13 /5 /2010
الرواية أم التاريخ ؟
د. زيد حمزه
هذا العنوان يعبرّ عن فحوى المحاضرة التي ألقاها الدكتور خالد زياده سفير لبنان في القاهرة الشهر الماضي في الجامعة الاردنية، فهو أديب واستاذ جامعي قبل أن يكون دبلوماسياً وقد شكّل كتابهُ (( حكاية فيصل )) الذي صدر في تسعينات القرن الماضي النموذج لاجراء المقارنة بين الرواية والتاريخ، ورغم أن أكثر الحضور لم يكونوا قد قرأوا هذه الرواية نفسها إلا أن البعض – وقد قرأوا بالطبع سواها – استطاعوا أن يدلوا بدلوهم ويطرحوا آراءهم ليتبلور في النهاية فهم مشترك يفيد بأن الرواية سردٌ لوقائع ذات عمق تاريخي، أما التاريخ فسجلٌّ للاحداث قائمٌ على قواعد علمية، وحتى لا يقال إن هذا الاستنتاج تبسيط ساذج للعلاقة بين الاثنين فمن الانصاف العودة للمحاضرة حيث كان رأيُ الدكتور خالد زيادة أوسع وأعمق، وجاء متفقاً مع انطباعاتي التي خرجت بها من روايات عديدة اتيح لي قراءتها ففي رواية أمين معلوف (( صخرة طانيوس )) عشت جزءً معقداً من تاريخ جبل لبنان أيام الحكم العثماني في القرن التاسع عشر، وفي رواية إيزابيل اليندي (( أينيس يا روحي )) تعرفتُ على حقبة دامية من تاريخ اغتصاب الجيوش الاسبانية لتشيلي من سكانها الاصليين، وفي (( الجنرال في متاهته )) لغابرييل غارسيا ماركيز وجدت نفسي في قلب الصورة المأساوية لسيمون بوليفار المنهكِ القُوى لكنه العنيدُ المصرُّ على كفاحه وحروبه من أجل توحيد دول أميركا الجنوبية مبتدئاً بكولومبيا وفنزويلا وبيرو وبوليفيا، وفي (( عزازيل )) ليوسف زيدان فهمتُ بعض ألغاز التاريخ القبطي وجانباً من النسطوريه والخلاف (( الفقهي )) بين الكنائس القديمة وشهدتُ عن كثب جريمة المتعصبين دينياً وهم يحرقون مكتبة الاسكندرية ويقتلون ويسحلون العالمه هايبيشيا بتهمة الكفر، ثم حين قرأت (( حكاية فيصل )) لاحقاً تعاطفتُ مع هذا الملك العربي إبان محنته في سوريا وقد بلغتْ ذروتها في هزيمة ميسلون .. ومع ذلك فانا لا أزعم أن هذه الروايات الرائعة يمكن أن تكون بديلة عن قراءة تاريخ تلك الازمنه أو سيرة حياة اولئك القادة لكني وجدت فيها إضافة فنية بالغة الأثر والتأثير فقد أدهشتني على سبيل المثال (( حكاية فيصل )) ببساطتها وعفويتها حتى ظننت نفسي أقرأ مذكرات حقيقيه للملك فيصل يصف فيها مشاعره الشخصية التي تتراوح بين الرجاء والخيبة أو النشوة حد الحماسة ثم الاحباط والقنوط، أو يتحدث عن أواصر أنسانية حميمه بين ملكٍٍ وأعوانه ومستشاريه رغم ما يشوبها احيانا من التوتر والشكوك وسط مظاهر النفاق والتملق !.. ولعل مازادني استمتاعاً بصدق (( الحكاية )) ذلك المشهد الدرامي في محطة القطار في درعا التي وصلها من دمشق بعد إنذار الجيش الفرنسي وقد جاء مطابقاً لما رواه لي والدي ذات مرة أنه كان هناك موظفاً في مالية الحكومة الفيصليه حين رأى الملك يذرع رصيف المحطة جيئة وذهاباً في حالة من الحزن والأسى ..
وبعد .. فلقد قرأت كتباً كثيرة عن تلك المرحلة من تاريخ وطننا الذي مزقته اتفاقية سايكس بيكو، وكان آخرها (( مذكرات عوني عبد الهادي )) عندما عمل مع الملك فيصل و(( الاوراق الشخصية )) لغيرترود بيل (الخاتون) ضابطة الاستخبارات البريطانية في العراق ناهيك عما كتبه لورنس أو كُتب عنه، لكن قراءة (( الرواية )) شيء آخر .. ممتع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق