السبت، 23 يوليو 2011

‏9 /6 / 2011 ‏

من فيرمونت الى مؤسسة الضمان الاجتماعي ‏
د . زيد حمزه ‏

كلما غبت قليلا عن الكتابة في القضايا الصحية تحاشياً لشبهة الانحياز لمهنتي اجد ‏نفسي أمام جديدٍ مثير لا يحتمل التغاضي وآخر ما وصلني بهذا الشأن نبأ توقيع بيتر شوملن ‏Peter Shumlin ‎‏ حاكم ولاية فيرمونت يوم الخميس 26/5 /2011 على قانون يجعلها اول ‏ولاية في اميركا تطبق التأمين الصحي على مبدأ ((الدافع الواحد)) ‏Single Payer‏ الذي يوفر ‏للمواطنين تغطية شاملة، وقد قال في حفل التوقيع (( لقد استغرقَنا ذلك وقتاً طويلاً لكنا حصلنا ‏في النهاية على النظام الأفضل في العالم حيث الرعاية الصحية حق لامنّّة وحيث تُنفق اموالنا ‏على جعل مواطني فيرمونت أحسنَ صحةً لا على جعل شركات التأمين أكثر ربحاً !)). ‏
صحيح أن فيرمونت هذه ولاية صغيرة فترتيبها الخامسة والاربعون بين الولايات من ‏حيث المساحة (24900 كم2 ) والتاسعة والاربعون من حيث السكان (600 ألف نسمه) لكنها ‏استطاعت وحدها أن تخرق الحصار الذي فرضته شركات التأمين وحلفاؤها في الكونغرس ‏على الرئيس أوباما وأدى الى تقزيم مشروعه الصحي القائم على مبدأ ((الدافع الواحد)) حسبما ‏وعد ناخبيه ! ‏
ما يغيظ الاميركيين المنتظرين من أيام الرئيس هاري ترومان ( 1945 – 1953 ) ‏هو فشلهم في الحصول على نظام تأمين صحي شامل في حين نجحت اوروبا بانظمة تختلف ‏عن بعضها لكنها تنطلق جميعها من مبدأ العدالة الاجتماعية وحق المواطن الأساسي في ‏الرعاية الصحية، فتاريخياً استطاعت الدول الاسكندنافيه منذ أكثر من مائة عام تحقيق هذه ‏الأنظمه وتطويرها، وبريطانيا فعلت ذلك قبل ثلاثة وستين عاماً، والاشد إثارةً لغيرة وحسد ‏الاميركيين أن جارتهم الشمالية كندا – وهي الأقل غنىً – استطاعت منذ ثمانينات القرن ‏الماضي انجاز مشروعها الاكثر سخاء مع المواطنين ! ‏
وماذا عن الاردن ؟ لدينا نظام صحي مختلف لكنه حقق شمولاً في توفير الخدمات ‏الصحية لكل المواطنين بدرجات متفاوتة، ولم تقصّر الدولة يوماً في رصد المخصصات ‏اللازمة له من خلال وزارة الصحه والخدمات الطبية الملكية حتى وصلت بها الى اكثر من ‏‏10% من الميزانية العامه وهو مالا تحلم به أي دولة من دول العالم الثالث بل تتمناه بعض ‏الدول الاوروبية، لكن المشكلة عندنا هي أن وزارة الصحة مثقلةٌ بالعبء الاكبر إذ بالاضافة ‏لموظفيها وعائلاتهم والمواطنين الفقراء فانها تقدم خدماتها المدعومة أي شبه المجانية للعاملين ‏في القطاع الخاص الذين يُفترض بمؤسسة الضمان الاجتماعي أن تتحمل مسؤوليتهم وتنشيء ‏لهم مشروعاً للتأمين الصحي حسب نص المادة 3 /أ /4 من قانونها لعام 1978 ، لكنها لم ‏تفعل وظلت منذ بدأت عملها تماطل وتماطل حتى قيّض الله لها قبل بضع سنوات مديراً واعيا ‏أدرك أهمية المشروع وطنياً واستطاع أن يقنع اصحاب العمل بأنهم المستفيدون على المدى ‏المتوسط والبعيد فحين يكون عمالهم بصحة جيدة ومطمئنين نفسياً على صحة عائلاتهم ‏المشمولين معهم بالتأمين فان الانتاج يزيد وتبعاً لذلك تزيد ارباحهم من شركاتهم ومصانعهم ، ‏ثم ذهب المدير فغاب المشروع ! ‏
وبعد .. في أميركا وقفت شركات التأمين ضد مشروع أوباما لكن فيرمونت الصغيرة ‏انتصرت عليها ! فمن ذا الذي يعطل المشروع في الاردن ومن ذا الذي يجرؤ على القيام بدور ‏فيرمونت ؟!‏
وأخيراً أين يختبئ اتحاد نقابات العمال وهو عضو في مجلس ادارة موسسة الضمان ‏الاجتماعي ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق