9 /6 / 2011
من فيرمونت الى مؤسسة الضمان الاجتماعي
د . زيد حمزه
كلما غبت قليلا عن الكتابة في القضايا الصحية تحاشياً لشبهة الانحياز لمهنتي اجد نفسي أمام جديدٍ مثير لا يحتمل التغاضي وآخر ما وصلني بهذا الشأن نبأ توقيع بيتر شوملن Peter Shumlin حاكم ولاية فيرمونت يوم الخميس 26/5 /2011 على قانون يجعلها اول ولاية في اميركا تطبق التأمين الصحي على مبدأ ((الدافع الواحد)) Single Payer الذي يوفر للمواطنين تغطية شاملة، وقد قال في حفل التوقيع (( لقد استغرقَنا ذلك وقتاً طويلاً لكنا حصلنا في النهاية على النظام الأفضل في العالم حيث الرعاية الصحية حق لامنّّة وحيث تُنفق اموالنا على جعل مواطني فيرمونت أحسنَ صحةً لا على جعل شركات التأمين أكثر ربحاً !)).
صحيح أن فيرمونت هذه ولاية صغيرة فترتيبها الخامسة والاربعون بين الولايات من حيث المساحة (24900 كم2 ) والتاسعة والاربعون من حيث السكان (600 ألف نسمه) لكنها استطاعت وحدها أن تخرق الحصار الذي فرضته شركات التأمين وحلفاؤها في الكونغرس على الرئيس أوباما وأدى الى تقزيم مشروعه الصحي القائم على مبدأ ((الدافع الواحد)) حسبما وعد ناخبيه !
ما يغيظ الاميركيين المنتظرين من أيام الرئيس هاري ترومان ( 1945 – 1953 ) هو فشلهم في الحصول على نظام تأمين صحي شامل في حين نجحت اوروبا بانظمة تختلف عن بعضها لكنها تنطلق جميعها من مبدأ العدالة الاجتماعية وحق المواطن الأساسي في الرعاية الصحية، فتاريخياً استطاعت الدول الاسكندنافيه منذ أكثر من مائة عام تحقيق هذه الأنظمه وتطويرها، وبريطانيا فعلت ذلك قبل ثلاثة وستين عاماً، والاشد إثارةً لغيرة وحسد الاميركيين أن جارتهم الشمالية كندا – وهي الأقل غنىً – استطاعت منذ ثمانينات القرن الماضي انجاز مشروعها الاكثر سخاء مع المواطنين !
وماذا عن الاردن ؟ لدينا نظام صحي مختلف لكنه حقق شمولاً في توفير الخدمات الصحية لكل المواطنين بدرجات متفاوتة، ولم تقصّر الدولة يوماً في رصد المخصصات اللازمة له من خلال وزارة الصحه والخدمات الطبية الملكية حتى وصلت بها الى اكثر من 10% من الميزانية العامه وهو مالا تحلم به أي دولة من دول العالم الثالث بل تتمناه بعض الدول الاوروبية، لكن المشكلة عندنا هي أن وزارة الصحة مثقلةٌ بالعبء الاكبر إذ بالاضافة لموظفيها وعائلاتهم والمواطنين الفقراء فانها تقدم خدماتها المدعومة أي شبه المجانية للعاملين في القطاع الخاص الذين يُفترض بمؤسسة الضمان الاجتماعي أن تتحمل مسؤوليتهم وتنشيء لهم مشروعاً للتأمين الصحي حسب نص المادة 3 /أ /4 من قانونها لعام 1978 ، لكنها لم تفعل وظلت منذ بدأت عملها تماطل وتماطل حتى قيّض الله لها قبل بضع سنوات مديراً واعيا أدرك أهمية المشروع وطنياً واستطاع أن يقنع اصحاب العمل بأنهم المستفيدون على المدى المتوسط والبعيد فحين يكون عمالهم بصحة جيدة ومطمئنين نفسياً على صحة عائلاتهم المشمولين معهم بالتأمين فان الانتاج يزيد وتبعاً لذلك تزيد ارباحهم من شركاتهم ومصانعهم ، ثم ذهب المدير فغاب المشروع !
وبعد .. في أميركا وقفت شركات التأمين ضد مشروع أوباما لكن فيرمونت الصغيرة انتصرت عليها ! فمن ذا الذي يعطل المشروع في الاردن ومن ذا الذي يجرؤ على القيام بدور فيرمونت ؟!
وأخيراً أين يختبئ اتحاد نقابات العمال وهو عضو في مجلس ادارة موسسة الضمان الاجتماعي ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق