27/3/2010
احقاً يمكن للمكارثية أن تعود ؟
ليس اجتهاداً مني كتبت فيما مضى عن عودة المكارثية الى أميركا بل تعليقاً على ما جاء في كتاب Take Over لمايكل سافيج وبعد ذلك عن وصولها الى اسرائيل كما كتب العديدون في الاوبزرفر والاندبنديت البريطانيتين، واليوم اجدني اكتب مرة أخرى بعد أن قرأت لجو كاناسون Joe Canason (الذي يكتب عادة للنييويورك أوبزرفر) مقالاً بعنوان (( المكارثية الجديده )) في موقع ال Inf. Cl. House 11 /3 /2010 جاء فيه: الجنون المتمسّح بالوطنية الذي عُرف بالمكارثية بدأ قبل ستين عاماً في ويلنغ / فرجينيا الجنوبية عندما لوّح جوزيف مكارثي بقائمة احتوت على 57 أسماً من موظفي وزارة الخارجية الاميركية وصفهم بأنهم شيوعيون وخَونَه وفي آخر المطاف اكتشفت أميركا حقيقة القائمة المشهورة التي لوّح بها وأنها كانت مختلقه أي كان كذّابا غوغائيا وفوق ذلك مدمن على الخمر ! ولم تكن الحملة المكارثية بالطبع وطنية بل كانت تخدم اغراضاً شخصية وقد احدثت ضرراً بالغاً على مجمل السياسة الاميركية وعلى السمعة الدولية للولايات المتحدة. لكن يبدو أن ورثة مكارثي في هذه الايام اشد مكراً وأقدر على التلاعب بالالفاظ أما وسائلهم فهي نفس الوسائل الدنيئة، خذ مثلا اليزابيث تشيني ووليام كريستول وحلفاؤهما من الاعلاميين وهم يتهجمون اليوم على المحامين المعتمدين من وزارة العدل الذين وكلتهم للدفاع عن متهمين بالارهاب من المعتقلين في معسكر غوانتانامو ويتهمونهم زوراً بأنهم أصبحوا عملاء (( للقاعدة )) ! كما أن هناك جماعة تدعى (( Keep America Safe )) تهاجم هؤلاء المحامين وتشكك في وطنيتهم وكأنهم فعلاً يشاركون رجال القاعدة عقيدتهم ، وهجوم هذه الجماعه يطال في نفس الوقت الرئيس أوباما وإريك هولدر النائب العام ..
إن الاستقامة والعدل هي من القيم التي يشترك في اعتناقها معظم الاميركيين لكن هذه الحمله الدنيئه تخرق تلك القيم فلو كان كل محام يدافع عن متهم بالارهاب يعتبر بهذا التصنيف متعاطفا مع الارهاب فان ذلك يعني أن نظامنا القضائي قد أصبح موضع شك وريبه فالعدالة في كل الدنيا تتطلب وجود محام لكل متهم بجريمة أياً كان نوع الجريمه .
ولكي يبعث جو كوناسون الأمل في النفوس يذكّر مواطنيه بأن نفراً من الاميركيين الشرفاء تمكنوا ذات يوم من إزالة شبح المكارثية الرهيبة عن البلاد بايقاف مكارثي عند حده إذ تقدموا الى الكونغرس بقرار لوم موجّه له على أفعاله وألاعيبه ومؤامراته ، ويمضي الكاتب: لقد شهدنا الاسبوع الماضي لحظة صدق جديدة حينما تقدم تسعة عشر محاميا بارزاً من الجمهوريين وبضمنهم كينيث ستار Kenneth Starr وآخرون من الذي كان قد عينهم بوش في وزارتي العدل والدفاع ، بمذكرة تستنكر نشاطات ومساعي جماعة Keep America Safe الظالمه والمشينه والمخرّبه ..
وبعد .. في مقال سابق انتهيتُ للقول : (( يبدو أن المكارثية كامنه في نفوس اعداء الديمقراطية وحقوق الانسان الموجودين في كل بلاد العالم والجاهزين دائماً لاتهام الآخرين بخيانة الوطن .. دون دليل ! )) واليوم لا أزيد .
الأربعاء، 31 مارس 2010
20/3/2010
في تايلاند عام 1988
د. زيد حمزه
حينما سلّمُت الدكتور آمون الطبيب المسؤول عن قسم الابحاث والدراسات في وزارة الصحة التايلاندية جائزة منظمة الصحة العالمية في جنيف في 16 /5 /1986 لم أكن قد استوعبت حجم العمل الرائد الذي انجزه حتى استحقها، وحينما زارني في مكتبي في عمان السنة التالية 1987 ضمن وفد من المنظمة العتيدة لبحث نظام الرعاية الصحية الذي حقق في الاردن انتشاراً واسعاً خلال فترة زمنية وجيزه، رجوته أن يشرح لي مشروعه عن (( القرى النموذجية )) لعلنا نفيد من تجربته بعدما علمت من حيثيات الجائزه أنه طُبق بنجاح في أكثر من ألفين ومائتي قرية في أقل من ثلاث سنوات.. بعد ذلك بشهور قليلة تلقت وزارة الصحة دعوة من منظمة الصحة العالمية لتشكيل وفد متعدد الاطراف ( الصحة والزراعه والاعلام والجامعات والمجتمع المدني ) لزيارة تايلاند والاطلاع على ما تم أنجازه على ارض الواقع وذلك كجزء من برنامج كبير أُعدّ لوفود أخرى من دول منطقة شرق المتوسط لنفس الغرض ..
في 5 /1/ 1988 التحقت بالوفد الاردني المكون من د. سليمان الصبيحي ود. سليمان قبعين ود. سعد حجازي وده. سيما بحوث وده. هيفاء أبو غزاله ود. غصوب العسلي وده. عيدة المطلق وهاني الفرحان في مدينة صغيرة تبعد عن العاصمه التايلاندية مسافة مائة كيلومتر بالسيارة وقد توجهنا في صباح اليوم التالي الى احدى القرى التي شملها برنامج آمون ، ومشياً على الاقدام كان تجوالنا فيها وأول ما لفت نظرنا النظافة التامة في الشوارع والمدارس والبيوت، ونظافة وبساطة وأناقة ملابس سكان القرية رغم فقرهم، كما لاحظنا التزام ممثليهم وانتظامهم في اللقاء اليومي لتبادل الملاحظات والاستماع للانتقادات قبل توجّه كل منهم الى عمله في المدرسة أو المركز الصحي او الجمعية التعاونية أو البلدية أو الحقل، وكان الراهب البوذي يستعمل مذياع المعبد لنقل وقائع الاجتماع وخاصة فيما يتعلق بالتوعية الصحية والاجتماعية .
عدنا من تايلاند متحمسين لتطبيق المشروع في الاردن سيّما وأنه لا يحتاج لتكاليف تذكر بل يوفر على الدولة نفقات أخرى في الصحه والتربية والزراعة ويمكن جنيُ ثماره في وقت قصير.. لكن .. ما أن بدأنا بإعداد خطة (( عمل الفريق )) الذي يضم عدة أطراف في الدولة والمجتمع المدني حتى تقدمت هيئة من تلك التي تُسمّى مؤسسات مستقلة ماليا واداريا وطلبتْ أن تقوم بمهمة تنفيذ المشروع ربما ظناً منها أن وراءه تمويلاً أجنبياً كبيراً ! ووافق بعض المسؤولين على طلبها وسط أوهام تفيد بأن التحرر من الروتين والبيروقراطية أو على الأصح العمل خارج الرقابة الادارية المتمثلة في ديوان الموظفين والرقابة المالية المتمثلة في ديوان المحاسبة سوف يجعل تطبيق المشروع أسهل وأسرع .. لذلك لقد كان المتوقع أن ينجح المشروع في مئات القرى الاردنية خلال وقت قياسي لتوفُّر البنية التحتية الجيدة التي تفتقر لها القرى التايلاندية لكن التوقع شيء والواقع شيء آخر بعيد عنه كل البعد رغم مرور أثنين وعشرين عاماً !.
وبعد .. إلى متى نعيش خدعة المؤسسات حيث لا مساءلة ولا محاسبة رغم الانفاق عليها من خزينة الدوله !؟ ( ملاحظة : بالصدفة يتقاطع هذا المقال مع حديث رئيس الوزراء قبل أيام عن تلك المؤسسات ).
في تايلاند عام 1988
د. زيد حمزه
حينما سلّمُت الدكتور آمون الطبيب المسؤول عن قسم الابحاث والدراسات في وزارة الصحة التايلاندية جائزة منظمة الصحة العالمية في جنيف في 16 /5 /1986 لم أكن قد استوعبت حجم العمل الرائد الذي انجزه حتى استحقها، وحينما زارني في مكتبي في عمان السنة التالية 1987 ضمن وفد من المنظمة العتيدة لبحث نظام الرعاية الصحية الذي حقق في الاردن انتشاراً واسعاً خلال فترة زمنية وجيزه، رجوته أن يشرح لي مشروعه عن (( القرى النموذجية )) لعلنا نفيد من تجربته بعدما علمت من حيثيات الجائزه أنه طُبق بنجاح في أكثر من ألفين ومائتي قرية في أقل من ثلاث سنوات.. بعد ذلك بشهور قليلة تلقت وزارة الصحة دعوة من منظمة الصحة العالمية لتشكيل وفد متعدد الاطراف ( الصحة والزراعه والاعلام والجامعات والمجتمع المدني ) لزيارة تايلاند والاطلاع على ما تم أنجازه على ارض الواقع وذلك كجزء من برنامج كبير أُعدّ لوفود أخرى من دول منطقة شرق المتوسط لنفس الغرض ..
في 5 /1/ 1988 التحقت بالوفد الاردني المكون من د. سليمان الصبيحي ود. سليمان قبعين ود. سعد حجازي وده. سيما بحوث وده. هيفاء أبو غزاله ود. غصوب العسلي وده. عيدة المطلق وهاني الفرحان في مدينة صغيرة تبعد عن العاصمه التايلاندية مسافة مائة كيلومتر بالسيارة وقد توجهنا في صباح اليوم التالي الى احدى القرى التي شملها برنامج آمون ، ومشياً على الاقدام كان تجوالنا فيها وأول ما لفت نظرنا النظافة التامة في الشوارع والمدارس والبيوت، ونظافة وبساطة وأناقة ملابس سكان القرية رغم فقرهم، كما لاحظنا التزام ممثليهم وانتظامهم في اللقاء اليومي لتبادل الملاحظات والاستماع للانتقادات قبل توجّه كل منهم الى عمله في المدرسة أو المركز الصحي او الجمعية التعاونية أو البلدية أو الحقل، وكان الراهب البوذي يستعمل مذياع المعبد لنقل وقائع الاجتماع وخاصة فيما يتعلق بالتوعية الصحية والاجتماعية .
عدنا من تايلاند متحمسين لتطبيق المشروع في الاردن سيّما وأنه لا يحتاج لتكاليف تذكر بل يوفر على الدولة نفقات أخرى في الصحه والتربية والزراعة ويمكن جنيُ ثماره في وقت قصير.. لكن .. ما أن بدأنا بإعداد خطة (( عمل الفريق )) الذي يضم عدة أطراف في الدولة والمجتمع المدني حتى تقدمت هيئة من تلك التي تُسمّى مؤسسات مستقلة ماليا واداريا وطلبتْ أن تقوم بمهمة تنفيذ المشروع ربما ظناً منها أن وراءه تمويلاً أجنبياً كبيراً ! ووافق بعض المسؤولين على طلبها وسط أوهام تفيد بأن التحرر من الروتين والبيروقراطية أو على الأصح العمل خارج الرقابة الادارية المتمثلة في ديوان الموظفين والرقابة المالية المتمثلة في ديوان المحاسبة سوف يجعل تطبيق المشروع أسهل وأسرع .. لذلك لقد كان المتوقع أن ينجح المشروع في مئات القرى الاردنية خلال وقت قياسي لتوفُّر البنية التحتية الجيدة التي تفتقر لها القرى التايلاندية لكن التوقع شيء والواقع شيء آخر بعيد عنه كل البعد رغم مرور أثنين وعشرين عاماً !.
وبعد .. إلى متى نعيش خدعة المؤسسات حيث لا مساءلة ولا محاسبة رغم الانفاق عليها من خزينة الدوله !؟ ( ملاحظة : بالصدفة يتقاطع هذا المقال مع حديث رئيس الوزراء قبل أيام عن تلك المؤسسات ).
الأحد، 14 مارس 2010
13 / 3 / 2010
الرجوع عن الخطأ .. فضيلة ديمقراطية
د. زيد حمزه
ليس صحيحاً أن النقد في بلدنا لا يجدي وأن ما تكتبه الصحف اعتراضاً على خطأ ما يذهب ادراج الرياح وبالمقابل ليس أدعي الى الاحباط من القول الدارج (( ماحدا قاري ورق )) ! ففي جعبتي العديد من الأمثلة على قضايا عايشتها وعالجتها بالكتابة الصحفية وسعدتُ بنتائجها الايجابية وحتى لا أذهب بعيداً في الماضي المنسيّ أضربُ مثلا طازجاً هو مشروع قانون الاخطاء الطبية الذي طُرح لاول مرة قبل سنوات عديدة واستمر وزراء الصحة المتعاقبون يعرضونه للنقاش المفتوح في اجتماعات المجلس الصحي العالي ولا بد أنهم وسواهم من المسؤولين المعنيين كانوا في نفس الوقت يُصغون بطريقة او بأخرى لما يقوله عنه المختصون والمهتمون في الندوات العامه أو الحوارات التلفزيونية أو الصحف وذلك بحد ذاته سلوك ديمقراطي حميد خصوصاً بعد ما تبيّن لهم ألاّ احد ضد مساءلة طبيبٍ يخطئ فيُحدث ضرراً لمريضه أو يتسبب له بعاهة أو اعاقة او يودي به الى الموت، سواء كان هذا الخطأ إهمالاً أو نقصاً في المعرفة أو ضعفاً في الحذق .
ولقد تمثل تجاوب المسؤولين بتعديلٍ مهمٍّ ظهر في مشروع القانون لسنة 2007 إذ ألغيت المادة التي كانت تُلزم الاطباء بأن يؤمّنوا أنفسهم لدى شركات التأمين لتغطية التعويضات الناشئه عن ممارسة عملهم (على نمط التأمين على السيارات !)، وقد اعتبُر هذا الالغاء رجوعاً عن الخطأ بعد الاتهامات التي وُجِّهت للمادة بأنها انصياع لاوامر صندوق البنك الدولي واتفاقية التجارة العالمية، أو مجرد اعجاب البعض بأنظمةٍ مشابهةٍ في الدول الغربية ثبت مع الزمن أنها خّربت العلاقة الانسانية بين الطبيب والمريض وحوّلتها الى علاقةِ تربُّصٍ واقتناصٍ وابتزاز لأن الهدف الحقيقي زيادة ارباح تلك الشركات .
لكن يبدو أن هذا الالغاء لم يكن جذريا فقد استبُدلت شركات التأمين بصندوق في نقابة الاطباء (( يسمى صندوق المسؤولية الطبية لتغطية الاضرار الناشئه عن ممارسة الطبيب لعمله )) ولقد قلنا وقال غيرنا الكثير في انتقاد هذا البديل الذي اقترحَتْه النقابة بحسن نية ربما تخلصاً من مأزق تسليم رقاب الاطباء لشركات التأمين، فهو في نظرنا تورّطٌ محفوف بالمخاطر وعبٌء مالي يقع على اكتاف كل اطباء هذا البلد ولم تُستشر فيه الهيئة العامه بأغلبية حقيقيه تبلغ الآلاف وليس بالنصاب القانوني لأي عدد لا يتعدى ستين طبيباً في الجلسة الثانية !، ولو أُجريتْ اي دراسة اكتوارية لقالتْ بعدم جدواه ولتنبأت بافلاسه في زمن قصير كي تتلقفه وتشتريه عندئذ شركات التأمين فنعود الى سيطرتها من جديد ! هذا بالاضافة الى الاعتراض القائل: لماذا يدفع كل أطباء المملكه وفيهم عدد كبير من محدودي الدخل كأطباء الحكومه ثمن أخطاء بضعة جراحين، هم عادة في القطاع الخاص ومن ذوي الدخل العالي، يستطيعون لا بل عليهم وحدهم أن يتحملوا عقوبة التعويض أو سواه .. ويمكن الاستنتاج بأن التجاوب مع هذه الانتقادات كان السبب المنطقى لالغاء صندوق النقابة فآخر مشروع لقانون المسؤولية الطبية لسنة 2009 الذي وزعه علينا المجلس الصحي العالي الشهر الماضي لمناقشته في اجتماع قريب خلا تماماً من هذه الماده.
وبعد .. إننا ونحن نثني على الروح الديمقراطية التي تجلت في طرح مشروع القانون على المناقشة الحره لَنؤكدُ من جديد اننا مع المساءله لا ضدها وأن مرجعها الحقيقي هو القضاء فمحاكمنا ومنذ تأسيس الدولة الاردنية كانت وما زالت تحكم على الطبيب المخطئ حين تدينه إما بالسجن أو بالتعويض على المريض المتضرر بالمبلغ الذي تراه مناسباً لا الذي تحدده شركة التأمين أو أي صندوق آخر بديل ! وأن على نقابة الاطباء أن تتفرغ لمعالجة ومتابعة شكاوى المرضى من سلوكيات اعضائها بتطبيق حازم لدستورها الطبي، وعلى وزارة الصحه حسب قانونها أن تحاسب المستشفيات الخاصه على ما يضج منه المواطنون كل يوم من مبالغات في الاجور ومن استغلال ماديّ متمثل في كثرة استخدام الفحوص المخبرية والصور الشعاعية وبعض الاجهزة التشخيصية الحديثة المكلفة بهدف (( تسمين )) الفاتورة النهائية ، ناهيك عن الاحتماء اعلامياً وراء دور هذه المستشفيات في رفد الاقتصاد الوطني بدخل هائل(!) من وراء .. (( السياحة العلاجية )) !
الرجوع عن الخطأ .. فضيلة ديمقراطية
د. زيد حمزه
ليس صحيحاً أن النقد في بلدنا لا يجدي وأن ما تكتبه الصحف اعتراضاً على خطأ ما يذهب ادراج الرياح وبالمقابل ليس أدعي الى الاحباط من القول الدارج (( ماحدا قاري ورق )) ! ففي جعبتي العديد من الأمثلة على قضايا عايشتها وعالجتها بالكتابة الصحفية وسعدتُ بنتائجها الايجابية وحتى لا أذهب بعيداً في الماضي المنسيّ أضربُ مثلا طازجاً هو مشروع قانون الاخطاء الطبية الذي طُرح لاول مرة قبل سنوات عديدة واستمر وزراء الصحة المتعاقبون يعرضونه للنقاش المفتوح في اجتماعات المجلس الصحي العالي ولا بد أنهم وسواهم من المسؤولين المعنيين كانوا في نفس الوقت يُصغون بطريقة او بأخرى لما يقوله عنه المختصون والمهتمون في الندوات العامه أو الحوارات التلفزيونية أو الصحف وذلك بحد ذاته سلوك ديمقراطي حميد خصوصاً بعد ما تبيّن لهم ألاّ احد ضد مساءلة طبيبٍ يخطئ فيُحدث ضرراً لمريضه أو يتسبب له بعاهة أو اعاقة او يودي به الى الموت، سواء كان هذا الخطأ إهمالاً أو نقصاً في المعرفة أو ضعفاً في الحذق .
ولقد تمثل تجاوب المسؤولين بتعديلٍ مهمٍّ ظهر في مشروع القانون لسنة 2007 إذ ألغيت المادة التي كانت تُلزم الاطباء بأن يؤمّنوا أنفسهم لدى شركات التأمين لتغطية التعويضات الناشئه عن ممارسة عملهم (على نمط التأمين على السيارات !)، وقد اعتبُر هذا الالغاء رجوعاً عن الخطأ بعد الاتهامات التي وُجِّهت للمادة بأنها انصياع لاوامر صندوق البنك الدولي واتفاقية التجارة العالمية، أو مجرد اعجاب البعض بأنظمةٍ مشابهةٍ في الدول الغربية ثبت مع الزمن أنها خّربت العلاقة الانسانية بين الطبيب والمريض وحوّلتها الى علاقةِ تربُّصٍ واقتناصٍ وابتزاز لأن الهدف الحقيقي زيادة ارباح تلك الشركات .
لكن يبدو أن هذا الالغاء لم يكن جذريا فقد استبُدلت شركات التأمين بصندوق في نقابة الاطباء (( يسمى صندوق المسؤولية الطبية لتغطية الاضرار الناشئه عن ممارسة الطبيب لعمله )) ولقد قلنا وقال غيرنا الكثير في انتقاد هذا البديل الذي اقترحَتْه النقابة بحسن نية ربما تخلصاً من مأزق تسليم رقاب الاطباء لشركات التأمين، فهو في نظرنا تورّطٌ محفوف بالمخاطر وعبٌء مالي يقع على اكتاف كل اطباء هذا البلد ولم تُستشر فيه الهيئة العامه بأغلبية حقيقيه تبلغ الآلاف وليس بالنصاب القانوني لأي عدد لا يتعدى ستين طبيباً في الجلسة الثانية !، ولو أُجريتْ اي دراسة اكتوارية لقالتْ بعدم جدواه ولتنبأت بافلاسه في زمن قصير كي تتلقفه وتشتريه عندئذ شركات التأمين فنعود الى سيطرتها من جديد ! هذا بالاضافة الى الاعتراض القائل: لماذا يدفع كل أطباء المملكه وفيهم عدد كبير من محدودي الدخل كأطباء الحكومه ثمن أخطاء بضعة جراحين، هم عادة في القطاع الخاص ومن ذوي الدخل العالي، يستطيعون لا بل عليهم وحدهم أن يتحملوا عقوبة التعويض أو سواه .. ويمكن الاستنتاج بأن التجاوب مع هذه الانتقادات كان السبب المنطقى لالغاء صندوق النقابة فآخر مشروع لقانون المسؤولية الطبية لسنة 2009 الذي وزعه علينا المجلس الصحي العالي الشهر الماضي لمناقشته في اجتماع قريب خلا تماماً من هذه الماده.
وبعد .. إننا ونحن نثني على الروح الديمقراطية التي تجلت في طرح مشروع القانون على المناقشة الحره لَنؤكدُ من جديد اننا مع المساءله لا ضدها وأن مرجعها الحقيقي هو القضاء فمحاكمنا ومنذ تأسيس الدولة الاردنية كانت وما زالت تحكم على الطبيب المخطئ حين تدينه إما بالسجن أو بالتعويض على المريض المتضرر بالمبلغ الذي تراه مناسباً لا الذي تحدده شركة التأمين أو أي صندوق آخر بديل ! وأن على نقابة الاطباء أن تتفرغ لمعالجة ومتابعة شكاوى المرضى من سلوكيات اعضائها بتطبيق حازم لدستورها الطبي، وعلى وزارة الصحه حسب قانونها أن تحاسب المستشفيات الخاصه على ما يضج منه المواطنون كل يوم من مبالغات في الاجور ومن استغلال ماديّ متمثل في كثرة استخدام الفحوص المخبرية والصور الشعاعية وبعض الاجهزة التشخيصية الحديثة المكلفة بهدف (( تسمين )) الفاتورة النهائية ، ناهيك عن الاحتماء اعلامياً وراء دور هذه المستشفيات في رفد الاقتصاد الوطني بدخل هائل(!) من وراء .. (( السياحة العلاجية )) !
السبت، 6 مارس 2010
6 /3 /2010
إنهم يسرقون .. حتى السمك !
د. زيد حمزه
أتحدث اليوم عن المقابلة التي اجراها ميشيل كولون Michel Colon وغريغوار لالو Gregoire Lalieu على موقعهما في 10 شباط 2010 في سلسلة من مقابلات (( لفهم العالم الاسلامي )) مع محمد حسن وكانت حول الصومال وكيف دفعته القوى الاستعمارية الى حالة من الفوضى الشامله، فمن هو أولاً محمد حسن هذا ؟ إنه خبير في شؤون العالم العربي من الناحية الجيوسياسية، ولد في اديس أبابا (أثيوبيا) وشارك في بلده حين كان طالباً في الثورة الاشتراكية عام 1974 وقد درس بعد ذلك العلوم السياسية في مصر قبل أن يتخصص في الادارة العامه في بروكسل ، وحين أصبح موظفاً في السلك الدبلوماسي عمل في سفارات أثيوبيا في كل من واشنطن وبيجين وبروكسل وشارك في تأليف كتاب (( احتلال العراق )) عام 2003 وعدة كتب أخرى عن القومية العربية والحركات الاسلامية ..
يقدم الكاتبان للمقابلة بالقول : (( تَوفرَّت للصومال كل اسباب النجاح من موقع جغرافي متميز ونفط ومعادن خام وديانة واحده ولغة واحدة لجميع من فيها (مع تنوع ثقافي واسع) وتلك بمجملها تشكّل ظاهرة نادرة في افريقيا كان من الممكن بموجبها أن يصبح الصومال قوة كبرى في المنطقة لكن الحقيقة المائلة مختلفة تماما، فالمجاعة والحروب القبلية والنهب والسلب والقرصنة هي الحالة السائدة فيه فكيف حدث هذا التدهور المروّع ؟ لماذا ليس هناك حكومة صومالية حتى الآن ومنذ عشرين عاماً تقريبا ؟ ما هي الخفايا وراء أولئك القراصنة الذين يخطفون سفننا ؟ في هذه الحلقة الجديدة من سلسلة مقابلاتنا حول (( فهم العالم الاسلامي )) يشرح لنا محمد حسن أيضاً لماذا وكيف طبقت القوى الامبريالية نظرية الفوضى ..))
من ناحيتي سوف اقتطف من المقابلة فقط ما جاء حول القرصنة الصومالية ومن هم أولئك القراصنة الذين دوّخوا أساطيل الدول الكبرى في السنوات الأخيرة وقد كان جواب محمد حسن على النحو التالي: منذ عام 1990 لم تعد هناك حكومة في الصومال وأصبحت البلاد في أيدي أمراء الحرب ، وقد اغتنمت سفن الصيد الاوروبية والآسيوية الكبيرة المتخصصه فرصة هذه الحالة الفوضوية وراحت تقوم بصيد الأسماك على طول الساحل الصومالي دون أي ترخيص أو أي احترام لأبسط القواعد المرعية، ولم تراع حتى نظام الحصص المطبق في بلادها لحماية النوع (الاحياء المائيه) فاستخدمت وسائل وطرقاً عنيفة في الصيد – ألى حد استعمال المتفجرات – أدت الى تدمير واسع للثروة البحرية الصومالية فلم يعد بأمكان الصيادين الصوماليين البسطاء الذين كانت لديهم وسائل بدائية لصيد السمك أن يعملوا ويجنوا رزقهم بعد أن سرقت شركات الصيد الكبرى اللقمة من أفواههم، ولمقاومة هذا الوضع البائس والمصير المحتوم قرروا أن يتحولوا الى قراصنة كي يحموا أنفسهم ومياههم، وهذا بالضبط ما لم تتورع الولايات المتحدة نفسها عن القيام بمثله خلال الحرب الاهلية ضد البريطانيين ( 1756 – 1763 ) حين اضطر الرئيس جورج واشنطن الذي لم يكن لديه اسطول يدافع به عن شواطئه أن يعقد اتفاقية مع عصابات القراصنة (!) للمحافظة على الثروة البحرية الاميركية ..
وبعد .. أما باقي القصة المأساوية لهذا البلد العربي الذي كان أول من طُبقت عليه (( نظرية الفوضى )) بعد أن أقرها اجتماع لمنظمة غير رسمية تدعى (( نادي السفاري )) ضم شاه أيران وموبوتو ودولتين عربيتين وأجهزة مخابرات فرنسية وباكستانية عام 1977 وكان الغريب حضور هنري كيسنجر دون أن تكون له في ذلك الوقت صفة حكوميه ! وقد جرى فيه استمالة سياد بري رئيس الصومال آنذاك مع وعده بمساعدات سخية مقابل التحول عن تحالفه مع الاتحاد السوفيتي .. فذلك ما يحتاج لمقال آخر !
إنهم يسرقون .. حتى السمك !
د. زيد حمزه
أتحدث اليوم عن المقابلة التي اجراها ميشيل كولون Michel Colon وغريغوار لالو Gregoire Lalieu على موقعهما في 10 شباط 2010 في سلسلة من مقابلات (( لفهم العالم الاسلامي )) مع محمد حسن وكانت حول الصومال وكيف دفعته القوى الاستعمارية الى حالة من الفوضى الشامله، فمن هو أولاً محمد حسن هذا ؟ إنه خبير في شؤون العالم العربي من الناحية الجيوسياسية، ولد في اديس أبابا (أثيوبيا) وشارك في بلده حين كان طالباً في الثورة الاشتراكية عام 1974 وقد درس بعد ذلك العلوم السياسية في مصر قبل أن يتخصص في الادارة العامه في بروكسل ، وحين أصبح موظفاً في السلك الدبلوماسي عمل في سفارات أثيوبيا في كل من واشنطن وبيجين وبروكسل وشارك في تأليف كتاب (( احتلال العراق )) عام 2003 وعدة كتب أخرى عن القومية العربية والحركات الاسلامية ..
يقدم الكاتبان للمقابلة بالقول : (( تَوفرَّت للصومال كل اسباب النجاح من موقع جغرافي متميز ونفط ومعادن خام وديانة واحده ولغة واحدة لجميع من فيها (مع تنوع ثقافي واسع) وتلك بمجملها تشكّل ظاهرة نادرة في افريقيا كان من الممكن بموجبها أن يصبح الصومال قوة كبرى في المنطقة لكن الحقيقة المائلة مختلفة تماما، فالمجاعة والحروب القبلية والنهب والسلب والقرصنة هي الحالة السائدة فيه فكيف حدث هذا التدهور المروّع ؟ لماذا ليس هناك حكومة صومالية حتى الآن ومنذ عشرين عاماً تقريبا ؟ ما هي الخفايا وراء أولئك القراصنة الذين يخطفون سفننا ؟ في هذه الحلقة الجديدة من سلسلة مقابلاتنا حول (( فهم العالم الاسلامي )) يشرح لنا محمد حسن أيضاً لماذا وكيف طبقت القوى الامبريالية نظرية الفوضى ..))
من ناحيتي سوف اقتطف من المقابلة فقط ما جاء حول القرصنة الصومالية ومن هم أولئك القراصنة الذين دوّخوا أساطيل الدول الكبرى في السنوات الأخيرة وقد كان جواب محمد حسن على النحو التالي: منذ عام 1990 لم تعد هناك حكومة في الصومال وأصبحت البلاد في أيدي أمراء الحرب ، وقد اغتنمت سفن الصيد الاوروبية والآسيوية الكبيرة المتخصصه فرصة هذه الحالة الفوضوية وراحت تقوم بصيد الأسماك على طول الساحل الصومالي دون أي ترخيص أو أي احترام لأبسط القواعد المرعية، ولم تراع حتى نظام الحصص المطبق في بلادها لحماية النوع (الاحياء المائيه) فاستخدمت وسائل وطرقاً عنيفة في الصيد – ألى حد استعمال المتفجرات – أدت الى تدمير واسع للثروة البحرية الصومالية فلم يعد بأمكان الصيادين الصوماليين البسطاء الذين كانت لديهم وسائل بدائية لصيد السمك أن يعملوا ويجنوا رزقهم بعد أن سرقت شركات الصيد الكبرى اللقمة من أفواههم، ولمقاومة هذا الوضع البائس والمصير المحتوم قرروا أن يتحولوا الى قراصنة كي يحموا أنفسهم ومياههم، وهذا بالضبط ما لم تتورع الولايات المتحدة نفسها عن القيام بمثله خلال الحرب الاهلية ضد البريطانيين ( 1756 – 1763 ) حين اضطر الرئيس جورج واشنطن الذي لم يكن لديه اسطول يدافع به عن شواطئه أن يعقد اتفاقية مع عصابات القراصنة (!) للمحافظة على الثروة البحرية الاميركية ..
وبعد .. أما باقي القصة المأساوية لهذا البلد العربي الذي كان أول من طُبقت عليه (( نظرية الفوضى )) بعد أن أقرها اجتماع لمنظمة غير رسمية تدعى (( نادي السفاري )) ضم شاه أيران وموبوتو ودولتين عربيتين وأجهزة مخابرات فرنسية وباكستانية عام 1977 وكان الغريب حضور هنري كيسنجر دون أن تكون له في ذلك الوقت صفة حكوميه ! وقد جرى فيه استمالة سياد بري رئيس الصومال آنذاك مع وعده بمساعدات سخية مقابل التحول عن تحالفه مع الاتحاد السوفيتي .. فذلك ما يحتاج لمقال آخر !
27 /2 /2010
عن نعومي خازان مرة أخرى
د. زيد حمزه
ليس بالصدفة ولا توارد الخواطر بل من الواقع وتوارد المعلومات يظهر مقال في الاوبزيرفر البريطانية يوم الاحد 21 /2 /2010 أي في اليوم التالي لمقالي السبت 20/2/2010 ويتحدث عن نفس الموضوع الذي ناقشت فيه الجو السياسي المتوتر الذي أصبح يسود اسرائيل مؤخراً فيفضي الى الانفعال في ردود الفعل الرسمية الحادة على الهيئات أو الناشطين السياسيين الذين يتجرأون على انتقاد حكومتهم أو مؤسستهم العسكرية باتهامهم – وهم مواطنون من الدرجة الاولى – بانهم يتنكرون لشرعية الدوله ! وقد ضرب كاتب المقال على ذلك نفس المثل الذي أوردته في مقالي حول الهجوم الشديد الذي تعرضت له نعومي خازان كما كتب Donald Macintyre في الغارديان البريطانية 13 /2 /2010 وهي النائبة السابقة في الكنيست والمختصه المرموقة في العلوم السياسية التي كانت تكتب عموداً منتظماً في صحيفة الجروسالم بوست على مدى الاربعة عشر عاما الماضية وكيف أوقفت عن الكتابة واتهُمت بأن صندوق اسرائيل الجديد New Israel Fund الذي ترئسه يخدم بطريقة غير مباشرة اجندة ايران وحماس حين يقدم الدعم المالي لجماعات حقوق الانسان في إسرائيل التي تتحدى وتفضح تجاوزات ترتكبها حكومة البلاد واجهزتها الأمنية كما أن هذه الجماعات زوّدت القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون ببيانات ومعلومات ساعدته على إصدار تقريره المعروف الذي رفضته اسرائيل واحتجت على ما جاء فيه وأساء لسمعتها في العالم .
كاتب مقال الأوبزيرفر هو روري مكارثي الذي لا علاقة له البته بسيء الذكر جون مكارثي السناتور الأميركي الذي أشرت له في مقالي واشتُهرت باسمه (( المكارثية )) وهي الحملة القمعية المناهضة للحريات التي قادها في أميركا في خمسينات القرن الماضي، فتشابُهُ الاسميْن مصادفةٌ عكسية بحته ! وهو أي روري مكارثي مراسل الغارديان في القدس وقد كتب مقاله الاخير قبيل مغادرته لاسرائيل بعد أن قضى فيها اربع سنوات وقد سلطّ فيه الضوء على ظاهرة تَشنُّج إسرائيل تجاه اي اختلاف معها في الرأي وبيَّن ان جواً مختلفاً يسود الاسرائيلين الآن وقد باتوا يشعرون بأنهم يعيشون في عالم لم يعد متعاطفاً معهم كما كان في السابق خاصةً بعد اهانة أيالون نائب وزير الخارجية للسفير التركي واضطراره للاعتذار فيما بعد، وبعد رفضِهِ استقبال وفد الكونغرس الأميركي لانه جاء مع اعضاء من J Street وهي جماعة ضغط أميركية يهودية شعارها (( مع اسرائيل لكن مع السلام )) وسياستها تتعارض مع سياسة جماعات اللوبي الصهيوني المعروفه مثل الايباك وأخيراً بعد غضب بعض الدول الأوروبية التي استخدم قتلة المبحوح جوازات سفرها .
لعل اخطر ما في مقال الاوبزرفر هو أن التساؤل والاعتراض يأتي في إسرائيل احيانا من جهات لا تخطر على البال أبداً فمثلاً (( مجموعة كسر الصمت )) Breaking the Silence التي يدعمها صندوق اسرائيل الجديد (نعومي خازان) هي منظمة شكلّها جنود سابقون في الجيش يطالبون بحوار وطني عام حول (( الثمن الاخلاقي )) الذي يدفعه المجتمع الاسرائيلي مقابل الاحتلال ! ويجمعون من أجل ذلك شهادات من الجنود عن تجاربهم الفظيعة وهؤلاء بالطبع لا يمكن التفكير بأنهم معادون لاسرائيل ..
وبعد .. قبل النشر وصلني مقال جديد حول نفس الموضوع وبعنوان ((المكارثية الجديدة في إسرائيل)) مؤرخ في 24 /2 /2010 يتحدث فيه من مقره في الناصره جوناثان كوك على موقع Information Clearing House عن مشروع قانون جديد اعدته لجنة وزارية مصغره وسوف يعرض على مجلس الوزراء الاسبوع القادم والهدف منه التضيق على جماعات حقوق الانسان في إسرائيل !
عن نعومي خازان مرة أخرى
د. زيد حمزه
ليس بالصدفة ولا توارد الخواطر بل من الواقع وتوارد المعلومات يظهر مقال في الاوبزيرفر البريطانية يوم الاحد 21 /2 /2010 أي في اليوم التالي لمقالي السبت 20/2/2010 ويتحدث عن نفس الموضوع الذي ناقشت فيه الجو السياسي المتوتر الذي أصبح يسود اسرائيل مؤخراً فيفضي الى الانفعال في ردود الفعل الرسمية الحادة على الهيئات أو الناشطين السياسيين الذين يتجرأون على انتقاد حكومتهم أو مؤسستهم العسكرية باتهامهم – وهم مواطنون من الدرجة الاولى – بانهم يتنكرون لشرعية الدوله ! وقد ضرب كاتب المقال على ذلك نفس المثل الذي أوردته في مقالي حول الهجوم الشديد الذي تعرضت له نعومي خازان كما كتب Donald Macintyre في الغارديان البريطانية 13 /2 /2010 وهي النائبة السابقة في الكنيست والمختصه المرموقة في العلوم السياسية التي كانت تكتب عموداً منتظماً في صحيفة الجروسالم بوست على مدى الاربعة عشر عاما الماضية وكيف أوقفت عن الكتابة واتهُمت بأن صندوق اسرائيل الجديد New Israel Fund الذي ترئسه يخدم بطريقة غير مباشرة اجندة ايران وحماس حين يقدم الدعم المالي لجماعات حقوق الانسان في إسرائيل التي تتحدى وتفضح تجاوزات ترتكبها حكومة البلاد واجهزتها الأمنية كما أن هذه الجماعات زوّدت القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون ببيانات ومعلومات ساعدته على إصدار تقريره المعروف الذي رفضته اسرائيل واحتجت على ما جاء فيه وأساء لسمعتها في العالم .
كاتب مقال الأوبزيرفر هو روري مكارثي الذي لا علاقة له البته بسيء الذكر جون مكارثي السناتور الأميركي الذي أشرت له في مقالي واشتُهرت باسمه (( المكارثية )) وهي الحملة القمعية المناهضة للحريات التي قادها في أميركا في خمسينات القرن الماضي، فتشابُهُ الاسميْن مصادفةٌ عكسية بحته ! وهو أي روري مكارثي مراسل الغارديان في القدس وقد كتب مقاله الاخير قبيل مغادرته لاسرائيل بعد أن قضى فيها اربع سنوات وقد سلطّ فيه الضوء على ظاهرة تَشنُّج إسرائيل تجاه اي اختلاف معها في الرأي وبيَّن ان جواً مختلفاً يسود الاسرائيلين الآن وقد باتوا يشعرون بأنهم يعيشون في عالم لم يعد متعاطفاً معهم كما كان في السابق خاصةً بعد اهانة أيالون نائب وزير الخارجية للسفير التركي واضطراره للاعتذار فيما بعد، وبعد رفضِهِ استقبال وفد الكونغرس الأميركي لانه جاء مع اعضاء من J Street وهي جماعة ضغط أميركية يهودية شعارها (( مع اسرائيل لكن مع السلام )) وسياستها تتعارض مع سياسة جماعات اللوبي الصهيوني المعروفه مثل الايباك وأخيراً بعد غضب بعض الدول الأوروبية التي استخدم قتلة المبحوح جوازات سفرها .
لعل اخطر ما في مقال الاوبزرفر هو أن التساؤل والاعتراض يأتي في إسرائيل احيانا من جهات لا تخطر على البال أبداً فمثلاً (( مجموعة كسر الصمت )) Breaking the Silence التي يدعمها صندوق اسرائيل الجديد (نعومي خازان) هي منظمة شكلّها جنود سابقون في الجيش يطالبون بحوار وطني عام حول (( الثمن الاخلاقي )) الذي يدفعه المجتمع الاسرائيلي مقابل الاحتلال ! ويجمعون من أجل ذلك شهادات من الجنود عن تجاربهم الفظيعة وهؤلاء بالطبع لا يمكن التفكير بأنهم معادون لاسرائيل ..
وبعد .. قبل النشر وصلني مقال جديد حول نفس الموضوع وبعنوان ((المكارثية الجديدة في إسرائيل)) مؤرخ في 24 /2 /2010 يتحدث فيه من مقره في الناصره جوناثان كوك على موقع Information Clearing House عن مشروع قانون جديد اعدته لجنة وزارية مصغره وسوف يعرض على مجلس الوزراء الاسبوع القادم والهدف منه التضيق على جماعات حقوق الانسان في إسرائيل !
20 /2 /2010
هل وصلت المكارثية الى اسرائيل ؟
د. زيد حمزه
(( المكارثية )) نسبة للسناتور الاميركي سيء الذكر جوزيف مكارثي بعد أن قاد في خمسينات القرن الماضي حملة مسعورة من اتهام الاميركيين المعارضين بعدم الولاء للوطن الى حد الاعتقال والسجن تحت ذريعة الخطر الاحمر والخوف من الشيوعية وتبين أنها كانت حملة غير قانونية وأن التهم بلا أدلة فقد أُبطلت جميعها فيما بعد .. وقد أخذت المكارثية يومذاك أشكالاً متعددة من الاعتداء على الحريات الخاصة والعامه كالتنصت على التلفونات والمراقبة واقتحام البيوت وتفتيشها في غياب ساكنيها ووصل الأمر حد حرق الكتب والصحف في الساحات العامه ومنع بعض النقابيين الناشطين من التقدم لانتخابات نقاباتهم وملاحقتهم في عيشهم والتشهير بهم والايعاز بعدم تشغيلهم أو حرمانهم من حقوقهم لدى أصحاب العمل ، حتى نقابات المهن السينمائية لم تَسلمْ من الحمله وقد شاع سراً اسم الممثل الفاشل رونالد ريغان كعميل لمكتب التحقيقات الفدرالي F.B.I يتجسس على زملائه فينقل أخبارهم وأفكارهم ويتسبب بالتالي بحجب فرص العمل عن كل من كان لديه اتجاه سياسي معارض أو يساري أو اشتراكي ..
لكن لماذا الحديث عن المكارثية الآن وقد مضى على عهدها الأسود نصف قرن ونيفّ ؟ الجواب ليس لأنها لا تفتأ تظهر في صور أخرى كلما وجد اليمين الأميركي نفسه بحاجة لقمع قوى المعارضة وتكميم أفواه المثقفين كما جاء في كتاب مايكل سافيج Takeover وكيف كان جورج بوش وديك تشيني يوجهان عملية اعادة صياغة القوانين في الكونغرس كي تخدم هذا الغرض الخبيث ، ولا لأن قانون الباتريوت نفسه الذي أُقحم على التشريعات الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وسَمَح بالتجسس على المواطنين ومَسَخَ العديد من الحريات المدنية التي كانوا يتمتعون بها في ظل الدستور ، ولا لأن المكارثية قد وصلت بلادنا العربية على حين غره فهي موجودة فيها دائماً تحت مسميات مختلفة وبطرق (( قانونية )) ابتدعتها الحكومات وباركتها برلماناتها التي لها (( اتحاد عربي )) عتيد ! بل لأنها وصلت أخيراً الى إسرائيل التي ظلت تتباهى – ومعها المخدوعون بها – بأنها قلعة الديمقراطية وحصن حقوق الانسان في الشرق الاوسط الغارق في الأنظمة الشمولية أو الثيولوجية أو العائلية، وهي تكتسحها الآن كما يكتب من القدس دونالد ماسنتاير Donald Macintyre في الاندبندنت البريطانية (13/2/2010): (( أن المزاج المتوتر يفضي الى الرد الحاد على أولئك الذين يتجرأون على انتقاد المؤسسة العسكرية أو الاختلاف مع السياسية الاسرائيلية الرسمية باتهامهم بانكار شرعية الدولة ))، فمثلا أستاذة الجامعة نعومي خازان (63 سنه) النائبة السابقة في الكنيست الاسرائيلي ورئيسة (( صندوق اسرائيل الجديده )) الذي حصل على مدى ثلاثين عاماً على تبرعات من الولايات المتحدة وبريطانيا بلغت أكثر من 200 مليون دولار وقام بتوزيعها على 800 من مجموعات حقوق الانسان أو جمعيات خيرية واجتماعية وهي التي (( تحب وطنها إسرائيل دون تحفظ على حد تعبيرها )) ومعروف أنها صهيونية الفكر تعتقد بان اسرائيل لها حق البقاء كدولة ديمقراطية بغالبية يهودية كما أن للفلسطينيين الحق في دولة غالبيتها فلسطينيون .. جرى فصلها ككاتبة عمود في الجروسالم بوست بعد 14 سنة من العمل فيها واتُهمت في مقال بالجريدة وُزِّع على الصحفيين الاجانب من قبل مكتب الصحافة الحكومي (( بأنها تخدم اجندة إيران وحماس )) ! كما اتهمتها الجماعة اليمينية Im Tirtzu أنها كانت وراء تقرير غولدستون بتزويده بمعلومات وبيانات جماعات حقوق الأنسان التي ترعاها.. وقد دافع عنها الوزير العمالي في الائتلاف الحكومي اسحق هيرتزوغ ووصف التعسف ضدها بالمكارثية ، أما خازان نفسها فتقول: هناك هجمة على الديمقراطية لخنق الاصوات البديلة ، والاكثر خطورةً اعتبار النقد خيانة وخلف ذلك يقف أولئك الذين لا يريدون تسوية سياسية ولا يريدون سلاماً، ويسعون لإلغاء شرعية حركة حقوق الانسان .. لقد أجْرتْ اسرائيل تحقيقاً في كل الحروب التي خاضتها منذ 1973، لكن هذه هي المرة الأولى (الحرب على غزه) التي لا تُجري فيها مثل هذا التحقيق ..
وخازان التي تتعرض الآن لهجوم كاسح من المنظمات اليمينية ترحب بأن تحقق معها لجنة من الكنيست وفي نفس الوقت تطالبها بأن تحقق في تمويل تلك المنظمات التي تتلقى مساعدات مشبوهه من الخارج خاصة Im Tirtzu التي قبض رئيسها أموالاً من كنيسة جون هاجي John Hoggi Ministries التي صرح مديرها القس الايفانجيلكي المتشدد علنا بأن الهولوكوست كان نعمة من الله أدىّ الى خلق دولة إسرائيل !!
وبعد .. يبدو أن (( المكارثية )) كامنه في نفوس أعداء الديمقراطية وحقوق الانسان الموجودين في كل بلاد العالم والجاهزين دائماً لاتهام الآخرين بخيانة الوطن .. دون دليل !
هل وصلت المكارثية الى اسرائيل ؟
د. زيد حمزه
(( المكارثية )) نسبة للسناتور الاميركي سيء الذكر جوزيف مكارثي بعد أن قاد في خمسينات القرن الماضي حملة مسعورة من اتهام الاميركيين المعارضين بعدم الولاء للوطن الى حد الاعتقال والسجن تحت ذريعة الخطر الاحمر والخوف من الشيوعية وتبين أنها كانت حملة غير قانونية وأن التهم بلا أدلة فقد أُبطلت جميعها فيما بعد .. وقد أخذت المكارثية يومذاك أشكالاً متعددة من الاعتداء على الحريات الخاصة والعامه كالتنصت على التلفونات والمراقبة واقتحام البيوت وتفتيشها في غياب ساكنيها ووصل الأمر حد حرق الكتب والصحف في الساحات العامه ومنع بعض النقابيين الناشطين من التقدم لانتخابات نقاباتهم وملاحقتهم في عيشهم والتشهير بهم والايعاز بعدم تشغيلهم أو حرمانهم من حقوقهم لدى أصحاب العمل ، حتى نقابات المهن السينمائية لم تَسلمْ من الحمله وقد شاع سراً اسم الممثل الفاشل رونالد ريغان كعميل لمكتب التحقيقات الفدرالي F.B.I يتجسس على زملائه فينقل أخبارهم وأفكارهم ويتسبب بالتالي بحجب فرص العمل عن كل من كان لديه اتجاه سياسي معارض أو يساري أو اشتراكي ..
لكن لماذا الحديث عن المكارثية الآن وقد مضى على عهدها الأسود نصف قرن ونيفّ ؟ الجواب ليس لأنها لا تفتأ تظهر في صور أخرى كلما وجد اليمين الأميركي نفسه بحاجة لقمع قوى المعارضة وتكميم أفواه المثقفين كما جاء في كتاب مايكل سافيج Takeover وكيف كان جورج بوش وديك تشيني يوجهان عملية اعادة صياغة القوانين في الكونغرس كي تخدم هذا الغرض الخبيث ، ولا لأن قانون الباتريوت نفسه الذي أُقحم على التشريعات الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وسَمَح بالتجسس على المواطنين ومَسَخَ العديد من الحريات المدنية التي كانوا يتمتعون بها في ظل الدستور ، ولا لأن المكارثية قد وصلت بلادنا العربية على حين غره فهي موجودة فيها دائماً تحت مسميات مختلفة وبطرق (( قانونية )) ابتدعتها الحكومات وباركتها برلماناتها التي لها (( اتحاد عربي )) عتيد ! بل لأنها وصلت أخيراً الى إسرائيل التي ظلت تتباهى – ومعها المخدوعون بها – بأنها قلعة الديمقراطية وحصن حقوق الانسان في الشرق الاوسط الغارق في الأنظمة الشمولية أو الثيولوجية أو العائلية، وهي تكتسحها الآن كما يكتب من القدس دونالد ماسنتاير Donald Macintyre في الاندبندنت البريطانية (13/2/2010): (( أن المزاج المتوتر يفضي الى الرد الحاد على أولئك الذين يتجرأون على انتقاد المؤسسة العسكرية أو الاختلاف مع السياسية الاسرائيلية الرسمية باتهامهم بانكار شرعية الدولة ))، فمثلا أستاذة الجامعة نعومي خازان (63 سنه) النائبة السابقة في الكنيست الاسرائيلي ورئيسة (( صندوق اسرائيل الجديده )) الذي حصل على مدى ثلاثين عاماً على تبرعات من الولايات المتحدة وبريطانيا بلغت أكثر من 200 مليون دولار وقام بتوزيعها على 800 من مجموعات حقوق الانسان أو جمعيات خيرية واجتماعية وهي التي (( تحب وطنها إسرائيل دون تحفظ على حد تعبيرها )) ومعروف أنها صهيونية الفكر تعتقد بان اسرائيل لها حق البقاء كدولة ديمقراطية بغالبية يهودية كما أن للفلسطينيين الحق في دولة غالبيتها فلسطينيون .. جرى فصلها ككاتبة عمود في الجروسالم بوست بعد 14 سنة من العمل فيها واتُهمت في مقال بالجريدة وُزِّع على الصحفيين الاجانب من قبل مكتب الصحافة الحكومي (( بأنها تخدم اجندة إيران وحماس )) ! كما اتهمتها الجماعة اليمينية Im Tirtzu أنها كانت وراء تقرير غولدستون بتزويده بمعلومات وبيانات جماعات حقوق الأنسان التي ترعاها.. وقد دافع عنها الوزير العمالي في الائتلاف الحكومي اسحق هيرتزوغ ووصف التعسف ضدها بالمكارثية ، أما خازان نفسها فتقول: هناك هجمة على الديمقراطية لخنق الاصوات البديلة ، والاكثر خطورةً اعتبار النقد خيانة وخلف ذلك يقف أولئك الذين لا يريدون تسوية سياسية ولا يريدون سلاماً، ويسعون لإلغاء شرعية حركة حقوق الانسان .. لقد أجْرتْ اسرائيل تحقيقاً في كل الحروب التي خاضتها منذ 1973، لكن هذه هي المرة الأولى (الحرب على غزه) التي لا تُجري فيها مثل هذا التحقيق ..
وخازان التي تتعرض الآن لهجوم كاسح من المنظمات اليمينية ترحب بأن تحقق معها لجنة من الكنيست وفي نفس الوقت تطالبها بأن تحقق في تمويل تلك المنظمات التي تتلقى مساعدات مشبوهه من الخارج خاصة Im Tirtzu التي قبض رئيسها أموالاً من كنيسة جون هاجي John Hoggi Ministries التي صرح مديرها القس الايفانجيلكي المتشدد علنا بأن الهولوكوست كان نعمة من الله أدىّ الى خلق دولة إسرائيل !!
وبعد .. يبدو أن (( المكارثية )) كامنه في نفوس أعداء الديمقراطية وحقوق الانسان الموجودين في كل بلاد العالم والجاهزين دائماً لاتهام الآخرين بخيانة الوطن .. دون دليل !
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)