الاثنين، 24 مايو 2010

‏ 22 /5 /2010 ‏
‏(( لدغة الأفعى ))‏
د. زيد حمزه ‏
‏ ‏
لدغة الافعى ليست عنوان قصة تتحدث عن غدر حبيبة لحبيبها كما كان كثير من الكتاب ‏الذكوريين يتلذذون في وصفهم المهين للمرأة، ولا هي غمز سياسي من جانب دولة تلدغ جاراتها ‏منذ 62 عاماً رغم ترديد مقولة (( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين )) ! فالحديث هنا جدّيٌّ وعن ‏اللدغة الحقيقية للافاعي كمشكلة صحية تؤرق منظمة الصحة العالمية وتجعلها تدق ناقوس الخطر ‏إذ جاء في نشرتها الاعلامية في الرابع من شهر أيار الحالي معلومات محدَّثه تقول إن اكثر من ‏‏100 ألف إنسان في العالم تقتلهم لدغات الافاعي سنويا بالاضافة لحوالي 300 ألف آخرين تؤدي ‏بهم سموم الحية الى بتر الطرف الملدوغ أو الى تشوهات جسدية أخرى، أو الى شللٍ في عضلات ‏التنفس يسبب الاختناق أو الى نزيف داخلي شديد، أو تلفٍ في أنسجة الكلى يفضي الى فشلها، ‏والضحايا في العادة اكثرهم من النساء والاطفال والمزارعين الفقراء .. وتعزو منظمة الصحة ‏العالمية ذلك إما لنقص في الامصال المضادة لسم الثعبان أو عدم توفر النوع المنتج خصيصاً ضد ‏عضة الافاعي المعروفة في مناطق معينة، أو للجهل بالارشادات اللازمه لاستعمالها، لذلك ‏تحرص المنظمة على نشر المعلومات المتعلقة بانتاج الامصال وتنظيم حفظها وتوزيعها ومراقبتها ‏ومعلوماتٍ عن أماكن وجود الافاعي السامة وتصف شكلها ولونها لتسهيل التعرف عليها وتحدد ‏الامصال المناسبة لها ومن أين يمكن الحصول عليها أو شراؤها وتُحدّث هذه المعلومات باستمرار ‏على شبكة الانترنت .. وتُقّدر المنظمة عدد الذين يلدغون سنويا بخمسة ملايين، نصفهم بلدغات ‏مسممه تقتل منهم كما ذكرنا 100 ألف شخص .‏
‏ لكن وقبل أن يدب الرعب في قلوبكم متوهمين أن خطر الافاعي محدق بكم، يقتضيني ‏الواجب أن اطمئنكم على الحقائق التالية ومن أهمها أن الرعاية الصحية الأولية التي يعيرها ‏الاردن اهتماما كبيراً قد وفرت الامصال اللازمه مجاناً لحماية المواطنين حتى أن وزارة الصحة ‏كانت تنتج الترياق المضاد لهذه السموم في مؤسسة الامصال والمطاعيم في حرم مستشفى البشير ‏بالاضافة لمطاعيم أخرى لكنها أُغلقت منذ سنوات لعدم جدواها اقتصاديا بعد أن أمكن شراء هذه ‏الامصال من الخارج باسعار منافسه، وهي متوفرة الآن في مستشفيات الوزارة، ومن المتوقع ‏تزويد المراكز الصحية الشاملة بها للاستعمال المستعجل لأن التأخر في إعطائها للملدوغ يهدد ‏حياته . ‏
من الطريف أن نعلم أن وزارة الصحه ظلت الى عهد قريب تشتري المصل من سويسرا ‏ثم تبيّن لها من تجربة اطبائها أن المنتج في ايران هو الاكثر مطابقةً لاحتياجاتنا لان أفاعيها تشبه ‏المتوطنة في بلادنا والسعر ادنى بكثير، وهناك قصتان لكيفية الحصول عليه: الأولى أن الحصار ‏الاقتصادي الذي فرضته أميركا على إيران حرمنا منه فبادرت وزارة الصحة العراقية بتزويدنا به ‏كهدية .. والثانية أن مستودع أدوية اردني يستورده من أيران لكنها تحذره من تسرّبه الى العراق ‏لاستعمال القوات الأميركية الغازية ! ‏
وبعد .. المهم في الأمر أن الرعاية الصحية الأولية مازالت في بلدنا بخير وإلا لتحوَّل ‏إسعاف الملدوغين وإنقاذهم الى (( سلعة )) خاضعة للعرض والطلب حسب الفلسفة الاقتصادية التي ‏يتبناها المروّجون لخصخصة القطاع الطبي العام وليمتْ من لا يملك الثمن ! ‏
‏ 13 /5 /2010 ‏
الرواية أم التاريخ ؟ ‏
د. زيد حمزه ‏

هذا العنوان يعبرّ عن فحوى المحاضرة التي ألقاها الدكتور خالد زياده سفير لبنان في ‏القاهرة الشهر الماضي في الجامعة الاردنية، فهو أديب واستاذ جامعي قبل أن يكون دبلوماسياً وقد ‏شكّل كتابهُ (( حكاية فيصل )) الذي صدر في تسعينات القرن الماضي النموذج لاجراء المقارنة بين ‏الرواية والتاريخ، ورغم أن أكثر الحضور لم يكونوا قد قرأوا هذه الرواية نفسها إلا أن البعض ‏‏– وقد قرأوا بالطبع سواها – استطاعوا أن يدلوا بدلوهم ويطرحوا آراءهم ليتبلور في النهاية فهم ‏مشترك يفيد بأن الرواية سردٌ لوقائع ذات عمق تاريخي، أما التاريخ فسجلٌّ للاحداث قائمٌ على ‏قواعد علمية، وحتى لا يقال إن هذا الاستنتاج تبسيط ساذج للعلاقة بين الاثنين فمن الانصاف ‏العودة للمحاضرة حيث كان رأيُ الدكتور خالد زيادة أوسع وأعمق، وجاء متفقاً مع انطباعاتي ‏التي خرجت بها من روايات عديدة اتيح لي قراءتها ففي رواية أمين معلوف (( صخرة طانيوس )) ‏عشت جزءً معقداً من تاريخ جبل لبنان أيام الحكم العثماني في القرن التاسع عشر، وفي رواية ‏إيزابيل اليندي (( أينيس يا روحي )) تعرفتُ على حقبة دامية من تاريخ اغتصاب الجيوش الاسبانية ‏لتشيلي من سكانها الاصليين، وفي (( الجنرال في متاهته )) لغابرييل غارسيا ماركيز وجدت نفسي ‏في قلب الصورة المأساوية لسيمون بوليفار المنهكِ القُوى لكنه العنيدُ المصرُّ على كفاحه وحروبه ‏من أجل توحيد دول أميركا الجنوبية مبتدئاً بكولومبيا وفنزويلا وبيرو وبوليفيا، وفي (( عزازيل )) ‏ليوسف زيدان فهمتُ بعض ألغاز التاريخ القبطي وجانباً من النسطوريه والخلاف (( الفقهي )) بين ‏الكنائس القديمة وشهدتُ عن كثب جريمة المتعصبين دينياً وهم يحرقون مكتبة الاسكندرية ويقتلون ‏ويسحلون العالمه هايبيشيا بتهمة الكفر، ثم حين قرأت (( حكاية فيصل )) لاحقاً تعاطفتُ مع هذا ‏الملك العربي إبان محنته في سوريا وقد بلغتْ ذروتها في هزيمة ميسلون .. ومع ذلك فانا لا ‏أزعم أن هذه الروايات الرائعة يمكن أن تكون بديلة عن قراءة تاريخ تلك الازمنه أو سيرة حياة ‏اولئك القادة لكني وجدت فيها إضافة فنية بالغة الأثر والتأثير فقد أدهشتني على سبيل المثال ‏‏(( حكاية فيصل )) ببساطتها وعفويتها حتى ظننت نفسي أقرأ مذكرات حقيقيه للملك فيصل يصف ‏فيها مشاعره الشخصية التي تتراوح بين الرجاء والخيبة أو النشوة حد الحماسة ثم الاحباط ‏والقنوط، أو يتحدث عن أواصر أنسانية حميمه بين ملكٍٍ وأعوانه ومستشاريه رغم ما يشوبها ‏احيانا من التوتر والشكوك وسط مظاهر النفاق والتملق !.. ولعل مازادني استمتاعاً بصدق ‏‏(( الحكاية )) ذلك المشهد الدرامي في محطة القطار في درعا التي وصلها من دمشق بعد إنذار ‏الجيش الفرنسي وقد جاء مطابقاً لما رواه لي والدي ذات مرة أنه كان هناك موظفاً في مالية ‏الحكومة الفيصليه حين رأى الملك يذرع رصيف المحطة جيئة وذهاباً في حالة من الحزن ‏والأسى .. ‏
وبعد .. فلقد قرأت كتباً كثيرة عن تلك المرحلة من تاريخ وطننا الذي مزقته اتفاقية ‏سايكس بيكو، وكان آخرها (( مذكرات عوني عبد الهادي )) عندما عمل مع الملك فيصل ‏و(( الاوراق الشخصية )) لغيرترود بيل (الخاتون) ضابطة الاستخبارات البريطانية في العراق ‏ناهيك عما كتبه لورنس أو كُتب عنه، لكن قراءة (( الرواية )) شيء آخر .. ممتع .‏
‏ ‏
‏6 /5 /2010 ‏

اختلاط الدين بالدنيا ! ‏
د. زيد حمزه ‏

‏ ‏ هل صحيح أن مناقشة الأمور الدينية ينبغي أن تكون مقصورةً على أصحابها فقط ومن هم ‏أصحابها هؤلاء ؟ وهل صحيح أننا ممنوعون من الحديث في القضايا الفقهية الخلافية وعلينا ‏التخلي عن حقنا الطبيعي في التفكير بها لانها من اختصاص العلماء فقط، ومن هم العلماء ؟ ‏ونحن نعلم كم هم مختلفون الآن وكم اختلفوا عبر العصور، ولم يكن اختلافهم كله رحمه بل سبّب ‏لبعضهم العنت وللناس من بعدهم الفرقة ؟.. ‏
حتى عهد قريب كنا نتحرج من الحديث في هذه الشؤون على الملأ وكنا نخشى الكتابة ‏فيها خشيتنا من ردود الفعل الممتدة بين اللطيفة والعنيفه ! مع أننا كنا في مجالسنا الخاصة لا ‏نتورع عن الخوض فيها وتبادل الآراء حولها كما نفعل مع كل قضايانا السياسية والاجتماعية ‏والثقافية . التي تمس صميم حياتنا، وكانت مجتمعاتنا منذ ظهور الاسلام تتميز باختلاط الدين ‏بالدنيا في ظل انظمة حكم مدنيّة ليس فيها كهنوت ولا مؤسسات دينية تتحكم في احوال الناس أو ‏تتسلط على عقولهم وقد برز في تلك المجتمعات القديمة مفكرون اجتهدوا في أنواع الفقه المختلفة ‏وكانوا جميعاً بشراً مثلنا قاموا بالدراسة والبحث لكنهم لم يدّعوا العصمة من الخطأ ولم ينزّههم ‏أحد عن الهوى والغرض .. ‏
الدنيا تغيرت والناس أيضاً تغيروا وأصبحوا اكثرَ جرأة حتى لا أقول أقل خوفاً وجبناً، ‏بعدما تراجع المنطق عند أصحاب الأصوات العالية وضعفت الحجج لدى مدّعي امتلاك الحقيقة ‏ومحترفي التسلط الفكري، ومن يتابع هذه الايام ما يجري على الساحة الصحفية من حوار ساخن ‏حول قضايا ثلاث مثارة يختلط فيها الدين بالدنيا يدرك ما أقول فقد كانت تُحسم فيما مضى بمجرد ‏صدور صوت جهة واحدة تخرس كل الاصوات الأخرى واصبحنا نرى اشتباك مختلف الآراء في ‏جدل صحي يشارك فيه عامة الناس ففي الاولى يجري استفتاء (( الغد )) حول زواج القاصرات، ‏وفي الثانية تضطر احدى (( المرجعيات )) الدينية أن تدلي بدلوها بما لا يتفق مع المألوف السائد ‏حول اجهاض الجنين المشوّه خَلقْيا، ايكون قبل أن يبلغ 120 يوما حين تُنفخ فيه (( الروح )) أم ‏بمجرد التقاء الحيوان المنوي والبويضة لتكوين (( الحياة )) ؟ والقضية الثالثه المثارة هي حق ‏المرأة في الخلع مقابل حق الرجل في الطلاق .. ‏
وبعد .. ربما يهم القارئ أن يعرف أين أقف من هذه القضايا لكن الاهم أن يعرف أن ‏اصطفافي قوي لا يتزعزع مع لغة الحوار الصحي واستنكاري لمن يدافع عن وجهة نظره بتخوين ‏اصحاب الرأي المخالف . ‏
‏ 22 /4 /2010 ‏
هل تذكرون رالف نادر ؟ ‏
د. زيد حمزه ‏

بلغ رالف نادر أوج شهرته في أميركا كناشط اجتماعي اقتصادي سياسي في ستينات ‏القرن الماضي، وكان في عنفوان شبابه حين أسس حركة حماية المستهلك التي انتشرت فكرتها ‏بسرعة مذهلة حتى بلغت العديد من دول العالم، ولما وصل صيته الى بلادنا طربنا أيضاً لاسمه ‏المتحدر من أصل عربي .. ‏
دعونا نتتبع المسيرة الفريدة منذ بدايتها عندما اكتشفت الصحافة الأميركية في ذلك الوقت ‏مجموعة من الكتاب الجادين وهم يتابعون ويبحثون عن المعلومات ويتقصون الحقائق فراحت ‏تنشر تقاريرهم واقتراحاتهم ووثائقهم وتوزعها على مختلف المراسلين ثم تؤيدهم حين يتوجهون ‏الى الكونغرس ليدلوا بشهاداتهم وكان نادر في مقدمتهم، وقد تمكن مع حلفائه من الحزب ‏الديمقراطي بين عامي 1966 – 1973 في إقرار 25 تشريعاً تتعلق بحماية المستهلك مثل قوانين ‏السلامة على الطرق، وأمان السيارات ومراقبة اللحوم والدواجن وسلامة الزيوت والمنتجات ‏الصناعية وضبط تلوث الهواء والماء والبيئة وقد نجحت تلك التشريعات في انقاذ حياة الملايين من ‏الناس بمنع الشركات الكبرى ‏Corporates‏ من الغش والتلاعب بالنوعية والمواصفات، ويذكر ‏الناس الشعار الخطير الذي طرحه نادر بالنسبة لعدم أمان السيارات ‏Unsafe at any speed ‎‏ ‏وهزّ به اركان أكبر صناعة للسيارات في العالم هي الجنرال موتورز‏G M ‎‏ التي حاولت ابتزازه ‏وتشويه سمعته بأن وضعت في طريقه أمرأة جميله لاغوائه لكن الخطة باءت بالفشل وافتضح ‏أمرها واضطرت الشركة أن تقدم له اعتذاراً علنياً !‏
وسط حماس شعبي كبير أصبح رالف نادر في تلك الأيام المجيدة رابع أقوى شخصية ‏اميركية بعد الرئيس ريتشارد نيكسون والقاضي ‏Earl Warren‏ والزعيم العمالي ‏George ‎Meany‏ وهنا تنبهتْ لخطورته آلة الكوربوربيت الجهنمية فكلفت محامي الشركات الكبرى ‏المعروف‎ Lewis Powell ‎بدراسة الأمر ووضْع الخطة الشامله لمواجهة ما اعتبرته هجوماً على ‏النظام الاقتصادي الحر، فقدمَ مذكرته الشهيرة التي وصف فيها رالف نادر بالعدو اللدود للشركات ‏وأوصى بأنشاء هيئة الBusiness Round Table ‎‏ التي رصدت أموالاً ضخمة من أجل حشد ‏الجهود لتغيير سياسة الحكومة بالنسبة للتشريعات الآنفة الذكر واعادة تشكيل الرأي العام واستخدام ‏الطرق اللازمة لاسكات صوت أولئك الناشطين المعادين لمصالح الشركات في الجامعات واجهزة ‏الاعلام، وفي نفس الوقت ايصال اكاديميين معروفين بولائهم للشركات الى مواقع اساتذة الاقتصاد ‏في الجامعات أو محللين في اهم الاذاعات ومحطات التلفزيون بعد أن أمكنَ طرد الذين يتهمون ‏الشركات بتجاوز كل الحدود الاخلاقية لتحقيق الأرباح المنفلته، كما تم إنشاء مراكز دراسات ‏وخزانات فكر ‏Think Tanks‏ وتمويلها بسخاء كبير لانتاج (( ايديولوجيات )) ترد على الناشطين ‏وتفندّ آراءهم، كما فُتحت مكاتب قانونية مختصة تتبني مصالح الشركات في المحاكم ولا تتورع ‏عن السعي الخفي لتعيين قضاة متعاطفين معها ! ‏
ويمضي كريس هيدجز ‏Chris Hedges‏ في مقاله علىI.C.H. ‎‏ في 5 نيسان الجاري ‏بعنوان (( كيف كسرت الشركات الكبرى رالف نادر .. وأميركا أيضا )) ليصل الى الحديث عن ‏الصحافة فيروي عن رالف نادر قوله (( إن جنرال موتورز وشركات البترول ومصانع الادوية ‏مارست ضغوطاً على هيئات نشر الصحف فمثلاً فرضت ‏Abe Rosenthal‏ من كندا رئيساً ‏لتحرير النيويورك تايمز التي كانت تعاني من اوضاع مالية صعبة فسخرها لخدمة تلك الشركات ‏مقابل الاعلان فيها ! وكان معروفاً بأنه يميني يكره الاشتراكية ويكره التقدميين عموماً وقد صرّح ‏بانه لا يحبني ولا يحب نعوم شومسكي ومنَعَ مقالاتنا !.)). ‏
وبعد .. فان باقي قصة رالف نادر معروفة ونهايتها المحزنة إساءة لسمعة الديمقراطية ‏الاميركية.. ‏‎ ‎‏ ‏
هذا المقال لم ينشر في الجريده
‏ 29 /4 /2010 ‏
مع المعلمين .. ولكن ! ‏
د. زيد حمزه ‏

يحتدم الجدل هذه الأيام حول السماح بأنشاء تنظيم يضم المعلمين أسوة بغيرهم من ‏أصحاب المهن الأخرى، وقبل أن أدلى بدلوي وجدت من باب التذكير أن أورد ما كتبته في هذا ‏الشأن قبل ثلاث سنوات (10 /3/2007): (( نعرف الاسباب الكامنة وراء رفض الحكومات ‏المتعاقبة للمطلب المتكرر بانشاء نقابة للمعلمين منذ خمسينات القرن الماضي ومنها على سبيل ‏المثال المخاوف الأمنية والسياسية والحديث عن مضاعفات تربوية محتملة كما نعرف اسباباً ‏مشابهة احاطت بالنقابات العمالية فتم احتواؤها وإضعافها الى درجة أن اتحادها فشل على مدى ‏نصف قرن في ادخال مادة واحدة من سطر واحد على قانون العمل تقضي بتأمين العمال صحياً ! ‏ونعرف مع ذلك أن تلك الحكومات نفسها هي التي سهّلت للمهنيين من الاطباء والمهندسين ‏والمحامين وسواهم أنشاء نقاباتهم لكن بقوانين (( خاصة )) فرضتْ إلزامية العضوية فوفرّت لها ‏وصاية مطلقة على منتسبيها بما يخالف حقوق الانسان، لكن لا أحد ينكر بأنها حققت لاعضائها ‏على الصعيد المهني والمعيشي والوظيفي الشيء الكثير الذي يدفعنا للتساؤل لماذا لا يكون ‏للمعلمين أيضا تنظيمهم ؟ أليس التعليم مهنة ؟ ومن ذا الذي يستطيع الرد بأنهم لا يستحقون أن ‏يكون لهم من يتحدث بأسمهم ويضغط من اجل تحسين ظروف عملهم ومنحهم العلاوات المختلفه ‏التي يحصل عليها المهندسون والاطباء والصيادلة العاملون في الحكومة مثلاً ؟؟ ومن ذا الذي ‏يقول بان المهندس (!) الزراعي الذي يمارس مهنة التعليم أيضاً يتميز على معلم الرياضيات أو ‏الكيمياء مادام كلاهما حاصليْن على الشهادة الجامعية الأولى (البكالوريوس) وبنفس عدد السنوات ‏الدراسية ؟ )) ..‏
ما كتبته في مقالي القديم هو موقفي المبدئي منذ عشرات السنين التي راكمت فيها خبرةً ‏متواضعة تمكنني اليوم أن اخاطب القائمين على هذا المسعى المشروع لا لكي أدلهم على مخرج ‏ينجيّهم من قرار المجلس العالي لتفسير الدستور بل لكي أسلط الضوء على حقائق ربما فاتهم ‏الاطلاع عليها : ‏
الحقيقة الاولى : في بلاد العالم ليس هناك فرق سواء أكان اسم التنظيم نقابة أم جمعية أم ‏رابطة أم اتحاداً ، الفرق في العمل والاداء وما يحققه هذا التنظيم لاعضائه .. ‏
الحقيقة الثانية: ليس هناك فرق بين أن ينشأ التنظيم بقانون يستند الى مادة في الدستور أو ‏نظام يستند الى مادة في قانون فكل منهما تشريع دستوري يتوجب تطبيقه واحترامه، أما أن ‏النقابات المهنية لها قوانين فذلك (( اختراع خاص )) استند الى الماده 120 من الدستور التي لا ‏علاقة لها بالموضوع ولا ذكر فيها على الاطلاق لكلمة نقابة الموجوده فقط في المادة 23 ‏المخصصه تحديدا للعمال . ‏
الحقيقة الثالثة: المادة الوحيدة ذات العلاقة هي المادة 16 من الدستور، الفقرة 2 ‏‏(( للأردنيين الحق في تأليف الجمعيات والاحزاب السياسية ))، لذا فان صفة (( الجمعية )) هي التي ‏ينبغي الانطلاق منها لتشكيل أي تجمع للمواطنين من أي نوع كان .. ‏
الحقيقة الرابعه: لا بد من التذكير بأن ماجاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان (المادة ‏‏23) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ( المادة 8 ) هو الحق ‏المطلق لكل شخص بالاشتراك مع آخرين في تشكيل الجمعيات تحت أي عنوان: نقابة ، اتحاد، ‏رابطة، منظمة .. الخ وحرية الانتساب اليها وبالا يُلزَم احدٌ بالانضمام لها أي ان العضوية في اي ‏جمعية ينبغي أن تظل حرة ، ولهذا الأخير معناه الديمقراطي الاصيل .. ‏
وبعد .. تُرى هل أعلنت النقابات المهنية عن موقف قوي يؤيد المعلمين ؟
‏17 / 4 / 2010 ‏

مشكلة أطباء الصحه .. والحل الغريب ! ‏
د . زيد حمزه ‏

دعوني أولاً التقط من بريد صحيفة (( الغد )) 13 /4 /2010 رسالة بسيطة معبرة كتبها طبيب ‏‏(د.عمر دهيمات) يعلّقُ على قرار وزارة الصحه القاضي بالسماح لاطباء الوزارة بالعمل مدة شهرين ‏في السعودية من أجل تحسين احوالهم المادية ! فيقول عنه: (( إنه حل مؤقت لمشكلة متفاقمه، نشكر ‏وزير الصحه عليها ولكن هذا ليس الجواب، العمل لشهرين وتحصيل 10 الاف دينار ربما يبدو ‏كفرصة ذهبية، ما سيحصل هو أن الاطباء سيتصارعون على الذهاب وعدد منهم سيقدمون استقالاتهم ‏بعد هذه الفرصة، وسيتم التعاقد معهم من وراء الكواليس، وبالطبع سيكونون من ذوي الكفاءة ‏والتخصصات النادرة، وبالتالي ستتفاقم مشكلة نقص الاطباء . الاطباء بحاجة لتحسين جذري في ‏الرواتب والسماح لهم بالعمل مساء في القطاع الخاص وهم داخل البلد وإعطاء حوافز مناسبة ‏للمتميزين منهم وتلك أفضل من حلول مؤقته تهدف لحل مشكلة في السعودية وليس الأردن ! )) ما ‏جاء في هذه الرسالة دفعني لأن أستلّ من الملف مقالا قديماً كتبته بتاريخ 11/12/1997 جاء فيه: (( ‏خلافا لما هو مُتّبع في دول العالم قررت الحكومة الأردنية عام 1965 منع أطباء وزارة الصحة من ‏مزاولة العمل الخاص خارج أوقات الدوام الرسمي فحرمتْهم أولاً من دخل إضافي مشروع حاولتْ ‏دون جدوى ان تعوضهم عنه بعلاوات مختلفة المقادير والمسميات كلفت خزينة الدولة أموالا أصبحت ‏مؤخرا عاجزة عن أدائها ! وحرمَتْ ثانياً غالبية المرضى الفقراء من كفاءات الأطباء الذين راحوا ‏يستقيلون تباعا في سعيهم المشروع من أجل دخلٍ أفضل في القطاع الخاص ، وحرمتْ – ثالثا – ‏الأطباء الجدد من فُرص التدريب المتصل المستمر على أيدي الذين سبقوهم وراكموا الخبرة والتجربة ‏قبلهم ثم استقالوا .. ‏
كانت الحجة المعلنة يومذاك أنهم – أي أطباء الصحة – غير مؤتمنين على وقت الدوام وهم ‏المؤتمنون على أرواح وأعراض الناس وأدق أسرار حياتهم الصحية ! أما السبب غير المعلن فهو ‏درء تذمر أطباء الجيش المحرومين من حق العمل الخاص بقرار قديم من جلوب باشا (( ما غيره )) ‏منذ كانت خدماتهم مقصورة على العسكريين ولم تشمل بعد عائلاتهم ! ‏
هذا الموضوع أي نظام التفرغ القسري ما انفككتُ أتحدث عنه وأطالب بتصويبه وكدت – ‏حين كنت مسؤولا – أن انجح في إصلاحه لولا المعارضة الشرسة الخفية من قبل المتعصبين للنظام ‏أو أولئك الذين فشلوا في العمل الخاص فحقدوا عليه والأنكى أن نقابة الاطباء عارضت عمل اطباء ‏الصحة في اوقاتهم الخاصة لأنه يزاحم اطباء القطاع الخاص !. أما ما أثارني للحديث عنه فهو شكّي ‏بان النظام بدأ (( يفرط )) ويجري اختراقه سرا وعلانية لكن دون قرار رسمي بتغييره أو تعديله ، ‏فأطباء الخدمات الطبية أصبحنا نراهم يمارسون العمل جهارا نهارا في بعض المستشفيات الخاصة، ‏وأطباء الجامعة الأردنية أنشئت لهم عيادات خاصة في المستشفى فلماذا يستثنى أطباء الصحة فقط من ‏حق العمل في القطاع الخاص الذي لم يتوقفوا قط عن المطالبة به والذي سوف يستبقيهم في الخدمة ‏دون ان يُحمِّل خزينة الدولة مزيدا من العلاوات وتعقيداتها !؟ .. وبعد .. فالمفارقة التاريخية ان الذي ‏كان وراء فرض ذلك النظام عام 1965 – وليس ذلك بسر – هو نفسه الدكتور عبد السلام المجالي ‏رئيس الوزراء الآن .. وكم هو نبيل وحكيم أن يأتي إلغاؤه أو تعديله على يديه ..)) .‏
من الواضح أن نظام منع اطباء الصحة من العمل الخاص لم (( يَفْرُطْ )) كما توقعتُ قبل ثلاثة ‏عشر عاماً، أما طريقة الوزارة التي اعلنتْ عنها الاسبوع الماضي لتحسين احوال اطبائها المادية فلا ‏تعليق لي عليها سوى بوصفها بالغريبة كما أنها قد لا تنجح في الاحتفاظ بالكفاءات لخدمة الغالبية ‏العظمى من مرضى القطاع العام وهو الهدف الاساسي لوزارة الصحة الذي لن يتحقق – في تقديري ‏‏– إلا بالسماح بالعمل الخاص غير المنفلت لاطبائها الذين تنطبق عليهم شروط صارمه حددها مشروع ‏النظام لعام 1986 .. ‏