السبت، 23 يوليو 2011

‏25 / 6 /2011 ‏

‏(( الرواية )) وراء كل هذا ! ‏
د . زيد حمزه

ذات يوم بعيد يُداني الخمسين عاماً كنت أجلس بين يدي المحقق وهو يفاجئني بطلقات ‏من الأسئلة التي لم أدرك حينئذٍ كنه بعضها .. واحد منها عجبتُ له كثيراً: ماذا تعرف عن ‏قاسم الريماوي ؟ تُرى .. من أنا القابع في زنزانة حتى أعرف عن هذا الرجل الذي كان يومها ‏في سدة الحكم وزيراً للزراعة بجانب رئيسه وصفي التل وانا طبيب شاب لم أعد من رحلة ‏الاختصاص في بريطانيا إلا منذ أسابيع قليلة ولم أره في حياتي إلا على صفحات الجرائد ؟! ‏وبدأتُ مع الساعات الطويلة للتحقيق وعلى مدى تسعة عشر يوماً أستنتج أن كثيراً من الأسئلة ‏التي تبدو لي غريبة شاذه يمكن أن تتجمع اجاباتها لتشكل في النهاية مخزوناً من المعرفة لا ‏عن قضية محدده بل عن قضايا أخرى تتفكك أسرارها شيئاً فشيئاً بفضل تلك المعلومات ‏المتنوعة الآتية من هذا التحقيق أو ذاك مع معتقل ما أو اكثر وحسب الأساليب (( الحديثه )) ‏التي جاء بها إذ ذاك الخبير الألماني الذي لم ألتق به وإن أدركت للتو أن تلامذته أصبحوا على ‏درجة جيدة من الكفاءه ..! ‏
غابت عن حياتي تلك القصة القديمة وقد توارت بين صفحات ذاكرتي وسط آلاف ‏القصص الأخرى الهامة وغير الهامة، إلى أن قفز أمام ناظري قبل أيام اسم قاسم الريماوي ‏وأنا أقرأ رواية سحر خليفة (( حبي الأول )) المنشورة في 2010 وهي تتحدث عن عبد القادر ‏الحسيني قائد الجهاد المقدس الذي استشهد في القسطل في السادس من نيسان 1948 وتستلهم ‏بعض الحوارات من (( مخطوط عبد القادر الحسيني 1950، بقلم قاسم الريماوي أمين سر ‏الجهاد المقدس )) أي أن أربعة عشر عاماً قد انقضت بين ما كانه أمين سر الجهاد المقدس ‏مساعداً لذلك القائد الثوري حتى أصبح وزيراً للزراعة في حكومة وصفي التل وأُسألُ أنا عنه ‏اثناء التحقيق معي عام 1962 ! فهل اشغل نفسي اليوم بالتنقيب عن تلك العلاقة التي لا بد ‏يعرفها سواي من الذين كتبوا تاريخ وصفي وذلك الجزء من حياته مع الثوار الفلسطينيين ؟ ‏أما أن الأفضل أن أخرج بكم وبنفسي من هذه الحلقة السوداء بأسئلتها المرهِقة، فاتوجه قليلا ‏للذين استغربوا أن يكون وراء حديثي كله روايةٌ قرأتها فاعجبتني وأثارت شجوني كي أقول ‏لهم ولسواهم من الذين لم يولعوا بعد مثلي بهذا النوع من الادب كيف اكتشفتُ بانبهار شديد أن ‏الرواية الجيدة فن عظيم يستطيع المبدعون فيه ( أو المبدعات وقد تفوّقن إذ اسهمن في التيار ‏العريض لحركة تحرير المرأة ) أن يحملونا على اجنحة الخيال الجميل ونحن في كامل وعينا ‏ثم أن يهبطوا بنا الى عوالم الحقيقة فنتعرف على تاريخ المجتمعات لا التاريخ الذي وضعه لنا ‏كتاب السلاطين أو نستخلص من الفلسفات روح المحبة وجوهر الحكمة أو ننفعل باحداثٍ ‏سياسية لم تهتم بها الصحف أو نخوض في أعماق بعض النفوس البشرية وكأننا شاركنا في ‏تحليلها أو نتعاطف مع المعتقدات الدينية الأخرى حتى لو كانت مخالفة لما نؤمن به أو تدهشنا ‏التجارب الجنسية بصدقها الذي يتماهى مع الطبيعة الانسانية، كل ذلك ونحن نستمتع ايما ‏استمتاع بلغة ثرّة زاهية الألوان .. بليغة .‏
وبعد .. لعلها فرصتي للبوح والتعبير عن ندمي على سنين ضاعت من عمري لم أقرأ ‏فيها الرواية فأردد مستعيراً من عمر الخيام: ( ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن ) ‏أحظى بمتعتها وأشتاقَ دوماً للمزيد . ‏
‏ ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق