الأربعاء، 24 سبتمبر 2014


هاد المقال لم يتم نشره بجريدة الرأي 
نحب مصر و.. ننتقدها !
زيد حمزه

منذ صدر في مصر قانون رقم 107 لسنة 2013 الخاص بتنظيم الحق في التظاهر وهو يواجه موجة قوية من الاعتراض تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم، خصوصاً بعد ما تم تطبيقه حتى الآن ليس على الاخوان المسلمين فحسب، بل على باقي الناشطين السياسيين من الاحزاب والحركات والتنظيمات الأخرى غير المتحالفة مع الاخوان إن لم تكن مناهضة لهم، وجرى اعتقال الآلاف من الطرفين وصدرت احكام بالحبس لمدد مختلفة على اعداد كبيرة منهم، وتتراوح مطالب المعارضة بين تعديل القانون بازالة الفقرات القمعية التي تضمنها وبين إلغائه كليا أسوة بما هو سائد في الدول الديمقراطية التي تأكد لها بانها لم تعد بحاجة لمثل هذه القوانين أصلاً ، أما الحكومة المصرية فلم تستجب بعد لهذه المطالب، وقد نشرت صحيفة الشروق (المصرية) الاحد 21 /9/2014 تقريراً رفعته وزارة الداخلية المصرية الى رئيس الوزراء تحذر فيه من عواقب تعديل قانون التظاهر لأن التعديل في نظرها ((يفتح الباب أمام الجهات الراغبة في إثارة الفوضى والساعية لزعزعة استقرار الحكم ويعطي النشطاء والمعارضين إحساساً بالقوة، واقتناعاً بان الضغط يحقق نتائج ..))! وهو تقرير لا يختلف عما يمكن ان يصدر عن اي وزارة داخلية أخرى في الدول التي لم تعرف ((الديمقراطية)) بعد، لكن الامر يختلف حين يحدث هذا في مصر التي قامت فيها اكبر ((ثورة)) في العصر الحديث (25/ يناير/2011) بواسطة تظاهرات شاركت فيها جماهيرها الغفيرة فملأت الساحات والشوارع والميادين في القاهرة وباقي المدن المصرية بالملايين حتى بلغت ثلاثين مليونا في ثورتها المكملة الثانية (30 يونيو 2013)، لذلك يبدو من الطبيعي أن يتساءل كل متابع محايد، فما بالك بمحب مخلص لمصر؛ لماذا يحدث هذا في مصر ؟! وهل صحيح أن القانون الذي صدر في نوفمبر من العام الماضي 2013 في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية (!) قصد به حماية أمن المجتمع أم قمع الحريات وحرمان المواطنين من واحد من اهم حقوقهم في التعبير عن آرائهم سلمياً..؟! ففي حين ينص القانون في مادته الاولى على حق المواطنين في تنظيم التظاهرات السلمية والانضمام اليها فانه يعود في مواد اخرى ليلتف على هذا الحق باشتراط تقديم ((إخطار)) خطي الى ((قسم اومركز الشرطة)) الذي بدائرته عن مكان الاجتماع العام او الموكب او التظاهر قبل 3 – 15 يوماً)) وتنص المادة العاشرة منه على ((يجوز لمدير الأمن منع التظاهرة على ان يُبلَّغ المنظمون قبل الميعاد المحدد ب 24 ساعة على  الأقل ..)) وهناك عقوبات على من يخالف ذلك تمتد من الغرامة المالية الى الحبس .  
من نافلة القول أن مثل هذه القوانين القمعية ساهمت مع غيرها في وصول كبت الحريات الى انفجار الثورات العربية منذ عام 2011 ولم تستطع كل القوى الشرطية والاجهزة المساندة لها أن تكبح او تخمد تلك الثورات وليس من المعقول بعد كل ذلك أن يصدر في مصر تقرير يحرض الحكومة على التمسك بقانون منع التظاهر بحجة أن الغاءه ((يزعزع استقرار الحكم)) قاستقراره في تقديرنا ومن دروس التاريخ لا يمكن أن يقوم على القمع الذي أدى من قبل الى انهيار مثل هذه الانماط من الحكم، بل أن الحكم الصحيح يستقر حقاً حين يعتمد على ثقة غالبية المواطنين به وتمتعهم بالمزيد من الحريات العامة ..
وأما ((الفزاّعة)) المستخدمة للترويج لمثل هذه القوانين بأنها لمحاربة ارهاب الاخوان المسلمين ثبت ايضاً أنها فرية خادعة استعملها دائماً حكام طغاة وباءت بالفشل وانكشف انها موجهة في الواقع لكل من يرفع رأسه ضد الظلم والفساد ويناضل من اجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ..
وبعد .. مرة أخرى، لاننا نحب مصر حبا جماً كما نحب الحرية لها ولكل شعوب الارض فاننا نقف بلا تردد مع المطالبين بالغاء القوانين المقيدة للحريات، والافراج عمن اعتقلوا أو صدرت ضدهم احكام بالسجن بموجب هذه القوانين مهما كان لونهم السياسي والفكري، فالقوانين المدنية السائدة كفيلة من خلال المحاكم المدنية ان تحمي الوطن ممن يتآمرون عليه أو يستخدمون العنف والارهاب ضده .. أما المتظاهرون السلميون اعتراضاً على السياسات الحكومية وكثير منهم الآن في السجون فهم أنفسهم الذين تظاهروا اعتراضاً على الطغيان قبل ثورة 25 يناير 2011 وأثناءها في كل مليونياتها وبعدها حتى المليونية الكبرى في 30 يونيو 2013 .. ولعل مصر اليوم احوج ما تكون للعودة الى الكتاب العظيم الذي صدر في اوائل خمسينات القرن الماضي بعنوان ((الدديمقراطية أبداً)) لكاتبها الكبير خالد محمد خالد وشعاره ((إن علاج اخطاء الديمقراطية هو المزيد من الديمقراطية)) لا قانون قمعي كقانون منع التظاهر !