلات اقتصادي غابت فيه القيود الاخلاقية والضوابط الاجتماعية، فلماذا لا نتمثل ذكراه التي لا تُنسى بأن نتبنى من جديد مبادئه واهدافه من أجل تغيير الاوضاع في العالم والا انحدرنا الى الدرك الأسفل...» هذا ما يدعو له جون بيركنز في مقال له على الـ Information Clearing House 12 /8 /2011 ويعزز دعوته لاستحضار نموذج ذلك الثائر المرح بقوله: «إن ازمة الميزانية في واشنطن، والمواجهات الدامية والحرائق في المدن الانجليزية، والمظاهرات في اوروبا والشرق الاوسط هي اعراض لنفس الاضطراب الكبير الذي كان سائداً أيام روبن هود بدليل الحقائق التالية:

إن الذين ننتخبهم في ديمقراطينا الكبيرة ( الولايات المتحدة ) ليسوا هم الذين يشرّعون لنا القوانين فقد تخلّوا عن هذه المسؤولية للوسطاء والعملاء من مجموعات الضغط التي تعمل لحساب الشركات الكبرى Corporations وهذه في الاصل هي التي موّلت الحملات الانتخابية !

وسائل الاعلام المقروءه والمسموعة والمرئية لا تنقل لنا الانباء على حقيقتها ولا تقف الى جانبنا ونحن نحاول المحافظة على دستورنا لأنها مملوكة بالكامل لتلك الشركات.

الميزانية عندنا لن تكون متوازنه بلا عجز كبير طالما أننا ننفق تريليونات الدولارات في حروب للدفاع عن «استغلال» تلك الشركات لثروات البلاد الأخرى ! مع أننا نحرم شعبنا من الخدمات الاساسية في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والتي لا تكلف بالمقارنة إلا القليل..

لقد ابتعدنا كثيراً عن المبادئ الاخلاقية التي نتغنى بها، فنحن لا نخجل مثلا من استهلاك البضائع المنتَجة بعرق الذين يعملون كالعبيد في الدول الفقيرة، ونحن نلقي باللائمة على حضارات الآخرين واديانهم ونتهمها بأنها سبب مشاكلنا ومصدر متاعبنا ! ونقبل كأمر عادي الفساد الذي ينخر بعض ساستنا وأجهزة رقابتنا ثم لا نخجل أن نسجن واحداً كبرادلي ماننغ لانه فضح الجانب الأسود من سياستنا في العراق ( ماننغ هو الجندي الأميركي المحبوس في زنزانه انفرادية منذ أيار 2010 وينتظر حكما بالسجن 80 عاماً بتهمة تسريب الفيديو السري الى الويكيليكس الذي يكشف هجوم طائرة الاباتشي الاميركية على عراقيين مدنيين وقتل 11 منهم بدم بارد في تموز 2007 )...» ثم يمضي بيركنز للقول: «علينا أن نعترف بأن حكامنا - تماما كلوردات الاقطاع في انجلترا روبن هود - قد خلقوا لنا وضعاً سيئا ومروعاً، وأن رأسماليتنا النهّابة السلاّبه لا تخدمنا إلا إذا كان الواحد منا بليونيراً.. لذلك نتساءل أين روبن هود ؟ أين أولئك الرجال والنساء الذين انضموا له ببهجة وحماس وتحدوّا جبروت اللوردات في تلك الأيام المجيدة ؟ نحن نود أن نستعيدهم حتى لو في خيالنا لنقتدي بهم ونتعلم كيف كانوا «يشلّحون» الأغنياء ليردوا للفقراء بعض ما سرقوه منهم ! لقد آن الاوان لكل الشرفاء أن يتجمعوا رجالاً ونساءً من خلال نشر الافكار في شبكات الانترنت (كأنما يستوحي ثورتيْ تونس ومصر ) ففي هذه الايام لسنا بحاجة للقوس والنشاب ولا للسيوف أو أسلحة الموت، إن لوردات هذا العصر يسيطرون علينا بالدعاية والاعلان والاغراءات الماديه، ويملأون محطات التلفزيون بمعلّقيهم المأجورين ويتحكمون في الصحافة من خلال عملائهم ! علينا أن ندحرهم ونهزمهم في ميدان المعركة هذا حيث الوعي والمعرفة بدل الدم والعنف، فقوْسي هذه الايام هو حاسوبي أو منصّة محاضراتي، وسهامي هي كلماتي المكتوبة أو المسموعه...»

وبعد.. ربما تتذكرون جون بيركنز هذا ؟ لقد علقت في 18 /7 /2009 على كتابه الشهير (( اعترافات قاتل اقتصادي )) بعد أن صحا ضميره وأثار ضجة كبيرة بفضحه الوسائل غير المشروعه للمخابرات الأميركية في شراء ذمم قادة الدول لحساب الشركات الكبرى وإلا فالاغتيال لمن لا يبيع وطنه ! وكان آخر المقتولين وبنفس الطريقة جايمي رولدوز رئيس الاكوادور عام 1981 وبعده بشهرين عمر توريخوس زعيم بنما..

إذن، لا غرابة في أن يدعو بيركنز للاقتداء بروبن هود !
كيف يقف ثائر.. ضد أي ثورة؟

قد يكون الحديث عن القذافي بعد سقوطه من نافلة القول خصوصاً إذا لبس لبوس الحكمة بأثر رجعي! لكني لا أملك إلا أن أذكّر بموقف صغير بدا عابرا لكنه استوقفني بدلالته حين سئل هذا «الزعيم» عن الثورة التونسية بعد ساعات قليلة من انتصارها بفرار زين العابدين بن علي وقبيل اندلاع الثورة في ليبيا نفسها بأيام قليلة فأجاب: «إنه متألم لما حدث إذ لا يوجد أحسن منه (يقصد بن علي) في هذه الفترة لرئاسة تونس» ثم مضى يحذّر التونسيين من أنهم سيندمون على ما اقترفت ايديهم!.. هكذا ودون أن يرف له جفن يومئذ ناقض القذافي قائد «ثورة» الفاتح من سبتمبر نفسه وكل ما كان يزعمه على مدى اربعة عقود من أنه مع الثوار في كل مكان، فقد عبر بتلك الكلمات الفجة عن حقيقته كحاكم مستبد ولم يستطع أن يخفي تعاطفه مع واحد من اقرانه الطغاة مدفوعاً بقلقه وخوفه من مصير محتمل!

ربما يذكر البعض كيف حاول اعلامه في اليوم التالي ان يداري سَوْأته ويغطي على الاصداء المستنِكرة التي بدأت تتردد في كل مكان فراح يثير دخان التمويه ويطلق ضجة أخرى توجه الانظار لتصريحات ادعى انها صادرة عن الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الاسلامي عشية عودته الى تونس من منفاه والتي نشرتها صحيفة «قورينا» الالكترونية المقربة من نجله سيف الاسلام وجاء فيها أنه اشاد بالزعيم معمر القذافي وبدعمه للثورة التونسية التي بدأت تتمثل بعد انتصارها بالنموذج الليبي (كذا!) ، لكن ما كتبته سمية الغنوشي (غير البعيدة عن سياسة والدها) في صحيفة الغارديان البريطانية في اليوم التالي يفند ذاك الادعاء إذ قالت: «الثورة التونسية كانت بمثابة صدمة لكل الحكام الذين ترتعش ابدانهم الآن خوفاً من انتقال عدواها الى شعوبهم» ، وتحدثت عن ضرورة قيام ائتلاف موسع للقوى التي تستطيع تفكيك إرث الحالة الاستبدادية لما بعد الحقبة الكولونياليه فأشارت الى «التحالف الذي تشكل من حزب الشغل الشيوعي بقيادة حمه الحمامي ومن حزب الشعب من اجل الجمهورية الشخصية الكارزماتية المنصف المرزوقي ومن حزب النهضة الذي يقوده والدي راشد الغنوشي، جنباً الى جنب مع النقابيين وناشطي المجتمع المدني» فهل هذا كلام يمت بأي صلة للنموذج المثير للسخرية ؟

وبعد.. إذا كان لابد من كلمة بهذه المناسبة التاريخية حقاً فهي أني لا ارى في سقوط القذافي عبرة للطغاة الآخرين إذ حدث ذلك للكثيرين من قبله وكان آخرهم على الاقل زين العابدين بن علي وحسني مبارك فلم يعتبر كما لن يعتبر باقي المستبدين ممن سيأتي دورهم ولو بعد حين ، ولا اعتقد أن الدرس سوف يستفيد منه اولئك الذين يصدقون الدكتاتور ويسيرون وراءه مخدوعين فلا يبصرون الهاوية حتى يسقطوا فيها.. لكن بعد أن يسقط!
ورق.. آه يا ورق !

بعد أن أمم جمال عبد الناصر قناة السويس عام 1956 جن جنون الدول التي سمت نفسها (( المنتفعة )) من القناة وهي في الواقع المستغلة لها والمتضررة من تأميمها فبدأت بفرض سلسلة من العقوبات على مصر لعل زعيمها (( العنيد )) يتراجع قبل أن تشن عدوانها الثلاثي المعروف الذي شاركت فيه اسرائيل كلا من بريطانيا وفرنسا ! ولقد عانت مصر من الحصار الاقتصادي القاسي لسنوات طويلة ليس فيما يتعلق بالقمح والمواد العديدة التي يمكن أن توجع المصريين بل لقد طال حتى (( الورق ))، نعم ورق الطباعة الذي تحتاجه الصحف والكتب.. بما فيها كتب المدارس بالطبع ! اي أن السعي لتجهيل تلاميذ مصر كان جزءاً من اساليب الغرب ((المتحضر)) لتركيع مصر واجبارها على التراجع عن قرارها الوطني بتأميم القناة وقرارات سياسية أخرى نابعة من إرادتها الحرة المستقلة..

كنا أيامئذ نشهد التقتير في عدد صفحات الجرائد والمجلات وفي تضاؤل عدد الكتب التي تصدرها المطابع المصرية فتمتليء نفوسنا بالحزن والغيظ ونحن الذين تعودنا منها على أهم وأغزر ثقافة عربية غذّت عقولنا، وكنا نغضب ولا نعجب من التمييز الصارخ ضد مصر ونحن نرى بالمقابل صحفاً جديدة وكتباً كثيرة تصدر في الغرب مطبوعةً على أفخر الورق الصقيل طافحةً بما تسعى له الآلة الاعلامية الهائلة من تشكيل عقول الناس في انحاء العالم حسب هواها حتى ينشغلوا بكل انواع السلع الاستهلاكية المستورده وينسوا مصالحهم الحقيقية في التعليم العام المجاني والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي، وكنا نرى في نفس الوقت بعضاً من تلك الصحف والكتب تصدر في لبنان كنقطة انطلاق لنشر الفكر الاستعماري الجديد بأثواب جذابة وبدعم مالي سخي من دول كبرى وبعض دول عربية ايضاً !!

ورغم مرور عقود تغيرت فيها الظروف والاحوال بما في ذلك انبهار البعض بعصر الانفتاح الذي دشنه أنور السادات في مصر وغورباتشوف فيما بعد في الاتحاد السوفيتي فلقد صاحبتْنا عقدةُ (( شح )) الورق تلك في مراحل لاحقة من العمر حتى ضمْمنا اصواتنا - وعن اقتناع كامل - لجماعة الخضر المنادين بالاقتصاد في استهلاكه لأن معظمه مصنوع من (( قتل )) الشجر، وساهمْنا في حملات تطالب بتدويره وتشجيع استعمال البدائل من مصادر غير ضارة بالبيئة، لكننا وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة على الأقل وجدنا بلادنا غارقةً في تيار جارف من السفه في استهلاك الورق على شكل انواع جديدة من المطبوعات والنشرات الاعلانية المصورة والملونة التي يُوزَّع جزء كبير منها مجانا على ابواب المنازل فيضيع اكثره متطايرا في الشوارع أو يلقى به كما هو في حاويات النفايات !

وبعد.. فانا من جيل تألمّ ذات يوم من التقتير في استعمال الورق فكيف لا أتألم الآن وأنا أراه يهدر بلا أدنى ترشيد وتتلف كميات هائلة منه بلا رحمة أو تقدير، وآه.. يا ورق !
لقراء وماسونية جمال الدين الأفغاني!

احتراما لعقل القارئ وقدرته على التفكير وحريته في الاستنتاج اتعمد عند طرحي لبعض المواضيع ألا أقحم عليه رأيا محددا فيها، كما أني احيانا اصطنع الحياد كارهاً حتى يختار بنفسه موقفه المستقل منها فانا أمقت التلقين وإن كنت احتفظ بحقي في الايماء أو التلميح! حدث ذلك في كثير من مقالاتي وكان آخرها عن ماسونية جمال الدين الافغاني حيث تجنبت إبداء وجهة نظري حولها بل تركت ذلك لفطنة القارئ بعد أن أطلعته على لقطات موجزه من قصة الافغاني معها، فلو أنا أعلنت موقفي المنِكر للماسونية فأنني بذلك أدين الرجل الكبير مسبقاً وأدمغهُ بما استقر عنها في اذهان الناس من علاقات سرية مع المحافل الاجنبية بلغت في التاريخ حد الخيانة كما في قصة الضابط الفرنسي درايفوس، أو عن مبادئها غير المعلنه التي تخفي محسوبيةً تتنافى والعدالة المجتمعية أو محاباةً تفسد أحكام القضاء نفسه، ولو أنا أيدت الماسونية فأني أتناقض مع ذاتي وأغمض عينيَّ عما هو معروف وموثق عن بعض اعضائها من زعماء ومسؤولين كبار كانوا بوعي منهم أو بلا وعي، يتعاونون مع الاحتلال البريطاني في مصر أو الفرنسي في لبنان وسوريا ثم فيما بعد مع الصهيونية في فلسطين.

من القراء من لامني على ما سموه غموض موقفي من الماسونية إشفاقاً عليّ وعلى سمعتي من الاشتباه بأني ماسوني فينقم عليّ اعداؤها وهم - كما قالوا - الاكثر بين الناس، ومنهم من شكرني على أني أوضحت هذا الجانب من تاريخ الافغاني بعد أن شرحت كيف سخرَّ اعضاءَ محفله في تنظيم رقابة صارمة على أجهزة الدولة من خلال محاسبة وزاراتها المختلفه وبمباركة من الخديوي سعيد حتى بلغ به الطموح في تحديث مصر وتطويرها نحو الديمقراطية حد المطالبة بالدستور والانتخابات النيابية ما ضاق به المستعمر البريطاني فأوعز بنفيه الى الهند، وربما أنصفتُه بالتساؤل الاخير «من استخدم من ؟».

قارئ معجب بما أكتب وبهذا المقال تحديداً روى لي قصته وكيف حاول البعض اغراءه حين كان طالبا في الجامعة في أميركا للدخول في الماسونية لأنها سوف تفتح له طريق الوصول الى اعلى المناصب عند عودته لبلده لكنه رفض ثم سالني إن كنت قد انتسبت للماسونية مادمت قد أصبحت وزيرا ذات يوم! فأحلته الى ص 103 من مذكراتي «بين الطب والسياسة» حيث رويت قصة اعتقالي عام 1962 «... بعد الافراج عني بايام وكنت مازلت في حالة نفسية سيئة وضعف معنوي لم أعرفه سابقاً زارني صديق قديم أفصح لي بأنه ماسوني ووعدني بمساعدتي على الانضمام الى الحركة الماسونية لان فيها شخصيات ذات نفوذ كبير ومنها فلان وفلان وفلان، يستطيعون اخراجي من هذه الازمة ووعدته بأن ارد عليه بعد أيام لكنني فكرت مليا في الأمر ولم أرد ابداً «..

وبعد.. لم أهتم يوماً بأن أناقش موضوعا كبيراً متشعباً كالماسونية بل حاولت في المقال السابق أن ألمس لمساً خفيفاً قصة الافغاني معها، ولم يكن قصدي الدفاع عن وطنيته أو وطنية سعد زغلول والامام محمد عبده وفارس الخوري والامير عبد القادر الجزائري والعديد غيرهم فالقراء يعرفونهم ويعرفون اكثر مني تاريخهم العظيم.
عن جمال الدين الأفغاني والماسونية!

ليس سهلاً مناقشة «ماسونية» رجل في حجم جمال الدين الافغاني (1838 - 1897) من خلال مقال قصير كهذا لكن تكرار الحديث عنها امامي ثلاث مرات هو ما ألح عليّ كي افعل، كانت الثالثة وهي الاخيرة حين استمعت لمحاضرة عنه قبل أيام للشاعر الاردني سليمان المشيني في المركز المجمعي المسكوني (الكنيسة اللوثرية) استنكر فيها أن تكون له علاقة بالماسونية «لأن اخلاقه ووطنيته وفلسفته العظيمة لا يمكن أن تسمح له بذلك». وكانت الثانية قبل بضعة اسابيع حين شاهدت حلقة في البرنامج الثقافي «عصير الكتب» الذي يقدمه الاديب المصري بلال فضل على قناة D2 وكان موضوعها كتابٌ عن تاريخ الحركة الوطنية المصرية منذ ثورة أحمد عرابي 1882 الى ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول، وقد تحدث مطولاً مع ضيفه الشاعر شعبان يوسف باسهاب وإعجاب عن جمال الدين الافغاني ودوره الفكري الثوري الرائد، لكنهما مرا على ماسونيته مرور الكرام ! أما الأولى والأهم فكانت قبل بضعة شهور حين قرأت في «احاديث الثلاثاء - كلمات لمثقفين عراقيين» بحثاً مطولاً عن «الماسونية في البلاد العربية» بقلم نجدة فتحي صفوة وفي جزء منه دخول هذا المصلح الكبير في الحركة الماسونية إذ انتسب للمحفل المصري (كوكب الشرق) التابع للمحفل الاعظم الإنجليزي في عام 1875 وطلب انتسابه محفوظ في مكتبة البرلمان الايراني «... ارجو من اخوان الصفا وأستدعي من خلاّن الوفا أعني ارباب المجمع المقدس الماسون، الذي هو عن الخلل مطهر، أن يمنوا علي ويتفضلوا إليَّ بقبولي في سلك المنخرطين في ذلك المنتدى المفتخر...» ثم اخذ يرتقي في مراتب الماسونية سريعاً حتى وصل بعد ثلاثة اعوام الى مرتبة الرئاسة، ويتابع نجدة صفوة: وكان الافغاني في بداية اقامته في مصر بعيداً عن السياسه، يتجنب خوضها في احاديثه التي اقتصرها على شؤون الاصلاح الديني والاجتماعي ولكنه اخذ يتحول عن هذا الموقف تدريجياً مما ادى الى ظهور خلاف بينه وبين اعضاء المحفل فقد قال له احدهم: إن الماسونية لا دخل لها في السياسة وإننا نخشى على محفلنا هذا من بأس الحكومة وبطشها، فرد عليه الافغاني قائلاً: «كنت أنتظر أن أسمع وأرى في مصر كل غريبة وعجيبة، ولكني ما كنت أتخيل أن الجبن يمكنه أن يدخل من بين اسطوانتي المحافل الماسونية... أول ما شوّقني للعمل في بناية الاحرار (يريد الماسون) عنوانٌ كبيرٌ خطير: حرية، مساواة، إخاء، غرضه منفعة الانسان، سعيٌ وراء دك صروح الظلم، تشييدُ معالم العدل المطلق، ولكن مع الاسف ارى جراثيم الأثرة، والأنانية، وحب الرئاسة، والعمل من جماعات بمقتضى اهوائهم وغير ذلك من الأمور التي ما تأسست الماسونية الحرة إلا لملاشاتها...»، وعلى إثر هذا الخطاب انسحب الافغاني من المحفل لكنه لم ينسحب من الماسونية بل أسس محفلاً جديداً برئاسته وجعله تابعا «للشرق الأعظم الفرنسي» وانضم اليه اصحابه وتلاميذه ونجح المحفل الجديد نجاحاً فائقاً وبلغ عدد أعضائه ثلاثمائة وكانوا جميعاً من المفكرين والعلماء والوجهاء، وأصبح الأفغاني شخصية سياسية لها وزنها واخذ يكتب في الصحف ويخطب في الجماهير ثم الفّ حزبا سياسيا باسم «الحزب الوطني الحر» وكان له دور كبير في تنحية الخديوي اسماعيل عن الحكم وتنصيب توفيق خديويا مكانه، وكان هذا ماسونيا ورئيس شرف للمحافل الماسونية، كما كان محباً للافغاني معجبا بأفكاره ولذلك شعر هذا في عهده كأن الدولة المصرية كلها اصبحت طوع يده فاخذ يوجه اعضاء محفله نحو العمل الجدي لاصلاح الجهاز الحكومي فجعلهم عدة فئات واناط بكل فئة منهم مراقبة الدوائر في وزارة من الوزارات إحداها للحقانية وأخرى للمالية وثالثة للاشغال ورابعة للجهادية وهكذا، ثم تتصل كل منها بالوزير المختص وتبلغه بآرائها ومطالبها بأسلوب حازم صريح. ولم يكتف الأفغاني بذلك بل صار يطالب بالدستور وبإقامة نظام نيابي في مصر مما أدى إلى نشوب الخلاف بينه وبين الخديوي توفيق الذي حاول حمله على الكف عن هذه الدعوة، فلما أخفق في ذلك نفاه من مصر، إذ أُلقي القبض عليه في ليلة 26 أغسطس «آب» سنة 1879 ونُقل إلى باخرة كانت في طريقها الى الهند. ويقول الدكتور سامي عزيز: «يلاحظ من دراسة تاريخ الأفغاني أن الإنجليز سكتوا عنه وهو في مصر طالما كان عضوا في الماسونية الانجليزية ولكنه عندما خرج عليها وأنشأ المحفل التابع للشرق الفرنسي وأخذا يهاجم سياسة بريطانيا، عندئذ أشاروا على توفيق بضرورة التخلص منه».

وبعد.. ففي معرض الحديث عن ماسونية جمال الدين الافغاني وهل استخدمها أم استخدمته، نتذكر كثيرين سواه ممن احترمنا، ومازلنا، تاريخهم الفكري والنضالي أمثال الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وسعد الله الجابري وفارس الخوري والامير المجاهد عبد القادر الجزائري فاستغربنا انضمامهم للماسونية، رغم معرفتهم بالفتاوى الدينية الاسلامية ضدها وموقف الكنيسة الكاثوليكية الرافض لها ثم الآراء السياسية والفلسفية التي تناهضها.
ليتكم كنتم معنا.. في السلط!

حول العالم.. لم يتوقف الحديث عن المفاعلات النووية منذ حادث فوكوشيما المروّع الذي خلع قلوب الناس في كل مكان إلا قلوب المتاجرين بتسويقها وبنائها من اصحاب الشركات المختصه (اريفا مثلاً) أو حكوماتها أو وكلائها ! واليابان نفسها مازالت في حالة الصدمة القصوى تغرق في احزانها وتضمد جراحها وهي تعمل المستحيل لدرء اخطار الاشعاعات المهددة لحياة البشر والشجر واسماك البحر وتواسي وتؤوي مئات الألوف من المهجرين والنازحين من منطقة الكارثة، ولا تدري كيف ترد على ملايين الاصوات المطالبة بوقف المفاعلات عن العمل والتوقف عن انشاء المزيد منها، وعلى الجانب الآخر تقف دول أوروبا مشدوهة مترددة فيما إذا كانت ستحذو حذو ألمانيا التي حزمت أمرها استجابة لضغط شعبي لم يتوقف منذ عشر سنوات، فقررت مؤخراً (أيار 2011) وبعد الدرس القاسي في فوكوشيما أن تغلق ما تبقى من مفاعلاتها النووية قبل عام 2022 وألا تبني أي مفاعل جديد وأن تلتفت بكل قوتها الى الطاقة البديله في الشمس والرياح وسواها.. وحتى فرنسا الاكثر استخداماً لهذه المفاعلات بين دول اوروبا تشهد كذلك جدلاً ساخنا واسعاً فقد كتب ستيفان لوم رئيس المرصد النووي الفرنسي في لوموند 31 /5 /2011 مقالاً فضح إدعاء الحكومة الفرنسية بان الطاقة النووية ضرورية لكي توفر للمستهلكين كهرباء رخيصة حين أكد أن اثنا عشر بلداً من اعضاء الاتحاد الاوروبي ينعمون بكهرباء ارخص دون استخدام الطاقة النووية ! وأضاف «لقد قررت شركة الكهرباء الفرنسية رصد مبلغ 600 مليون يورو لصيانة كل مفاعل ما يعني أن 58 مفاعلا نوويا سوف تحتاج لـ 35 مليار يورو لذلك فان الاستمرار في استعمال الطاقة النووية سيكلفنا أكثر بكثير من الاستغناء عنها ناهيك عن التكاليف الاضافية للتخلص من النفايات المشعة».

وفي خبر لرويتر في 9 /7 /2011 أن استطلاعاً للرأي أظهر ان ثلاثة ارباع الفرنسيين يريدون التخلي عن الطاقة النووية مقابل 22 % يساندون برنامج توسيعها وقد أعلن وزير الطاقة اريك بيسون في اذاعة اوروبا-1 أن التخلي التام عن انتاج الطاقة النووية هو من الخيارات المطروحة.

أما عندنا فالصورة مختلفة تماماً ففي محاضرة له في منتدى شومان الثقافي 4 /7 /2011 ظهر وزير الطاقة د. خالد طوقان متحمساً لمشروع انشاء مفاعل نووي في الاردن رغم كل التوجه العالمي المعاكس ورغم معارضة العديد من الكتاب والخبراء الاردنيين ورغم مظاهرات الاحتجاج التي نظمها ناشطو البيئة ورغم رفض سكان محافظة المفرق لبنائه في اراضيهم، وفي تعقيب قصير عليه قلت ان مقابل كل المعلومات والآراء التي ذكرها المحاضر الكريم هناك معلومات وآراء تخالفها وتدحضها تماماً لكن ضيق الوقت لا يسمح بشرحها وقلت إن اللافت للنظر أنه أغفل مشكلة التخلص من النفايات النووية باخطارها الجمه كما تعمد الاستخفاف بالطاقة الشمسية البديلة وهي النظيفة الرخيصه. ومن جهة أخرى عُقدت في 5 /7 /2011 بجامعة البلقاء التطبيقية في السلط ((ندوة صناعة الطاقة النووية في الاردن)) بدعوة من رئيسها الدكتور اخليف الطراونة وقد أدارها بمهنية عالية الدكتور عبدالله الزعبي نائب الرئيس لشؤون المراكز العلمية حيث قدّم اوراق البحث وشارك في النقاش نفرٌ من أهل العلم والاختصاص وبعض المهتمين هم: الدكتور كمال الأعرج رئيس هيئة الطاقة الذرية بالوكالة والدكتور نضال الزعبي مفوض دورة الوقود النووي في هيئة الطاقة الذرية والدكتور جمال شرف رئيس هيئة تنظيم العمل الإشعاعي والنووي والدكتور سائد دبابنة نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة والنائب المهندس جمال قموه رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب والدكتور فخر الدين الداغستاني مدير الشركة الأردنية لمصادر الطاقة والدكتور كمال خضير مدير التخطيط ومواقع المفاعلات النووية سابقاً في هيئة الطاقة الذرية والسيد بهجت العدوان نقيب الجيولوجيين والمهندس رؤوف الدباس مستشار معالي وزير البيئة والصيدلي باسل برقان الناشط البيئي والدكتور صلاح الدين الملكاوي من جامعة العلوم والتكنولوجيا والدكتور ياسين الحسبان من جامعة الحسين والمهندس مصطفى الواكد والدكتور عبد الحفيظ الهروط والسيد مشهور أبو عبيد وكاتب هذه السطور. وبعد حوار موضوعي استغرق اربع ساعات واتسم باحترام الرأي والرأي الآخر ((أوصى المشاركون في الختام بضرورة التوقف عن السير ببناء المفاعلات النووية لحين اجراء مراجعة شاملة للبرنامج النووي الاردني بدءاً باستكشاف اليورانيوم واختيار الموقع واختيار التكنولوجيا والجدوى الاقتصادية للمشروع بالكامل وعدم التسرع في اتخاذ القرارات أٌحادية النظرة)).

وبعد.. أعرفتم الآن لماذا العنوان: ليتكم كنتم معنا.. في السلط !
ما زال السؤال.. من يملك الصحيفة؟

«في جلسة نادرة كأنها ندوة فكرية طال التحضير لها، دار النقاش الهادئ حول الصحافة في بلدنا، دورها ووظيفتها، علاقتها بالوطن والحكومة والشعب، حدودها وحقوقها وواجباتها.. وكان هناك هجوم وكان هناك دفاع، كانت هناك مفاهيم مثالية عن حرية الصحافة وكان هناك توضيح واقعي للحدود التي على الصحافة الا تتعداها.. كان هناك كلام كثير عن الصحافة الرسمية»المقولبة» والصحافة الشعبية المتحررة من كل القيود، كان هناك نقاش حول الاخطاء التي تقع فيها الصحيفة والعقوبات التي تصدر بحقها، من المسؤول عن الاخطاء ومن المسؤول عن حجم العقوبة؟ من الذي يحاسب ومن الذي يعاقب؟ من يحمي الصحيفة من حكم جائر ومن يحمي أمن الوطن من صحيفة تزعزع ثقة المواطن؟ وتشعّب الحديث حتى كاد ان يتوه في التفاصيل الصغيرة التي لا معنى لها ولا جدوى وراءها، وعادت الامور الى نصابها حينما طُرح السؤال الكبير: من يُصدر الصحيفة؟ من يملكها ويدير فعلا تحريرها؟ وبالاجابة على هذا السؤال يمكن تفسير الحرية الصحفية في مختلف البلدان وتطبيقه على مختلف الصحف في العالم..

هناك ثلاثة انواع من الصحف في العالم:

صحف تصدرها حكومات باسم الحزب الواحد كما في الدول الاشتراكية وبعض الدول العربية.

صحف تصدرها الاحزاب السياسية في البلاد المتعددة الاحزاب كما في ايطاليا وفرنسا وبريطانيا.

صحف تصدرها مؤسسات صحفية كبيرة»وهي في الاصل شركات تجارية مالية ضخمة» كما في امريكا وغيرها..

وانطلاقا من هذا التصنيف يمكن تطبيق معادلة الحرية الصحفية وتفسيرها بطريقة عملية مادية لا ظل فيها للمثاليات والشعارات. ففي النوع الاول ليست هناك حرية صحافة بالمعنى الليبرالي المجرد، وانما الصحف خادمة لكل اهداف ومبادئ الحزب أو الحكومة التي يفترض فيها انها تخدم مصالح الشعب. وفي النوع الثاني يكون التزام الصحيفة بمبادئ الحزب الذي تمثله وتعبر عن اهدافه هو ما يحكم سياستها ونوع مقالاتها وتعليقاتها، ويكون الحزب هو المسؤول عن اخطائها ومعاقبة المخطئين فيها، وحتى في هذا النوع من الصحافة ليست هناك حرية مطلقة تجاه الوطن وأمن الدولة، بل هناك قيود غير مرئية تخضع لها جميع الصحف مهما تعددت ألوانها وتنوعت مبادئ احزابها.. أما في النوع الثالث حيث الصحف تصدرها المؤسسات الصحفية المالية الكبرى فالتزام الصحيفة أمر تلقائي نحو المؤسسة التي تصدرها كما أنها مرتبطة بمؤسسات مالية اخرى ذات نفوذ كبير كشركات الدعاية والاعلان.. وتحرير هذه الصحف يتحرك حركة واسعة في خدمة الطبقة التي تملكها، والحرية فيها تبعا لذلك فضفاضة حتى لتكاد تطمس كل الحريات الحقيقية للفئات والطبقات الاخرى، وهذه المؤسسات الصحفية فوق ذلك تنتمي في جوهرها للنظام الحاكم.. اذن فهي وبرغم كل مظاهر الحرية تبقى»مقيدة» بمبادئ الطبقة الحاكمة في مجتمعها.

وبعد.. فهل هذه كل انواع الصحف في العالم؟ الواقع ان هناك انواعا صغيرة اخرى كثيرة لا تدخل في هذه الابواب التي عددتها، ولا يهمنا هنا منها الا نوعان نعرفهما وينبغي لنا ان نحللهما:

النوع الاول.. صحافة لبنان التي كانت تصدر في جو غير طبيعي من الحريات ربما كان سببه الحقيقي»غيبة الدولة»، وكان وراء معظم تلك الصحف سفارات او جهات أجنبية أو احزاب سياسية ليست بلا ارتباطات خارجية.

والنوع الثاني.. في الاردن، صحف قليلة معروفة يملكها ويصدرها شخص أو بضعة اشخاص ( الى ان صدرت»الشعب».. التي تملكها شركة يساهم فيها اكثر من الف مواطن.. ) هذه الصحف في بلدنا تمثل من ياترى؟ ما الذي يحكم سياستها ومن الذي يرسم لها الطريق؟ هل تتحكم فيها عوامل الربح والخسارة.. أم تندفع فقط وبطريقة مثالية في خدمة الاهداف الوطنية الكبرى والمبادئ الانسانية السامية؟ هل يلتزم محرروها بسياسة الحكومة ام بمطالب الناس ام باجتهاداتهم الشخصية؟ هل ترتبط كل صحيفة بسياسة معينة تخدمها ولا تحيد عنها أم انها تميل مع الريح وتتجاوب مع الظروف؟!

ان الجريدة التي يملكها شخص او بضعة اشخاص، كل محرريها مجندون للكتابة فيما يرضي هذا المالك، وقد يكون صاحب فكر سياسي معين لا يتفق مع افكارهم ومبادئهم، اذن فالحرية الصحفية هنا تحدها رقابة المالك قبل ان تصل حدود الرقابة الحكومية!

والمالك يهمه بالدرجة الاولى الا تتوقف جريدته عن الصدور، لذلك يجد نفسه في كثير من الحالات يحابي الجانب الرسمي-ربما دون اقتناع-حتى لا يتعرض للخسارة المالية، ومن جهة اخرى سيجد نفسه مضطراً في كثير من الاحيان لمسايرة افكار سياسية حتى لو كان في قرارة نفسه يمقتها جريا وراء مزيد من التوزيع ومزيد من الربح وطلبا للتفوق في المنافسة مع باقي الصحف، ومع ذلك فان اقلاما شجاعة تُفلت بين الحين والاخر من بين كل القيود لتسجل صفحات ناصعة في تاريخ الصحافة ويتحمل اصحابها في سبيل ذلك المنع والقمع..».

وبعد.. فهذا مقال كتبتُه في جريدة»الشعب» قبل خمس وثلاثين سنة (10 آب 1976) عن حديث دار على عشاء اقامه صديق وشارك فيه زيد الرفاعي ( بعد استقالته من رئاسة الحكومة ) وسليمان عرار ومحمد البشير ( وزيرا الداخلية والصحة في الحكومة الجديدة التي شكلها مضر بدران ) وكاتب هذه السطور، ولقد خطر لي استعادته بعد أن سمعت مؤخراً عن احتمال بيع إحدى صحفنا اليومية والخوف من تخلي ((المشتري)) عن مبدأ «الفصل بين ادارة تحرير الجريدة وصاحب رأس المال»! فهل سلّطتُ بذلك بعض ضوءٍ «قديم» على.. مشكلة»جديدة»!؟.

السبت، 23 يوليو 2011

‏30 /6 /2011‏

دومنيك ستروس – كان .. الوجه الآخر !‏
د. زيد حمزه

لست معنيا بالفضيحة الجنسية التي أسقطت الفرنسي دومنيك ستروس – كان عن ‏عرش أكبر مؤسسة مالية واقتصادية في العالم هي صندوق النقد الدولي ، ففي الدول الغربية ‏التي قطعت أشواطاً شاسعة في ابتعادها عن النظر الى الممارسات الجنسية على أنها خطايا ‏أخلاقية كما تفعل بلاد أخرى محافظة ، لا يمكن التصديق بأن القصد من الفضيحة تلطيخ ‏سمعة الرجل لدى عائلته ومجتمعه بل أمر آخر أخطر وأكبر كَشَفَ عنه مايك ويتني ‏Mike Whitney‏ في مقال له في‏I.C.H. ‎‏ بتاريخ 15 /5 /2011 إذ قال: هناك رائحة ‏مشبوهة تنبعث من قصة شتروس – كان لأن للرجل اعداءاً كثيرين كأولئك الذين ينافسهم على ‏منصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة عن الحزب الاشتراكي الفرنسي ومن بينهم ‏ساركوزي ، والأهم منهم أولئك الذين يشكلون أئتلاف البنوك الغربية وقد دأبوا عبر قرنين من ‏الزمان على تحقيق مصالحهم الجشعه بتطبيق سياسة مالية تمتعت في العقود الاخيرة بحماية ‏صندوق النقد الدولي وهبطت بالغالبية العظمى الى مستويات سحيقة من الفقر واليأس، وقد ‏فوجئوا بالسيد ستروس – كان أخيراً يحيد بالصندوق عن الخط المرسوم له في السياسة ‏الليبرالية المالية المتحررة من القيود والمنفلتة من الضوابط لانها في نظره ونظر العالِم ‏الاقتصادي الكبير المؤيد له جوزيف ستيغلتز ‏Joseph Stiglitz‏ غير منتجة كما يُزعم ، ‏وتفتقر تماما للكفاءة والاستقرار وكانت السبب الاول للازمة المالية العالمية التي أنفجرت في ‏صيف 2008.‏
ويقول ويتني : لقد حاول سترواس – كان أن يوجه الصندوق اتجاها ايجابيا جديداً لا ‏يؤدي بالحكومات الى التخلي عن سيادتها لتصبح اقتصاداتها مرتعاً لرأس المال الاجنبي الذي ‏يدخل البلاد بسرعة فيرفع الاسعار ويخلق شركات الفقاعات المالية ثم ينسحب بارباحه مخلفاً ‏وراءه كارثة البطالة والمصانع المعطلة والركود العميق .. كما بدأ ستروس – كان بارساء ‏خطة جديدة للصندوق لا يجبر بها تلك الحكومات على خصخصة الصناعات والمؤسسات ‏الخدمية التي تملكها الدوله كما كان يحدث في الماضي ، ولا يشترط عليها (( سحق )) النقابات ‏العمالية أو تخريبها من الداخل .. وقد قال في محاضرة له مؤخراً في معهد بروكنغ : (( إن ‏جوهر وظيفة الصندوق توفير العمالة وتحقيق العدالة فهما حجرا الأساس في الاقتصاد ‏المزدهر والاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي )) كما دعا في محاضرته في جامعة جورج ‏واشنطن في أول أيار 2011 الى إعادة النظر في العولمة التي عمقت الفجوة بين الاغنياء ‏والفقراء وإلى ضرورة توزيع الدخل على اساس تنظيم جديد للشركات المالية وهو كلام خطير ‏يعني أن رئيس الصندوق بدأ يخطط لاعادة توزيع الثروة ( يا للهول ! ) فهل يمكن أن يرضى ‏كبار رجال الاعمال بمثل هذا الكلام ؟ والى متى يصبرون عليه قبل أن يرسلوه في اجازة ‏ابدية ؟.. وهنا أيضاً قال ستغلتز: أراهن أنهم لن يصبروا طويلاً بعدما أصبح ستروس – كان ‏عبئا ثقيلا وعائقاً مزعجاً ينبغي التخلص منه ولو بطريقة خسيسة فقد خرج عن الخط المرسوم ‏وغامر بدخول المنطقة المحظورة ولا بد من سحقه كالحشرة بعد أن وقّع على شهادة وفاته ‏بيده !! ‏
ويُنهي الكاتب مايك ويتني كلامه بالتساؤل : هل كان هذا الرجل المعروف بحكمته ‏وحصافته ساذجاً لكي يعتقد أن ملوك البنوك وأصحاب الشركات الكبرى المتمتعين بحماية ‏الصندوق في نهبهم لثروات العالم وتحقيق المزيد من الارباح ولو على حساب فقرٍ أعم وأعمق ‏لكل الآخرين يمكن أن يرحبوا بسياسته الجديدة ويصبحوا فجأةً أصحاب ضمائر رحيمة يمدون ‏اليد لمساعدة الانسانية المعذبه ؟ (( يا ناس )) أفيقوا على الحقيقة والواقع .. ‏
وبعد .. أفلا يذكرّنا هذا المقال بما فعله بنا صندوق النقد الدولي وتوأمه البنك الدولي ‏وما تعانيه اليوم جراء ذلك من مديونية خانقه وعجز خطير في الموازنه ؟ ‏
‏ ‏
‏25 / 6 /2011 ‏

‏(( الرواية )) وراء كل هذا ! ‏
د . زيد حمزه

ذات يوم بعيد يُداني الخمسين عاماً كنت أجلس بين يدي المحقق وهو يفاجئني بطلقات ‏من الأسئلة التي لم أدرك حينئذٍ كنه بعضها .. واحد منها عجبتُ له كثيراً: ماذا تعرف عن ‏قاسم الريماوي ؟ تُرى .. من أنا القابع في زنزانة حتى أعرف عن هذا الرجل الذي كان يومها ‏في سدة الحكم وزيراً للزراعة بجانب رئيسه وصفي التل وانا طبيب شاب لم أعد من رحلة ‏الاختصاص في بريطانيا إلا منذ أسابيع قليلة ولم أره في حياتي إلا على صفحات الجرائد ؟! ‏وبدأتُ مع الساعات الطويلة للتحقيق وعلى مدى تسعة عشر يوماً أستنتج أن كثيراً من الأسئلة ‏التي تبدو لي غريبة شاذه يمكن أن تتجمع اجاباتها لتشكل في النهاية مخزوناً من المعرفة لا ‏عن قضية محدده بل عن قضايا أخرى تتفكك أسرارها شيئاً فشيئاً بفضل تلك المعلومات ‏المتنوعة الآتية من هذا التحقيق أو ذاك مع معتقل ما أو اكثر وحسب الأساليب (( الحديثه )) ‏التي جاء بها إذ ذاك الخبير الألماني الذي لم ألتق به وإن أدركت للتو أن تلامذته أصبحوا على ‏درجة جيدة من الكفاءه ..! ‏
غابت عن حياتي تلك القصة القديمة وقد توارت بين صفحات ذاكرتي وسط آلاف ‏القصص الأخرى الهامة وغير الهامة، إلى أن قفز أمام ناظري قبل أيام اسم قاسم الريماوي ‏وأنا أقرأ رواية سحر خليفة (( حبي الأول )) المنشورة في 2010 وهي تتحدث عن عبد القادر ‏الحسيني قائد الجهاد المقدس الذي استشهد في القسطل في السادس من نيسان 1948 وتستلهم ‏بعض الحوارات من (( مخطوط عبد القادر الحسيني 1950، بقلم قاسم الريماوي أمين سر ‏الجهاد المقدس )) أي أن أربعة عشر عاماً قد انقضت بين ما كانه أمين سر الجهاد المقدس ‏مساعداً لذلك القائد الثوري حتى أصبح وزيراً للزراعة في حكومة وصفي التل وأُسألُ أنا عنه ‏اثناء التحقيق معي عام 1962 ! فهل اشغل نفسي اليوم بالتنقيب عن تلك العلاقة التي لا بد ‏يعرفها سواي من الذين كتبوا تاريخ وصفي وذلك الجزء من حياته مع الثوار الفلسطينيين ؟ ‏أما أن الأفضل أن أخرج بكم وبنفسي من هذه الحلقة السوداء بأسئلتها المرهِقة، فاتوجه قليلا ‏للذين استغربوا أن يكون وراء حديثي كله روايةٌ قرأتها فاعجبتني وأثارت شجوني كي أقول ‏لهم ولسواهم من الذين لم يولعوا بعد مثلي بهذا النوع من الادب كيف اكتشفتُ بانبهار شديد أن ‏الرواية الجيدة فن عظيم يستطيع المبدعون فيه ( أو المبدعات وقد تفوّقن إذ اسهمن في التيار ‏العريض لحركة تحرير المرأة ) أن يحملونا على اجنحة الخيال الجميل ونحن في كامل وعينا ‏ثم أن يهبطوا بنا الى عوالم الحقيقة فنتعرف على تاريخ المجتمعات لا التاريخ الذي وضعه لنا ‏كتاب السلاطين أو نستخلص من الفلسفات روح المحبة وجوهر الحكمة أو ننفعل باحداثٍ ‏سياسية لم تهتم بها الصحف أو نخوض في أعماق بعض النفوس البشرية وكأننا شاركنا في ‏تحليلها أو نتعاطف مع المعتقدات الدينية الأخرى حتى لو كانت مخالفة لما نؤمن به أو تدهشنا ‏التجارب الجنسية بصدقها الذي يتماهى مع الطبيعة الانسانية، كل ذلك ونحن نستمتع ايما ‏استمتاع بلغة ثرّة زاهية الألوان .. بليغة .‏
وبعد .. لعلها فرصتي للبوح والتعبير عن ندمي على سنين ضاعت من عمري لم أقرأ ‏فيها الرواية فأردد مستعيراً من عمر الخيام: ( ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن ) ‏أحظى بمتعتها وأشتاقَ دوماً للمزيد . ‏
‏ ‏
‏16 / 6 /2011‏
اختلاف الآراء في موضوعة الأسماء !‏
د . زيد حمزه ‏

عادةً ما يخضع اختيار اسم المولود في مجتمعاتنا، ذكراً أم أنثى ، لجدل عائلي هادئ ‏في جو من السعادة والاستبشار وصاحب العلاقة بالطبع لا يستشار ! لكنه حين يعي بعض ‏حقائق الحياة ومن بينها اسمه ( وقد لا يعجبه ) لا يعلم إن كان يملك حق الاعتراض عليه ‏واستبداله بآخر يليق به، وحين يكبر ويتجرأ على مناقشة اسمه الثلاثي أو الرباعي الذي ‏تفرضه قوانين الاحوال المدنية ويتفهم ضرورته لاغراض التوثيق وأهميته لحفظ الحقوق ‏ويقبل حتى بدواعيه الأمنية فانه ربما يتساءل عن مدى عدالة الطريقة المتبعة ( هنا وفي أكثر ‏الدول ) في اقتصار الاسم الثاني على الوالد وتغييب اسم الوالده تماماً مع أنها – ولا داعي ‏للشرح – الأدقٌ نسباً كي يحمل الوليد اسمها، وقد يتساءل أيضاً لماذا ينتهي الاسم بعائلة الأب ‏لا عائلة الأم وقد تكون أكثر تشريفاً لو كان ذلك هو المقصود، علماً بأن الاسماء في دول ‏أميركا اللاتينية تنتهي باسم عائلة الأم ( بعد أسم عائلة الأب )، وربما يدخل كذلك في الجدل ‏الذي لا ينقطع حول محاسن ومساوئ الانتساب لاسم العشيرة وليس اسم الجد فقط حيث يقال ‏ان أسم العشيرة شرف لا يجوز التخلي عنه رغم أنه قد يمنح صاحبه تميزاً لا يستحقه أو ‏يؤدي الى تمييز ضده بلا ذنب جناه، وكلاهما يتعارض مع اسس دولة القانون والمواطنه، ‏ورغم ما نتغنى به في ديوان العرب من مثل: لا تقل أصلي وفصلي / إنما أصل الفتى ما قد ‏فعل أو: ليس الفتى من قال كان أبي / إن الفتى من قال ها أنذا ! ‏
يختلف الناس في الاجابة على هذه التساؤلات أو الاعتراضات فمنهم من يحيلنا الى ‏الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1999 لعل فيها ما يسمح له بعد أن يشب عن الطوق (18 ‏سنه) أن يطلب تغيير اسمه ، ومنهم من يذكّرنا بأن بعض الحكومات اضطرت تحت ضغط ‏الأمر الواقع أن تعترف بما يُدعى (( اسم الشهرة )) وأن تَفرد له خانة خاصة في البطاقة ‏الشخصية بالاضافة الى خانة الاسم القانوني ( الثلاثي أو الرباعي )، واسم الشهرة هذا – لمن ‏لا يعلم – قد يكون فقط الاسم الأول إذا كان مركَّبا كمحمد صلاح الدين أبرز وزير خارجية ‏مصري في العهد الملكي وكان اسم اخيه يوسف عز الدين مخرج أول فلم ديني مصري ‏‏( فجر الاسلام ) وكالكاتب السياسي الكبير احمد بهاء الدين ، وفي كل هذه الحالات ليس هناك ‏ذكر لاسم الاب أو الجد أو العائله، وقد يختار اسمَ الشهره صاحبُه أو يطلقه عليه اهله تحبُّباً ‏فيشيع أو يناديه به اهل حارته أو قريته أو اقرانه في المدرسة أو الجامعه أو العمل فيصبح مع ‏الوقت اسمه الوحيد المستعمل، ومن الأمثلة نجوم السينما المشهورون: تحية كاريوكا، سعاد ‏حسني، نادية لطفي، عبد الحليم حافظ، عمر الشريف، وكثير من المصريين لا يستعملون إلا ‏اسمهم الأول مضافاً له اسم الاب كالزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي لم يستعمل قط ‏اسم جده حسين ولا ادّعى باسم عائلة كبيره وسعد زغلول ليست عشيرته الزغاليل، وكذا طه ‏حسين واحمد شوقي وحافظ ابراهيم، كما يكثر في مصر الانتساب لاسم المدينة أو القرية أو ‏المحافظه كالشرقاوي والطنطاوي والقناوي والاسواني والبهجوري والابنودي واصحاب كل ‏منها لا تجمعهم بالضرورة أي قرابة .‏
وما دامت (( سيره وانفتحت )) فالحديث عن (( موضوعة )) التسمية والأسماء لا بد أن ‏يتطرق للظلم الذي يحيق بالمرأة بعد زواجها حين تفقد اسم أبيها وعائلته وتتبع اسم زوجها ‏وعائلته طبقاً للقاعدة السائدة في كثير من دول العالم خاصة الغربية منها، لكننا في الاردن ‏تمردنا عليها منذ سنوات وأعدنا للزوجة في البطاقة الشخصية اسمها الاصلي واسم أبيها ‏وعائلته ولا ذكر قط لاسم الزوج ! ‏
وبعد .. فعلى السطح يبدو الأمر قليل الأهمية وهو في العمق ذو قيمة أنسانية تستحق ‏الطرح والبحث، لكن وحتى لا يتشعب بنا الحديث فندخل (( مناطق )) اجتماعية أكثر حساسية ‏فاننا – في مساحة المقال – نكتفي بهذا القدر من اختلاف الآراء حول الأسماء لعله يثير التأمل ‏والتفكير لا الغضب والتعكير ! ‏
‏9 /6 / 2011 ‏

من فيرمونت الى مؤسسة الضمان الاجتماعي ‏
د . زيد حمزه ‏

كلما غبت قليلا عن الكتابة في القضايا الصحية تحاشياً لشبهة الانحياز لمهنتي اجد ‏نفسي أمام جديدٍ مثير لا يحتمل التغاضي وآخر ما وصلني بهذا الشأن نبأ توقيع بيتر شوملن ‏Peter Shumlin ‎‏ حاكم ولاية فيرمونت يوم الخميس 26/5 /2011 على قانون يجعلها اول ‏ولاية في اميركا تطبق التأمين الصحي على مبدأ ((الدافع الواحد)) ‏Single Payer‏ الذي يوفر ‏للمواطنين تغطية شاملة، وقد قال في حفل التوقيع (( لقد استغرقَنا ذلك وقتاً طويلاً لكنا حصلنا ‏في النهاية على النظام الأفضل في العالم حيث الرعاية الصحية حق لامنّّة وحيث تُنفق اموالنا ‏على جعل مواطني فيرمونت أحسنَ صحةً لا على جعل شركات التأمين أكثر ربحاً !)). ‏
صحيح أن فيرمونت هذه ولاية صغيرة فترتيبها الخامسة والاربعون بين الولايات من ‏حيث المساحة (24900 كم2 ) والتاسعة والاربعون من حيث السكان (600 ألف نسمه) لكنها ‏استطاعت وحدها أن تخرق الحصار الذي فرضته شركات التأمين وحلفاؤها في الكونغرس ‏على الرئيس أوباما وأدى الى تقزيم مشروعه الصحي القائم على مبدأ ((الدافع الواحد)) حسبما ‏وعد ناخبيه ! ‏
ما يغيظ الاميركيين المنتظرين من أيام الرئيس هاري ترومان ( 1945 – 1953 ) ‏هو فشلهم في الحصول على نظام تأمين صحي شامل في حين نجحت اوروبا بانظمة تختلف ‏عن بعضها لكنها تنطلق جميعها من مبدأ العدالة الاجتماعية وحق المواطن الأساسي في ‏الرعاية الصحية، فتاريخياً استطاعت الدول الاسكندنافيه منذ أكثر من مائة عام تحقيق هذه ‏الأنظمه وتطويرها، وبريطانيا فعلت ذلك قبل ثلاثة وستين عاماً، والاشد إثارةً لغيرة وحسد ‏الاميركيين أن جارتهم الشمالية كندا – وهي الأقل غنىً – استطاعت منذ ثمانينات القرن ‏الماضي انجاز مشروعها الاكثر سخاء مع المواطنين ! ‏
وماذا عن الاردن ؟ لدينا نظام صحي مختلف لكنه حقق شمولاً في توفير الخدمات ‏الصحية لكل المواطنين بدرجات متفاوتة، ولم تقصّر الدولة يوماً في رصد المخصصات ‏اللازمة له من خلال وزارة الصحه والخدمات الطبية الملكية حتى وصلت بها الى اكثر من ‏‏10% من الميزانية العامه وهو مالا تحلم به أي دولة من دول العالم الثالث بل تتمناه بعض ‏الدول الاوروبية، لكن المشكلة عندنا هي أن وزارة الصحة مثقلةٌ بالعبء الاكبر إذ بالاضافة ‏لموظفيها وعائلاتهم والمواطنين الفقراء فانها تقدم خدماتها المدعومة أي شبه المجانية للعاملين ‏في القطاع الخاص الذين يُفترض بمؤسسة الضمان الاجتماعي أن تتحمل مسؤوليتهم وتنشيء ‏لهم مشروعاً للتأمين الصحي حسب نص المادة 3 /أ /4 من قانونها لعام 1978 ، لكنها لم ‏تفعل وظلت منذ بدأت عملها تماطل وتماطل حتى قيّض الله لها قبل بضع سنوات مديراً واعيا ‏أدرك أهمية المشروع وطنياً واستطاع أن يقنع اصحاب العمل بأنهم المستفيدون على المدى ‏المتوسط والبعيد فحين يكون عمالهم بصحة جيدة ومطمئنين نفسياً على صحة عائلاتهم ‏المشمولين معهم بالتأمين فان الانتاج يزيد وتبعاً لذلك تزيد ارباحهم من شركاتهم ومصانعهم ، ‏ثم ذهب المدير فغاب المشروع ! ‏
وبعد .. في أميركا وقفت شركات التأمين ضد مشروع أوباما لكن فيرمونت الصغيرة ‏انتصرت عليها ! فمن ذا الذي يعطل المشروع في الاردن ومن ذا الذي يجرؤ على القيام بدور ‏فيرمونت ؟!‏
وأخيراً أين يختبئ اتحاد نقابات العمال وهو عضو في مجلس ادارة موسسة الضمان ‏الاجتماعي ؟
‏2 /6 /2011 ‏
‏... وألمانيا راجعه ! ‏
د. زيد حمزه ‏

العنوان الكامل لهذا المقال (( نحن ذاهبون الى المحطات النووية وألمانيا راجعه ! )) ‏فقد جاء في (( الرأي )) 31 /5 /2011 : قررت المانيا امس اغلاق اخر مفاعلاتها النووية ‏العام 2022 اثر الكارثة النووية في فوكوشيما، لتصبح بذلك اول قوة صناعية تتخلى عن ‏الطاقة‎ ‎النووية، فقد توافق اعضاء الائتلاف الحكومي‏‎ ‎على وقف تشغيل القسم الاكبر من ‏المفاعلات الالمانية ال 17 بحلول نهاية العام 2021 ... واوضح وزير البيئة الالماني ‏نوربرت روتغن ان المفاعلات الثلاثة الاحدث ستستمر في العمل فقط حتى نهاية العام 2022 ‏مؤكدا ألا عودة عن هذا القرار ... وصرحت ميركل للصحافيين ان (( نظامنا لتامين الطاقة ‏ينبغي ان يتغير جذريا ونحن نستطيع القيام بذلك )). وقالت رئيسة الحزب كلاوديا روث (( لا ‏ينبغي فقط معرفة كيفية الاستغناء عن‎ ‎النووي بل باي وتيرة وباي طموح يمكن خوض مجال ‏الطاقات المتجددة )) واعلن مناهضو الطاقة النووية الذين استمروا في التظاهر خلال الاشهر ‏الاخيرة، نيتهم التظاهر مجددا في نهاية الاسبوع‎.‎‏ وشارك في اخر تظاهرة 160 الف شخص ‏في عشرين مدينة المانية . ‏
وهكذا فقد كانت كارثة فوكوشيما في اليابان القشة التي قصمت ظهر البعير في حسم ‏الجدل حول الطاقة النووية وعززت الاقتناع بأنها بديل غير آمن لا بل شديد الخطر والضرر ‏وبدات كثير من الدول وفي مقدمتها اليابان باعادة النظر في مشاريعها القائمة للتخلص منها ‏وبالتوقف عن بناء مفاعلات جديدة .. اما في الاردن فلا يلوح في الافق أن هيئة الطاقة الذرية ‏تتجاوب مع هذا الفهم العالمي ولا تستمع للاحتجاجات التي صدرت هنا عن جمعيات البيئة ولا ‏تقرأ انتقادات كتاب واختصاصيين عديدين ولا تهتم بالاعتراضات المعبّره عن فزع حقيقي ‏لدى سكان محافظة المفرق حيث تقرر نقل المشروع الى اراضيها بعد أن بينت دراسة ‏الجدوى التي قيل انها كلفت 14 مليون دولار أن إنشاءها في منطقة العقبة غير آمن لأنها تقع ‏ضمن حفرة الانهدام المعرّضه للهزات الارضية ، وليتها (أي الهيئه) شهدت – كما شهد آلاف ‏الاردنيين المارين من الدوار الرابع وكنت واحدا منهم – الاعتصام الذي قام به الثلاثاء ‏الماضي المئات من الناشطين البيئيين تتقدمهم الاميرة بسمة بنت علي أمام رئاسة الوزراء ‏مستنكرين أنشاء المفاعل النووي في الاردن ومطالبين بالتوجّه نحو الطاقة المتجدده الآمنه . ‏
ومن الغريب، في هذا الوقت بالذات حيث ألمانيا واليابان ودول عديدة في العالم تراجع ‏مواقفها من الطاقة النووية، أن يتحدث الباحث اللبناني الدكتور محمود نصر الدين مستشار ‏الامين العام لجامعة الدول العربية للشؤون العلمية ( وكأن العرب راضون عن انجازات ‏الجامعة في الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ولم يبق سوى الشؤون العلمية ‏حتى يكتمل الرضا !) في محاضرة له بمنتدى شومان الثقافي (الاثنين 30 /5 /2011) فيؤيد ‏السير قدماً في إنشاء المفاعلات النووية في الدول العربية ويقلل من اهمية ما حدث في ‏شيرنوبيل وفوكوشيما ويعتبرهما حادثين عاديين لا يختلفان كثيراً عن حوادث السيارات ‏والقطارات (كذا !) ويحاول تهميش البدائل النظيفة الرخيصه كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ‏كما أن المثير للريبة والشك أن يتحول بناء المفاعلات النووية من الدول المتقدمة الى المتخلفه ‏بلا اعتبارٍ مما حدث وبلا احترام لحياة وصحة البشر بل بتواطؤٍ غير خفي مع كبريات ‏الشركات العالمية التي تحقق من وراء ذلك أرباحاً طائلة ! ‏
وبعد .. فالى متى يبقى المسؤولون عن هذه المشاريع يديرون ظهورهم للرأي العام ‏بحجة أنهم وحدهم الذين يفهمون في الطاقة وهم وحدهم الحريصون على مستقبل الوطن !؟ ‏
‏26 /5 /2011‏
الاساتذه .. قادمون ! ‏
د . زيد حمزه ‏

لا يكفي أن أقول للقراء من الاجيال الجديدة أن أُولى نوافذ الاعلام التي انفتحت أمام ‏جيلنا كانت الصحف المصرية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، فتلك (( أيام لها ‏تاريخ )) على حد تعبير أحمد بهاء الدين في عنوان احد كتبه القليلة العظيمة ، حيث العالم بعد ‏الحرب العالمية الثانية والانتصار على النازية والفاشية يضطرم باشواق الشعوب المتطلعة ‏للحرية والاستقلال، ومن القاهرة يهب علينا نسيم الفكر السياسي محمولاً على مجلات وجرائد ‏تتحدث عن الحياة الحزبية والانتخابات البرلمانية وتطفح بمقالات حماسية تطالب برحيل ‏الاستعمار البريطاني وبجلاء قواته عن قناة السويس وتفضح فساد صفقات الاسلحه في حرب ‏اغتصاب فلسطين، ويتجرأ كتابٌ شبابٌ يكسرون حواجز الخوف ويواجهون سلطة مستبدة ‏حاملين ألوية التغيير متعاونين سراً مع الضباط الاحرار وصولا الى ثورة يوليو 1952، ومن ‏بينهم احسان عبد القدوس واحمد بهاء الدين وعبد الرحمن الخميسي وعبد الرحمن الشرقاوي ‏وصلاح حافظ ويوسف إدريس وكامل زهيري وفتحي غانم وخالد محمد خالد، يكتبون في ‏‏(( روز اليوسف ))، وفي (( المصري )) (صحيفة حزب الوفد ذي الشعبية الواسعه) ويزحزحون ‏عن مواقعهم كتابا كباراً كفكري أباظة ومحمد عبد القادر المازني ومصطفى امين واحمد ‏الصاوي محمد ومحمد التابعي كانوا قد ازمنوا في صحف (( المصور )) و(( اخبار اليوم )) ‏و(( آخر ساعه )) . ‏
حتى احتواها السادات في السبعينات بقيت الصحف المصرية محتفظةً بمستوى مهني ‏جيد وقدرات فنية متقدمه، لكنْ وحدها (( روز اليوسف )) استطاعت بصعوبة ولفترة محدودة أن ‏تتمسك ببقية من هويتها المتفرده ومذاقها المختلف، لا بمن صمد من محرريها الشجعان فحسب ‏بل كذلك بالمبدعين من رسامي الكاريكاتير السياسي الذين واصلوا السير على خطى الاوائل ‏أمثال عبد السميع وزهدي وصلاح جاهين ومن بعدهم رجائي والبهجوري واللباد والليثي ‏وحجازي والقائمة تطول .. ‏
ثم .. لا يلبث الاعلام المصري أن يدخل في نفق معتم طويل ويصبح الصحفيون ‏مجرد أحجار شطرنج ينقلها بين المؤسسات الصحفية على هواه رجلٌ واحد لم يتزحزح عن ‏مواقع المسؤولية لاربعة عقود منذ نجح أول مرة في التقاط صور سرية ابتزازية لسياسيٍّ مع ‏امرأة ! فهبطت الى الحضيض صحافة سُميت (( قومية )) وما هي في حقيقة الأمر إلا حكومية ‏مأمورة تنضح نفاقاً وخداعاً .. أما التلفزيون الرسمي وبعد أن كانت له الريادة على مستوى ‏الوطن العربي فقد راح يتراجع ويخبو بريقه ويلوّثه الفساد حتى أنبلج فجر الثورة في 25 يناير ‏فإذا بالمواهب التي أُحبطت وقُمعت ومنُعت ردحا من الزمن تقفز الى المشهد المضيء فيبهرنا ‏اصحابها من مذيعين ومحاورين مثل يسري فوده ومنى الشاذلي ووائل الابراشي وعمرو ‏الليثي وأبراهيم عيسى وريم ماجد وبلال فضل واحمد المسلماني وحسن فوده وأماني الخياط ‏وجابر القرموطي والكبير دائماً حمدي قنديل ونتسمر أمامهم لساعات طويلة نتأمل باحترام ‏واعجاب قدراتهم ومهنّتيهم وجرأتهم وأدبهم الجم ونتمنى لو تواضع بعض اعلاميينا وانتسبوا ‏لمدرستهم ! .. ‏
وبعد .. ألم أقل منذ العنوان .. الاساتذه قادمون ؟ ‏
‏19 / 5 /2011‏

الاخوان المسلمون .. الجدد !‏
د ز يد حمزه

أدهشني الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح – وهو المرشح المحتمل للاخوان المسلمين في ‏مصر لانتخابات رئاسة الجمهورية – باجاباته البليغه على أسئلة المذيع في قناة دريم المصرية ‏قبل أيام وقد أوضح منذ البداية بأنه لا يوافق على الكثير من الآراء التي دأب الاخوان على ‏طرحها فيما يتعلق بالحجاب واللحى ونوع اللباس وغير ذلك من السلوكيات والمظاهر التي ‏يختلف عليها الناس لكنها لا تدخل في عمق المشاكل الحقيقية التي يعانون منها، واوضح كذلك ‏كيف انتصر رأيه في الفصل التام بين جماعة الاخوان المسلمين (( الدعوية )) والاحزاب التي ‏تشكلت مؤخراً من صلب الحركة الاسلامية لتعمل في الحقل السياسي وعددها ثلاثة واحد منها ‏فقط يحمل اسماً دينياً، وقال إن ذلك جاء بعد تجربة حزب جبهة العمل الاسلامي في الاردن ‏التي وصفها بأنها غير ناجحه لأن الحزب ظل واجهة للجماعة تسيّره كما تشاء ، وكان ‏الدكتور أبو الفتوح اكثر ليونة وتساهلاً في العديد من القضايا التي تعوّدْنا تشدد الاخوان ‏وتزمتهم بشأنها وكرر اكثر من مرة أنه يُطَمْئن المواطنين (الناخبين !) وهو يتقدم بترشيحه ‏ليمثل الجميع مسلمين ومسيحيين لكنه لم يذكر مِلَلاً أو اصحاب عقائد أخرى ! واحتاط كثيرا ‏فلم يهاجم أيا من التيارات السياسية الناشطة في الوقت الحاضر وقال إنها جميعها وطنية تسعى ‏للخدمة العامه بطرق مختلفه ، واختلاف الرأي اجتهاد يرضاه الاسلام ويدعو له ، خاصة ‏بعدما توقف فترة طويلة من الزمن لكن لم يذكر من كان وراء هذا التوقف أو التجميد ! ولعل ‏من أهم ما جاء في كلام الدكتور أبو الفتوح هو رأيه في الدستور وأنه لا يمانع في وصف ‏الدولة بالمدنية (( فهكذا هي الدولة منذ إنشائها في عهد الرسول وحتى يومنا هذا في بلادنا ‏العربية جميعا !)) ولم يكن واضحاً بشأن إلزام الدستور بمرجعية الشريعة الاسلامية بل شدد ‏على الديمقراطية وحق جميع المواطنين من كل الاديان في المساواة والعيش في وئام تحت ‏ظل ظليل من العدالة الاجتماعية والسياسية .. ‏
وفي نفس السياق لكن هذه المرة في الاردن وفي رابطة الكتاب تحدث قبل أيام السيد ‏زكي بني ارشيد احد قادة الاخوان المسلمين – وكنت أستمع له لاول مرة – فقال كلاماً يزخر ‏بالمفاهيم المستنيرة التي تتناسب مع الأجواء التي يعيشها العرب منذ نجاح ثورتي تونس ‏ومصر، وقد أدهشني مثلُ (( أخيه )) أبو الفتوح في مصر بطرحٍ منفتح متقدم وشعرت وكأنني ‏أمام جماعة جديدة ! لكنْ في الحالتين ليست لديّ مع الأسف اوراق مكتوبة تمكنني من ‏الاقتباس بامانة والتعليق بموضوعية، كما فعلتُ قبل شهور (26 /2 /2011) حين رحبت بما ‏جاء في مقال د. رحيل غرايبة ( الرأي 18 /2/2011 ) واعتبرته مؤشراً ايجابيا . ‏
وبعد .. فما لم يُعلَنْ على الملأ برنامجٌ جديدٌ واضح للأخوان المسلمين يتفق صراحةً ‏مع وعي الجماهير في (( ربيع العرب )) وتحفظها الواسع على استخدام الدين في العمل ‏السياسي ومطالبتها بالدولة المدنية التي تساوي بين كل المواطنين على اختلاف اديانهم ‏ومعتقداتهم فان من الصعب الثقة بكلام جميل مفعم بالنوايا الطيبة التي لا احد يضمن صمودها ‏أمام تيار التشدد، أو الاتكاء على تكتيك ذكي قد يقصد به ركوب الموجه وكسب الانتخابات ، ‏لأن الناس لا يستطيعون أن ينسوا دفعةً واحدة تاريخ الاسلام السياسي في قسوته وتطرفه ‏وتعصبه أو أن يتجاوزوا بسهولة السلوكيات المنفرة التي ما زالت تتكرر يومياً على أرض ‏الواقع في دول عديدة تدّعي حكم الشريعة وتبتعد مسافات شاسعة عن روح العصر وعن أبسط ‏حقوق الانسان .. وفي مقدمتها حقوق المرأة ! ‏
‏12 / 5 /2011 ‏

بين الصحة واطبائها، ليس الطريق مسدوداً ؟
د. زيد حمزه

في الاضراب الطويل لاطباء وزارة الصحة لا يبدو الموقف واضحاً لدى الرأي العام الاردني ‏حتى بعد مرور خمسة اسابيع ، فمن ناحيةٍ هناك فئة من موظفي الدولة تسعى لتحسين شروط عملها ‏بزيادة رواتبها وتلقى تأييد الكثيرين وانا واحد منهم لكنْ ضمن فهم محدد شرحته لمجلس النقابة ‏وللوزير ولا يقوم على قاعدة (( أُنصرْ اخاك ظالماً او مظلوماً )) ولا على استدرار شعبوية لم أسعَ ‏لها يوماً، ومن ناحيةٍ أخرى لا تقف الحكومة من هذه القضية موقفاً رافضاً بل متفهماً حتى أنها لا ‏تعترض على حق الاضراب رغم أنه – حسب تفسيرٍ رسمي سابق – مخالفٌ لنظام الخدمة المدنية .. ‏إذن لماذا يستمر الاضراب كل هذه المدة ونحن نعلم أن محادثات جرت بين النقابة والوزارة للوصول ‏الى تسوية يرضى بها الطرفان كما ينتج عادة عن اي مفاوضات مطلبية بين اطراف متنازعه ؟ وتُرى ‏ما هو النظام الخاص الموحد الذي تطالب به النقابة لاطباء وزارة الصحة ؟ وهل يستحقونه وينسجم ‏مع العدالة المالية التي يفترض أن تعم الجميع أم أنه – كما تقول الحكومة – (( يميّزهم )) على باقي ‏موظفي الدولة من اصحاب المهن الأخرى أو سواهم من حملة الشهادات الجامعية المختلفه الذين لهم ‏ايضاً قيمتهم واهميتهم وحاجة المجتمع لخدمتهم وإنْ بدرجات مختلفه ، وتبعا لذلك بدأتْ كثير من ‏النقابات المهنية تتقدم بمطالب مشابهة !؟ وترد النقابة لتبرير مطلبها بأن الدولة أنشأت للقضاة نظاماً ‏خاصاً لكنها – أي النقابة – لم تنتبه الى أن هذا هو الحال في أكثر الدول لأن القضاء سلطة مستقلة ‏عن السلطتين التنفيذية والتشريعية ، فهل الاطباء سلطة رابعة ؟ ‏
وفي هذا السياق أعلنت الحكومة أن النظام المقترح سيكلف 28 مليون دينار وليس 4 ملايين ‏كما تقول النقابة، كما أنها بصدد أخراج نظام مالي جديد يتمثل في مشروع لاعادة هيكلة الخدمة ‏المدنية يشمل جميع العاملين في اجهزة الدولة ويطبق بعدالة حسب مقياس واحد ليلغي التشوهات ‏القائمة في النظام الحالي ويحسّن مجمل الرواتب في حين سيخفض الرواتب الكبيرة غير المحقه في ‏المؤسسات الخاصة المستقلة التي سيعيدها الى حظيرة النظام المالي أو يلغيها ، وهي أصلاً لم تكن ‏نماذج صالحة حتى تسعى النقابة للاقتداء بها ! ‏
وقبل ايام نشرت الصحف أن الحكومة سوف تسمح لاي موظف حكومي بالعمل في القطاع ‏الخاص خارج الدوام الرسمي وهو مبدأ معمول به منذ تأسيس الامارة وبأذن من مجلس الوزراء ولا ‏اعلم أنه أوقف إلا بالنسبة للاطباء منذ عام 1965 وهم اكثر من كانوا يستخدمونه بين موظفي الدولة ‏‏.. والعودة له الآن سوف تحل جزءاً كبيراً من المشكله القائمة أذا وضع في نظام محدد وبضوابط ‏واضحة تلافياً لإساءة الاستعمال . ‏
وعلى هامش الخلاف القائم يسمع الناس أن هناك غُبناً مزمنا لَحقَ باطباء الصحة يتبدى عند ‏مقارنة رواتبهم برواتب اطباء القوات المسلحة أو أطباء الجامعة لكنهم لم يسمعوا تفسيراً لذلك من ‏حيث ظروف العمل العسكري وطبيعة المهام الأخرى الملقاة على عاتق الطبيب كضابط في الجيش ‏علماً بأن راتب الطبيب العام عند بدء عمله في الخدمات الطبية الملكية هو أقل من راتب زميله في ‏وزارة الصحه الذي يصل لاكثر من 600 دينار شهرياً لكن التفاوت الكبير في الدخل يبرز واضحاً ‏لدى أصحاب الرتب العليا فبالاضافة لحصولهم على حصتهم من الحوافز من دخل المرضى المحولين ‏للمدينة الطبية من خارج القوات المسلحة فهناك امتيازات أخرى وبعثات ومؤتمرات لا يحظى بها ‏طبيب الصحه ، صحيح أن رواتب الاختصاصيين في الصحة قد تصل الى الآلاف شهرياً لكن النقابة ‏ترد بأن معظمها علاوات لا تجدي عند احتساب التقاعد على الراتب الاساسي وهو الضئيل الذي ‏يقترح النظام الخاص رفعه .. أما بالنسبة لاطباء كليات الطب فالتفسير مختلف إذ أنهم من الحاصلين ‏على درجات علمية عالية تؤهلهم – بالاضافة لمعالجة المرضى – للقيام بمهام التعليم والتدريب ، ‏فضلاً عن حصولهم على نسب سخية من دخل مستشفى الجامعة الاردنية أو مستشفى الملك المؤسس ‏في جامعة العلوم والتكنولوجيا المتأتي من الاجور التي يدفعها مرضى القطاع الخاص والأهم والأغزر ‏ما يدفعه صندوق التأمين الصحي لهذين المستشفيين مقابل المرضى الذين يحولهم لهما، وهو ما يزيد ‏من الشعور بالغبن في اوساط أطباء الصحه !‏
وبعد .. فمن غير المقبول أو المعقول لمجرد تمسك كل من طرفي النزاع بموقفه، أن يستمر ‏الاضراب فيتسبب بمعاناة يومية مؤلمه لآلاف المرضى غير القادرين على تحمل نفقات العلاج ‏الباهظة في عيادات ومستشفيات القطاع الخاص ، وأنا على يقين من أن هذا المأزق المأساوي يشكل ‏عبئاً ثقيلاً على ضمائر أطبائنا واعضاء مجلس نقابتنا ، لذلك ادعو الى تعليق الاضراب فوراً والسعي ‏لانجاح الحوار بين الطرفين بادخال طرف ثالث محايد من المحكّمين ذوي الخبرة .. والمعرفة . ‏
‏5 /5 /2011 ‏
من يحقد على من ؟
د. زيد حمزه

بعد أن فسرتْ الماركسيه تطور المجتمعات من مرحلة البدائية الشيوعية الى مراحل ‏العبودية فالأقطاعية فالرأسمالية ثم الاشتراكية وصولا إلى الشيوعة آخر المطاف ، وأكدت أن أحد ‏العوامل الرئيسية في ذلك هو الصراع الطبقي، اجاب على ذلك أصحاب النظريات الأخرى ‏والمدافعون عن الرأسمالية الغربية على وجه الخصوص بأن هذا التحليل الماركسي دعوة لاثارة ‏الحقد بين الناس يؤدي الى تدمير المجتمعات بتأليب العمال على اصحاب العمل لا بالاعتصام أو ‏الاضراب أو التظاهر فحسب بل بتحويلهم الى مجموعة من الجاحدين لنعمة اربابهم بدل أن يكونوا ‏حامدين شاكرين لهم على أن وفروا لهم فرص العمل فاطعموهم من جوع ! وهو تنظير أساء ‏لنضال العمال واثار عليهم نقمة باقي افراد المجتمع، وغطى على مطالبهم العادله وكتمَ اصواتهم ‏وهم يتظلمون من انتهاك حقوقهم التي نصت عليها الدساتير الوطنية والمواثيق الدولية كتشكيل ‏النقابات والمفاوضة على الاجور والتأمين الصحي وبالنسبة للمرأة العاملة حق مساواة اجورها ‏وشروط عملها بالرجل واعطاء الحامل اجازة الأمومة .. ومن ناحيتهم فان اصحاب العمل نأَوْا ‏بأنفسهم عن ساحة المعركة وسخّروا بعض الكتاب لكي يقوموا بتشويه المواقف العمالية حتى لا ‏يتعاطف الرأي العام معها لكن العالم وهو يعج بالقلاع الصناعية العملاقة والشركات الكبرى ‏متعددة الجنسيات ذات النفوذ البالغ على الكثير من الحكومات لم يخلُ يوما من أصحاب الاقلام ‏الشريفة الذين ما فتئوا يدافعون عن الحقيقة كنعومي كلاين في كتابها ‏Shock Doctrine : Rise ‎of Disaster Capitalism‏ وقد بيّن بعضهم أن الحقد الطبقي الحقيقي هو الهابط من فوق اي من ‏الأقوياء وليس الصاعد من تحت أي من الضعفاء ، فجشع اصحاب المصالح هو الذي يجعلهم ‏يوغلون في استغلال مستخدميهم كي يحققوا ربحاً أكثر، وذلك بسن التشريعات أو تعديلها كي ‏تعزز هذا الاستغلال .. كما بينوا أن العامل قد يحقد على صاحب العمل أو يكرهه لأنه لا يعطيه ‏أجره الكافي الذي يستحقه ويمكّنه من العيش بكرامة مع أن ذلك لا يكلفه سوى التضحية بجزء ‏يسير من ارباحه .‏
وبعد .. على هذا الاساس يمكن أن نفسّر موقف سْكوتْ ووكر حاكم ولاية وسكنسون ‏الجمهوري قبل أشهر قليلة الذي باع حقوق النقابات مقابل الثمن الذي قبضه من شركات كبرى ‏معروفه، فهل على نفس الاساس يمكن تفسير مماطلة مؤسسة الضمان الاجتماعي منذ تأسيسها قبل ‏ثلاثين عاما في تطبيق حق التأمين الصحي لمنتسبيها من العمال والوارد نصاً في قانونها بسبب ‏الخضوع لنفوذ أصحاب العمل في مجلس ادارتها ورغم الوجود المزوَّر لاتحادهم العام في هذا ‏المجلس ؟! ‏

الأحد، 8 مايو 2011

‏30 /4/2011 ‏

من يحلِّل لنا نفسياتهم ؟
د. زيد حمزه

عن اللصوص من نزلاء السجون تحديداً هناك دراسات اجتماعية عديدة تعرضت لجوانب ‏مختلفة من نشأتهم وحياتهم وظروفهم العائلية وتأثير مجتمعاتهم المحلية عليهم ، وهي دراسات ‏أفادت كثيراً في بناء أسس التربية الحديثه وفي صياغة مناهج التعليم في المدارس وتوجيه الاعلام ‏نحو إشاعة قيم الأمانة بين الناس .. والحديث هنا عن لصوص البنوك و(( حرامية )) البيوت ‏و (( نشّالي )) جيوب البسطاء في الاماكن المزدحمه ، لكن ماذا عن اللصوص الآخرين الذين ‏تُختصر افعالهم المشينة بكلمة الفساد ويُدعوْن بالفاسدين ؟ .. وهم المسؤولون – الكبار عادةً – ‏الذين يسرقون أموال الدولة من خلال مناصبهم ومواقع نفوذهم وينهبون ثروات الوطن ويسطون ‏حتى على احلام الفقراء المتلهفين على (( سكنٍ كريمٍ )) يؤويهم ! هل هناك أبحاث ودراسات عنهم ‏وعن لصوصية اثرائهم غير المشروع إذ يعتبر تحويل الرشوة خلسة الى الرصيد السري في البنك ‏في وضح النهار جريمة تستوي مع السرقة بكسر قاصة البنك في عتمة الليل .. الأولى تتم ‏باحتياطات قانونية ذكية وربما بقوانين مؤقتة احياناً أو بادخال بنود مبهمة على العقود مع ‏الشركات ! والثانية يعرف مرتكبوها سلفاً أنها ضد القانون وأن عقوبتها السجن !؟ وما هي يا ترى ‏النوازع والدوافع الكامنة في نفوس المرتشين أو الذين يحددون سلفاً نسبةً ‏‎(Commission)‎‏ على ‏كل صفقة تحتاج لتوقيعهم أو مشروعٍ تنموي أو استثماري يخترعونه أصلاً لكي تكون لهم فيه ‏حصة !؟ بماذا يشعرون وهم يمدون ايديهم تحت المائدة لقبض المال الحرام .. بدم بارد ؟ أم أن ‏مشاعرهم تبلدت بعد أن أُوهموا بأنهم النخبة والصفوة الجديرة بهذه الثروات وبأن باقي الشعب لا ‏يستحقون اكثر من الكفاف ؟! ‏
لنأخذ آخر الأمثلة .. كبار المسؤولين من فاسدي مصر الذين جرجرهم النائب العام الواحد ‏تلو الآخر الى السجن للتحقيق معهم ، ما هو شعورهم وقد (( برطعوا )) لزمان طويل بما نهبوا ‏من اموال السحت ثم فجأة افتضحت الاسرار وأصبحوا أبطال العار في مسلسل الاخبار؟ وما ‏شعور أولئك الذين لم تصلهم بعد يد العدالة في مصر أو سواها ؟ أفلا يرتعدون فَرَقاً من مصيرٍ ‏مشابهٍ وتضطرم نفوسهم بالخزي فيعجزون عن التحديق في عيون ابنائهم وزوجاتهم الا إذا كان ‏هؤلاء ضالعين ومشاركين ؟ أو في عيون أصدقائهم ومعارفهم المباغَتين لكثرة ما سمعوهم فيما ‏مضى يتحدثون عن الشرف والاستقامة وشاهدوهم يترددون على المساجد ليؤدوا صلاة الجمعة .. ‏أمام الملأ وكاميرات التلفزيون ؟ ‏
وبعد .. يستطيع اي محلل أن يتكهن بالقدر الهائل من التوتر الذي ينتاب سُرَاق الوطن ‏الآن لكني أتمنى أن يلتقط خيط الكلام أصحاب التخصص في مضمار الطب النفسي والعلوم ‏الاجتماعية ليحللوا لنا نفسياتهم ، وإلى أن يتحقق ذلك سأظل مبتهجاً وأنا أرقبهم بلا أدنى شفقة ‏يتقلبون قلقاً وهلعاً قبل أن يجدوا أنفسهم داخل السجون التي شاهدوا بأم أعينهم كيف دخلها قَبْلهم .. ‏مَن هم أكبر وأهم ! ‏‎ ‎‏ ‏
‏7 /5 /2011 ‏
من يحقد على من ؟
د. زيد حمزه

بعد أن فسرتْ الماركسيه تطور المجتمعات من مرحلة البدائية الشيوعية الى مراحل ‏العبودية فالأقطاعية فالرأسمالية ثم الاشتراكية وصولا إلى الشيوعة آخر المطاف ، وأكدت أن أحد ‏العوامل الرئيسية في ذلك هو الصراع الطبقي، اجاب على ذلك أصحاب النظريات الأخرى ‏والمدافعون عن الرأسمالية الغربية على وجه الخصوص بأن هذا التحليل الماركسي دعوة لاثارة ‏الحقد بين الناس يؤدي الى تدمير المجتمعات بتأليب العمال على اصحاب العمل لا بالاعتصام أو ‏الاضراب أو التظاهر فحسب بل بتحويلهم الى مجموعة من الجاحدين لنعمة اربابهم بدل أن يكونوا ‏حامدين شاكرين لهم على أن وفروا لهم فرص العمل فاطعموهم من جوع ! وهو تنظير أساء ‏لنضال العمال واثار عليهم نقمة باقي افراد المجتمع، وغطى على مطالبهم العادله وكتمَ اصواتهم ‏وهم يتظلمون من انتهاك حقوقهم التي نصت عليها الدساتير الوطنية والمواثيق الدولية كتشكيل ‏النقابات والمفاوضة على الاجور والتأمين الصحي وبالنسبة للمرأة العاملة حق مساواة اجورها ‏وشروط عملها بالرجل واعطاء الحامل اجازة الأمومة .. ومن ناحيتهم فان اصحاب العمل نأَوْا ‏بأنفسهم عن ساحة المعركة وسخّروا بعض الكتاب لكي يقوموا بتشويه المواقف العمالية حتى لا ‏يتعاطف الرأي العام معها لكن العالم وهو يعج بالقلاع الصناعية العملاقة والشركات الكبرى ‏متعددة الجنسيات ذات النفوذ البالغ على الكثير من الحكومات لم يخلُ يوما من أصحاب الاقلام ‏الشريفة الذين ما فتئوا يدافعون عن الحقيقة كنعومي كلاين في كتابها ‏Shock Doctrine : Rise ‎of Disaster Capitalism‏ وقد بيّن بعضهم أن الحقد الطبقي الحقيقي هو الهابط من فوق اي من ‏الأقوياء وليس الصاعد من تحت أي من الضعفاء ، فجشع اصحاب المصالح هو الذي يجعلهم ‏يوغلون في استغلال مستخدميهم كي يحققوا ربحاً أكثر، وذلك بسن التشريعات أو تعديلها كي ‏تعزز هذا الاستغلال .. كما بينوا أن العامل قد يحقد على صاحب العمل أو يكرهه لأنه لا يعطيه ‏أجره الكافي الذي يستحقه ويمكّنه من العيش بكرامة مع أن ذلك لا يكلفه سوى التضحية بجزء ‏يسير من ارباحه .‏
وبعد .. على هذا الاساس يمكن أن نفسّر موقف سْكوتْ ووكر حاكم ولاية وسكنسون ‏الجمهوري قبل أشهر قليلة الذي باع حقوق النقابات مقابل الثمن الذي قبضه من شركات كبرى ‏معروفه، فهل على نفس الاساس يمكن تفسير مماطلة مؤسسة الضمان الاجتماعي منذ تأسيسها قبل ‏ثلاثين عاما في تطبيق حق التأمين الصحي لمنتسبيها من العمال والوارد نصاً في قانونها بسبب ‏الخضوع لنفوذ أصحاب العمل في مجلس ادارتها ورغم الوجود المزوَّر لاتحادهم العام في هذا ‏المجلس ؟! ‏

الأحد، 6 مارس 2011

3/7/2010

عربي يهودي أسوة بالعربي المسيحي أو العربي المسلم

نتيجة للدراسات الحديثة لتاريخ المنطقة التي نزلت فيها الاديان السماوية الثلاثة يقترب العالم اكثر فأكثر نحو فهم آخر ليس قائماً على ما ورد في التوراة من قصص وروايات عن قادة وملوك وأنبياء لم يُعثر لهم على آثار حسية وعن احداث وقعت في بقع جغرافية غامضة الحدود والمعالم ومن تقسيمٍ للشعوب على أسس عرقية لم تثبت صحتها ( أبناء سام وأبناء حام مثلا!) فيما لا يشبه قط التاريخ العلمي الدقيق لباقي الحضارات المعاصرة كتلك التي نشأت في مصر أو ما بين النهرين حيث الوقائع وأنماط الحياة والفنون والحروب مسجلة موثقة محفوظة في الآثار ومعروضة في أهم متاحف العالم وتحفل المكتبات في العواصم والمدن الكبرى بآلاف الاسفار والسجلات عنها.. ويعود الفضل في هذا التحول البارز في فهم التاريخ لعدد من المؤرخين الجدد الذين تحلّوْا بالشجاعة فتصدّوْا لما وقر في نفوس الناس على مدى العصور من تصديق أعمى لكل ما فُسِّر لهم من كلام التوراة حتى لو كان حسب الاهواء والمصالح، ومن بين هؤلاء استحوذ المؤرخون الإسرائيليون تحديداً على مزيد من الاحترام والتقدير بعد أن عانوا الأمّريْن وهم يطرحون الحقائق التي توصلوا إليها في أبحاثهم نظراً لتعارضها مع المفاهيم السائدة خصوصاً لدى أولئك اليهود الذين غسلت الصهيونية ادمغتهم في إسرائيل وخارجها، وأُذكّركم هنا على سبيل المثال لا الحصر بإسرائيل شاحاك وشلومو ساند وآرثر كيستلر اليهودي الاشكنازي من هنغاريا والمعتز بأصوله الخزرية.

من الغريب أن بعض المثقفين العرب لا يرحبون كثيراً بالاستنتاج التاريخي الخطير الذي خلص اليه أولئك العلماء الافذاذ والقائل – مع التبسيط الشديد – إن يهود الجزيرة العربية مثلاً هم عرب أقحاح تحولوا بالتبشير من الوثنية الى الديانة اليهودية أي أنهم لم يكونوا قوما مختلفين غرباء وفدوا من مكان آخر! وحين جاءت المسيحية دان بها بعض هؤلاء وآخرون ولما جاء الاسلام أخيرا دانت به الغالبية العظمى، أما يهود فلسطين في ذلك الزمان الغابر فينطبق عليهم نفس الأمر، وعندما ظهر المسيح بينهم تحول كثير منهم الى ديانته، ثم جاء الإسلام فتحوّل له من تحوّل من هؤلاء وسواهم، ومع الوقت تساكَنَ الجميع من أصحاب الديانات الثلاث بشكل أو بآخر في فلسطين ولو أن النسبة الغالبة كانت من المسلمين، لكن بعد قرون عديدة عندما نشأت الحركة الصهيونية سيطر الزعم بالقومية الدينية اليهودية وبأن أصحاب الديانة اليهودية في كل أنحاء العالم أبناء شعب واحد، رغم أن أكثرهم في أوروبا الشرقية هم في الأصل من سكان مملكة الخزر الذين لا علاقة لهم البتة بيهود بلادنا العربية بل خزريون تحولوا في القرن الثامن الميلادي من الوثنية الى الديانة اليهودية بأمر ملكي..

وبعد.. فليس هذا الحديث تمرينا نظرياً ذا علاقة بالدعوة السياسية لحل الدولة الديمقراطية الواحدة بدل حل الدولتين بل هو مجرد استعراض لآراء تاريخية خرجت على المألوف.. مطروحة الآن للتأمل والتفكير!
‏24 /6 /2010 ‏

اضعف الايمان .. مع الاطباء المدخنين ‏
د. زيد حمزه ‏

في ندوة حوارية حول مخاطر التدخين أقامتها جمعية الصحة العامه وجمعية مكافحة ‏التدخين في منتدى نقابة الاطباء قبل اسبوعين قلت: ‏
‏(( لعلنا نغتنم هذه الفرصة في (( بيتنا )) كي نمارس النقد الذاتي ونمر بالعتب على تقصير ‏الجسم الطبي عموماً في مكافحة التدخين كواجب مهني أساسي جرى غض الطرف عنه، فمنذ ‏اصدرت وزارة الصحه نظام منع اضرار التدخين قبل اكثر من ثلاثة عقود وتأسستْ من أجل ‏مساندتها وحملِ هذه المهمة الانسانية معها الجمعيةُ الوطنيةُ لمكافحة التدخين لم أسمع أن نقابة ‏الاطباء أجرت دراسة ميدانية عن مدى انتشار التدخين بين أعضائها وأنعكاس ذلك سلبياً على ‏صحة مرضاهم كما لم أسمع أنها قد قامت بحملة قوية بين الاطباء كي يتوقفوا عن التدخين ‏كسلوك منافٍ لآداب مهنتهم .. وإذا اردنا التوسع في الحديث هنا عن منع التدخين في الأماكن ‏العامه ومن بينها بل في مقدمتها تلك التي يتواجد فيها الاطباء اعضاء هذه النقابة كالعيادات ‏والمستشفيات حيث نخجل حقاً ونحن نرى عدداً كبيراً منهم ينفثون سموم سجايرهم في وجوه ‏مرضاهم بدل أن يكونوا لهم النموذج (( الصحي )) الموحي بالثقة، علما بأن النقابة قادرة بنفوذها ‏‏(( الأدبي )) أن ترشدهم بالحسنى وتؤثر فيهم تأثيراً ايجابيا فتكسب بذلك احترام باقي المواطنين، ‏هذا لو صح العزم وقرر اعضاء مجلس النقابة المدخنون الاقلاع عن هذه العادة الضارة ليكونوا ‏الأسوة الحسنة لزملائهم .. أما الاماكن الأخرى ذات العلاقة والتي يهمنا كثيراً منع التدخين في ‏قاعاتها وردهاتها كمجمع النقابات المهنية في عمان وفي غيرها من مدن المملكة، فقد كنا نتوقع ‏‏– ولا نزال– ان تقود نقابة الاطباء العمل الجاد في تطبيق القانون، فتعلن على الملأ قراراً – بعد ‏أن تقنع به باقي النقابات – يقضي بان يصبح المقر الذي يضمهم هو المجمع الاخضر الخالي من ‏سموم التبغ، حيث يحظر التدخين على اعضائه من أبناء النقابات المهنية وعلى كل مرتاديه من ‏المواطنين .. وسيكون هذا القرار تاريخياً وسنكون فخورين بأن نقابتنا هي التي تبنّته وسوف ‏نعتبره في نفس الوقت خدمة جليلة تسديها النقابات المهنية لكل أبناء المجتمع، وأتمنى من كل قلبي ‏ألا يتأخر اتخاذه حتى لا نسمع ذات يوم آسفين أن (( العقوبات )) القانونية – وبينها الاغلاق لا ‏سمح الله – قد جرى تطبيقها على مجمع له في هذا الوطن مكانة جليلة لكنه ليس فوق ‏القانون! ))..‏
وبعد .. أعرف أن كلامي هذا لم يكن خفيفا على قلوب زملائي من الاطباء المدخنين ‏لكنه - من ناحيتي – أضعف الايمان ! ‏
‏17 /6 /2010 ‏
أقدس من كل المقدسات !‏
د . زيد حمزه

ليس من عادتي أن أكتب عن حدث (( ساخن )) فمقالي اسبوعي تسبقه عشرات المقالات ‏اليومية التي يمكن أن تكون قد ناقشت ذلك الحدث حتى أصبح (( بارداً )) لا يحتمل مزيداً من ‏التعليق، لكن الأمر اختلف قليلا مع ما حدث للمراسلة الصحفية الأميركية هيلين توماس لأجدني ‏اليوم اكتب عنها بعد أن شاهدت على الانترنت شريطاً مصوراً لما فاهت به وأثار عليها غضب ‏الذين اصطادوها لكي تقوله ! ‏
التاريخ : 27/5/2010، المكان : احدى حدائق واشنطن، المشهد: سيدة مسنه (92عاماً) ‏وقد تقاعدت لتوها، تجلس مع اصدقاء على احد المقاعد الخشبية مستمتعةً بالشمس حين اقتحم ‏عليها خصوصيتها بلا موعد مسبق الحاخام ديفيد ناسوناف عضو منظمة التراث اليهودي ‏Jewish Heritage‏ ( واظنها إحدى جماعات اللوبي الاسرائيلي في أميركا ) الذي يعمل صحفياً ‏في البيت الابيض ويعرف أفكارها جيداً وقد باغتها – ومعه كاميرته – بسؤال عن إسرائيل ‏فاجابته وهي تضحك وبحركة تنم عن عدم اكتراث (( لماذا يطردون الناس من أرضهم التي عاشوا ‏فيها لمئات السنين ؟ دعهم يعودون من حيث أتوا )) وبالطبع عرف من تقصد فسألها: أين يذهبون؟ ‏قالت الى بولندا وألمانيا .. وحتى أميركا ! وبعد أن هلّل سعيداً بنجاحه في اقتناصها ثم اصطنع ‏الدهشة من اجابتها قال: اتعرفين تاريخ تلك المنطقة جيداً ؟ أجابت : بكل تأكيد ، فلا تنسَ أن ‏أصلي عربي ! وهنا كانت مصيدته قد أطبقت عليها تماماً .‏
قام الراباي ناسوناف (( بتحرير )) الشريط أو بالاحرى الجزء الذي اقتطعه ولا يزيد عن ‏دقيقة واطلقه من موقعه على الانترنت الى كل أنحاء الدنيا ليثير فوراً مسلسل الارهاب الفكري ‏بالهجوم عليها وتشويه إنجازاتها المهنية التي عرفت بها على مدى ستين عاماً حتى أصبحت ‏عميدة المراسلين الصحفيين في البيت الأبيض . ثم جاء أخيراً الانتقام الذي لم يرحم شيخوختها ‏بحرمانها من حقوقها التقاعدية وسحب بطاقتها الصحفية . ‏
لا أنوي الدفاع عن صحفية كبيرة مثل هيلين توماس جرى استغلال جوابها العابر على ‏سؤال طرح عليها وهي تتشمس في حديقة لا في مقابلة اعلامية جادة فهي أقدر على ذلك سيما ‏وأنها تعلم أكثر من غيرها ألا احد من العرب أنفسهم في هذه الايام يجسر علناً على مطالبة ‏‏(( المهاجرين )) اليهود الذين تدفقوا على فلسطين من اوروبا وسواها وحلوا محل سكانها الاصليين ‏أن يعودوا من حيث أتوا، فقد تغيرّت الدنيا وأصبح أقصى ما يمكن المطالبة به هو (( عودة )) ‏المستوطنين اليهود من الضفة الفلسطينية الى (( وطنهم )) اسرائيل ! ‏
وبعد .. في بلد ديمقراطي يحترم الرأي الآخر ويرعى النقاش الحر في أي موضوع مهما ‏بلغت حساسيته ويتحمل انتقاد الاديان والتشكيك بالمعتقدات ولا يعاقب على الالحاد ولا يعترض ‏على كتب تنسف التاريخ التوراتي من أساسه وتَسخُر من قصص الانبياء على أنها اساطير ويُنتج ‏أفلاماً تسيء لسمعة السيد المسيح وامه مريم العذراء ، نعم .. في هذا البلد نفسه أصبحت إسرائيل ‏فقط أقدس من كل المقدسات ولا يجوز مسُّها .. حتى بكلمة ! ‏‎ ‎‏ ‏
‏12 /6 /2010 ‏

‏.. ويكتب الآخرون تاريخنا ! ‏
د. زيد حمزه ‏

إذ نعترف بأن صعوبة بالغة تواجه من يكتب سيرته الذاتية أو يحاول ذلك ! فأننا ندرك ‏أنها تختلف شدةً من بلد لآخر، ليس فقط حسب نظام الحكم فيه ومدى قربه أو ابتعاده عن ‏الديمقراطية بل حسب قيمه وتقاليده الاجتماعية أيضاً وبما يشمل علاقات الافراد والعائلات ‏والعشائر .. والمذاهب ! وندرك كذلك أن هذه الصعوبة تزداد اكثر فأكثر عند التصدي لكتابة سير ‏الآخرين، فقد تثير صداماً مع من يدّعون أنهم (( أصحاب الحق )) في هذه السير، بدءاً بالاهل ‏الأقربين ومروراً بالأبعدين في العشيرة الكبيرة وإنتهاءً بالدولة نفسها إذا كان صاحب السيرة قد ‏تبوأ مناصب سياسية هامة ولعب دوراً ما في قراراتها المصيرية .. ‏
ومع أن كتابة السيرة مسؤولية جسيمة تتطلب البحث والتقصي مع درجة عالية من ‏الموضوعية فان ذلك لا يشفع لكاتبها عند المعترضين على نهجه والمختلفين معه على استنتاجاته ‏وذلك إما لغرض في أنفسهم أو خدمةً لمصالحهم، أو بسبب غياب ثقافة احترام الرأي الآخر لديهم ‏وهو السائد في مجتمعاتنا عموماً .. ‏
في الذهن أمثلة عديدة بعضها شخصي سأطرحه جانباً وكثير منها عام يستحق الاهتمام ‏لأن له علاقة بتاريخ هذا البلد، وسأقف وقفة قصيرة عند واحد من أكثر الشخصيات الاردنية ‏حضوراً سواء اختلفنا معه أم اتفقنا، ذلكم هو وصفي التل الذي ألّف الوزارة ثلاث مرات ( 1962 ‏و1965 و1970) في نقاط زمنية فاصلة من حياة الاردن على الصعيدين الداخلي والخارجي .. ‏
أعرف أن مقالات كثيرة دُبجّت في صحافتنا منذ مصرعه في تشرين ثاني 1971 لا ‏ترقى لمستوى الدراسة النقديه الرصينة لحياته الحافلة بالمعارك كما أنها – في تقديري – لا ‏تتجاوز المديح العاطفي من قبل محبيه والمعجبين به أو الثناء عليه من قبل المتعصبين لمواقفه ‏وليس بينها ما يعبر عن رأي المخالفين لأفكاره والمنتقدين لسياساته، لكني لا أعرف كتاباً ‏‏(( أردنيا )) أرّخ لوصفي التل يمكن أن يدخل المكتبات المرموقه ويصطف بين كتب السِيَر التي ‏تتحدث عن ساسة كبار تركوا بصمات واضحة في تاريخ بلادهم والرجل بالنسبة للاردن واحد من ‏هؤلاء، ومرة أخرى سواء اتفقنا معه أم اختلفنا .. ‏

ما دفعني لأثارة هذا الموضوع هو ما عثرت عليه بالصدفة من حديث عن وصفي التل ‏في الفصل الثامن من كتاب (( إيفي شلايم )) الاخير (2009) (( إسرائيل وفلسطين )) بناء على ‏معلومات وردت في كتاب ايشر سوسر بعنوان (( على ضفتي الاردن / سيرة سياسية لوصفي ‏التل)) الذي صدر في تل أبيب عام 1983 بالعبرية ثم نشر بالانجليزية في لندن عام 1994 .. ‏
وبعد .. لا أريد أن أعلق على ما قاله ايفي شلايم عن وصفي التل قبل أن أقرأ كتاب ‏سوسر، لكن سؤالاً واحداً يحوم في رأسي ويسبب لي صداعاً، هو: لماذا نرضى أن يكتب ‏الآخرون تاريخنا، ونتهيّب القيام بهذه (( المهمة )) بأنفسنا ؟! ثم نقمع من يتصدى لها من بين ‏ظهرانينا ! ‏
‏5 /6 /2010 ‏
من يقضي بين الناس ؟ ‏
د. زيد حمزه ‏

بقينا منذ طفولتنا مبهورين بصلاح الدين الايوبي وبطولاته الحربية التي وصلت قمتها في ‏تحرير القدس من أيدي الصليبيين ومبهورين كذلك باخلاقه الانسانية الرفيعة حين ارسل طبيبه ‏الخاص لكي يداوي عدوه اللدود ريتشارد قلب الأسد ، ولم نعرف – انا على الاقل – إلا فيما بعد ‏أن أسم ذلك الطبيب هو موسى بن ميمون، ثم في وقت متأخر عرفتُ هويته الدينية فاعتذرت ‏‏– حين كنت في موقع المسؤولية – عن عدم استقبال وفد من (( علماء )) احدى الجامعات ‏الاميركية جاء ليواصل أبحاثه عنه كطبيب ليس لأنهم (حاخامات)، ثم – في وقت لاحق ايضاً – ‏عرفتُ من كتاب اسرائيل شاحاك (( الديانة اليهودية وتاريخ اليهود .. وطأة 3000 عام )) الجانبَ ‏السيء في سيرته حين أصبح صلاح الدين حاكما على مصر وأعطاه الحرية الكاملة في التفرغ ‏لعلومه الدينية، ففي تلك الفترة تحديداً ألفّ ابن ميمون أشد ما في التلمود من فصول التعصب ‏اليهودي ضد الآخرين ( الغوييم ) وضّمنها تعاليم لا إنسانية تناقض الدستور (( الطبي )) المعروف ‏منذ أبوقراط، وإمعانا من صلاح الدين في احترام (( الاقليات )) الدينية من أهل الكتاب وعدم ‏التدخل في شؤونها (( أقطَعَهُ )) يهودَ مصر يتصرف بهم ويسوسهم كيفما شاء جرياً على القاعدة ‏التي أصبحت سائدة في ممالك اوروبا حيث كان اليهود يعيشون معزولين في احيائهم (( الغيتو )) ‏فيفوّض الملك لحاخامهم الاكبر ادارة شؤونهم الدينية وامور معيشتهم ومحاكمَهم ما دام يجمع له ‏الضرائب منهم، وقد اندثر هذا التفويض التمييزي مع نشوء الدساتير الديمقراطية لكن بعض ‏الحكومات لا تزال تتعامل مع مواطنيها حسب اديانهم ! فبالأمس القريب كنت أشاهد على قناة ‏تلفزيونية مصرية رئيس المحكمة الادارية العليا يصدر قراره بالسماح بزواج مواطن قبطيٍّ ‏رفضت الكنيسة تزويجه لأنه مطلَّق وقال القاضي: في مصر قضاء واحد يلجأ له كل المصريين، ‏وليس لأي (( محكمة )) أخرى أن تنقض قرار المحكمة المصرية لكن الكنيسة ردت عليه ومازال ‏الجدل محتدماً ! أما في الاردن فقانون الاحوال الشخصية يشتق كثيراً من مواده من الشريعة ‏الاسلامية ورغم ذلك يمكن – ككل القوانين الأخرى – أن تجري عليه بين الحين والآخر تعديلات ‏تراعي التطور الاجتماعي وتأخذ بعين الاعتبار قبل طرحها على مجلس الأمه آراء الناس ‏ومنظمات المجتمع المدني ونصوص الاتفاقات الدولية مثلما حدث مؤخراً فيما يتعلق بحقوق المرأة ‏والطفل، لكن .. بالنسبة لقوانين الاحوال الشخصية التي تتعامل بها (( مجالس الطوائف الدينية )) ‏المشكلة بموجب المادة 108 من الدستور فيتساءل بعض المواطنين الذين يخضعون لها إن كان ‏يجري تطويرها كغيرها من القوانين حسب ظروف العصر وبما يتفق مع الاعلان العالمي لحقوق ‏الانسان والعهدين الدوليين الصادرين بموجبه واتفاقية سيداو وسواها ! ويتساءلون كيف تطبقها ‏‏(( المحاكم الخاصة )) خارج السلطة القضائية ! أفلا يمكن مثلاً التظلم من احكامها أمام محكمة ‏التمييز والمادة 6 من الدستور تقول: الاردنيون أمام القانون سواء وإن اختلفوا في العرق أو اللغة ‏أو الدين ؟ وهل تتمتع هذه المحاكم بالشفافية وهل قضاتها متخصصون ؟ الخ ؟. ‏
وبعد .. يبقى الدستور هو الموئل والمرجع لهؤلاء المتسائلين .. لكن كيف ؟ ‏
‏ 27 /5 /2010 ‏
ذكريات شبه سياسية
في القدس 1964 ‏
د. زيد حمزه ‏

‏ وأنا استعيد قراءة مقال قديم ليوري أفنيري كتبه قبل عامين (17 /5/2010 ) في نشرة ‏‏(( كتلة السلام )) الاسرائيلية وتحدث فيه باسهاب عن الفساد المالي في اسرائيل تذكرتُ قصةً ذات ‏علاقة رواها صديق مقدسي ( من أصل اردني ) حين كنا في فندقه أثناء انعقاد المؤتمر الطبي ‏الثالث لاتحاد الاطباء العرب في القدس ( الشرقية طبعاً ) في تموز من عام 1964 .. ‏
يتحدث يوري أفنيري عن الميليارديرات اليهود من أميركا واستراليا وسويسرا وكندا ‏والنمسا الذين يفسدون الحياة السياسية في اسرائيل، وكلهم يدّعون أنهم وطنيون يهيمون بحب ‏اسرائيل ومحسنون يتبرعون بسخاء للساسة الاسرائيليين، اليمينيين بالطبع ! ولا حاجة للبحث ‏المعمق لاكتشاف حقيقة هؤلاء المليارديرات الذين صنعوا ثرواتهم المشبوهة في الزوايا المعتمه، ‏فبعضهم من بارونات نوادي القمار والكازينوهات ذات الارتباط بجرائم العنف والغش ‏والاستغلال، وبعضهم ممن اداروا بيوت الدعارة أو مارسوا تهريب المخدرات، وآخرون تاجروا ‏في الأسلحة مع العصابات السياسية التي تزرع الموت والدمار في أفريقيا .. فهل نصدق أنهم حقاً ‏وطنيون وانهم يحبون الخير لاسرائيل ؟ نحن نعرف أنهم في الواقع يريدون غسل ادران سمعتهم ‏السيئة بثمن بخس في إسرائيل التي تمنحهم القاب الشرف ويستقبلهم كبار القوم وتحفر أسماؤهم ‏على مباني الجامعات ! ويمضي يوري أفنيري للقول إن أصحاب المال الفاسد حين ينفقونه على ‏سياسي ما في إسرائيل يعلمون علم اليقين أنهم سيستعيدونه مع فوائده إذ ليس في السياسة تبرع ‏بريء ،ويشير الى أن هناك وقاحات أخرى يرتكبها هؤلاء الاثرياء القادمون من الخارج فحين ‏يتدخلون في انتخاباتنا يقررون – خارج ارادتنا – مصير دولتنا، وعندما يتبرعون لاحدى حروبنا ‏فان أبناءنا – لا أبناءهم – هم من يُقتلون في المعارك، وحينما يستثمرون أموالهم في بناء ‏المستوطنات في الاراضي الفلسطينية المحتلة فانما يضعون العراقيل في طريق السلام وتكون ‏النتيجة أن نبقى نعاني من النزاع المسلح الذي يهدد مستقبلنا لا مستقبلهم ! ‏


وقد استعرض أفنيري اسماء بعض القادة الاسرائيليين الذين طواهم المليارديرات تحت ‏آباطهم وآخرهم ايهود أولميرت الذي كان يتلقى من الملياردير الاميركي موشيه موريس تالانسكي ‏مغلفات محشوة بالدولارات على مدى عدة سنين، ويقول عنه إنه ليس حديث عهد بالفساد فقد ‏مارسه منذ بداية عمله السياسي قبل خمسة واربعين عاماً، بما يتطابق مع القصة التي رواها لي ‏صديقي المقدسي في فندقه أثناء حضوري المؤتمر الطبي العربي عام 1964 وأكّد فيها أنه قام ‏بنفسه برشوة أولميرت للحصول على ترخيص ما من بلدية القدس الغربية حين كان آنذاك مساعداً ‏لرئيسها تيدي كوليك .. ‏
وبعد .. أرجو المعذرة لأن الحديث الجريء ليوري أفنيري عن الفساد في إسرائيل قد ‏غطى على ذكريات عزيزه عن مؤتمر طبي عقدناه ذات يوم في القدس ثم .. انقطع الوصل وفي ‏القلب غصة ؟ ‏

السبت، 29 يناير 2011

هذا المقال لم ينشر في جريدة الراي

‏27/1 /2011 ‏
‏ ‏
عن تونس .. الثورة لا الانقلاب ! ‏
د. زيد حمزه
‏ ‏
لقد فزعتُ مما نشرته (( الرأي )) صباح الاثنين الماضي عن وكالة الانباء الفرنسية من ‏اقوالٍ للسيد راشد غنوشي زعيم حزب النهضة الاسلامي التونسي في المنفى (لندن) وهو يتملق ‏الرئيس معمر القذافي مشيداً بدعمه للثورة في تونس التي بدأت في رأيه تتمثل النموذج الليبي ‏‏(كذا) ولم يكن قد مضى سوى أيام قليله على تصريحات القذافي التي أدلى بها بعد الاطاحة بزين ‏العابدين بن علي وقال فيها (( إنه متألم جداً لما حدث اذ لا يوجد أحسن منه في هذه الفترة لرئاسة ‏تونس !..)) والتي أثارت حفيظة الشعب التونسي فهتف المتظاهرون ضده في الشوارع ونددوا به، ‏وقد استوضحتُ الأمر من صديقي الكاتب الصحفي الذي أثق برجاحة رأيه السياسي فهدّأ من ‏روْعي وقال إنه رغم معارضته لمبادئ حزب النهضة الاسلامي وزعيمه راشد الغنوشي فانه ‏يعتقد أن هذه التصريحات مدسوسة على الرجل وقد ((فُبركت)) لتوظيفها في إنقاذ السمعة السيئة ‏لتصريحات القذافي. ولدى إعادة القراءة وجدتُ أن وكالة الأنباء اخذتْ اقوال الغنوشي عن ‏صحيفة (( قورينا )) الليبية القريبة من سيف الاسلام نجل القذافي ! فتيقنت من صدق تحليل ‏صديقي الذي نصحني أيضاً بقراءة مقال سميّه الغنوشي (ابنة راشد الغنوشي) في صحيفة ‏الغارديان البريطانية وقد ترجمه عبد الرحمن الحسيني في (( الغد )) 23 /1/2011 بعنوان ‏‏(( على التونسيين تفكيك الوحش الذي بناه بن علي )) وجاء فيه (( بينما العرب يحتفلون في ‏الشوارع هاتفين بقول الشاعر التونسي الراحل أبوالقاسم الشابي – اذا الشعب يوماً اراد الحياة فلا ‏بد أن يستجيب القدر – فان حكامهم يَبدون مصدومين بالاخبار التي تقشعر لها ابدانهم واكثر ما ‏يخشونه هو انتقال العدوى التونسية الى شعوبهم، وكان معمر القذافي هو الوحيد الذي كسر ‏صمتهم الأشبه بصمت الموتى ليتحدث نيابة عن كل الحكام المستبدين محذراً التونسيين من أنهم ‏سيندمون على ما اقترفته ايديهم )) وقالت الكاتبة بضرورة (( بناء ائتلاف موسع للقوى التي ‏تستطيع تفكيك إرث الحالة الاستبدادية لما بعد الحقبة الكولونياليه وبالتالي جلب التغيير الذي طالما ‏تاق له الشعب منذ عقود )) واشارت الى (( التحالف الذي تشكَّلَ من حزب الشغل الشيوعي بقيادة ‏حمه الحمامي والشخصيه الكارزمية المنصف المرزوقي من حزب الشعب من أجل الجمهورية ، ‏ومن حزب النهضة بقيادة والدي رشيد الغنوشي ، سويّةً مع النقابيين وناشطي المجتمع المدني..)) ‏وهكذا، من العنوان والمحتوى تؤكد لنا سمية الغنوشي (وهي غير بعيدة عن والدها) موقفها ‏الواضح من مساندة الثورة واستراتيجيتها التي لا تمت بصلة للنموذج الليبي ! ‏
وبعد .. فلا بدّ من التذكير بأن الثورة التونسية ليست انقلابا عسكرياً وهي اذ تغذّ السير ‏في طريقها وسط حقول الالغام وعلى مرمى من سهام الاعداء القريبين في الجوار أو البعيدين ‏خلف البحار، فأنها مازالت مهددة بالاختطاف وأخطر من يهددها أولئك الذين يدّعون صداقتها ! ‏