السبت، 6 مارس 2010

‏20 /2 /2010 ‏

هل وصلت المكارثية الى اسرائيل ؟
د. زيد حمزه

‏(( المكارثية )) نسبة للسناتور الاميركي سيء الذكر جوزيف مكارثي بعد أن قاد في خمسينات ‏القرن الماضي حملة مسعورة من اتهام الاميركيين المعارضين بعدم الولاء للوطن الى حد الاعتقال ‏والسجن تحت ذريعة الخطر الاحمر والخوف من الشيوعية وتبين أنها كانت حملة غير قانونية وأن ‏التهم بلا أدلة فقد أُبطلت جميعها فيما بعد .. وقد أخذت المكارثية يومذاك أشكالاً متعددة من الاعتداء ‏على الحريات الخاصة والعامه كالتنصت على التلفونات والمراقبة واقتحام البيوت وتفتيشها في غياب ‏ساكنيها ووصل الأمر حد حرق الكتب والصحف في الساحات العامه ومنع بعض النقابيين الناشطين ‏من التقدم لانتخابات نقاباتهم وملاحقتهم في عيشهم والتشهير بهم والايعاز بعدم تشغيلهم أو حرمانهم ‏من حقوقهم لدى أصحاب العمل ، حتى نقابات المهن السينمائية لم تَسلمْ من الحمله وقد شاع سراً اسم ‏الممثل الفاشل رونالد ريغان كعميل لمكتب التحقيقات الفدرالي ‏F.B.I‏ يتجسس على زملائه فينقل ‏أخبارهم وأفكارهم ويتسبب بالتالي بحجب فرص العمل عن كل من كان لديه اتجاه سياسي معارض أو ‏يساري أو اشتراكي .. ‏
لكن لماذا الحديث عن المكارثية الآن وقد مضى على عهدها الأسود نصف قرن ونيفّ ؟ ‏الجواب ليس لأنها لا تفتأ تظهر في صور أخرى كلما وجد اليمين الأميركي نفسه بحاجة لقمع قوى ‏المعارضة وتكميم أفواه المثقفين كما جاء في كتاب مايكل سافيج ‏Takeover‏ وكيف كان جورج بوش ‏وديك تشيني يوجهان عملية اعادة صياغة القوانين في الكونغرس كي تخدم هذا الغرض الخبيث ، ولا ‏لأن قانون الباتريوت نفسه الذي أُقحم على التشريعات الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وسَمَح ‏بالتجسس على المواطنين ومَسَخَ العديد من الحريات المدنية التي كانوا يتمتعون بها في ظل الدستور ، ‏ولا لأن المكارثية قد وصلت بلادنا العربية على حين غره فهي موجودة فيها دائماً تحت مسميات ‏مختلفة وبطرق (( قانونية )) ابتدعتها الحكومات وباركتها برلماناتها التي لها (( اتحاد عربي )) عتيد ! ‏بل لأنها وصلت أخيراً الى إسرائيل التي ظلت تتباهى – ومعها المخدوعون بها – بأنها قلعة ‏الديمقراطية وحصن حقوق الانسان في الشرق الاوسط الغارق في الأنظمة الشمولية أو الثيولوجية أو ‏العائلية، وهي تكتسحها الآن كما يكتب من القدس دونالد ماسنتاير ‏Donald Macintyre‏ في ‏الاندبندنت البريطانية (13/2/2010): (( أن المزاج المتوتر يفضي الى الرد الحاد على أولئك الذين ‏يتجرأون على انتقاد المؤسسة العسكرية أو الاختلاف مع السياسية الاسرائيلية الرسمية باتهامهم بانكار ‏شرعية الدولة ))، فمثلا أستاذة الجامعة نعومي خازان (63 سنه) النائبة السابقة في الكنيست ‏الاسرائيلي ورئيسة (( صندوق اسرائيل الجديده )) الذي حصل على مدى ثلاثين عاماً على تبرعات من ‏الولايات المتحدة وبريطانيا بلغت أكثر من 200 مليون دولار وقام بتوزيعها على 800 من مجموعات ‏حقوق الانسان أو جمعيات خيرية واجتماعية وهي التي (( تحب وطنها إسرائيل دون تحفظ على حد ‏تعبيرها )) ومعروف أنها صهيونية الفكر تعتقد بان اسرائيل لها حق البقاء كدولة ديمقراطية بغالبية ‏يهودية كما أن للفلسطينيين الحق في دولة غالبيتها فلسطينيون .. جرى فصلها ككاتبة عمود في ‏الجروسالم بوست بعد 14 سنة من العمل فيها واتُهمت في مقال بالجريدة وُزِّع على الصحفيين ‏الاجانب من قبل مكتب الصحافة الحكومي (( بأنها تخدم اجندة إيران وحماس )) ! كما اتهمتها ‏الجماعة اليمينية ‏Im Tirtzu ‎‏ أنها كانت وراء تقرير غولدستون بتزويده بمعلومات وبيانات جماعات ‏حقوق الأنسان التي ترعاها.. وقد دافع عنها الوزير العمالي في الائتلاف الحكومي اسحق هيرتزوغ ‏ووصف التعسف ضدها بالمكارثية ، أما خازان نفسها فتقول: هناك هجمة على الديمقراطية لخنق ‏الاصوات البديلة ، والاكثر خطورةً اعتبار النقد خيانة وخلف ذلك يقف أولئك الذين لا يريدون تسوية ‏سياسية ولا يريدون سلاماً، ويسعون لإلغاء شرعية حركة حقوق الانسان .. لقد أجْرتْ اسرائيل تحقيقاً ‏في كل الحروب التي خاضتها منذ 1973، لكن هذه هي المرة الأولى (الحرب على غزه) التي لا ‏تُجري فيها مثل هذا التحقيق .. ‏
وخازان التي تتعرض الآن لهجوم كاسح من المنظمات اليمينية ترحب بأن تحقق معها لجنة ‏من الكنيست وفي نفس الوقت تطالبها بأن تحقق في تمويل تلك المنظمات التي تتلقى مساعدات ‏مشبوهه من الخارج خاصة ‏Im Tirtzu‏ التي قبض رئيسها أموالاً من كنيسة جون هاجي ‏John ‎Hoggi Ministries‏ التي صرح مديرها القس الايفانجيلكي المتشدد علنا بأن الهولوكوست كان نعمة ‏من الله أدىّ الى خلق دولة إسرائيل !! ‏
وبعد .. يبدو أن (( المكارثية )) كامنه في نفوس أعداء الديمقراطية وحقوق الانسان الموجودين في كل ‏بلاد العالم والجاهزين دائماً لاتهام الآخرين بخيانة الوطن .. دون دليل !‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق