الأربعاء، 31 مارس 2010

27/3/2010

احقاً يمكن للمكارثية أن تعود ؟ ‏

‏ ‏
‏ ليس اجتهاداً مني كتبت فيما مضى عن عودة المكارثية الى أميركا بل تعليقاً على ما جاء ‏في كتاب ‏Take Over ‎‏ لمايكل سافيج وبعد ذلك عن وصولها الى اسرائيل كما كتب العديدون في ‏الاوبزرفر والاندبنديت البريطانيتين، واليوم اجدني اكتب مرة أخرى بعد أن قرأت لجو كاناسون ‏Joe Canason ‎‏ (الذي يكتب عادة للنييويورك أوبزرفر) مقالاً بعنوان (( المكارثية الجديده )) في ‏موقع ال ‏Inf. Cl. House ‎‏ 11 /3 /2010 جاء فيه: الجنون المتمسّح بالوطنية الذي عُرف ‏بالمكارثية بدأ قبل ستين عاماً في ويلنغ / فرجينيا الجنوبية عندما لوّح جوزيف مكارثي بقائمة ‏احتوت على 57 أسماً من موظفي وزارة الخارجية الاميركية وصفهم بأنهم شيوعيون وخَونَه وفي ‏آخر المطاف اكتشفت أميركا حقيقة القائمة المشهورة التي لوّح بها وأنها كانت مختلقه أي كان ‏كذّابا غوغائيا وفوق ذلك مدمن على الخمر ! ولم تكن الحملة المكارثية بالطبع وطنية بل كانت ‏تخدم اغراضاً شخصية وقد احدثت ضرراً بالغاً على مجمل السياسة الاميركية وعلى السمعة ‏الدولية للولايات المتحدة. لكن يبدو أن ورثة مكارثي في هذه الايام اشد مكراً وأقدر على التلاعب ‏بالالفاظ أما وسائلهم فهي نفس الوسائل الدنيئة، خذ مثلا اليزابيث تشيني ووليام كريستول ‏وحلفاؤهما من الاعلاميين وهم يتهجمون اليوم على المحامين المعتمدين من وزارة العدل الذين ‏وكلتهم للدفاع عن متهمين بالارهاب من المعتقلين في معسكر غوانتانامو ويتهمونهم زوراً بأنهم ‏أصبحوا عملاء (( للقاعدة )) ! كما أن هناك جماعة تدعى ‏‎(( Keep America Safe )) ‎‏ تهاجم ‏هؤلاء المحامين وتشكك في وطنيتهم وكأنهم فعلاً يشاركون رجال القاعدة عقيدتهم ، وهجوم هذه ‏الجماعه يطال في نفس الوقت الرئيس أوباما وإريك هولدر النائب العام .. ‏
‏ إن الاستقامة والعدل هي من القيم التي يشترك في اعتناقها معظم الاميركيين لكن هذه ‏الحمله الدنيئه تخرق تلك القيم فلو كان كل محام يدافع عن متهم بالارهاب يعتبر بهذا التصنيف ‏متعاطفا مع الارهاب فان ذلك يعني أن نظامنا القضائي قد أصبح موضع شك وريبه فالعدالة في ‏كل الدنيا تتطلب وجود محام لكل متهم بجريمة أياً كان نوع الجريمه .‏
ولكي يبعث جو كوناسون الأمل في النفوس يذكّر مواطنيه بأن نفراً من الاميركيين ‏الشرفاء تمكنوا ذات يوم من إزالة شبح المكارثية الرهيبة عن البلاد بايقاف مكارثي عند حده إذ ‏تقدموا الى الكونغرس بقرار لوم موجّه له على أفعاله وألاعيبه ومؤامراته ، ويمضي الكاتب: لقد ‏شهدنا الاسبوع الماضي لحظة صدق جديدة حينما تقدم تسعة عشر محاميا بارزاً من الجمهوريين ‏وبضمنهم كينيث ستار ‏Kenneth Starr‏ وآخرون من الذي كان قد عينهم بوش في وزارتي ‏العدل والدفاع ، بمذكرة تستنكر نشاطات ومساعي جماعة ‏Keep America Safe ‎‏ الظالمه ‏والمشينه والمخرّبه ..‏
وبعد .. في مقال سابق انتهيتُ للقول : (( يبدو أن المكارثية كامنه في نفوس اعداء ‏الديمقراطية وحقوق الانسان الموجودين في كل بلاد العالم والجاهزين دائماً لاتهام الآخرين بخيانة ‏الوطن .. دون دليل ! )) واليوم لا أزيد . ‏


20/3/2010

في تايلاند عام 1988 ‏
د. زيد حمزه

‏ حينما سلّمُت الدكتور آمون الطبيب المسؤول عن قسم الابحاث والدراسات في وزارة ‏الصحة التايلاندية جائزة منظمة الصحة العالمية في جنيف في 16 /5 /1986 لم أكن قد ‏استوعبت حجم العمل الرائد الذي انجزه حتى استحقها، وحينما زارني في مكتبي في عمان السنة ‏التالية 1987 ضمن وفد من المنظمة العتيدة لبحث نظام الرعاية الصحية الذي حقق في الاردن ‏انتشاراً واسعاً خلال فترة زمنية وجيزه، رجوته أن يشرح لي مشروعه عن (( القرى النموذجية )) ‏لعلنا نفيد من تجربته بعدما علمت من حيثيات الجائزه أنه طُبق بنجاح في أكثر من ألفين ومائتي ‏قرية في أقل من ثلاث سنوات.. بعد ذلك بشهور قليلة تلقت وزارة الصحة دعوة من منظمة ‏الصحة العالمية لتشكيل وفد متعدد الاطراف ( الصحة والزراعه والاعلام والجامعات والمجتمع ‏المدني ) لزيارة تايلاند والاطلاع على ما تم أنجازه على ارض الواقع وذلك كجزء من برنامج ‏كبير أُعدّ لوفود أخرى من دول منطقة شرق المتوسط لنفس الغرض ..‏
في 5 /1/ 1988 التحقت بالوفد الاردني المكون من د. سليمان الصبيحي ود. سليمان ‏قبعين ود. سعد حجازي وده. سيما بحوث وده. هيفاء أبو غزاله ود. غصوب العسلي وده. عيدة ‏المطلق وهاني الفرحان في مدينة صغيرة تبعد عن العاصمه التايلاندية مسافة مائة كيلومتر ‏بالسيارة وقد توجهنا في صباح اليوم التالي الى احدى القرى التي شملها برنامج آمون ، ومشياً ‏على الاقدام كان تجوالنا فيها وأول ما لفت نظرنا النظافة التامة في الشوارع والمدارس والبيوت، ‏ونظافة وبساطة وأناقة ملابس سكان القرية رغم فقرهم، كما لاحظنا التزام ممثليهم وانتظامهم في ‏اللقاء اليومي لتبادل الملاحظات والاستماع للانتقادات قبل توجّه كل منهم الى عمله في المدرسة أو ‏المركز الصحي او الجمعية التعاونية أو البلدية أو الحقل، وكان الراهب البوذي يستعمل مذياع ‏المعبد لنقل وقائع الاجتماع وخاصة فيما يتعلق بالتوعية الصحية والاجتماعية . ‏
عدنا من تايلاند متحمسين لتطبيق المشروع في الاردن سيّما وأنه لا يحتاج لتكاليف تذكر ‏بل يوفر على الدولة نفقات أخرى في الصحه والتربية والزراعة ويمكن جنيُ ثماره في وقت ‏قصير.. لكن .. ما أن بدأنا بإعداد خطة (( عمل الفريق )) الذي يضم عدة أطراف في الدولة ‏والمجتمع المدني حتى تقدمت هيئة من تلك التي تُسمّى مؤسسات مستقلة ماليا واداريا وطلبتْ أن ‏تقوم بمهمة تنفيذ المشروع ربما ظناً منها أن وراءه تمويلاً أجنبياً كبيراً ! ووافق بعض المسؤولين ‏على طلبها وسط أوهام تفيد بأن التحرر من الروتين والبيروقراطية أو على الأصح العمل خارج ‏الرقابة الادارية المتمثلة في ديوان الموظفين والرقابة المالية المتمثلة في ديوان المحاسبة سوف ‏يجعل تطبيق المشروع أسهل وأسرع .. لذلك لقد كان المتوقع أن ينجح المشروع في مئات القرى ‏الاردنية خلال وقت قياسي لتوفُّر البنية التحتية الجيدة التي تفتقر لها القرى التايلاندية لكن التوقع ‏شيء والواقع شيء آخر بعيد عنه كل البعد رغم مرور أثنين وعشرين عاماً !. ‏
وبعد .. إلى متى نعيش خدعة المؤسسات حيث لا مساءلة ولا محاسبة رغم الانفاق عليها ‏من خزينة الدوله !؟ ( ملاحظة : بالصدفة يتقاطع هذا المقال مع حديث رئيس الوزراء قبل أيام ‏عن تلك المؤسسات ). ‏

الأحد، 14 مارس 2010

‏13 / 3 / 2010 ‏
الرجوع عن الخطأ .. فضيلة ديمقراطية ‏
د. زيد حمزه

ليس صحيحاً أن النقد في بلدنا لا يجدي وأن ما تكتبه الصحف اعتراضاً على خطأ ما ‏يذهب ادراج الرياح وبالمقابل ليس أدعي الى الاحباط من القول الدارج (( ماحدا قاري ورق )) ! ‏ففي جعبتي العديد من الأمثلة على قضايا عايشتها وعالجتها بالكتابة الصحفية وسعدتُ بنتائجها ‏الايجابية وحتى لا أذهب بعيداً في الماضي المنسيّ أضربُ مثلا طازجاً هو مشروع قانون ‏الاخطاء الطبية الذي طُرح لاول مرة قبل سنوات عديدة واستمر وزراء الصحة المتعاقبون ‏يعرضونه للنقاش المفتوح في اجتماعات المجلس الصحي العالي ولا بد أنهم وسواهم من ‏المسؤولين المعنيين كانوا في نفس الوقت يُصغون بطريقة او بأخرى لما يقوله عنه المختصون ‏والمهتمون في الندوات العامه أو الحوارات التلفزيونية أو الصحف وذلك بحد ذاته سلوك ‏ديمقراطي حميد خصوصاً بعد ما تبيّن لهم ألاّ احد ضد مساءلة طبيبٍ يخطئ فيُحدث ضرراً ‏لمريضه أو يتسبب له بعاهة أو اعاقة او يودي به الى الموت، سواء كان هذا الخطأ إهمالاً أو ‏نقصاً في المعرفة أو ضعفاً في الحذق . ‏
ولقد تمثل تجاوب المسؤولين بتعديلٍ مهمٍّ ظهر في مشروع القانون لسنة 2007 إذ ألغيت ‏المادة التي كانت تُلزم الاطباء بأن يؤمّنوا أنفسهم لدى شركات التأمين لتغطية التعويضات الناشئه ‏عن ممارسة عملهم (على نمط التأمين على السيارات !)، وقد اعتبُر هذا الالغاء رجوعاً عن الخطأ ‏بعد الاتهامات التي وُجِّهت للمادة بأنها انصياع لاوامر صندوق البنك الدولي واتفاقية التجارة ‏العالمية، أو مجرد اعجاب البعض بأنظمةٍ مشابهةٍ في الدول الغربية ثبت مع الزمن أنها خّربت ‏العلاقة الانسانية بين الطبيب والمريض وحوّلتها الى علاقةِ تربُّصٍ واقتناصٍ وابتزاز لأن الهدف ‏الحقيقي زيادة ارباح تلك الشركات . ‏
لكن يبدو أن هذا الالغاء لم يكن جذريا فقد استبُدلت شركات التأمين بصندوق في نقابة ‏الاطباء (( يسمى صندوق المسؤولية الطبية لتغطية الاضرار الناشئه عن ممارسة الطبيب لعمله )) ‏ولقد قلنا وقال غيرنا الكثير في انتقاد هذا البديل الذي اقترحَتْه النقابة بحسن نية ربما تخلصاً من ‏مأزق تسليم رقاب الاطباء لشركات التأمين، فهو في نظرنا تورّطٌ محفوف بالمخاطر وعبٌء مالي ‏يقع على اكتاف كل اطباء هذا البلد ولم تُستشر فيه الهيئة العامه بأغلبية حقيقيه تبلغ الآلاف وليس ‏بالنصاب القانوني لأي عدد لا يتعدى ستين طبيباً في الجلسة الثانية !، ولو أُجريتْ اي دراسة ‏اكتوارية لقالتْ بعدم جدواه ولتنبأت بافلاسه في زمن قصير كي تتلقفه وتشتريه عندئذ شركات ‏التأمين فنعود الى سيطرتها من جديد ! هذا بالاضافة الى الاعتراض القائل: لماذا يدفع كل أطباء ‏المملكه وفيهم عدد كبير من محدودي الدخل كأطباء الحكومه ثمن أخطاء بضعة جراحين، هم ‏عادة في القطاع الخاص ومن ذوي الدخل العالي، يستطيعون لا بل عليهم وحدهم أن يتحملوا ‏عقوبة التعويض أو سواه .. ويمكن الاستنتاج بأن التجاوب مع هذه الانتقادات كان السبب المنطقى ‏لالغاء صندوق النقابة فآخر مشروع لقانون المسؤولية الطبية لسنة 2009 الذي وزعه علينا ‏المجلس الصحي العالي الشهر الماضي لمناقشته في اجتماع قريب خلا تماماً من هذه الماده.‏
وبعد .. إننا ونحن نثني على الروح الديمقراطية التي تجلت في طرح مشروع القانون ‏على المناقشة الحره لَنؤكدُ من جديد اننا مع المساءله لا ضدها وأن مرجعها الحقيقي هو القضاء ‏فمحاكمنا ومنذ تأسيس الدولة الاردنية كانت وما زالت تحكم على الطبيب المخطئ حين تدينه إما ‏بالسجن أو بالتعويض على المريض المتضرر بالمبلغ الذي تراه مناسباً لا الذي تحدده شركة ‏التأمين أو أي صندوق آخر بديل ! وأن على نقابة الاطباء أن تتفرغ لمعالجة ومتابعة شكاوى ‏المرضى من سلوكيات اعضائها بتطبيق حازم لدستورها الطبي، وعلى وزارة الصحه حسب ‏قانونها أن تحاسب المستشفيات الخاصه على ما يضج منه المواطنون كل يوم من مبالغات في ‏الاجور ومن استغلال ماديّ متمثل في كثرة استخدام الفحوص المخبرية والصور الشعاعية وبعض ‏الاجهزة التشخيصية الحديثة المكلفة بهدف (( تسمين )) الفاتورة النهائية ، ناهيك عن الاحتماء ‏اعلامياً وراء دور هذه المستشفيات في رفد الاقتصاد الوطني بدخل هائل(!) من وراء .. ‏‏(( السياحة العلاجية )) ! ‏

السبت، 6 مارس 2010

‏ ‏ 6 /3 /2010 ‏
‏ ‏
إنهم يسرقون .. حتى السمك !‏
د. زيد حمزه

أتحدث اليوم عن المقابلة التي اجراها ميشيل كولون ‏Michel Colon‏ وغريغوار لالو ‏Gregoire Lalieu‏ على موقعهما في 10 شباط 2010 في سلسلة من مقابلات (( لفهم العالم ‏الاسلامي )) مع محمد حسن وكانت حول الصومال وكيف دفعته القوى الاستعمارية الى حالة من ‏الفوضى الشامله، فمن هو أولاً محمد حسن هذا ؟ إنه خبير في شؤون العالم العربي من الناحية ‏الجيوسياسية، ولد في اديس أبابا (أثيوبيا) وشارك في بلده حين كان طالباً في الثورة الاشتراكية عام ‏‏1974 وقد درس بعد ذلك العلوم السياسية في مصر قبل أن يتخصص في الادارة العامه في ‏بروكسل ، وحين أصبح موظفاً في السلك الدبلوماسي عمل في سفارات أثيوبيا في كل من واشنطن ‏وبيجين وبروكسل وشارك في تأليف كتاب (( احتلال العراق )) عام 2003 وعدة كتب أخرى عن ‏القومية العربية والحركات الاسلامية .. ‏
يقدم الكاتبان للمقابلة بالقول : (( تَوفرَّت للصومال كل اسباب النجاح من موقع جغرافي ‏متميز ونفط ومعادن خام وديانة واحده ولغة واحدة لجميع من فيها (مع تنوع ثقافي واسع) وتلك ‏بمجملها تشكّل ظاهرة نادرة في افريقيا كان من الممكن بموجبها أن يصبح الصومال قوة كبرى في ‏المنطقة لكن الحقيقة المائلة مختلفة تماما، فالمجاعة والحروب القبلية والنهب والسلب والقرصنة هي ‏الحالة السائدة فيه فكيف حدث هذا التدهور المروّع ؟ لماذا ليس هناك حكومة صومالية حتى الآن ‏ومنذ عشرين عاماً تقريبا ؟ ما هي الخفايا وراء أولئك القراصنة الذين يخطفون سفننا ؟ في هذه ‏الحلقة الجديدة من سلسلة مقابلاتنا حول (( فهم العالم الاسلامي )) يشرح لنا محمد حسن أيضاً لماذا ‏وكيف طبقت القوى الامبريالية نظرية الفوضى ..)) ‏
من ناحيتي سوف اقتطف من المقابلة فقط ما جاء حول القرصنة الصومالية ومن هم أولئك ‏القراصنة الذين دوّخوا أساطيل الدول الكبرى في السنوات الأخيرة وقد كان جواب محمد حسن على ‏النحو التالي: منذ عام 1990 لم تعد هناك حكومة في الصومال وأصبحت البلاد في أيدي أمراء ‏الحرب ، وقد اغتنمت سفن الصيد الاوروبية والآسيوية الكبيرة المتخصصه فرصة هذه الحالة ‏الفوضوية وراحت تقوم بصيد الأسماك على طول الساحل الصومالي دون أي ترخيص أو أي ‏احترام لأبسط القواعد المرعية، ولم تراع حتى نظام الحصص المطبق في بلادها لحماية النوع ‏‏(الاحياء المائيه) فاستخدمت وسائل وطرقاً عنيفة في الصيد – ألى حد استعمال المتفجرات – أدت ‏الى تدمير واسع للثروة البحرية الصومالية فلم يعد بأمكان الصيادين الصوماليين البسطاء الذين كانت ‏لديهم وسائل بدائية لصيد السمك أن يعملوا ويجنوا رزقهم بعد أن سرقت شركات الصيد الكبرى ‏اللقمة من أفواههم، ولمقاومة هذا الوضع البائس والمصير المحتوم قرروا أن يتحولوا الى قراصنة ‏كي يحموا أنفسهم ومياههم، وهذا بالضبط ما لم تتورع الولايات المتحدة نفسها عن القيام بمثله خلال ‏الحرب الاهلية ضد البريطانيين ( 1756 – 1763 ) حين اضطر الرئيس جورج واشنطن الذي لم ‏يكن لديه اسطول يدافع به عن شواطئه أن يعقد اتفاقية مع عصابات القراصنة (!) للمحافظة على ‏الثروة البحرية الاميركية ..‏
وبعد .. أما باقي القصة المأساوية لهذا البلد العربي الذي كان أول من طُبقت عليه ‏‏(( نظرية الفوضى )) بعد أن أقرها اجتماع لمنظمة غير رسمية تدعى (( نادي السفاري )) ضم شاه ‏أيران وموبوتو ودولتين عربيتين وأجهزة مخابرات فرنسية وباكستانية عام 1977 وكان الغريب ‏حضور هنري كيسنجر دون أن تكون له في ذلك الوقت صفة حكوميه ! وقد جرى فيه استمالة ‏سياد بري رئيس الصومال آنذاك مع وعده بمساعدات سخية مقابل التحول عن تحالفه مع الاتحاد ‏السوفيتي .. فذلك ما يحتاج لمقال آخر ! ‏
‏ 27 /2 /2010 ‏
عن نعومي خازان مرة أخرى
د. زيد حمزه

ليس بالصدفة ولا توارد الخواطر بل من الواقع وتوارد المعلومات يظهر مقال في ‏الاوبزيرفر البريطانية يوم الاحد 21 /2 /2010 أي في اليوم التالي لمقالي السبت 20/2/2010 ‏ويتحدث عن نفس الموضوع الذي ناقشت فيه الجو السياسي المتوتر الذي أصبح يسود اسرائيل ‏مؤخراً فيفضي الى الانفعال في ردود الفعل الرسمية الحادة على الهيئات أو الناشطين السياسيين ‏الذين يتجرأون على انتقاد حكومتهم أو مؤسستهم العسكرية باتهامهم – وهم مواطنون من الدرجة ‏الاولى – بانهم يتنكرون لشرعية الدوله ! وقد ضرب كاتب المقال على ذلك نفس المثل الذي ‏أوردته في مقالي حول الهجوم الشديد الذي تعرضت له نعومي خازان كما كتب ‏Donald Macintyre‏ في الغارديان البريطانية 13 /2 /2010 وهي النائبة السابقة في الكنيست ‏والمختصه المرموقة في العلوم السياسية التي كانت تكتب عموداً منتظماً في صحيفة الجروسالم ‏بوست على مدى الاربعة عشر عاما الماضية وكيف أوقفت عن الكتابة واتهُمت بأن صندوق ‏اسرائيل الجديد ‏New Israel Fund‏ الذي ترئسه يخدم بطريقة غير مباشرة اجندة ايران وحماس ‏حين يقدم الدعم المالي لجماعات حقوق الانسان في إسرائيل التي تتحدى وتفضح تجاوزات ‏ترتكبها حكومة البلاد واجهزتها الأمنية كما أن هذه الجماعات زوّدت القاضي الجنوب أفريقي ‏ريتشارد غولدستون ببيانات ومعلومات ساعدته على إصدار تقريره المعروف الذي رفضته ‏اسرائيل واحتجت على ما جاء فيه وأساء لسمعتها في العالم .‏
كاتب مقال الأوبزيرفر هو روري مكارثي الذي لا علاقة له البته بسيء الذكر جون ‏مكارثي السناتور الأميركي الذي أشرت له في مقالي واشتُهرت باسمه (( المكارثية )) وهي الحملة ‏القمعية المناهضة للحريات التي قادها في أميركا في خمسينات القرن الماضي، فتشابُهُ الاسميْن ‏مصادفةٌ عكسية بحته ! وهو أي روري مكارثي مراسل الغارديان في القدس وقد كتب مقاله ‏الاخير قبيل مغادرته لاسرائيل بعد أن قضى فيها اربع سنوات وقد سلطّ فيه الضوء على ظاهرة ‏تَشنُّج إسرائيل تجاه اي اختلاف معها في الرأي وبيَّن ان جواً مختلفاً يسود الاسرائيلين الآن وقد ‏باتوا يشعرون بأنهم يعيشون في عالم لم يعد متعاطفاً معهم كما كان في السابق خاصةً بعد اهانة ‏أيالون نائب وزير الخارجية للسفير التركي واضطراره للاعتذار فيما بعد، وبعد رفضِهِ استقبال ‏وفد الكونغرس الأميركي لانه جاء مع اعضاء من ‏‎ J Street‏ وهي جماعة ضغط أميركية يهودية ‏شعارها (( مع اسرائيل لكن مع السلام )) وسياستها تتعارض مع سياسة جماعات اللوبي الصهيوني ‏المعروفه مثل الايباك وأخيراً بعد غضب بعض الدول الأوروبية التي استخدم قتلة المبحوح ‏جوازات سفرها .‏
لعل اخطر ما في مقال الاوبزرفر هو أن التساؤل والاعتراض يأتي في إسرائيل احيانا ‏من جهات لا تخطر على البال أبداً فمثلاً (( مجموعة كسر الصمت )) ‏Breaking the Silence‏ ‏التي يدعمها صندوق اسرائيل الجديد (نعومي خازان) هي منظمة شكلّها جنود سابقون في الجيش ‏يطالبون بحوار وطني عام حول (( الثمن الاخلاقي )) الذي يدفعه المجتمع الاسرائيلي مقابل ‏الاحتلال ! ويجمعون من أجل ذلك شهادات من الجنود عن تجاربهم الفظيعة وهؤلاء بالطبع لا ‏يمكن التفكير بأنهم معادون لاسرائيل ..‏
وبعد .. قبل النشر وصلني مقال جديد حول نفس الموضوع وبعنوان ((المكارثية الجديدة ‏في إسرائيل)) مؤرخ في 24 /2 /2010 يتحدث فيه من مقره في الناصره جوناثان كوك على ‏موقع‎ ‎‏ ‏Information Clearing House‏ عن مشروع قانون جديد اعدته لجنة وزارية مصغره ‏وسوف يعرض على مجلس الوزراء الاسبوع القادم والهدف منه التضيق على جماعات حقوق ‏الانسان في إسرائيل ! ‏

‏20 /2 /2010 ‏

هل وصلت المكارثية الى اسرائيل ؟
د. زيد حمزه

‏(( المكارثية )) نسبة للسناتور الاميركي سيء الذكر جوزيف مكارثي بعد أن قاد في خمسينات ‏القرن الماضي حملة مسعورة من اتهام الاميركيين المعارضين بعدم الولاء للوطن الى حد الاعتقال ‏والسجن تحت ذريعة الخطر الاحمر والخوف من الشيوعية وتبين أنها كانت حملة غير قانونية وأن ‏التهم بلا أدلة فقد أُبطلت جميعها فيما بعد .. وقد أخذت المكارثية يومذاك أشكالاً متعددة من الاعتداء ‏على الحريات الخاصة والعامه كالتنصت على التلفونات والمراقبة واقتحام البيوت وتفتيشها في غياب ‏ساكنيها ووصل الأمر حد حرق الكتب والصحف في الساحات العامه ومنع بعض النقابيين الناشطين ‏من التقدم لانتخابات نقاباتهم وملاحقتهم في عيشهم والتشهير بهم والايعاز بعدم تشغيلهم أو حرمانهم ‏من حقوقهم لدى أصحاب العمل ، حتى نقابات المهن السينمائية لم تَسلمْ من الحمله وقد شاع سراً اسم ‏الممثل الفاشل رونالد ريغان كعميل لمكتب التحقيقات الفدرالي ‏F.B.I‏ يتجسس على زملائه فينقل ‏أخبارهم وأفكارهم ويتسبب بالتالي بحجب فرص العمل عن كل من كان لديه اتجاه سياسي معارض أو ‏يساري أو اشتراكي .. ‏
لكن لماذا الحديث عن المكارثية الآن وقد مضى على عهدها الأسود نصف قرن ونيفّ ؟ ‏الجواب ليس لأنها لا تفتأ تظهر في صور أخرى كلما وجد اليمين الأميركي نفسه بحاجة لقمع قوى ‏المعارضة وتكميم أفواه المثقفين كما جاء في كتاب مايكل سافيج ‏Takeover‏ وكيف كان جورج بوش ‏وديك تشيني يوجهان عملية اعادة صياغة القوانين في الكونغرس كي تخدم هذا الغرض الخبيث ، ولا ‏لأن قانون الباتريوت نفسه الذي أُقحم على التشريعات الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وسَمَح ‏بالتجسس على المواطنين ومَسَخَ العديد من الحريات المدنية التي كانوا يتمتعون بها في ظل الدستور ، ‏ولا لأن المكارثية قد وصلت بلادنا العربية على حين غره فهي موجودة فيها دائماً تحت مسميات ‏مختلفة وبطرق (( قانونية )) ابتدعتها الحكومات وباركتها برلماناتها التي لها (( اتحاد عربي )) عتيد ! ‏بل لأنها وصلت أخيراً الى إسرائيل التي ظلت تتباهى – ومعها المخدوعون بها – بأنها قلعة ‏الديمقراطية وحصن حقوق الانسان في الشرق الاوسط الغارق في الأنظمة الشمولية أو الثيولوجية أو ‏العائلية، وهي تكتسحها الآن كما يكتب من القدس دونالد ماسنتاير ‏Donald Macintyre‏ في ‏الاندبندنت البريطانية (13/2/2010): (( أن المزاج المتوتر يفضي الى الرد الحاد على أولئك الذين ‏يتجرأون على انتقاد المؤسسة العسكرية أو الاختلاف مع السياسية الاسرائيلية الرسمية باتهامهم بانكار ‏شرعية الدولة ))، فمثلا أستاذة الجامعة نعومي خازان (63 سنه) النائبة السابقة في الكنيست ‏الاسرائيلي ورئيسة (( صندوق اسرائيل الجديده )) الذي حصل على مدى ثلاثين عاماً على تبرعات من ‏الولايات المتحدة وبريطانيا بلغت أكثر من 200 مليون دولار وقام بتوزيعها على 800 من مجموعات ‏حقوق الانسان أو جمعيات خيرية واجتماعية وهي التي (( تحب وطنها إسرائيل دون تحفظ على حد ‏تعبيرها )) ومعروف أنها صهيونية الفكر تعتقد بان اسرائيل لها حق البقاء كدولة ديمقراطية بغالبية ‏يهودية كما أن للفلسطينيين الحق في دولة غالبيتها فلسطينيون .. جرى فصلها ككاتبة عمود في ‏الجروسالم بوست بعد 14 سنة من العمل فيها واتُهمت في مقال بالجريدة وُزِّع على الصحفيين ‏الاجانب من قبل مكتب الصحافة الحكومي (( بأنها تخدم اجندة إيران وحماس )) ! كما اتهمتها ‏الجماعة اليمينية ‏Im Tirtzu ‎‏ أنها كانت وراء تقرير غولدستون بتزويده بمعلومات وبيانات جماعات ‏حقوق الأنسان التي ترعاها.. وقد دافع عنها الوزير العمالي في الائتلاف الحكومي اسحق هيرتزوغ ‏ووصف التعسف ضدها بالمكارثية ، أما خازان نفسها فتقول: هناك هجمة على الديمقراطية لخنق ‏الاصوات البديلة ، والاكثر خطورةً اعتبار النقد خيانة وخلف ذلك يقف أولئك الذين لا يريدون تسوية ‏سياسية ولا يريدون سلاماً، ويسعون لإلغاء شرعية حركة حقوق الانسان .. لقد أجْرتْ اسرائيل تحقيقاً ‏في كل الحروب التي خاضتها منذ 1973، لكن هذه هي المرة الأولى (الحرب على غزه) التي لا ‏تُجري فيها مثل هذا التحقيق .. ‏
وخازان التي تتعرض الآن لهجوم كاسح من المنظمات اليمينية ترحب بأن تحقق معها لجنة ‏من الكنيست وفي نفس الوقت تطالبها بأن تحقق في تمويل تلك المنظمات التي تتلقى مساعدات ‏مشبوهه من الخارج خاصة ‏Im Tirtzu‏ التي قبض رئيسها أموالاً من كنيسة جون هاجي ‏John ‎Hoggi Ministries‏ التي صرح مديرها القس الايفانجيلكي المتشدد علنا بأن الهولوكوست كان نعمة ‏من الله أدىّ الى خلق دولة إسرائيل !! ‏
وبعد .. يبدو أن (( المكارثية )) كامنه في نفوس أعداء الديمقراطية وحقوق الانسان الموجودين في كل ‏بلاد العالم والجاهزين دائماً لاتهام الآخرين بخيانة الوطن .. دون دليل !‏