25 / 6 /2011
(( الرواية )) وراء كل هذا !
د . زيد حمزه
ذات يوم بعيد يُداني الخمسين عاماً كنت أجلس بين يدي المحقق وهو يفاجئني بطلقات من الأسئلة التي لم أدرك حينئذٍ كنه بعضها .. واحد منها عجبتُ له كثيراً: ماذا تعرف عن قاسم الريماوي ؟ تُرى .. من أنا القابع في زنزانة حتى أعرف عن هذا الرجل الذي كان يومها في سدة الحكم وزيراً للزراعة بجانب رئيسه وصفي التل وانا طبيب شاب لم أعد من رحلة الاختصاص في بريطانيا إلا منذ أسابيع قليلة ولم أره في حياتي إلا على صفحات الجرائد ؟! وبدأتُ مع الساعات الطويلة للتحقيق وعلى مدى تسعة عشر يوماً أستنتج أن كثيراً من الأسئلة التي تبدو لي غريبة شاذه يمكن أن تتجمع اجاباتها لتشكل في النهاية مخزوناً من المعرفة لا عن قضية محدده بل عن قضايا أخرى تتفكك أسرارها شيئاً فشيئاً بفضل تلك المعلومات المتنوعة الآتية من هذا التحقيق أو ذاك مع معتقل ما أو اكثر وحسب الأساليب (( الحديثه )) التي جاء بها إذ ذاك الخبير الألماني الذي لم ألتق به وإن أدركت للتو أن تلامذته أصبحوا على درجة جيدة من الكفاءه ..!
غابت عن حياتي تلك القصة القديمة وقد توارت بين صفحات ذاكرتي وسط آلاف القصص الأخرى الهامة وغير الهامة، إلى أن قفز أمام ناظري قبل أيام اسم قاسم الريماوي وأنا أقرأ رواية سحر خليفة (( حبي الأول )) المنشورة في 2010 وهي تتحدث عن عبد القادر الحسيني قائد الجهاد المقدس الذي استشهد في القسطل في السادس من نيسان 1948 وتستلهم بعض الحوارات من (( مخطوط عبد القادر الحسيني 1950، بقلم قاسم الريماوي أمين سر الجهاد المقدس )) أي أن أربعة عشر عاماً قد انقضت بين ما كانه أمين سر الجهاد المقدس مساعداً لذلك القائد الثوري حتى أصبح وزيراً للزراعة في حكومة وصفي التل وأُسألُ أنا عنه اثناء التحقيق معي عام 1962 ! فهل اشغل نفسي اليوم بالتنقيب عن تلك العلاقة التي لا بد يعرفها سواي من الذين كتبوا تاريخ وصفي وذلك الجزء من حياته مع الثوار الفلسطينيين ؟ أما أن الأفضل أن أخرج بكم وبنفسي من هذه الحلقة السوداء بأسئلتها المرهِقة، فاتوجه قليلا للذين استغربوا أن يكون وراء حديثي كله روايةٌ قرأتها فاعجبتني وأثارت شجوني كي أقول لهم ولسواهم من الذين لم يولعوا بعد مثلي بهذا النوع من الادب كيف اكتشفتُ بانبهار شديد أن الرواية الجيدة فن عظيم يستطيع المبدعون فيه ( أو المبدعات وقد تفوّقن إذ اسهمن في التيار العريض لحركة تحرير المرأة ) أن يحملونا على اجنحة الخيال الجميل ونحن في كامل وعينا ثم أن يهبطوا بنا الى عوالم الحقيقة فنتعرف على تاريخ المجتمعات لا التاريخ الذي وضعه لنا كتاب السلاطين أو نستخلص من الفلسفات روح المحبة وجوهر الحكمة أو ننفعل باحداثٍ سياسية لم تهتم بها الصحف أو نخوض في أعماق بعض النفوس البشرية وكأننا شاركنا في تحليلها أو نتعاطف مع المعتقدات الدينية الأخرى حتى لو كانت مخالفة لما نؤمن به أو تدهشنا التجارب الجنسية بصدقها الذي يتماهى مع الطبيعة الانسانية، كل ذلك ونحن نستمتع ايما استمتاع بلغة ثرّة زاهية الألوان .. بليغة .
وبعد .. لعلها فرصتي للبوح والتعبير عن ندمي على سنين ضاعت من عمري لم أقرأ فيها الرواية فأردد مستعيراً من عمر الخيام: ( ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن ) أحظى بمتعتها وأشتاقَ دوماً للمزيد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق