5 /6 /2010
من يقضي بين الناس ؟
د. زيد حمزه
بقينا منذ طفولتنا مبهورين بصلاح الدين الايوبي وبطولاته الحربية التي وصلت قمتها في تحرير القدس من أيدي الصليبيين ومبهورين كذلك باخلاقه الانسانية الرفيعة حين ارسل طبيبه الخاص لكي يداوي عدوه اللدود ريتشارد قلب الأسد ، ولم نعرف – انا على الاقل – إلا فيما بعد أن أسم ذلك الطبيب هو موسى بن ميمون، ثم في وقت متأخر عرفتُ هويته الدينية فاعتذرت – حين كنت في موقع المسؤولية – عن عدم استقبال وفد من (( علماء )) احدى الجامعات الاميركية جاء ليواصل أبحاثه عنه كطبيب ليس لأنهم (حاخامات)، ثم – في وقت لاحق ايضاً – عرفتُ من كتاب اسرائيل شاحاك (( الديانة اليهودية وتاريخ اليهود .. وطأة 3000 عام )) الجانبَ السيء في سيرته حين أصبح صلاح الدين حاكما على مصر وأعطاه الحرية الكاملة في التفرغ لعلومه الدينية، ففي تلك الفترة تحديداً ألفّ ابن ميمون أشد ما في التلمود من فصول التعصب اليهودي ضد الآخرين ( الغوييم ) وضّمنها تعاليم لا إنسانية تناقض الدستور (( الطبي )) المعروف منذ أبوقراط، وإمعانا من صلاح الدين في احترام (( الاقليات )) الدينية من أهل الكتاب وعدم التدخل في شؤونها (( أقطَعَهُ )) يهودَ مصر يتصرف بهم ويسوسهم كيفما شاء جرياً على القاعدة التي أصبحت سائدة في ممالك اوروبا حيث كان اليهود يعيشون معزولين في احيائهم (( الغيتو )) فيفوّض الملك لحاخامهم الاكبر ادارة شؤونهم الدينية وامور معيشتهم ومحاكمَهم ما دام يجمع له الضرائب منهم، وقد اندثر هذا التفويض التمييزي مع نشوء الدساتير الديمقراطية لكن بعض الحكومات لا تزال تتعامل مع مواطنيها حسب اديانهم ! فبالأمس القريب كنت أشاهد على قناة تلفزيونية مصرية رئيس المحكمة الادارية العليا يصدر قراره بالسماح بزواج مواطن قبطيٍّ رفضت الكنيسة تزويجه لأنه مطلَّق وقال القاضي: في مصر قضاء واحد يلجأ له كل المصريين، وليس لأي (( محكمة )) أخرى أن تنقض قرار المحكمة المصرية لكن الكنيسة ردت عليه ومازال الجدل محتدماً ! أما في الاردن فقانون الاحوال الشخصية يشتق كثيراً من مواده من الشريعة الاسلامية ورغم ذلك يمكن – ككل القوانين الأخرى – أن تجري عليه بين الحين والآخر تعديلات تراعي التطور الاجتماعي وتأخذ بعين الاعتبار قبل طرحها على مجلس الأمه آراء الناس ومنظمات المجتمع المدني ونصوص الاتفاقات الدولية مثلما حدث مؤخراً فيما يتعلق بحقوق المرأة والطفل، لكن .. بالنسبة لقوانين الاحوال الشخصية التي تتعامل بها (( مجالس الطوائف الدينية )) المشكلة بموجب المادة 108 من الدستور فيتساءل بعض المواطنين الذين يخضعون لها إن كان يجري تطويرها كغيرها من القوانين حسب ظروف العصر وبما يتفق مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين الصادرين بموجبه واتفاقية سيداو وسواها ! ويتساءلون كيف تطبقها (( المحاكم الخاصة )) خارج السلطة القضائية ! أفلا يمكن مثلاً التظلم من احكامها أمام محكمة التمييز والمادة 6 من الدستور تقول: الاردنيون أمام القانون سواء وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين ؟ وهل تتمتع هذه المحاكم بالشفافية وهل قضاتها متخصصون ؟ الخ ؟.
وبعد .. يبقى الدستور هو الموئل والمرجع لهؤلاء المتسائلين .. لكن كيف ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق