الأحد، 6 مارس 2011

‏5 /6 /2010 ‏
من يقضي بين الناس ؟ ‏
د. زيد حمزه ‏

بقينا منذ طفولتنا مبهورين بصلاح الدين الايوبي وبطولاته الحربية التي وصلت قمتها في ‏تحرير القدس من أيدي الصليبيين ومبهورين كذلك باخلاقه الانسانية الرفيعة حين ارسل طبيبه ‏الخاص لكي يداوي عدوه اللدود ريتشارد قلب الأسد ، ولم نعرف – انا على الاقل – إلا فيما بعد ‏أن أسم ذلك الطبيب هو موسى بن ميمون، ثم في وقت متأخر عرفتُ هويته الدينية فاعتذرت ‏‏– حين كنت في موقع المسؤولية – عن عدم استقبال وفد من (( علماء )) احدى الجامعات ‏الاميركية جاء ليواصل أبحاثه عنه كطبيب ليس لأنهم (حاخامات)، ثم – في وقت لاحق ايضاً – ‏عرفتُ من كتاب اسرائيل شاحاك (( الديانة اليهودية وتاريخ اليهود .. وطأة 3000 عام )) الجانبَ ‏السيء في سيرته حين أصبح صلاح الدين حاكما على مصر وأعطاه الحرية الكاملة في التفرغ ‏لعلومه الدينية، ففي تلك الفترة تحديداً ألفّ ابن ميمون أشد ما في التلمود من فصول التعصب ‏اليهودي ضد الآخرين ( الغوييم ) وضّمنها تعاليم لا إنسانية تناقض الدستور (( الطبي )) المعروف ‏منذ أبوقراط، وإمعانا من صلاح الدين في احترام (( الاقليات )) الدينية من أهل الكتاب وعدم ‏التدخل في شؤونها (( أقطَعَهُ )) يهودَ مصر يتصرف بهم ويسوسهم كيفما شاء جرياً على القاعدة ‏التي أصبحت سائدة في ممالك اوروبا حيث كان اليهود يعيشون معزولين في احيائهم (( الغيتو )) ‏فيفوّض الملك لحاخامهم الاكبر ادارة شؤونهم الدينية وامور معيشتهم ومحاكمَهم ما دام يجمع له ‏الضرائب منهم، وقد اندثر هذا التفويض التمييزي مع نشوء الدساتير الديمقراطية لكن بعض ‏الحكومات لا تزال تتعامل مع مواطنيها حسب اديانهم ! فبالأمس القريب كنت أشاهد على قناة ‏تلفزيونية مصرية رئيس المحكمة الادارية العليا يصدر قراره بالسماح بزواج مواطن قبطيٍّ ‏رفضت الكنيسة تزويجه لأنه مطلَّق وقال القاضي: في مصر قضاء واحد يلجأ له كل المصريين، ‏وليس لأي (( محكمة )) أخرى أن تنقض قرار المحكمة المصرية لكن الكنيسة ردت عليه ومازال ‏الجدل محتدماً ! أما في الاردن فقانون الاحوال الشخصية يشتق كثيراً من مواده من الشريعة ‏الاسلامية ورغم ذلك يمكن – ككل القوانين الأخرى – أن تجري عليه بين الحين والآخر تعديلات ‏تراعي التطور الاجتماعي وتأخذ بعين الاعتبار قبل طرحها على مجلس الأمه آراء الناس ‏ومنظمات المجتمع المدني ونصوص الاتفاقات الدولية مثلما حدث مؤخراً فيما يتعلق بحقوق المرأة ‏والطفل، لكن .. بالنسبة لقوانين الاحوال الشخصية التي تتعامل بها (( مجالس الطوائف الدينية )) ‏المشكلة بموجب المادة 108 من الدستور فيتساءل بعض المواطنين الذين يخضعون لها إن كان ‏يجري تطويرها كغيرها من القوانين حسب ظروف العصر وبما يتفق مع الاعلان العالمي لحقوق ‏الانسان والعهدين الدوليين الصادرين بموجبه واتفاقية سيداو وسواها ! ويتساءلون كيف تطبقها ‏‏(( المحاكم الخاصة )) خارج السلطة القضائية ! أفلا يمكن مثلاً التظلم من احكامها أمام محكمة ‏التمييز والمادة 6 من الدستور تقول: الاردنيون أمام القانون سواء وإن اختلفوا في العرق أو اللغة ‏أو الدين ؟ وهل تتمتع هذه المحاكم بالشفافية وهل قضاتها متخصصون ؟ الخ ؟. ‏
وبعد .. يبقى الدستور هو الموئل والمرجع لهؤلاء المتسائلين .. لكن كيف ؟ ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق