الأربعاء، 31 مارس 2010

20/3/2010

في تايلاند عام 1988 ‏
د. زيد حمزه

‏ حينما سلّمُت الدكتور آمون الطبيب المسؤول عن قسم الابحاث والدراسات في وزارة ‏الصحة التايلاندية جائزة منظمة الصحة العالمية في جنيف في 16 /5 /1986 لم أكن قد ‏استوعبت حجم العمل الرائد الذي انجزه حتى استحقها، وحينما زارني في مكتبي في عمان السنة ‏التالية 1987 ضمن وفد من المنظمة العتيدة لبحث نظام الرعاية الصحية الذي حقق في الاردن ‏انتشاراً واسعاً خلال فترة زمنية وجيزه، رجوته أن يشرح لي مشروعه عن (( القرى النموذجية )) ‏لعلنا نفيد من تجربته بعدما علمت من حيثيات الجائزه أنه طُبق بنجاح في أكثر من ألفين ومائتي ‏قرية في أقل من ثلاث سنوات.. بعد ذلك بشهور قليلة تلقت وزارة الصحة دعوة من منظمة ‏الصحة العالمية لتشكيل وفد متعدد الاطراف ( الصحة والزراعه والاعلام والجامعات والمجتمع ‏المدني ) لزيارة تايلاند والاطلاع على ما تم أنجازه على ارض الواقع وذلك كجزء من برنامج ‏كبير أُعدّ لوفود أخرى من دول منطقة شرق المتوسط لنفس الغرض ..‏
في 5 /1/ 1988 التحقت بالوفد الاردني المكون من د. سليمان الصبيحي ود. سليمان ‏قبعين ود. سعد حجازي وده. سيما بحوث وده. هيفاء أبو غزاله ود. غصوب العسلي وده. عيدة ‏المطلق وهاني الفرحان في مدينة صغيرة تبعد عن العاصمه التايلاندية مسافة مائة كيلومتر ‏بالسيارة وقد توجهنا في صباح اليوم التالي الى احدى القرى التي شملها برنامج آمون ، ومشياً ‏على الاقدام كان تجوالنا فيها وأول ما لفت نظرنا النظافة التامة في الشوارع والمدارس والبيوت، ‏ونظافة وبساطة وأناقة ملابس سكان القرية رغم فقرهم، كما لاحظنا التزام ممثليهم وانتظامهم في ‏اللقاء اليومي لتبادل الملاحظات والاستماع للانتقادات قبل توجّه كل منهم الى عمله في المدرسة أو ‏المركز الصحي او الجمعية التعاونية أو البلدية أو الحقل، وكان الراهب البوذي يستعمل مذياع ‏المعبد لنقل وقائع الاجتماع وخاصة فيما يتعلق بالتوعية الصحية والاجتماعية . ‏
عدنا من تايلاند متحمسين لتطبيق المشروع في الاردن سيّما وأنه لا يحتاج لتكاليف تذكر ‏بل يوفر على الدولة نفقات أخرى في الصحه والتربية والزراعة ويمكن جنيُ ثماره في وقت ‏قصير.. لكن .. ما أن بدأنا بإعداد خطة (( عمل الفريق )) الذي يضم عدة أطراف في الدولة ‏والمجتمع المدني حتى تقدمت هيئة من تلك التي تُسمّى مؤسسات مستقلة ماليا واداريا وطلبتْ أن ‏تقوم بمهمة تنفيذ المشروع ربما ظناً منها أن وراءه تمويلاً أجنبياً كبيراً ! ووافق بعض المسؤولين ‏على طلبها وسط أوهام تفيد بأن التحرر من الروتين والبيروقراطية أو على الأصح العمل خارج ‏الرقابة الادارية المتمثلة في ديوان الموظفين والرقابة المالية المتمثلة في ديوان المحاسبة سوف ‏يجعل تطبيق المشروع أسهل وأسرع .. لذلك لقد كان المتوقع أن ينجح المشروع في مئات القرى ‏الاردنية خلال وقت قياسي لتوفُّر البنية التحتية الجيدة التي تفتقر لها القرى التايلاندية لكن التوقع ‏شيء والواقع شيء آخر بعيد عنه كل البعد رغم مرور أثنين وعشرين عاماً !. ‏
وبعد .. إلى متى نعيش خدعة المؤسسات حيث لا مساءلة ولا محاسبة رغم الانفاق عليها ‏من خزينة الدوله !؟ ( ملاحظة : بالصدفة يتقاطع هذا المقال مع حديث رئيس الوزراء قبل أيام ‏عن تلك المؤسسات ). ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق