20/3/2010
في تايلاند عام 1988
د. زيد حمزه
حينما سلّمُت الدكتور آمون الطبيب المسؤول عن قسم الابحاث والدراسات في وزارة الصحة التايلاندية جائزة منظمة الصحة العالمية في جنيف في 16 /5 /1986 لم أكن قد استوعبت حجم العمل الرائد الذي انجزه حتى استحقها، وحينما زارني في مكتبي في عمان السنة التالية 1987 ضمن وفد من المنظمة العتيدة لبحث نظام الرعاية الصحية الذي حقق في الاردن انتشاراً واسعاً خلال فترة زمنية وجيزه، رجوته أن يشرح لي مشروعه عن (( القرى النموذجية )) لعلنا نفيد من تجربته بعدما علمت من حيثيات الجائزه أنه طُبق بنجاح في أكثر من ألفين ومائتي قرية في أقل من ثلاث سنوات.. بعد ذلك بشهور قليلة تلقت وزارة الصحة دعوة من منظمة الصحة العالمية لتشكيل وفد متعدد الاطراف ( الصحة والزراعه والاعلام والجامعات والمجتمع المدني ) لزيارة تايلاند والاطلاع على ما تم أنجازه على ارض الواقع وذلك كجزء من برنامج كبير أُعدّ لوفود أخرى من دول منطقة شرق المتوسط لنفس الغرض ..
في 5 /1/ 1988 التحقت بالوفد الاردني المكون من د. سليمان الصبيحي ود. سليمان قبعين ود. سعد حجازي وده. سيما بحوث وده. هيفاء أبو غزاله ود. غصوب العسلي وده. عيدة المطلق وهاني الفرحان في مدينة صغيرة تبعد عن العاصمه التايلاندية مسافة مائة كيلومتر بالسيارة وقد توجهنا في صباح اليوم التالي الى احدى القرى التي شملها برنامج آمون ، ومشياً على الاقدام كان تجوالنا فيها وأول ما لفت نظرنا النظافة التامة في الشوارع والمدارس والبيوت، ونظافة وبساطة وأناقة ملابس سكان القرية رغم فقرهم، كما لاحظنا التزام ممثليهم وانتظامهم في اللقاء اليومي لتبادل الملاحظات والاستماع للانتقادات قبل توجّه كل منهم الى عمله في المدرسة أو المركز الصحي او الجمعية التعاونية أو البلدية أو الحقل، وكان الراهب البوذي يستعمل مذياع المعبد لنقل وقائع الاجتماع وخاصة فيما يتعلق بالتوعية الصحية والاجتماعية .
عدنا من تايلاند متحمسين لتطبيق المشروع في الاردن سيّما وأنه لا يحتاج لتكاليف تذكر بل يوفر على الدولة نفقات أخرى في الصحه والتربية والزراعة ويمكن جنيُ ثماره في وقت قصير.. لكن .. ما أن بدأنا بإعداد خطة (( عمل الفريق )) الذي يضم عدة أطراف في الدولة والمجتمع المدني حتى تقدمت هيئة من تلك التي تُسمّى مؤسسات مستقلة ماليا واداريا وطلبتْ أن تقوم بمهمة تنفيذ المشروع ربما ظناً منها أن وراءه تمويلاً أجنبياً كبيراً ! ووافق بعض المسؤولين على طلبها وسط أوهام تفيد بأن التحرر من الروتين والبيروقراطية أو على الأصح العمل خارج الرقابة الادارية المتمثلة في ديوان الموظفين والرقابة المالية المتمثلة في ديوان المحاسبة سوف يجعل تطبيق المشروع أسهل وأسرع .. لذلك لقد كان المتوقع أن ينجح المشروع في مئات القرى الاردنية خلال وقت قياسي لتوفُّر البنية التحتية الجيدة التي تفتقر لها القرى التايلاندية لكن التوقع شيء والواقع شيء آخر بعيد عنه كل البعد رغم مرور أثنين وعشرين عاماً !.
وبعد .. إلى متى نعيش خدعة المؤسسات حيث لا مساءلة ولا محاسبة رغم الانفاق عليها من خزينة الدوله !؟ ( ملاحظة : بالصدفة يتقاطع هذا المقال مع حديث رئيس الوزراء قبل أيام عن تلك المؤسسات ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق