الاثنين، 24 مايو 2010

‏ 13 /5 /2010 ‏
الرواية أم التاريخ ؟ ‏
د. زيد حمزه ‏

هذا العنوان يعبرّ عن فحوى المحاضرة التي ألقاها الدكتور خالد زياده سفير لبنان في ‏القاهرة الشهر الماضي في الجامعة الاردنية، فهو أديب واستاذ جامعي قبل أن يكون دبلوماسياً وقد ‏شكّل كتابهُ (( حكاية فيصل )) الذي صدر في تسعينات القرن الماضي النموذج لاجراء المقارنة بين ‏الرواية والتاريخ، ورغم أن أكثر الحضور لم يكونوا قد قرأوا هذه الرواية نفسها إلا أن البعض ‏‏– وقد قرأوا بالطبع سواها – استطاعوا أن يدلوا بدلوهم ويطرحوا آراءهم ليتبلور في النهاية فهم ‏مشترك يفيد بأن الرواية سردٌ لوقائع ذات عمق تاريخي، أما التاريخ فسجلٌّ للاحداث قائمٌ على ‏قواعد علمية، وحتى لا يقال إن هذا الاستنتاج تبسيط ساذج للعلاقة بين الاثنين فمن الانصاف ‏العودة للمحاضرة حيث كان رأيُ الدكتور خالد زيادة أوسع وأعمق، وجاء متفقاً مع انطباعاتي ‏التي خرجت بها من روايات عديدة اتيح لي قراءتها ففي رواية أمين معلوف (( صخرة طانيوس )) ‏عشت جزءً معقداً من تاريخ جبل لبنان أيام الحكم العثماني في القرن التاسع عشر، وفي رواية ‏إيزابيل اليندي (( أينيس يا روحي )) تعرفتُ على حقبة دامية من تاريخ اغتصاب الجيوش الاسبانية ‏لتشيلي من سكانها الاصليين، وفي (( الجنرال في متاهته )) لغابرييل غارسيا ماركيز وجدت نفسي ‏في قلب الصورة المأساوية لسيمون بوليفار المنهكِ القُوى لكنه العنيدُ المصرُّ على كفاحه وحروبه ‏من أجل توحيد دول أميركا الجنوبية مبتدئاً بكولومبيا وفنزويلا وبيرو وبوليفيا، وفي (( عزازيل )) ‏ليوسف زيدان فهمتُ بعض ألغاز التاريخ القبطي وجانباً من النسطوريه والخلاف (( الفقهي )) بين ‏الكنائس القديمة وشهدتُ عن كثب جريمة المتعصبين دينياً وهم يحرقون مكتبة الاسكندرية ويقتلون ‏ويسحلون العالمه هايبيشيا بتهمة الكفر، ثم حين قرأت (( حكاية فيصل )) لاحقاً تعاطفتُ مع هذا ‏الملك العربي إبان محنته في سوريا وقد بلغتْ ذروتها في هزيمة ميسلون .. ومع ذلك فانا لا ‏أزعم أن هذه الروايات الرائعة يمكن أن تكون بديلة عن قراءة تاريخ تلك الازمنه أو سيرة حياة ‏اولئك القادة لكني وجدت فيها إضافة فنية بالغة الأثر والتأثير فقد أدهشتني على سبيل المثال ‏‏(( حكاية فيصل )) ببساطتها وعفويتها حتى ظننت نفسي أقرأ مذكرات حقيقيه للملك فيصل يصف ‏فيها مشاعره الشخصية التي تتراوح بين الرجاء والخيبة أو النشوة حد الحماسة ثم الاحباط ‏والقنوط، أو يتحدث عن أواصر أنسانية حميمه بين ملكٍٍ وأعوانه ومستشاريه رغم ما يشوبها ‏احيانا من التوتر والشكوك وسط مظاهر النفاق والتملق !.. ولعل مازادني استمتاعاً بصدق ‏‏(( الحكاية )) ذلك المشهد الدرامي في محطة القطار في درعا التي وصلها من دمشق بعد إنذار ‏الجيش الفرنسي وقد جاء مطابقاً لما رواه لي والدي ذات مرة أنه كان هناك موظفاً في مالية ‏الحكومة الفيصليه حين رأى الملك يذرع رصيف المحطة جيئة وذهاباً في حالة من الحزن ‏والأسى .. ‏
وبعد .. فلقد قرأت كتباً كثيرة عن تلك المرحلة من تاريخ وطننا الذي مزقته اتفاقية ‏سايكس بيكو، وكان آخرها (( مذكرات عوني عبد الهادي )) عندما عمل مع الملك فيصل ‏و(( الاوراق الشخصية )) لغيرترود بيل (الخاتون) ضابطة الاستخبارات البريطانية في العراق ‏ناهيك عما كتبه لورنس أو كُتب عنه، لكن قراءة (( الرواية )) شيء آخر .. ممتع .‏
‏ ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق