الثلاثاء، 26 يناير 2010

اين امانة الترجمه؟

20 /1 /2010


لا أحب أن اقرأ كتاباً مترجما وأُفضّله بلغته الاصلية إذا كنت أجيدها، ومع تقديري لدور الترجمة في تبادل المعرفة بين الشعوب واحترامي الكبير للاساتذة المترجمين وجمعياتهم واتحادهم والتخصص البالغ الصعوبة الذي يدرسونه الآن في ارقى الجامعات الا أنني أحس أحياناً أن جزأً - ولو يسيراً – من روح الكتاب وكاتبه تنحسر بالترجمه، وذاك عيب متوقع بحكم الاختلاف بين وظيفتيْ المؤلف والمترجم وبين لغتين لكل منهما أصلها ونشأتها وظروف تطورها وتاريخ الأمة التي تتحدث بها، أما أن يبلغ الاختلاف بالمترجم حد التدخل المنحاز ضد الكاتب وفكره فسلوك غير مألوف لا بل غير مقبول، ففي كتاب The Bible Unearthed لمؤلفِّيْه إسرائيل فنكلشتاين أستاذ الآثار في جامعة تل أبيب ونيل إشر سيلبرمان المؤرخ والباحث الاميركي بدأ المترجم سعد رستم ذلك منذ الغلاف مُعنوِناً الكتاب على النحو التالي (( التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها )) وهو تدخّل يلمحه القارئ وربما تأباه جمعية المترجمين العرب خصوصاً حين يتتابع في صفحات عديدة أخرى يحشو المترجم في هوامشها آراءه المخالفة والمعارضة مُخّلاً بتسلسل أفكار القارئ المستغرق في فهم الكم الكبير من المعلومات والمقارنات والتحليلات والتفسيرات التي تشي بعدم التوافق والتطابق بين السرد الاسطوري للكتاب المقدس وبين تاريخ الموثق الى درجة التشكيك بالخروج الجماعي والتيه وقصة داود وسليمان ! وسوف أورد هنا عينةً من هذا التدخل الذي ينسف حيادية المترجم فقد جاء في صفحتي 305 و306 : (( في 701 ق.م قِدَم الملك الآشوري الجديد: سنحاريب الي يهوذا بجيش هائل . يضع سفرا المُلُوك وجهاً بطولياً في حصيلة هذه المواجهة: كان حزقيا بطلا عظيماً وملكاً مثالياً لا يقارن إلا بداود فقط . لقد سار على خطى موسى ، وطهَّر يهُوذا من كل تجاوزات الماضي وبفَضْلِ تقواه تراجع الآشوريون عن يهوذا، دون ان يتمكنوا من فتح أورشليم . كما سنرى ليست هذه هي القصة بكاملها ... ولكن المصادر الآشورية المعاصرة وعلم الآثار الحديث يظهران أن التفسير اللاهوتي للكتاب المقدس لثورة وعصيان يهوذا ضد الامبراطورية الآشورية يخفي خلفه حقيقة تاريخية مختلفة تماماً ... أن نقطة قصة الكتاب المقدس هي أن تظهر كيف أن مجرد قوة السلاح أو ميزان القوى ليس لهما أي تأثير على نتيجة الحرب بين الأمم ، لأن خلف ذلك كله توجد قوةُ توجيهِ يْهوَه الذي يستخدم الجيوش والمعارك ليجازي أولئك الذين يعبدونه – وحده – بإخلاص وغيره ويعاقب أولئك الذين لا يفعلون ذلك ..)) .

هنا يتدخل المترجم في حاشيته بأسفل الصفحة 306 قائلاً : (( من الواضح أن المؤلف لا ينطلق في استنكاره للتدخل الالهي لمعاقبة الاشرار الآثمين وإثابة المطيعين الأخيار من دليل ملموس معين ، سوى الانسياق وراء نزعته المادية التي تنكر عالم الغيب وما وراء الطبيعة جملةً)).. وهكذا فالمترجم لا يكتفي بالتعبير عن رأيه الشخصي بل يسفّه رأي المؤلف ويصفه – بطريقة اتهامية – أنه صاحب نزعة مادية !..

وبعد .. لم أعرف المؤلفيْن من قبل ومع ذلك سعدت بقراءة كتابهما الذي أضاف لمعلوماتي ذلك الجزء الهام عن مملكة العُمْريين الشمالية وعاصمتها شكيم (نابلس)، وأدهشني ما فيه من حقائق علمية آثارية اضاءت على كثير مما غمض في الكتاب المقدس حول تاريخ هذه المنطقة لكني – وأنا لا اتبنى بالضرورة كل استنتاجات المؤلفيْن – لا أجدني قادراً على هضم تدخل المترجم في تلك الاستنتاجات لمجرد أنها تخالف ما يعتقد هو أنه الصواب !

zaidhamzeh@orange.jo