السبت، 23 يوليو 2011

‏30 /6 /2011‏

دومنيك ستروس – كان .. الوجه الآخر !‏
د. زيد حمزه

لست معنيا بالفضيحة الجنسية التي أسقطت الفرنسي دومنيك ستروس – كان عن ‏عرش أكبر مؤسسة مالية واقتصادية في العالم هي صندوق النقد الدولي ، ففي الدول الغربية ‏التي قطعت أشواطاً شاسعة في ابتعادها عن النظر الى الممارسات الجنسية على أنها خطايا ‏أخلاقية كما تفعل بلاد أخرى محافظة ، لا يمكن التصديق بأن القصد من الفضيحة تلطيخ ‏سمعة الرجل لدى عائلته ومجتمعه بل أمر آخر أخطر وأكبر كَشَفَ عنه مايك ويتني ‏Mike Whitney‏ في مقال له في‏I.C.H. ‎‏ بتاريخ 15 /5 /2011 إذ قال: هناك رائحة ‏مشبوهة تنبعث من قصة شتروس – كان لأن للرجل اعداءاً كثيرين كأولئك الذين ينافسهم على ‏منصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة عن الحزب الاشتراكي الفرنسي ومن بينهم ‏ساركوزي ، والأهم منهم أولئك الذين يشكلون أئتلاف البنوك الغربية وقد دأبوا عبر قرنين من ‏الزمان على تحقيق مصالحهم الجشعه بتطبيق سياسة مالية تمتعت في العقود الاخيرة بحماية ‏صندوق النقد الدولي وهبطت بالغالبية العظمى الى مستويات سحيقة من الفقر واليأس، وقد ‏فوجئوا بالسيد ستروس – كان أخيراً يحيد بالصندوق عن الخط المرسوم له في السياسة ‏الليبرالية المالية المتحررة من القيود والمنفلتة من الضوابط لانها في نظره ونظر العالِم ‏الاقتصادي الكبير المؤيد له جوزيف ستيغلتز ‏Joseph Stiglitz‏ غير منتجة كما يُزعم ، ‏وتفتقر تماما للكفاءة والاستقرار وكانت السبب الاول للازمة المالية العالمية التي أنفجرت في ‏صيف 2008.‏
ويقول ويتني : لقد حاول سترواس – كان أن يوجه الصندوق اتجاها ايجابيا جديداً لا ‏يؤدي بالحكومات الى التخلي عن سيادتها لتصبح اقتصاداتها مرتعاً لرأس المال الاجنبي الذي ‏يدخل البلاد بسرعة فيرفع الاسعار ويخلق شركات الفقاعات المالية ثم ينسحب بارباحه مخلفاً ‏وراءه كارثة البطالة والمصانع المعطلة والركود العميق .. كما بدأ ستروس – كان بارساء ‏خطة جديدة للصندوق لا يجبر بها تلك الحكومات على خصخصة الصناعات والمؤسسات ‏الخدمية التي تملكها الدوله كما كان يحدث في الماضي ، ولا يشترط عليها (( سحق )) النقابات ‏العمالية أو تخريبها من الداخل .. وقد قال في محاضرة له مؤخراً في معهد بروكنغ : (( إن ‏جوهر وظيفة الصندوق توفير العمالة وتحقيق العدالة فهما حجرا الأساس في الاقتصاد ‏المزدهر والاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي )) كما دعا في محاضرته في جامعة جورج ‏واشنطن في أول أيار 2011 الى إعادة النظر في العولمة التي عمقت الفجوة بين الاغنياء ‏والفقراء وإلى ضرورة توزيع الدخل على اساس تنظيم جديد للشركات المالية وهو كلام خطير ‏يعني أن رئيس الصندوق بدأ يخطط لاعادة توزيع الثروة ( يا للهول ! ) فهل يمكن أن يرضى ‏كبار رجال الاعمال بمثل هذا الكلام ؟ والى متى يصبرون عليه قبل أن يرسلوه في اجازة ‏ابدية ؟.. وهنا أيضاً قال ستغلتز: أراهن أنهم لن يصبروا طويلاً بعدما أصبح ستروس – كان ‏عبئا ثقيلا وعائقاً مزعجاً ينبغي التخلص منه ولو بطريقة خسيسة فقد خرج عن الخط المرسوم ‏وغامر بدخول المنطقة المحظورة ولا بد من سحقه كالحشرة بعد أن وقّع على شهادة وفاته ‏بيده !! ‏
ويُنهي الكاتب مايك ويتني كلامه بالتساؤل : هل كان هذا الرجل المعروف بحكمته ‏وحصافته ساذجاً لكي يعتقد أن ملوك البنوك وأصحاب الشركات الكبرى المتمتعين بحماية ‏الصندوق في نهبهم لثروات العالم وتحقيق المزيد من الارباح ولو على حساب فقرٍ أعم وأعمق ‏لكل الآخرين يمكن أن يرحبوا بسياسته الجديدة ويصبحوا فجأةً أصحاب ضمائر رحيمة يمدون ‏اليد لمساعدة الانسانية المعذبه ؟ (( يا ناس )) أفيقوا على الحقيقة والواقع .. ‏
وبعد .. أفلا يذكرّنا هذا المقال بما فعله بنا صندوق النقد الدولي وتوأمه البنك الدولي ‏وما تعانيه اليوم جراء ذلك من مديونية خانقه وعجز خطير في الموازنه ؟ ‏
‏ ‏
‏25 / 6 /2011 ‏

‏(( الرواية )) وراء كل هذا ! ‏
د . زيد حمزه

ذات يوم بعيد يُداني الخمسين عاماً كنت أجلس بين يدي المحقق وهو يفاجئني بطلقات ‏من الأسئلة التي لم أدرك حينئذٍ كنه بعضها .. واحد منها عجبتُ له كثيراً: ماذا تعرف عن ‏قاسم الريماوي ؟ تُرى .. من أنا القابع في زنزانة حتى أعرف عن هذا الرجل الذي كان يومها ‏في سدة الحكم وزيراً للزراعة بجانب رئيسه وصفي التل وانا طبيب شاب لم أعد من رحلة ‏الاختصاص في بريطانيا إلا منذ أسابيع قليلة ولم أره في حياتي إلا على صفحات الجرائد ؟! ‏وبدأتُ مع الساعات الطويلة للتحقيق وعلى مدى تسعة عشر يوماً أستنتج أن كثيراً من الأسئلة ‏التي تبدو لي غريبة شاذه يمكن أن تتجمع اجاباتها لتشكل في النهاية مخزوناً من المعرفة لا ‏عن قضية محدده بل عن قضايا أخرى تتفكك أسرارها شيئاً فشيئاً بفضل تلك المعلومات ‏المتنوعة الآتية من هذا التحقيق أو ذاك مع معتقل ما أو اكثر وحسب الأساليب (( الحديثه )) ‏التي جاء بها إذ ذاك الخبير الألماني الذي لم ألتق به وإن أدركت للتو أن تلامذته أصبحوا على ‏درجة جيدة من الكفاءه ..! ‏
غابت عن حياتي تلك القصة القديمة وقد توارت بين صفحات ذاكرتي وسط آلاف ‏القصص الأخرى الهامة وغير الهامة، إلى أن قفز أمام ناظري قبل أيام اسم قاسم الريماوي ‏وأنا أقرأ رواية سحر خليفة (( حبي الأول )) المنشورة في 2010 وهي تتحدث عن عبد القادر ‏الحسيني قائد الجهاد المقدس الذي استشهد في القسطل في السادس من نيسان 1948 وتستلهم ‏بعض الحوارات من (( مخطوط عبد القادر الحسيني 1950، بقلم قاسم الريماوي أمين سر ‏الجهاد المقدس )) أي أن أربعة عشر عاماً قد انقضت بين ما كانه أمين سر الجهاد المقدس ‏مساعداً لذلك القائد الثوري حتى أصبح وزيراً للزراعة في حكومة وصفي التل وأُسألُ أنا عنه ‏اثناء التحقيق معي عام 1962 ! فهل اشغل نفسي اليوم بالتنقيب عن تلك العلاقة التي لا بد ‏يعرفها سواي من الذين كتبوا تاريخ وصفي وذلك الجزء من حياته مع الثوار الفلسطينيين ؟ ‏أما أن الأفضل أن أخرج بكم وبنفسي من هذه الحلقة السوداء بأسئلتها المرهِقة، فاتوجه قليلا ‏للذين استغربوا أن يكون وراء حديثي كله روايةٌ قرأتها فاعجبتني وأثارت شجوني كي أقول ‏لهم ولسواهم من الذين لم يولعوا بعد مثلي بهذا النوع من الادب كيف اكتشفتُ بانبهار شديد أن ‏الرواية الجيدة فن عظيم يستطيع المبدعون فيه ( أو المبدعات وقد تفوّقن إذ اسهمن في التيار ‏العريض لحركة تحرير المرأة ) أن يحملونا على اجنحة الخيال الجميل ونحن في كامل وعينا ‏ثم أن يهبطوا بنا الى عوالم الحقيقة فنتعرف على تاريخ المجتمعات لا التاريخ الذي وضعه لنا ‏كتاب السلاطين أو نستخلص من الفلسفات روح المحبة وجوهر الحكمة أو ننفعل باحداثٍ ‏سياسية لم تهتم بها الصحف أو نخوض في أعماق بعض النفوس البشرية وكأننا شاركنا في ‏تحليلها أو نتعاطف مع المعتقدات الدينية الأخرى حتى لو كانت مخالفة لما نؤمن به أو تدهشنا ‏التجارب الجنسية بصدقها الذي يتماهى مع الطبيعة الانسانية، كل ذلك ونحن نستمتع ايما ‏استمتاع بلغة ثرّة زاهية الألوان .. بليغة .‏
وبعد .. لعلها فرصتي للبوح والتعبير عن ندمي على سنين ضاعت من عمري لم أقرأ ‏فيها الرواية فأردد مستعيراً من عمر الخيام: ( ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن ) ‏أحظى بمتعتها وأشتاقَ دوماً للمزيد . ‏
‏ ‏
‏16 / 6 /2011‏
اختلاف الآراء في موضوعة الأسماء !‏
د . زيد حمزه ‏

عادةً ما يخضع اختيار اسم المولود في مجتمعاتنا، ذكراً أم أنثى ، لجدل عائلي هادئ ‏في جو من السعادة والاستبشار وصاحب العلاقة بالطبع لا يستشار ! لكنه حين يعي بعض ‏حقائق الحياة ومن بينها اسمه ( وقد لا يعجبه ) لا يعلم إن كان يملك حق الاعتراض عليه ‏واستبداله بآخر يليق به، وحين يكبر ويتجرأ على مناقشة اسمه الثلاثي أو الرباعي الذي ‏تفرضه قوانين الاحوال المدنية ويتفهم ضرورته لاغراض التوثيق وأهميته لحفظ الحقوق ‏ويقبل حتى بدواعيه الأمنية فانه ربما يتساءل عن مدى عدالة الطريقة المتبعة ( هنا وفي أكثر ‏الدول ) في اقتصار الاسم الثاني على الوالد وتغييب اسم الوالده تماماً مع أنها – ولا داعي ‏للشرح – الأدقٌ نسباً كي يحمل الوليد اسمها، وقد يتساءل أيضاً لماذا ينتهي الاسم بعائلة الأب ‏لا عائلة الأم وقد تكون أكثر تشريفاً لو كان ذلك هو المقصود، علماً بأن الاسماء في دول ‏أميركا اللاتينية تنتهي باسم عائلة الأم ( بعد أسم عائلة الأب )، وربما يدخل كذلك في الجدل ‏الذي لا ينقطع حول محاسن ومساوئ الانتساب لاسم العشيرة وليس اسم الجد فقط حيث يقال ‏ان أسم العشيرة شرف لا يجوز التخلي عنه رغم أنه قد يمنح صاحبه تميزاً لا يستحقه أو ‏يؤدي الى تمييز ضده بلا ذنب جناه، وكلاهما يتعارض مع اسس دولة القانون والمواطنه، ‏ورغم ما نتغنى به في ديوان العرب من مثل: لا تقل أصلي وفصلي / إنما أصل الفتى ما قد ‏فعل أو: ليس الفتى من قال كان أبي / إن الفتى من قال ها أنذا ! ‏
يختلف الناس في الاجابة على هذه التساؤلات أو الاعتراضات فمنهم من يحيلنا الى ‏الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1999 لعل فيها ما يسمح له بعد أن يشب عن الطوق (18 ‏سنه) أن يطلب تغيير اسمه ، ومنهم من يذكّرنا بأن بعض الحكومات اضطرت تحت ضغط ‏الأمر الواقع أن تعترف بما يُدعى (( اسم الشهرة )) وأن تَفرد له خانة خاصة في البطاقة ‏الشخصية بالاضافة الى خانة الاسم القانوني ( الثلاثي أو الرباعي )، واسم الشهرة هذا – لمن ‏لا يعلم – قد يكون فقط الاسم الأول إذا كان مركَّبا كمحمد صلاح الدين أبرز وزير خارجية ‏مصري في العهد الملكي وكان اسم اخيه يوسف عز الدين مخرج أول فلم ديني مصري ‏‏( فجر الاسلام ) وكالكاتب السياسي الكبير احمد بهاء الدين ، وفي كل هذه الحالات ليس هناك ‏ذكر لاسم الاب أو الجد أو العائله، وقد يختار اسمَ الشهره صاحبُه أو يطلقه عليه اهله تحبُّباً ‏فيشيع أو يناديه به اهل حارته أو قريته أو اقرانه في المدرسة أو الجامعه أو العمل فيصبح مع ‏الوقت اسمه الوحيد المستعمل، ومن الأمثلة نجوم السينما المشهورون: تحية كاريوكا، سعاد ‏حسني، نادية لطفي، عبد الحليم حافظ، عمر الشريف، وكثير من المصريين لا يستعملون إلا ‏اسمهم الأول مضافاً له اسم الاب كالزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي لم يستعمل قط ‏اسم جده حسين ولا ادّعى باسم عائلة كبيره وسعد زغلول ليست عشيرته الزغاليل، وكذا طه ‏حسين واحمد شوقي وحافظ ابراهيم، كما يكثر في مصر الانتساب لاسم المدينة أو القرية أو ‏المحافظه كالشرقاوي والطنطاوي والقناوي والاسواني والبهجوري والابنودي واصحاب كل ‏منها لا تجمعهم بالضرورة أي قرابة .‏
وما دامت (( سيره وانفتحت )) فالحديث عن (( موضوعة )) التسمية والأسماء لا بد أن ‏يتطرق للظلم الذي يحيق بالمرأة بعد زواجها حين تفقد اسم أبيها وعائلته وتتبع اسم زوجها ‏وعائلته طبقاً للقاعدة السائدة في كثير من دول العالم خاصة الغربية منها، لكننا في الاردن ‏تمردنا عليها منذ سنوات وأعدنا للزوجة في البطاقة الشخصية اسمها الاصلي واسم أبيها ‏وعائلته ولا ذكر قط لاسم الزوج ! ‏
وبعد .. فعلى السطح يبدو الأمر قليل الأهمية وهو في العمق ذو قيمة أنسانية تستحق ‏الطرح والبحث، لكن وحتى لا يتشعب بنا الحديث فندخل (( مناطق )) اجتماعية أكثر حساسية ‏فاننا – في مساحة المقال – نكتفي بهذا القدر من اختلاف الآراء حول الأسماء لعله يثير التأمل ‏والتفكير لا الغضب والتعكير ! ‏
‏9 /6 / 2011 ‏

من فيرمونت الى مؤسسة الضمان الاجتماعي ‏
د . زيد حمزه ‏

كلما غبت قليلا عن الكتابة في القضايا الصحية تحاشياً لشبهة الانحياز لمهنتي اجد ‏نفسي أمام جديدٍ مثير لا يحتمل التغاضي وآخر ما وصلني بهذا الشأن نبأ توقيع بيتر شوملن ‏Peter Shumlin ‎‏ حاكم ولاية فيرمونت يوم الخميس 26/5 /2011 على قانون يجعلها اول ‏ولاية في اميركا تطبق التأمين الصحي على مبدأ ((الدافع الواحد)) ‏Single Payer‏ الذي يوفر ‏للمواطنين تغطية شاملة، وقد قال في حفل التوقيع (( لقد استغرقَنا ذلك وقتاً طويلاً لكنا حصلنا ‏في النهاية على النظام الأفضل في العالم حيث الرعاية الصحية حق لامنّّة وحيث تُنفق اموالنا ‏على جعل مواطني فيرمونت أحسنَ صحةً لا على جعل شركات التأمين أكثر ربحاً !)). ‏
صحيح أن فيرمونت هذه ولاية صغيرة فترتيبها الخامسة والاربعون بين الولايات من ‏حيث المساحة (24900 كم2 ) والتاسعة والاربعون من حيث السكان (600 ألف نسمه) لكنها ‏استطاعت وحدها أن تخرق الحصار الذي فرضته شركات التأمين وحلفاؤها في الكونغرس ‏على الرئيس أوباما وأدى الى تقزيم مشروعه الصحي القائم على مبدأ ((الدافع الواحد)) حسبما ‏وعد ناخبيه ! ‏
ما يغيظ الاميركيين المنتظرين من أيام الرئيس هاري ترومان ( 1945 – 1953 ) ‏هو فشلهم في الحصول على نظام تأمين صحي شامل في حين نجحت اوروبا بانظمة تختلف ‏عن بعضها لكنها تنطلق جميعها من مبدأ العدالة الاجتماعية وحق المواطن الأساسي في ‏الرعاية الصحية، فتاريخياً استطاعت الدول الاسكندنافيه منذ أكثر من مائة عام تحقيق هذه ‏الأنظمه وتطويرها، وبريطانيا فعلت ذلك قبل ثلاثة وستين عاماً، والاشد إثارةً لغيرة وحسد ‏الاميركيين أن جارتهم الشمالية كندا – وهي الأقل غنىً – استطاعت منذ ثمانينات القرن ‏الماضي انجاز مشروعها الاكثر سخاء مع المواطنين ! ‏
وماذا عن الاردن ؟ لدينا نظام صحي مختلف لكنه حقق شمولاً في توفير الخدمات ‏الصحية لكل المواطنين بدرجات متفاوتة، ولم تقصّر الدولة يوماً في رصد المخصصات ‏اللازمة له من خلال وزارة الصحه والخدمات الطبية الملكية حتى وصلت بها الى اكثر من ‏‏10% من الميزانية العامه وهو مالا تحلم به أي دولة من دول العالم الثالث بل تتمناه بعض ‏الدول الاوروبية، لكن المشكلة عندنا هي أن وزارة الصحة مثقلةٌ بالعبء الاكبر إذ بالاضافة ‏لموظفيها وعائلاتهم والمواطنين الفقراء فانها تقدم خدماتها المدعومة أي شبه المجانية للعاملين ‏في القطاع الخاص الذين يُفترض بمؤسسة الضمان الاجتماعي أن تتحمل مسؤوليتهم وتنشيء ‏لهم مشروعاً للتأمين الصحي حسب نص المادة 3 /أ /4 من قانونها لعام 1978 ، لكنها لم ‏تفعل وظلت منذ بدأت عملها تماطل وتماطل حتى قيّض الله لها قبل بضع سنوات مديراً واعيا ‏أدرك أهمية المشروع وطنياً واستطاع أن يقنع اصحاب العمل بأنهم المستفيدون على المدى ‏المتوسط والبعيد فحين يكون عمالهم بصحة جيدة ومطمئنين نفسياً على صحة عائلاتهم ‏المشمولين معهم بالتأمين فان الانتاج يزيد وتبعاً لذلك تزيد ارباحهم من شركاتهم ومصانعهم ، ‏ثم ذهب المدير فغاب المشروع ! ‏
وبعد .. في أميركا وقفت شركات التأمين ضد مشروع أوباما لكن فيرمونت الصغيرة ‏انتصرت عليها ! فمن ذا الذي يعطل المشروع في الاردن ومن ذا الذي يجرؤ على القيام بدور ‏فيرمونت ؟!‏
وأخيراً أين يختبئ اتحاد نقابات العمال وهو عضو في مجلس ادارة موسسة الضمان ‏الاجتماعي ؟
‏2 /6 /2011 ‏
‏... وألمانيا راجعه ! ‏
د. زيد حمزه ‏

العنوان الكامل لهذا المقال (( نحن ذاهبون الى المحطات النووية وألمانيا راجعه ! )) ‏فقد جاء في (( الرأي )) 31 /5 /2011 : قررت المانيا امس اغلاق اخر مفاعلاتها النووية ‏العام 2022 اثر الكارثة النووية في فوكوشيما، لتصبح بذلك اول قوة صناعية تتخلى عن ‏الطاقة‎ ‎النووية، فقد توافق اعضاء الائتلاف الحكومي‏‎ ‎على وقف تشغيل القسم الاكبر من ‏المفاعلات الالمانية ال 17 بحلول نهاية العام 2021 ... واوضح وزير البيئة الالماني ‏نوربرت روتغن ان المفاعلات الثلاثة الاحدث ستستمر في العمل فقط حتى نهاية العام 2022 ‏مؤكدا ألا عودة عن هذا القرار ... وصرحت ميركل للصحافيين ان (( نظامنا لتامين الطاقة ‏ينبغي ان يتغير جذريا ونحن نستطيع القيام بذلك )). وقالت رئيسة الحزب كلاوديا روث (( لا ‏ينبغي فقط معرفة كيفية الاستغناء عن‎ ‎النووي بل باي وتيرة وباي طموح يمكن خوض مجال ‏الطاقات المتجددة )) واعلن مناهضو الطاقة النووية الذين استمروا في التظاهر خلال الاشهر ‏الاخيرة، نيتهم التظاهر مجددا في نهاية الاسبوع‎.‎‏ وشارك في اخر تظاهرة 160 الف شخص ‏في عشرين مدينة المانية . ‏
وهكذا فقد كانت كارثة فوكوشيما في اليابان القشة التي قصمت ظهر البعير في حسم ‏الجدل حول الطاقة النووية وعززت الاقتناع بأنها بديل غير آمن لا بل شديد الخطر والضرر ‏وبدات كثير من الدول وفي مقدمتها اليابان باعادة النظر في مشاريعها القائمة للتخلص منها ‏وبالتوقف عن بناء مفاعلات جديدة .. اما في الاردن فلا يلوح في الافق أن هيئة الطاقة الذرية ‏تتجاوب مع هذا الفهم العالمي ولا تستمع للاحتجاجات التي صدرت هنا عن جمعيات البيئة ولا ‏تقرأ انتقادات كتاب واختصاصيين عديدين ولا تهتم بالاعتراضات المعبّره عن فزع حقيقي ‏لدى سكان محافظة المفرق حيث تقرر نقل المشروع الى اراضيها بعد أن بينت دراسة ‏الجدوى التي قيل انها كلفت 14 مليون دولار أن إنشاءها في منطقة العقبة غير آمن لأنها تقع ‏ضمن حفرة الانهدام المعرّضه للهزات الارضية ، وليتها (أي الهيئه) شهدت – كما شهد آلاف ‏الاردنيين المارين من الدوار الرابع وكنت واحدا منهم – الاعتصام الذي قام به الثلاثاء ‏الماضي المئات من الناشطين البيئيين تتقدمهم الاميرة بسمة بنت علي أمام رئاسة الوزراء ‏مستنكرين أنشاء المفاعل النووي في الاردن ومطالبين بالتوجّه نحو الطاقة المتجدده الآمنه . ‏
ومن الغريب، في هذا الوقت بالذات حيث ألمانيا واليابان ودول عديدة في العالم تراجع ‏مواقفها من الطاقة النووية، أن يتحدث الباحث اللبناني الدكتور محمود نصر الدين مستشار ‏الامين العام لجامعة الدول العربية للشؤون العلمية ( وكأن العرب راضون عن انجازات ‏الجامعة في الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ولم يبق سوى الشؤون العلمية ‏حتى يكتمل الرضا !) في محاضرة له بمنتدى شومان الثقافي (الاثنين 30 /5 /2011) فيؤيد ‏السير قدماً في إنشاء المفاعلات النووية في الدول العربية ويقلل من اهمية ما حدث في ‏شيرنوبيل وفوكوشيما ويعتبرهما حادثين عاديين لا يختلفان كثيراً عن حوادث السيارات ‏والقطارات (كذا !) ويحاول تهميش البدائل النظيفة الرخيصه كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ‏كما أن المثير للريبة والشك أن يتحول بناء المفاعلات النووية من الدول المتقدمة الى المتخلفه ‏بلا اعتبارٍ مما حدث وبلا احترام لحياة وصحة البشر بل بتواطؤٍ غير خفي مع كبريات ‏الشركات العالمية التي تحقق من وراء ذلك أرباحاً طائلة ! ‏
وبعد .. فالى متى يبقى المسؤولون عن هذه المشاريع يديرون ظهورهم للرأي العام ‏بحجة أنهم وحدهم الذين يفهمون في الطاقة وهم وحدهم الحريصون على مستقبل الوطن !؟ ‏
‏26 /5 /2011‏
الاساتذه .. قادمون ! ‏
د . زيد حمزه ‏

لا يكفي أن أقول للقراء من الاجيال الجديدة أن أُولى نوافذ الاعلام التي انفتحت أمام ‏جيلنا كانت الصحف المصرية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، فتلك (( أيام لها ‏تاريخ )) على حد تعبير أحمد بهاء الدين في عنوان احد كتبه القليلة العظيمة ، حيث العالم بعد ‏الحرب العالمية الثانية والانتصار على النازية والفاشية يضطرم باشواق الشعوب المتطلعة ‏للحرية والاستقلال، ومن القاهرة يهب علينا نسيم الفكر السياسي محمولاً على مجلات وجرائد ‏تتحدث عن الحياة الحزبية والانتخابات البرلمانية وتطفح بمقالات حماسية تطالب برحيل ‏الاستعمار البريطاني وبجلاء قواته عن قناة السويس وتفضح فساد صفقات الاسلحه في حرب ‏اغتصاب فلسطين، ويتجرأ كتابٌ شبابٌ يكسرون حواجز الخوف ويواجهون سلطة مستبدة ‏حاملين ألوية التغيير متعاونين سراً مع الضباط الاحرار وصولا الى ثورة يوليو 1952، ومن ‏بينهم احسان عبد القدوس واحمد بهاء الدين وعبد الرحمن الخميسي وعبد الرحمن الشرقاوي ‏وصلاح حافظ ويوسف إدريس وكامل زهيري وفتحي غانم وخالد محمد خالد، يكتبون في ‏‏(( روز اليوسف ))، وفي (( المصري )) (صحيفة حزب الوفد ذي الشعبية الواسعه) ويزحزحون ‏عن مواقعهم كتابا كباراً كفكري أباظة ومحمد عبد القادر المازني ومصطفى امين واحمد ‏الصاوي محمد ومحمد التابعي كانوا قد ازمنوا في صحف (( المصور )) و(( اخبار اليوم )) ‏و(( آخر ساعه )) . ‏
حتى احتواها السادات في السبعينات بقيت الصحف المصرية محتفظةً بمستوى مهني ‏جيد وقدرات فنية متقدمه، لكنْ وحدها (( روز اليوسف )) استطاعت بصعوبة ولفترة محدودة أن ‏تتمسك ببقية من هويتها المتفرده ومذاقها المختلف، لا بمن صمد من محرريها الشجعان فحسب ‏بل كذلك بالمبدعين من رسامي الكاريكاتير السياسي الذين واصلوا السير على خطى الاوائل ‏أمثال عبد السميع وزهدي وصلاح جاهين ومن بعدهم رجائي والبهجوري واللباد والليثي ‏وحجازي والقائمة تطول .. ‏
ثم .. لا يلبث الاعلام المصري أن يدخل في نفق معتم طويل ويصبح الصحفيون ‏مجرد أحجار شطرنج ينقلها بين المؤسسات الصحفية على هواه رجلٌ واحد لم يتزحزح عن ‏مواقع المسؤولية لاربعة عقود منذ نجح أول مرة في التقاط صور سرية ابتزازية لسياسيٍّ مع ‏امرأة ! فهبطت الى الحضيض صحافة سُميت (( قومية )) وما هي في حقيقة الأمر إلا حكومية ‏مأمورة تنضح نفاقاً وخداعاً .. أما التلفزيون الرسمي وبعد أن كانت له الريادة على مستوى ‏الوطن العربي فقد راح يتراجع ويخبو بريقه ويلوّثه الفساد حتى أنبلج فجر الثورة في 25 يناير ‏فإذا بالمواهب التي أُحبطت وقُمعت ومنُعت ردحا من الزمن تقفز الى المشهد المضيء فيبهرنا ‏اصحابها من مذيعين ومحاورين مثل يسري فوده ومنى الشاذلي ووائل الابراشي وعمرو ‏الليثي وأبراهيم عيسى وريم ماجد وبلال فضل واحمد المسلماني وحسن فوده وأماني الخياط ‏وجابر القرموطي والكبير دائماً حمدي قنديل ونتسمر أمامهم لساعات طويلة نتأمل باحترام ‏واعجاب قدراتهم ومهنّتيهم وجرأتهم وأدبهم الجم ونتمنى لو تواضع بعض اعلاميينا وانتسبوا ‏لمدرستهم ! .. ‏
وبعد .. ألم أقل منذ العنوان .. الاساتذه قادمون ؟ ‏
‏19 / 5 /2011‏

الاخوان المسلمون .. الجدد !‏
د ز يد حمزه

أدهشني الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح – وهو المرشح المحتمل للاخوان المسلمين في ‏مصر لانتخابات رئاسة الجمهورية – باجاباته البليغه على أسئلة المذيع في قناة دريم المصرية ‏قبل أيام وقد أوضح منذ البداية بأنه لا يوافق على الكثير من الآراء التي دأب الاخوان على ‏طرحها فيما يتعلق بالحجاب واللحى ونوع اللباس وغير ذلك من السلوكيات والمظاهر التي ‏يختلف عليها الناس لكنها لا تدخل في عمق المشاكل الحقيقية التي يعانون منها، واوضح كذلك ‏كيف انتصر رأيه في الفصل التام بين جماعة الاخوان المسلمين (( الدعوية )) والاحزاب التي ‏تشكلت مؤخراً من صلب الحركة الاسلامية لتعمل في الحقل السياسي وعددها ثلاثة واحد منها ‏فقط يحمل اسماً دينياً، وقال إن ذلك جاء بعد تجربة حزب جبهة العمل الاسلامي في الاردن ‏التي وصفها بأنها غير ناجحه لأن الحزب ظل واجهة للجماعة تسيّره كما تشاء ، وكان ‏الدكتور أبو الفتوح اكثر ليونة وتساهلاً في العديد من القضايا التي تعوّدْنا تشدد الاخوان ‏وتزمتهم بشأنها وكرر اكثر من مرة أنه يُطَمْئن المواطنين (الناخبين !) وهو يتقدم بترشيحه ‏ليمثل الجميع مسلمين ومسيحيين لكنه لم يذكر مِلَلاً أو اصحاب عقائد أخرى ! واحتاط كثيرا ‏فلم يهاجم أيا من التيارات السياسية الناشطة في الوقت الحاضر وقال إنها جميعها وطنية تسعى ‏للخدمة العامه بطرق مختلفه ، واختلاف الرأي اجتهاد يرضاه الاسلام ويدعو له ، خاصة ‏بعدما توقف فترة طويلة من الزمن لكن لم يذكر من كان وراء هذا التوقف أو التجميد ! ولعل ‏من أهم ما جاء في كلام الدكتور أبو الفتوح هو رأيه في الدستور وأنه لا يمانع في وصف ‏الدولة بالمدنية (( فهكذا هي الدولة منذ إنشائها في عهد الرسول وحتى يومنا هذا في بلادنا ‏العربية جميعا !)) ولم يكن واضحاً بشأن إلزام الدستور بمرجعية الشريعة الاسلامية بل شدد ‏على الديمقراطية وحق جميع المواطنين من كل الاديان في المساواة والعيش في وئام تحت ‏ظل ظليل من العدالة الاجتماعية والسياسية .. ‏
وفي نفس السياق لكن هذه المرة في الاردن وفي رابطة الكتاب تحدث قبل أيام السيد ‏زكي بني ارشيد احد قادة الاخوان المسلمين – وكنت أستمع له لاول مرة – فقال كلاماً يزخر ‏بالمفاهيم المستنيرة التي تتناسب مع الأجواء التي يعيشها العرب منذ نجاح ثورتي تونس ‏ومصر، وقد أدهشني مثلُ (( أخيه )) أبو الفتوح في مصر بطرحٍ منفتح متقدم وشعرت وكأنني ‏أمام جماعة جديدة ! لكنْ في الحالتين ليست لديّ مع الأسف اوراق مكتوبة تمكنني من ‏الاقتباس بامانة والتعليق بموضوعية، كما فعلتُ قبل شهور (26 /2 /2011) حين رحبت بما ‏جاء في مقال د. رحيل غرايبة ( الرأي 18 /2/2011 ) واعتبرته مؤشراً ايجابيا . ‏
وبعد .. فما لم يُعلَنْ على الملأ برنامجٌ جديدٌ واضح للأخوان المسلمين يتفق صراحةً ‏مع وعي الجماهير في (( ربيع العرب )) وتحفظها الواسع على استخدام الدين في العمل ‏السياسي ومطالبتها بالدولة المدنية التي تساوي بين كل المواطنين على اختلاف اديانهم ‏ومعتقداتهم فان من الصعب الثقة بكلام جميل مفعم بالنوايا الطيبة التي لا احد يضمن صمودها ‏أمام تيار التشدد، أو الاتكاء على تكتيك ذكي قد يقصد به ركوب الموجه وكسب الانتخابات ، ‏لأن الناس لا يستطيعون أن ينسوا دفعةً واحدة تاريخ الاسلام السياسي في قسوته وتطرفه ‏وتعصبه أو أن يتجاوزوا بسهولة السلوكيات المنفرة التي ما زالت تتكرر يومياً على أرض ‏الواقع في دول عديدة تدّعي حكم الشريعة وتبتعد مسافات شاسعة عن روح العصر وعن أبسط ‏حقوق الانسان .. وفي مقدمتها حقوق المرأة ! ‏
‏12 / 5 /2011 ‏

بين الصحة واطبائها، ليس الطريق مسدوداً ؟
د. زيد حمزه

في الاضراب الطويل لاطباء وزارة الصحة لا يبدو الموقف واضحاً لدى الرأي العام الاردني ‏حتى بعد مرور خمسة اسابيع ، فمن ناحيةٍ هناك فئة من موظفي الدولة تسعى لتحسين شروط عملها ‏بزيادة رواتبها وتلقى تأييد الكثيرين وانا واحد منهم لكنْ ضمن فهم محدد شرحته لمجلس النقابة ‏وللوزير ولا يقوم على قاعدة (( أُنصرْ اخاك ظالماً او مظلوماً )) ولا على استدرار شعبوية لم أسعَ ‏لها يوماً، ومن ناحيةٍ أخرى لا تقف الحكومة من هذه القضية موقفاً رافضاً بل متفهماً حتى أنها لا ‏تعترض على حق الاضراب رغم أنه – حسب تفسيرٍ رسمي سابق – مخالفٌ لنظام الخدمة المدنية .. ‏إذن لماذا يستمر الاضراب كل هذه المدة ونحن نعلم أن محادثات جرت بين النقابة والوزارة للوصول ‏الى تسوية يرضى بها الطرفان كما ينتج عادة عن اي مفاوضات مطلبية بين اطراف متنازعه ؟ وتُرى ‏ما هو النظام الخاص الموحد الذي تطالب به النقابة لاطباء وزارة الصحة ؟ وهل يستحقونه وينسجم ‏مع العدالة المالية التي يفترض أن تعم الجميع أم أنه – كما تقول الحكومة – (( يميّزهم )) على باقي ‏موظفي الدولة من اصحاب المهن الأخرى أو سواهم من حملة الشهادات الجامعية المختلفه الذين لهم ‏ايضاً قيمتهم واهميتهم وحاجة المجتمع لخدمتهم وإنْ بدرجات مختلفه ، وتبعا لذلك بدأتْ كثير من ‏النقابات المهنية تتقدم بمطالب مشابهة !؟ وترد النقابة لتبرير مطلبها بأن الدولة أنشأت للقضاة نظاماً ‏خاصاً لكنها – أي النقابة – لم تنتبه الى أن هذا هو الحال في أكثر الدول لأن القضاء سلطة مستقلة ‏عن السلطتين التنفيذية والتشريعية ، فهل الاطباء سلطة رابعة ؟ ‏
وفي هذا السياق أعلنت الحكومة أن النظام المقترح سيكلف 28 مليون دينار وليس 4 ملايين ‏كما تقول النقابة، كما أنها بصدد أخراج نظام مالي جديد يتمثل في مشروع لاعادة هيكلة الخدمة ‏المدنية يشمل جميع العاملين في اجهزة الدولة ويطبق بعدالة حسب مقياس واحد ليلغي التشوهات ‏القائمة في النظام الحالي ويحسّن مجمل الرواتب في حين سيخفض الرواتب الكبيرة غير المحقه في ‏المؤسسات الخاصة المستقلة التي سيعيدها الى حظيرة النظام المالي أو يلغيها ، وهي أصلاً لم تكن ‏نماذج صالحة حتى تسعى النقابة للاقتداء بها ! ‏
وقبل ايام نشرت الصحف أن الحكومة سوف تسمح لاي موظف حكومي بالعمل في القطاع ‏الخاص خارج الدوام الرسمي وهو مبدأ معمول به منذ تأسيس الامارة وبأذن من مجلس الوزراء ولا ‏اعلم أنه أوقف إلا بالنسبة للاطباء منذ عام 1965 وهم اكثر من كانوا يستخدمونه بين موظفي الدولة ‏‏.. والعودة له الآن سوف تحل جزءاً كبيراً من المشكله القائمة أذا وضع في نظام محدد وبضوابط ‏واضحة تلافياً لإساءة الاستعمال . ‏
وعلى هامش الخلاف القائم يسمع الناس أن هناك غُبناً مزمنا لَحقَ باطباء الصحة يتبدى عند ‏مقارنة رواتبهم برواتب اطباء القوات المسلحة أو أطباء الجامعة لكنهم لم يسمعوا تفسيراً لذلك من ‏حيث ظروف العمل العسكري وطبيعة المهام الأخرى الملقاة على عاتق الطبيب كضابط في الجيش ‏علماً بأن راتب الطبيب العام عند بدء عمله في الخدمات الطبية الملكية هو أقل من راتب زميله في ‏وزارة الصحه الذي يصل لاكثر من 600 دينار شهرياً لكن التفاوت الكبير في الدخل يبرز واضحاً ‏لدى أصحاب الرتب العليا فبالاضافة لحصولهم على حصتهم من الحوافز من دخل المرضى المحولين ‏للمدينة الطبية من خارج القوات المسلحة فهناك امتيازات أخرى وبعثات ومؤتمرات لا يحظى بها ‏طبيب الصحه ، صحيح أن رواتب الاختصاصيين في الصحة قد تصل الى الآلاف شهرياً لكن النقابة ‏ترد بأن معظمها علاوات لا تجدي عند احتساب التقاعد على الراتب الاساسي وهو الضئيل الذي ‏يقترح النظام الخاص رفعه .. أما بالنسبة لاطباء كليات الطب فالتفسير مختلف إذ أنهم من الحاصلين ‏على درجات علمية عالية تؤهلهم – بالاضافة لمعالجة المرضى – للقيام بمهام التعليم والتدريب ، ‏فضلاً عن حصولهم على نسب سخية من دخل مستشفى الجامعة الاردنية أو مستشفى الملك المؤسس ‏في جامعة العلوم والتكنولوجيا المتأتي من الاجور التي يدفعها مرضى القطاع الخاص والأهم والأغزر ‏ما يدفعه صندوق التأمين الصحي لهذين المستشفيين مقابل المرضى الذين يحولهم لهما، وهو ما يزيد ‏من الشعور بالغبن في اوساط أطباء الصحه !‏
وبعد .. فمن غير المقبول أو المعقول لمجرد تمسك كل من طرفي النزاع بموقفه، أن يستمر ‏الاضراب فيتسبب بمعاناة يومية مؤلمه لآلاف المرضى غير القادرين على تحمل نفقات العلاج ‏الباهظة في عيادات ومستشفيات القطاع الخاص ، وأنا على يقين من أن هذا المأزق المأساوي يشكل ‏عبئاً ثقيلاً على ضمائر أطبائنا واعضاء مجلس نقابتنا ، لذلك ادعو الى تعليق الاضراب فوراً والسعي ‏لانجاح الحوار بين الطرفين بادخال طرف ثالث محايد من المحكّمين ذوي الخبرة .. والمعرفة . ‏
‏5 /5 /2011 ‏
من يحقد على من ؟
د. زيد حمزه

بعد أن فسرتْ الماركسيه تطور المجتمعات من مرحلة البدائية الشيوعية الى مراحل ‏العبودية فالأقطاعية فالرأسمالية ثم الاشتراكية وصولا إلى الشيوعة آخر المطاف ، وأكدت أن أحد ‏العوامل الرئيسية في ذلك هو الصراع الطبقي، اجاب على ذلك أصحاب النظريات الأخرى ‏والمدافعون عن الرأسمالية الغربية على وجه الخصوص بأن هذا التحليل الماركسي دعوة لاثارة ‏الحقد بين الناس يؤدي الى تدمير المجتمعات بتأليب العمال على اصحاب العمل لا بالاعتصام أو ‏الاضراب أو التظاهر فحسب بل بتحويلهم الى مجموعة من الجاحدين لنعمة اربابهم بدل أن يكونوا ‏حامدين شاكرين لهم على أن وفروا لهم فرص العمل فاطعموهم من جوع ! وهو تنظير أساء ‏لنضال العمال واثار عليهم نقمة باقي افراد المجتمع، وغطى على مطالبهم العادله وكتمَ اصواتهم ‏وهم يتظلمون من انتهاك حقوقهم التي نصت عليها الدساتير الوطنية والمواثيق الدولية كتشكيل ‏النقابات والمفاوضة على الاجور والتأمين الصحي وبالنسبة للمرأة العاملة حق مساواة اجورها ‏وشروط عملها بالرجل واعطاء الحامل اجازة الأمومة .. ومن ناحيتهم فان اصحاب العمل نأَوْا ‏بأنفسهم عن ساحة المعركة وسخّروا بعض الكتاب لكي يقوموا بتشويه المواقف العمالية حتى لا ‏يتعاطف الرأي العام معها لكن العالم وهو يعج بالقلاع الصناعية العملاقة والشركات الكبرى ‏متعددة الجنسيات ذات النفوذ البالغ على الكثير من الحكومات لم يخلُ يوما من أصحاب الاقلام ‏الشريفة الذين ما فتئوا يدافعون عن الحقيقة كنعومي كلاين في كتابها ‏Shock Doctrine : Rise ‎of Disaster Capitalism‏ وقد بيّن بعضهم أن الحقد الطبقي الحقيقي هو الهابط من فوق اي من ‏الأقوياء وليس الصاعد من تحت أي من الضعفاء ، فجشع اصحاب المصالح هو الذي يجعلهم ‏يوغلون في استغلال مستخدميهم كي يحققوا ربحاً أكثر، وذلك بسن التشريعات أو تعديلها كي ‏تعزز هذا الاستغلال .. كما بينوا أن العامل قد يحقد على صاحب العمل أو يكرهه لأنه لا يعطيه ‏أجره الكافي الذي يستحقه ويمكّنه من العيش بكرامة مع أن ذلك لا يكلفه سوى التضحية بجزء ‏يسير من ارباحه .‏
وبعد .. على هذا الاساس يمكن أن نفسّر موقف سْكوتْ ووكر حاكم ولاية وسكنسون ‏الجمهوري قبل أشهر قليلة الذي باع حقوق النقابات مقابل الثمن الذي قبضه من شركات كبرى ‏معروفه، فهل على نفس الاساس يمكن تفسير مماطلة مؤسسة الضمان الاجتماعي منذ تأسيسها قبل ‏ثلاثين عاما في تطبيق حق التأمين الصحي لمنتسبيها من العمال والوارد نصاً في قانونها بسبب ‏الخضوع لنفوذ أصحاب العمل في مجلس ادارتها ورغم الوجود المزوَّر لاتحادهم العام في هذا ‏المجلس ؟! ‏