12 / 5 /2011
بين الصحة واطبائها، ليس الطريق مسدوداً ؟
د. زيد حمزه
في الاضراب الطويل لاطباء وزارة الصحة لا يبدو الموقف واضحاً لدى الرأي العام الاردني حتى بعد مرور خمسة اسابيع ، فمن ناحيةٍ هناك فئة من موظفي الدولة تسعى لتحسين شروط عملها بزيادة رواتبها وتلقى تأييد الكثيرين وانا واحد منهم لكنْ ضمن فهم محدد شرحته لمجلس النقابة وللوزير ولا يقوم على قاعدة (( أُنصرْ اخاك ظالماً او مظلوماً )) ولا على استدرار شعبوية لم أسعَ لها يوماً، ومن ناحيةٍ أخرى لا تقف الحكومة من هذه القضية موقفاً رافضاً بل متفهماً حتى أنها لا تعترض على حق الاضراب رغم أنه – حسب تفسيرٍ رسمي سابق – مخالفٌ لنظام الخدمة المدنية .. إذن لماذا يستمر الاضراب كل هذه المدة ونحن نعلم أن محادثات جرت بين النقابة والوزارة للوصول الى تسوية يرضى بها الطرفان كما ينتج عادة عن اي مفاوضات مطلبية بين اطراف متنازعه ؟ وتُرى ما هو النظام الخاص الموحد الذي تطالب به النقابة لاطباء وزارة الصحة ؟ وهل يستحقونه وينسجم مع العدالة المالية التي يفترض أن تعم الجميع أم أنه – كما تقول الحكومة – (( يميّزهم )) على باقي موظفي الدولة من اصحاب المهن الأخرى أو سواهم من حملة الشهادات الجامعية المختلفه الذين لهم ايضاً قيمتهم واهميتهم وحاجة المجتمع لخدمتهم وإنْ بدرجات مختلفه ، وتبعا لذلك بدأتْ كثير من النقابات المهنية تتقدم بمطالب مشابهة !؟ وترد النقابة لتبرير مطلبها بأن الدولة أنشأت للقضاة نظاماً خاصاً لكنها – أي النقابة – لم تنتبه الى أن هذا هو الحال في أكثر الدول لأن القضاء سلطة مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية ، فهل الاطباء سلطة رابعة ؟
وفي هذا السياق أعلنت الحكومة أن النظام المقترح سيكلف 28 مليون دينار وليس 4 ملايين كما تقول النقابة، كما أنها بصدد أخراج نظام مالي جديد يتمثل في مشروع لاعادة هيكلة الخدمة المدنية يشمل جميع العاملين في اجهزة الدولة ويطبق بعدالة حسب مقياس واحد ليلغي التشوهات القائمة في النظام الحالي ويحسّن مجمل الرواتب في حين سيخفض الرواتب الكبيرة غير المحقه في المؤسسات الخاصة المستقلة التي سيعيدها الى حظيرة النظام المالي أو يلغيها ، وهي أصلاً لم تكن نماذج صالحة حتى تسعى النقابة للاقتداء بها !
وقبل ايام نشرت الصحف أن الحكومة سوف تسمح لاي موظف حكومي بالعمل في القطاع الخاص خارج الدوام الرسمي وهو مبدأ معمول به منذ تأسيس الامارة وبأذن من مجلس الوزراء ولا اعلم أنه أوقف إلا بالنسبة للاطباء منذ عام 1965 وهم اكثر من كانوا يستخدمونه بين موظفي الدولة .. والعودة له الآن سوف تحل جزءاً كبيراً من المشكله القائمة أذا وضع في نظام محدد وبضوابط واضحة تلافياً لإساءة الاستعمال .
وعلى هامش الخلاف القائم يسمع الناس أن هناك غُبناً مزمنا لَحقَ باطباء الصحة يتبدى عند مقارنة رواتبهم برواتب اطباء القوات المسلحة أو أطباء الجامعة لكنهم لم يسمعوا تفسيراً لذلك من حيث ظروف العمل العسكري وطبيعة المهام الأخرى الملقاة على عاتق الطبيب كضابط في الجيش علماً بأن راتب الطبيب العام عند بدء عمله في الخدمات الطبية الملكية هو أقل من راتب زميله في وزارة الصحه الذي يصل لاكثر من 600 دينار شهرياً لكن التفاوت الكبير في الدخل يبرز واضحاً لدى أصحاب الرتب العليا فبالاضافة لحصولهم على حصتهم من الحوافز من دخل المرضى المحولين للمدينة الطبية من خارج القوات المسلحة فهناك امتيازات أخرى وبعثات ومؤتمرات لا يحظى بها طبيب الصحه ، صحيح أن رواتب الاختصاصيين في الصحة قد تصل الى الآلاف شهرياً لكن النقابة ترد بأن معظمها علاوات لا تجدي عند احتساب التقاعد على الراتب الاساسي وهو الضئيل الذي يقترح النظام الخاص رفعه .. أما بالنسبة لاطباء كليات الطب فالتفسير مختلف إذ أنهم من الحاصلين على درجات علمية عالية تؤهلهم – بالاضافة لمعالجة المرضى – للقيام بمهام التعليم والتدريب ، فضلاً عن حصولهم على نسب سخية من دخل مستشفى الجامعة الاردنية أو مستشفى الملك المؤسس في جامعة العلوم والتكنولوجيا المتأتي من الاجور التي يدفعها مرضى القطاع الخاص والأهم والأغزر ما يدفعه صندوق التأمين الصحي لهذين المستشفيين مقابل المرضى الذين يحولهم لهما، وهو ما يزيد من الشعور بالغبن في اوساط أطباء الصحه !
وبعد .. فمن غير المقبول أو المعقول لمجرد تمسك كل من طرفي النزاع بموقفه، أن يستمر الاضراب فيتسبب بمعاناة يومية مؤلمه لآلاف المرضى غير القادرين على تحمل نفقات العلاج الباهظة في عيادات ومستشفيات القطاع الخاص ، وأنا على يقين من أن هذا المأزق المأساوي يشكل عبئاً ثقيلاً على ضمائر أطبائنا واعضاء مجلس نقابتنا ، لذلك ادعو الى تعليق الاضراب فوراً والسعي لانجاح الحوار بين الطرفين بادخال طرف ثالث محايد من المحكّمين ذوي الخبرة .. والمعرفة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق