20 /2 /2010
هل وصلت المكارثية الى اسرائيل ؟
د. زيد حمزه
(( المكارثية )) نسبة للسناتور الاميركي سيء الذكر جوزيف مكارثي بعد أن قاد في خمسينات القرن الماضي حملة مسعورة من اتهام الاميركيين المعارضين بعدم الولاء للوطن الى حد الاعتقال والسجن تحت ذريعة الخطر الاحمر والخوف من الشيوعية وتبين أنها كانت حملة غير قانونية وأن التهم بلا أدلة فقد أُبطلت جميعها فيما بعد .. وقد أخذت المكارثية يومذاك أشكالاً متعددة من الاعتداء على الحريات الخاصة والعامه كالتنصت على التلفونات والمراقبة واقتحام البيوت وتفتيشها في غياب ساكنيها ووصل الأمر حد حرق الكتب والصحف في الساحات العامه ومنع بعض النقابيين الناشطين من التقدم لانتخابات نقاباتهم وملاحقتهم في عيشهم والتشهير بهم والايعاز بعدم تشغيلهم أو حرمانهم من حقوقهم لدى أصحاب العمل ، حتى نقابات المهن السينمائية لم تَسلمْ من الحمله وقد شاع سراً اسم الممثل الفاشل رونالد ريغان كعميل لمكتب التحقيقات الفدرالي F.B.I يتجسس على زملائه فينقل أخبارهم وأفكارهم ويتسبب بالتالي بحجب فرص العمل عن كل من كان لديه اتجاه سياسي معارض أو يساري أو اشتراكي ..
لكن لماذا الحديث عن المكارثية الآن وقد مضى على عهدها الأسود نصف قرن ونيفّ ؟ الجواب ليس لأنها لا تفتأ تظهر في صور أخرى كلما وجد اليمين الأميركي نفسه بحاجة لقمع قوى المعارضة وتكميم أفواه المثقفين كما جاء في كتاب مايكل سافيج Takeover وكيف كان جورج بوش وديك تشيني يوجهان عملية اعادة صياغة القوانين في الكونغرس كي تخدم هذا الغرض الخبيث ، ولا لأن قانون الباتريوت نفسه الذي أُقحم على التشريعات الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وسَمَح بالتجسس على المواطنين ومَسَخَ العديد من الحريات المدنية التي كانوا يتمتعون بها في ظل الدستور ، ولا لأن المكارثية قد وصلت بلادنا العربية على حين غره فهي موجودة فيها دائماً تحت مسميات مختلفة وبطرق (( قانونية )) ابتدعتها الحكومات وباركتها برلماناتها التي لها (( اتحاد عربي )) عتيد ! بل لأنها وصلت أخيراً الى إسرائيل التي ظلت تتباهى – ومعها المخدوعون بها – بأنها قلعة الديمقراطية وحصن حقوق الانسان في الشرق الاوسط الغارق في الأنظمة الشمولية أو الثيولوجية أو العائلية، وهي تكتسحها الآن كما يكتب من القدس دونالد ماسنتاير Donald Macintyre في الاندبندنت البريطانية (13/2/2010): (( أن المزاج المتوتر يفضي الى الرد الحاد على أولئك الذين يتجرأون على انتقاد المؤسسة العسكرية أو الاختلاف مع السياسية الاسرائيلية الرسمية باتهامهم بانكار شرعية الدولة ))، فمثلا أستاذة الجامعة نعومي خازان (63 سنه) النائبة السابقة في الكنيست الاسرائيلي ورئيسة (( صندوق اسرائيل الجديده )) الذي حصل على مدى ثلاثين عاماً على تبرعات من الولايات المتحدة وبريطانيا بلغت أكثر من 200 مليون دولار وقام بتوزيعها على 800 من مجموعات حقوق الانسان أو جمعيات خيرية واجتماعية وهي التي (( تحب وطنها إسرائيل دون تحفظ على حد تعبيرها )) ومعروف أنها صهيونية الفكر تعتقد بان اسرائيل لها حق البقاء كدولة ديمقراطية بغالبية يهودية كما أن للفلسطينيين الحق في دولة غالبيتها فلسطينيون .. جرى فصلها ككاتبة عمود في الجروسالم بوست بعد 14 سنة من العمل فيها واتُهمت في مقال بالجريدة وُزِّع على الصحفيين الاجانب من قبل مكتب الصحافة الحكومي (( بأنها تخدم اجندة إيران وحماس )) ! كما اتهمتها الجماعة اليمينية Im Tirtzu أنها كانت وراء تقرير غولدستون بتزويده بمعلومات وبيانات جماعات حقوق الأنسان التي ترعاها.. وقد دافع عنها الوزير العمالي في الائتلاف الحكومي اسحق هيرتزوغ ووصف التعسف ضدها بالمكارثية ، أما خازان نفسها فتقول: هناك هجمة على الديمقراطية لخنق الاصوات البديلة ، والاكثر خطورةً اعتبار النقد خيانة وخلف ذلك يقف أولئك الذين لا يريدون تسوية سياسية ولا يريدون سلاماً، ويسعون لإلغاء شرعية حركة حقوق الانسان .. لقد أجْرتْ اسرائيل تحقيقاً في كل الحروب التي خاضتها منذ 1973، لكن هذه هي المرة الأولى (الحرب على غزه) التي لا تُجري فيها مثل هذا التحقيق ..
وخازان التي تتعرض الآن لهجوم كاسح من المنظمات اليمينية ترحب بأن تحقق معها لجنة من الكنيست وفي نفس الوقت تطالبها بأن تحقق في تمويل تلك المنظمات التي تتلقى مساعدات مشبوهه من الخارج خاصة Im Tirtzu التي قبض رئيسها أموالاً من كنيسة جون هاجي John Hoggi Ministries التي صرح مديرها القس الايفانجيلكي المتشدد علنا بأن الهولوكوست كان نعمة من الله أدىّ الى خلق دولة إسرائيل !!
وبعد .. يبدو أن (( المكارثية )) كامنه في نفوس أعداء الديمقراطية وحقوق الانسان الموجودين في كل بلاد العالم والجاهزين دائماً لاتهام الآخرين بخيانة الوطن .. دون دليل !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق