الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

محاضرة ، فندوة ، فكتاب ! 23 /11 /2014

الثورات العربية كانت قاسماً مشتركا في مناسبتين حظيتُ بحضورهما في الايام القليلة الماضية، الاولى هي المحاضرة التي القاها رئيس الوزراء الفلسطيني السابق الدكتور سلام فياض في المدارس العصرية وادارها الدكتور اسعد عبد الرحمن بعنوان ((الربيع العربي الى أين ؟)) فادهشني بسعة اطلاعه وعمق تحليلاته وغزارة معلوماته التاريخية التي استخدمها في الحديث عن تلك الثورات ولم يطلق عليها صفة ((الربيع)) وقال انها مستمرة صعوداً وهبوطاً لكنها في النهاية لا بد بالغةٌ أهدافها ككل الثورات الكبرى في التاريخ ومنها الاميركية والفرنسية والروسية والصينية التي عانت الشعوب فيها كثيراً قبل ان تصل الى الاستقرار الذي تنعم به الآن مقارنةً بالسبات الأقرب للغيبوبة الذي ظلت تغط فيه شعوبنا زمناً طويلاً قبل ان تتحرك مؤخراً  !
وفي تعقيبي القصير قلت انني اتفق مع المحاضر في أغلب ما ذهب اليه بالاضافة الى قناعتي بألا حاجة بنا للتسميات الدخيلة كالربيع وسواها من المفردات التي تتيح لبعض الساسة ان يستعملوها للهزء والسخرية من هذه الثورات بسبب الانتكاسات التي ألمت بها وهم الذين بحكم مواقعهم ومصالحهم وعلاقاتهم السابقة لم يتمنوا لها يوماً الا الفشل ! لكني وددت لو لم يغفل ثورات شعوب اميركا اللاتينية التي استمرت طوال القرن المنصرم تواجه ببسالة وصبر النتائج المأساوية للمؤامرات الاجنبية التي كانت تحاك ضدها والانقلابات العسكرية العميلة التي كانت تقمعها ! وقد وافقني المحاضر الكريم على ذلك .
والمناسبة الثانية هي الندوة التي عقدت في مؤسسة عبد الحميد شومان للحوار حول الفلسفة وانحدارها في العالم العربي بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة كما أقرته منظمة اليونيسكو في الخميس الثالث من نوفمبر من كل عام وأدارها وتحدث فيها الدكتور احمد ماضي وشاركه كل من الدكتور هشام غصيب والدكتور عامر شطاره والدكتور عزمي طه السيد، وقد أشار الدكتور ماضي بصراحة الى أن تدهور علوم الفلسفة في الاردن تحديداً بدأ بعد أن قررت وزارة التربية والتعليم في اوائل سبعينات القرن الماضي إلغاء موضوع الفلسفة من مناهجها ولم يكن صعبا التكهن بمن كان وراء ذلك القرار التجهيلي ! أما نصيب الثورات العربية في هذه الندوة فجاء في كلمة الدكتور هشام غصيب حين دعاها باسمها الحقيقي وليس باسم ((الربيع)) الذي أطلقه عليها ((الآخرون)) ثم نوّه الى افتقارها حتى الآن لفلسفة واضحة تقودها لكنها سوف تتمخض عنها لا محالة، وكفاني بذلك مؤونة التعقيب على تحليله العلمي الرصين وان كان بودي ان أضيف ماجاء على لسان الشاعر المصري الوطني الكبير عبد الرحمن الأبنودي بعد شهور قليلة من قيام ثورة 25 يناير 2011 حين وجه كلامه للمتذمرين من بعض اخطاء ناشطيها وللمستعجلين على تحقيق انتصارها من دون ان يشاركوا فيها فقال: دي لسّه في اول الطريق وعايزالها كمان عشر سنين مع قيادة فكرية منظمة علشان تقدر تقف على رجليها !
وفيما له علاقة غير مباشرة بالمناسبتين السالفتين كنت أمس أعيد قراءة صفحات من كتاب قديم هو  ((المانيفستو)) بالانجليزية لكارل ماركس وفريدريك انجيلز الصادر في شباط عام 1848 حيث التحليل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لطبيعة الثورة، والاسباب الرئيسية لانتقال المجتمعات البشرية عبر مراحل واضحة المعالم من العبودية الى الاقطاع الى الراسمالية ثم اخيراً توجهها الى مرحلة ((جديدة)) من الاشتراكية أو العدالة الاجتماعية وصون كرامة الانسان وغير ذلك مما يحفل به هذا الكتاب ويصلح أن يكون مرجعاً      للمؤرخين والباحثين ودليلا مرشدا لاولئك الرواد الذين يهبّون لتحقيق التقدم والتغيير ويحملون على كواهلهم في بعض مفاصل التاريخ مصائر شعوبهم ..        
وبعد .. إن للبشرية منذ الأزل مسيرةً متصلة من ثورات متعددة الانواع والأنماط تفرض بواسطتها طبقاتٌ محددة أنظمةً جديدةً تخدم مصالحها وتحل محل القديمة التي تختفي وتتلاشى ! فلماذا التعجب   الآن .. أو التعامي ؟ 


الحكومات ووثائقها السرية .. 16 /11 /2014

تفرج بعض الدول الديمقراطية بموجب قوانين خاصة عما يسمى الملفات الحكومية السرية بعد أن يكون قد مضى عليها حقبة زمنية يختلف طولها من دولة لأخرى، فتتلقفها وسائل الاعلام بالنشر والتعليق اذا كان فيها ما يثير فضول الناس لكن كثيراً منها قد يُهمل إذا لم تستقطب اهتمام الباحثين والمؤرخين، وقد ترسخت هذه الممارسة في الدول الديمقراطية بفضل تداول السلطة والتعددية وحق المواطنين في الحصول على المعلومات خصوصا حين تتعلق بما يصنع تاريخهم ..
من المعروف ان تلك الملفات السرية حين تفتح لاطلاع الجمهور لا تستثنى سوى بعض معلومات ما زالت سريتها ضرورية لأمن الدولة او مصالحها العليا وذلك مبدأ مقيد بضوابط لا تستطيع الحكومات المتعاقبة ان تتلاعب بها حسب أهوائها وميولها السياسية أو مجاملةً لاشخاص ذوي نفوذ سياسي أو مالي ! ومن المعروف ايضاً أن بعض القيمين على تلك الملفات أو المسؤولين عن المحافظة على وثائقها يمكن ان يتمردوا على قواعد السرية في وظائفهم فيقوموا بافشاء ما فيها رغم علمهم بتبعات ذلك من عقوبات قد تكون شديدة لكنهم يبررون مواقفهم بدوافع مختلفة اهمها في رأيهم إخلاصهم للوطن بتجنيبه الوقوع في خطأ يرونه ماثلاً ويقولون إن إطلاع شعوبهم على ما تتستر حكوماتهم عليه سوف يحبط ضلوعها في مؤامرات تضر بالمصالح الوطنية .. ولعل اكبر عملية ((فضح)) للاسرار جرت في العصر الحديث هي تلك التي قام بها الاسترالي جوليان أسانج في نشره لمئات الآلاف من الوثائق على موقع ((الويكيليكس)) وهز بها مصداقية كثير من الحكومات وأكسبته شعبية تجاوزت كل الحدود، لكن قائمة الصحفيين الاستقصائيين قبله وبعده طويلة طويلة وهم الذين لا يكتفون بالتفتيش والتنقيب في مخازن تلك الوثائق المفرج عنها بل يذهبون وراء مصادر أخرى صعبة المنال، وآخر اطلاعاتي في هذا الصدد ما قاله على موقع   Democracy Now  في 31 أكتوبر 2014 الباحث الصحفي إيريك ليختبلاو Eric Lichtblau عن كتابه الجديد ((النازيون بين ظهرانينا: كيف اصبحت اميركا الملاذ الآمن لرجال هتلر))
((The Nazis Next Door: How America Became a Safe Haven for Hitler’s Men))  الذي أماط فيه اللثام عن الخطة السرية التي جندت بها وكالة الاستخبارات المركزية آلافاً من مجرمي الحرب النازيين وأتت بهم الى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وكانت الCIA  يومها برئاسة ألآن دالاس (شقيق جون فوستر دالاس) وقد تعاون معه ج. إدجار هوفرJ. Edgar Hoover  مدير ال FBI وذلك من اجل استخدامهم كجواسيس في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي أو الاستفادة من خبراتهم العلمية والعملية فقد كان بينهم نحو 1600 من المهندسين الذين شاركوا في صنع الصواريخ والاطباء الذين قاموا بالفظائع التي يندى لها جبين الانسانية في معسكرات الاعتقال حيث عذب وقتل مئات الألوف ليس من اليهود فحسب بل أيضاً من الشيوعيين والمثليين والغجر وسواهم .. وقد بنى المؤلف معلوماته على ما جاء في الوثائق الاميركية التي أفرج عنها عام 2010 وجاء فيها مثلا كيف اجتمع ألآن دالاس نفسه في زوريخ بسويسرا مع الجنرال النازي كارل وولف احد اركان قيادة هملر والمسؤول عن شبكات القطارات الخاصة التي حملت ملايين من المعتقلين الى حتفهم وبعد انتهاء الحرب وعلى مدى عامين حمى ألآن دالاس هذا الجنرال من تهم جرائم الحرب فبعد ان كان أحد المتهمين الرئيسيين في محاكمة نورمبرغ تحوّل الى شاهد دفاع ولم يسجن يوماً واحداً !
وبعد .. صحيح أن التاريخ مازال مليئا بالاسرار التي لم تكشف بعد لكن عصر الانترنت غيّر المعادلة في باقي الدول دونما حاجة لقوانين خاصة !     


كم ننفق وكم ينفقون .. على الادوية ؟ 9/11/2014

كنت أعلم أن الولايات المتحدة هي أكثر بلاد العالم انفاقاً على الصحة وأعلم في نفس الوقت أن ذلك لا يعني نظاماً صحياً جيداً فسوءاته تبدو فاضحةً في الحقيقية الماثلة بأن حوالي خمسين مليون أميركي لا يغطيهم أي تأمين صحي وعليهم أن يتدبروا أمرهم لوحدهم وتخيلوا معي حال ((الفقراء)) منهم ! وكنت اعلم أن هذا الانفاق الباذخ الذي تنبأ جوزيف كاليفانو جونيور وزير الصحة في عهد كارتر في كتابه الذي نشره عام 1984 أنه سوف يبلغ في نهاية القرن حوالي 1,5 تريليون دولار وهو رقم هائل يذهب معظمه لمقدمي الخدمة الطبية في القطاع الخاص ! فهبّ في وجهه يومئذ منتقدوه واتهموه بتشويه سمعة وقدسية نظام السوق ! ولما ازف عام 2000 تبين أن الانفاق قد بلغ حقاً هذا الرقم ثم توالى الصعود حتى تجاوز الآن 2,7 تريليون دولار سنوياً لاسباب عديدة معروفة اولها غياب التأمين الصحي ((الحكومي)) الذي تتبناه معظم دول العالم وثانيها الانفاق المفرط على الادوية كما جاء في مقال بعنوان               Why We Allow Big Pharma to Rip Us Off كتبه Robert B. Reich في ICH في 6 تشرين أول الماضي وهو الاستاذ الاستشاري للسياسات العامة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ويُذكر أنه كان في السابق وزيراً للعمل في عهد الرئيس بيل كلينتون، وقال فيه ((ان أميركا تنفق على صحة الفرد الواحد أكثر من اي دولة في العالم مع أن هذا لا يعني ابداً أن صحة الاميركيين أفضل من صحة مواطني الدول المتقدمة الأخرى)).. ثم يركز على حصة الادوية من هذا الانفاق الكبير فيذكر أنها تصل الى 10% وهي نسبة عالية تحصل عليها صناعة الادوية وتزيدها وتضخمها باساليب متعددة كأن تدفع (!) لبعض الاطباء مكافآت مقابل الترويج لادويتها أو وصفها لمرضاهم وقد بلغ ما صُرف لهم في الاشهر الخمسة الاولى من عام 2013 وحسب الارقام الرسمية 380 مليون دولار وقد كانت حصة الواحد منهم تصل الى نصف مليون دولار وحصل عدد منهم على ملايين الدولارات عن مستحضرات دوائية ساهموا في تطويرها !   ويقول رايش: ((إن المبالغ التي تدفعها شركات الادوية للاطباء تمثل جزءً صغيراً من استراتيجيتها لتنظيف جيوبنا، فمثلا تقوم بتغيير بسيط على دواء قاربت مدة احتكار صناعته على الانتهاء، فيصبح بذلك دواءً جديداً يمنع البدائل الاصلية الرخيصة من النزول الى الصيدليات أو التداول في الاسواق، والنتيجة ارباح اكبر للشركات الدوائية وكلفة اكثر على المواطنين، ومثل آخر لطريقة أخرى هي شن حملات الدعاية لدواء معين تجعل المرضى يطلبونه من اطبائهم الذين كثيراً ما ينصاعون لهذا الطلب، وللعلم فان اميركا هي واحدة من عدد قليل من الدول المتقدمة التي تسمح قوانينها بالدعاية المباشرة للادوية التي يصفها الاطباء !!)).. ((وطريقة رابعة تلجأ لها شركات الادوية الكبرى هي عبارة عن رشوة مصانع الادوية الاصلية كي تؤخر طرح ادويتها البديلة الرخيصة فيما يسمىpay- for- delay agreement  ويحقق مصلحة مادية كبيرة للطرفين على حساب المستهلك المريض! وللعلم مرة أخرى فان هذا التلاعب اللاأخلاقي الذي لا تسمح بها اوروبا بقي مشروعاً في الولايات المتحدة لان أصحاب صناعة الادوية حاربوا بشراسه أي محاولة تشريعية يمكن أن توقفهم عند حدهم !)) .. ((وتزعم شركات الادوية أنها بحاجة لموارد اضافية حتى تغطي بها نفقات الابحاث المتعلقة بتطوير ادوية جديدة مع ان الحكومة في الواقع تقوم بمعظم هذه الابحاث التي تعتمد عليها الصناعة الدوائية الكبرى وذلك بواسطة المعاهد الوطنية للصحةNational Institutes of Health  فيما تتولى الصناعة الدوائية الانفاق على الاعلان والتسويق اكثر مما تفعل على الابحاث والتطوير! وهو أنفاق كبير يفوق ذاك الذي تروج به صناعة الاسلحة لمنتجاتها العسكرية !)) وينتهي الكاتب الى القول: ((كل ذلك لا يعرفه الجمهور الاميركي حق المعرفة أو أنه سلّم بان السوق الحر مستقل عن الحكومة لا بل يتربع فوقها !))

وبعد .. فان آخر الاسئلة ينبغي أن يخرج من عندنا: كم ننفق على الادوية من مجمل انفاقنا على الصحة في القطاعين العام والخاص ؟! تقول وثيقة ((الحسابات الصحية الوطنية في الاردن 2012 الصادرة عن المجلس الصحي العالي في آب 2014 إنه يبلغ 26,75 %، فهل هذا صحيح ومعقول ومقبول إذا قارناه بال 10% المشكو من بذخها في اميركا نفسها أم أن في الأمر خطأً لا أدركه ؟  

الدراما الشرق اوسطية الطويلة ! 2/11/2014

على مدى نصف قرن تقريباً وبتحديد أدق منذ هزيمتنا المدوية في حرب حزيران 1967 وصعود ((العجرفة)) الاسرائيلية الى الأوج مختالةً بتحقيق أهدافها وانتصارها على اعدائها واصلت الصهيونية حملتها الاعلامية التي كانت قد أطلقتها بعد النكبة عام 1948 بهدف طمس الحقائق وتزوير وقائع التاريخ لتحويل صورة الفلسطينين كاصحاب حق في وطنهم الى مجرد ((سكان)) عابرين في بقعة شرق اوسطية ينبغي في النهاية الا يبقوا فيها وأن يتركوها (كلها) لاصحابها ((الأصليين)) من يهود العالم لأن ربهم وعدهم بها ! وفي مواجهة ذاك الموج العرم لم يتمكن العقلاء والمنصفون من مواطني اسرائيل أو من اصدقائها في اي بلد في العالم ان ينبسوا ببنت شفة، الى أن بدأ الأمر يتغير قليلا في أواخر ثمانينات واوائل تسعينات القرن الماضي بظهور ما سمي بالمؤرخين الجدد الذين تحركت ضمائرهم للبحث عن حقيقية ما جرى وذلك من خلال وثائق الدولة العبرية نفسها فتبين لأولهم وهو بيني موريس ان الفلسطينيين لم يهاجروا من وطنهم طوعاً أو بأوامر صدرت لهم من الزعماء العرب(!) بل طُردوا من قراهم ومدنهم بقوة السلاح وتحت التهديد بالموت والاغتصاب وبعد مجازر رهيبة انفضحت في حينها فلم يمكن اخفاؤها، وقد ألفّ عام 1987 كتابه الصادم لمصدقي المزاعم الصهيونية Problem The Birth of The Palestinian Refugees ثم ولاسباب غير مجهولة لم يلبث بعد بضع سنوات أن تراجع عن موقفه لا بل راح يثني على سيرة صهيوني متشدد كفلاديمير جابوتنسكي ولا يمانع مثله في التطهير العرقي بحجة (( أن ذلك ضروري في بعض الظروف التاريخية كما جرى للهنود الحمر في اميركا كي تصبح دولة ديمقراطية )) ! لكن آخرين شجعاناً من أولئك المؤرخين واصلوا السير على درب الأمانة العلمية مثل اسرائيل شاحاك وإيلان بابه وايفي شلايم وتوم سيجيف رغم ما لاقوا من العنت الرسمي و((الشعبي)) على حد سواء، كما ظهر فيما بعد شلومو ساند استاذ التاريخ في جامعة تل أبيب لكي ينبش اعماق الزمن ويستخلص منه أن ((الشعب اليهودي)) وهمٌ وفريةٌ واسطورة وذلك في كتابه ((اختراع الشعب اليهودي)) الذي صدر في عام 2008/                        The Invention of the Jewish People وأثار عاصفة من الغضب والاستنكار ليس في اسرائيل فحسب بل حتى في الولايات المتحدة حيث عبرت مجلة النيوزويك عن ذلك ((لأنه أكد ان اليهود لم يكونوا يوماً شعباً واحداً بالمعنى العلمي الجيني، لذا فأن على اسرائيل ألا تبقى أسيرة الاعتقاد بالنقاء العرقي وأن تتبنى مفاهيم الديمقراطيات الغربية)) وقالت عنه باتريك كوهين في النيويورك تايمز ((أنه أثار في بريطانيا موجة واسعة من الجدل فقد استنكره كثيرون كما امتدحه كثيرون)). هذا وقد أصدر شلومو زاند (كما يُلفظ اسمه بالعبرية) في العام الماضي كتاباً آخر بعنوان How I Stopped Being a Jew ولا أنوي التعليق عليه قبل ان أفرغ من قراءته بتمعن .
أما في دول أخرى غير اسرائيل فقد خرجت أصوات يهودية جريئة تعبر عن رفض اصحابها من المفكرين المرموقين تصديق الدعاية الصهيونية المضلّلة التي باتوا يخشون أن تقود اليهود بعد انكشافها      الى المربع الاول في ((معاداة السامية))، كما قد تؤدي بهم الى كارثة جديدة تشبه الكوارث التي مروا بها خلال تاريخهم الطويل .. ولعل من أهم هؤلاء نعوم شومسكي Noam Chomsky عالم اللسانيات واستاذ الفلسفة والناقد الاجتماعي والسياسي المعروف  الذي ما تواني عن التأكيد بأن الاعتداء الاخير على غزة – ككل اعتداء سابق على الفلسطينيين – ما كان ليحدث لولا رضى وموافقة ومباركة الولايات المتحدة ..

وبعد .. فما زال هؤلاء المفكرون وغيرهم يطرحون أسئلة مباشرة حول الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية مثل: من المستفيد ومن المتضرر من استمرار ((الدراما)) الشرق اوسطية الطويلة بكل تفرعاتها ومضاعفاتها !؟ وهل حقاً يتمتع اليهود الآن بحياة آمنة مطمئنة في اسرائيل التي حتى لو جعلوها دولة يهودية خالصة فهل يضمنون بذلك ألا يتحولوا للعيش في ((غيتو)) هو الاكبر عبر العصور؟ وماذا يجديهم لو اكتشفوا بعد فوات الأوان أن المستفيد الوحيد والمهيمن الأول على إخراج هذه الدراما هو الولايات المتحدة ((الشركاتية))Corporate America  ومن يلوذ بها ويأتمر بأمرها في اوروبا وأسرائيل !؟. 

((المولات)) أمجرد دلالة على ما وراءها !؟ 26/10/2014


 ليس من الضروري أن تكون عالم اقتصاد لكي تدرك أن هذا العدد الكبير من((المولات)) الضخمة الفخمة في عمان والتي تضاهي ارقى مثيلاتها في عواصم اوروبا وأميركا لا يمكن أن ينشأ في بلد ما إلا باستثمارات ضخمة، ولستَ بحاجة الى أن تكون باحثا اجتماعياً لكي تكتشف أن روادها الذين يملأون ردهاتها ومطاعمها ومقاهيها ومحلاتها التجارية وينفقون فيها من الاموال مالا تستطيع ان تحصيه، ليسوا هم الاكثرية الغالبة من السكان بل جزء من الأقلية، ولستَ مضطراً لأن تسأل منظّراً اشتراكيا لكي يفسر لك أن المولات استثمارات توظف آلاف المواطنين فتحل جزءً من مشكلة البطالة لكنه لا يستطيع ان يؤكد لك أنها تحد من الفقر! ولستَ مطالباً من بين كل الناس أن تشغل نفسك بالتفكير في هذه المولات وكيف يمكن أن تعتبر وسيلة إنتاج وطني وهي في حقيقتها ليست مشاريع صناعية بل وسيلة تجارية ترسّخ ثقافة الاستهلاك التي لا تبني اقتصاداً حقيقياً !
ومع ذلك كله فانت إذا كنت مراقباً حصيفا وغيوراً على مصلحة وطنك فانك بحاجة الى التأمل في هذه المولات وماذا يمكن ان تعني في الواقع، وان تطرح بدافع الشك الذي هو محور البحث عن الحقيقية اسئلة ذات دلالات مالية واقتصادية واجتماعية وربما سياسية مثل: ترى ماذا حدث لمئات الدكاكين الصغيرة التي كانت تشكل اسواق المدينة في الحارات والجبال والضواحي؟ الم تغلق ابوابها أمام المنافسة العملاقة الجديدة المتمثلة في المولات؟ ماذا حدث لاصحابها وزبائنها ؟ ترى في اي شيء يشبه هؤلاء الذين يؤمونها أولئك الذين لا يعرفون الطريق اليها ؟ هل يلبسون مثل ما يلبسون؟ هل يأكلون ويشترون كما يفعل الآخرون؟ والأعمق من ذلك هل يفكر الفريقان – رغم البون العددي الشاسع بينهما – بنفس الاسلوب في شؤون الحياة والدين والسياسة والوطن وداعش وحماس ونتائج الغزوة الاسرائيلية الاخيرة على غزة ؟! هل يتابعون احداث بلدهم ومنطقتهم في الصحف باهتمام أم أن الاعلانات هي الجاذب الأول لهم ؟ هل يقرأون روايات اردنية لهاشم غرايبة مثلاً أو عربية ليوسف زيدان أو المغترب أمين معلوف ؟ قد يقال إن في بعض هذه الاسئلة استفزازاً لمشاعر الذين لا ((يملكون)) وكأن استفزازهم يمكن ان يتم بمثل هذه الكلمات العابرة ؟! أو يقال إن في مضامينها تملقا لعواطفهم ((المنهكة)) الجاهزة للاصطياد وهم الذين يعرفون عن اوضاعهم وعن ظروفهم اكثر بكثير مما تطرح هذه الاسئلة !

وبعد .. فليست عمان وحدها هي التي ((تتمتع)) بمثل هذه المرحلة من التقدم التجاري البرّاق، فمدن أخرى كثيرة مرت وتمر بها لكن من واجبنا أن نطرح الأسئلة حولها لكي نفسح لعقولنا حرية التفكير في المرحلة التالية التي قد لا تشبها قط ! 

الرأسمالية الوطنية منذ ثلاثينات القرن الماضي .. 21/10/2014

وأنا أشهد في الشهر الماضي توقيع اتفاقية مشروع الصخر الزيتي كانتاج وطني ينهض به القطاع الخاص برأسمال كبير لم يكن غريباً أن تعود بي الذاكرة عشرات السنين الى الجدل الذي دار حول الرأسمالية الوطنية حين كان يكتب عنها في خمسينات القرن الماضي الدكتور راشد البراوي استاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة وأحد اعلام الفكر الاشتراكي الحر الذي كنا نتلهف على قراءة مقالاته الداعية للعدالة الاجتماعية في جريدة ((المصري)) جريدة حزب الوفد آنذاك، وكنا معجبين بتحليله العلمي لواقع الاقتصاد المصري ودور الرأسمالية الوطنية في حمايته ودعمه ولم تكن في ذلك الوقت قد غابت عن الساحة المصرية ذكرى طلعت حرب الاقتصادي الذي يحتل تمثاله واحداُ من أهم ميادين القاهرة بعد أن مثل الرأسمالية الوطنية أروع تمثيل حين حوّل بنك مصر في ثلاثينات القرن الماضي من مجرد مؤسسة مالية مصرفية الى محرك فاعل وقوي في إنشاء المشاريع الانتاجية الصناعية في جميع أنحاء مصر فأسس صناعة الغزل والنسيج العملاقة وصناعة الملح والصودا، واهتم كذلك بصناعة السينما كجزء من عقيدته بان هذا الفن الصاعد الذي بدأت هوليود تغزو به اسواق العالم قبل سنوات قليلة لا بد أن يكون في المستقبل عنصرا من عناصر بناء الحضارة الجديدة، وانشأ من اجل ذلك ((استوديو مصر)) لانتاج الافلام السينمائية كما بنى داراً لعرض افلام هذه الشركة في شارع عماد الدين باسم سينما ستوديو مصر، اذ كانت جميع دور العرض الاولى يومئذ مملوكة لشركات اجنبية كسينما مترو وسينما كايرو بالاس وسينما قصر النيل .. وللتدليل على أهمية هذا التوجه حرصت وزارة المعارف على اطلاع التلاميذ على هذا الصرح الجديد فقد كانت ثاني رحلاتنا المدرسية حين كنا طلابا في الصف التوجيهي بالمدرسة السعيدية الى ستوديو مصر كجزء من برنامج توسيع مداركنا، وقد كانت الأولى قبلها الى أسطول خفر السواحل على سواحل مدينة الاسكندرية !
كان راشد البرّاوي يتحدث يومذاك عن الرأسمالية الوطنية وكيف يمكن أن تفعل الكثير من اجل تقدم اقتصاد البلاد ولم يكن يفاجأ بمن يهاجمه ويهاجم افكاره من كتاب اليسار المتطرف الذين يختزلون الأمر كله الى أن الرأسمالية ليس لها سوف هدف واحد هو الربح ويرد عليهم بان المستثمرين من اصحاب رؤوس الأموال هم اولا وأخيراً مواطنون فاذا لم يكونوا مرتبطين باهداف الرأسمال الاجنبي فان خيرهم يثمر في بلدهم من اجل الوطن حتى لو لم يقصدوا ذلك بشكل مباشر، وكان يرد عليهم كذلك بضرورة المحافظة على الرأسمالية الوطنية وافساح المجال لها كي تنمو وتزدهر وإلا فكيف تتكون الطبقة العاملة التي يؤمنون بأنها أداة التغيير للانتقال الى المراحل الأخرى من تطور المجتمع ..
وفي نفس السياق تذكرت بلداً آخر هو العراق برز فيه الرأسمال الوطني كذلك منذ ثلاثينات القرن الماضي وبدافع واضح جلي من حب الوطن والرغبة في بنائه وتقدمه وتذكرت اسماً سطع في سمائه لأمد طويل هو اسم سليمان فتاح باشا الذي أنشأت اول صناعة ناجحة للنسيج وانتاج البطانيات والاجواخ العراقية، وقد قرأت عنه مؤخراً ما يثلج الصدر في كتاب ((شخصيات نافذة)) لعبداللطيف الشواف الذي اهدانيه الصديق الدكتور حمدي التكمجي .
وبعد .. فالرأسمالية الوطنية الاردنية لم تبدأ فقط باسهامها في انشاء مشروع استغلال الصخر الزيتي بل منذ زمان طويل في تعدين الفوسفات الاردنيايضاً في ثلاثينات القرن الماضي، وبينهما .. مشاريع عديدة نذكرها بالفخر والاعتزاز .       


العولمة .. لمصلحة طرف واحد ! 29/9/2014


في كتابها الموسوعي (565 صفحة) ((مذهب الصدمة .. صعود رأسمالية المصائب))            
        The Shock Doctrine (The Rise of Disaster Capitalism)
الذي صدر عام 2007 شرحتْ الكاتبة الكندية المبدعة نومي كلاين Naomi Klein باسهاب كيف تستغل الحكومات المتواطئة مع الشركات الكبرى حالة الصدمة التي تمر بها الشعوب إثر الكوارث أو الحروب لتمرير سياسات اقتصادية لم يكن من الممكن تطبيقها في الظروف العادية مثل الخصخصة على نطاق واسع حتى لو طالت خدمات الصحة والتعليم، وتغيير التشريعات من اجل اطلاق العنان لنظام السوق المنفلت وإلغاء الدعم للسلع الأساسية حتى لو أدت هذه السياسة الى ارتفاع نسب البطالة واغراق طبقات جديدة في مستنقعات الفقر المدقع، كما تحدثت الكاتبة عن المحافظين الجدد The Neocens في أميركا وهم الذين كنت اتابع سياستهم باهتمام منذ تسعينات القرن الماضي واكتب عنهم بين حين وآخر وكان من ابرز منظريهم Richard Parle الذي لعب دوراً مهماً كمستشار سياسي في الادارات الاميركية المتعاقبة منذ عهد الرئيس ريغان حتى بلغ منصب مساعد وزير الدفاع واستقال عام 2003 بسبب شبهات الفساد وتضارب المصالح فقد اتهم بقبض عمولات من شركات اسرائيلية لصناعة الأسلحة المضادة للتجسس حين كان وكيلا لاحداها ومن عقد صفقات بترول عراقي مع زعيم كردي أو من التعامل مع مستثمرين سعوديين أو كمستشار للعقيد معمر القذافي (تحقيق الصحفي الاستقصائي المعروف سايمور هيرش) .. وربما جاءت استقالته آخر الأمر بعد ان اطمأن الى أن هناك من امثال بول وولفوفيتس (إياه !) من يحمل رسالته ((الفكرية)) التي اعتمدت على ((التخطيط)) للحروب الاستباقية وفي مقدمتها كانت الحرب على العراق واستغلال أي توتر مع دولة أخرى يمكن أن تعادي الولايات المتحدة بخلق حالة تشبه ما كان معروفاً مع الاتحاد السوفيتي السابق بالحرب الباردة وما أدت اليه من سباق التسلح المكلف الذي ارهق الاقتصاد الاشتراكي لكنه كان يخلق في الغرب رواجاً لكل انواع السلع الاستهلاكية وفي مقدمتها صناعة الأسلحة وفتح الاسواق الأخرى لها حسب نظام الاقتصاد الحر ((المنفلت)) الذي وضع ميلتون فريدمان مبادئه الجديدة في مدرسة شيكاغو (الاقتصادية) وبدأت تجربته الدموية الاولى بانقلاب سوهارتو في اندونيسيا عام 1967 ثم انقلاب بنوشيه في تشيلي عام 1973 وبعد ذلك في دول عديدة أخرى كالبرازيل والارجنتين والاورغواي وكلها بالتعاون والتآمر مع أجهزة الاستخبارات .      
نعود لريتشارد بيرل الذي استقال من منصبه عام 2003 ليتفرغ للعمل في الشركة الاميركية الاوروبية التي ساهم في تأسيسها والمختصة بصناعة الاجهزة التجسسية والمقاومة للتجسس كالكاميرات الخفية والحواسيب والاسلحة الالكترونية التي اصبحت معظم الحكومات (والمؤسسات الخاصة) مضطرة لاستخدامها خاصة بعد حالة الرعب (الحقيقية والمفتعلة معاً) التي سادت العالم إثر احداث 11 سبتمبر 2001 ، فتضاعفت مبيعاتها خلال سنوات قليلة وارتفعت اسعار اسهمها عاليا ..
ونتذكر تبعاً لذلك انعكاس حالة الرعب تلك على تشدد بلغ درجة الهوس لدى بعض الحكومات وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الاوروبية عند منح تاشيرات الدخول الى اراضيها، فخلقت لذلك اجهزة بيروقراطية كبيرة وشبكة اتصالات استخبارية معقدة خوفاً من أن يتسرب أي ((مخرب)) آت من الشرق الاوسط ليقوم بعمل ارهابي فيها، أو ((مهاجر)) غير شرعي للحصول على فرصة عمل، هذا بعكس المعاملة المتميزة التي يلقاها مواطنوها عند سفرهم الى الخارج حيث يحصلون على تأشيرات الدول الأخرى في دقائق ويجري الترحيب بهم في المطارات كسواح او مستثمرين حتى لو كان معروفاً (!) أنهم غير ذلك، وقد كلفها التشدد مبالغ طائلة لم تكن في الحسبان لكن الأهم أنه تسبب بمضايقات لا حصر لها لدى الذين يضطرون للحصول على تأشيراتها، وفي الاردن صورة واضحة لتلك المضايقات التي تبلغ احيانا حد المعاناة الحقيقية ليس من الانتظار الطويل لمدة اسبوعين على الاقل قبل الحصول على التأشيرة أو الجواب برفض الطلب فحسب بل ما يستتبعه ذلك من اضطراب في مواعيد السفر وحجز الطائرات ناهيك عن الحالات العائلية الطارئة عند مرض احد الافراد او موته ! هذا بالاضافة للمهانة التي يجد المراجعون انفسهم فيها كالوقوف على قارعة الطريق (أو الرصيف) في صفوف الدوْر لتقديم الطلبات والتعامل الفظ من قبل بعض موظفي تلك السفارات مما يذكرنا بتعاملهم المتغطرس معنا في زمن استعمارهم لنا !

وبعد .. في تسعينات القرن الماضي اوهمونا أن العولمة تعني انفتاح الدول على بعضها حتى يصبح العالم كله ساحة ((انسانية حرة واحدة)) لتبادل الازدهار، وصدق كثير منا هذه الصورة الوردية الزاهية ولم يمض طويل وقت حتى انفضح زيفها وتبين أن العولمة هي انفتاح لطرف واحد لتصبح الحدود مباحة لدخول مواطنيه الى بلادنا واغراقنا بسلعه واشياء أخرى، أما على الجانب الآخر فغير ذلك تماماً .. الطريق   مسدود أو سالك بصعوبة !. 

هل هو في مصلحة اليهود؟ سؤال قيد البحث ! 15 /9 /2014

أصبح معروفا أن اسرائيل لم تكن يوماً بحاجة الى مبرر جدي لاي عدوان تقوم به ضد غزة أو سواها، فهي قادرة على اختراع الذرائع واصطناع الاسباب وخلق الظروف التي تجعل مواطنيها اليهود اولاً والرأي العام اليهودي في جميع انحاء العالم ثانيا في حالة هي خليط من الدهشة والصدمة والانبهار والاستلاب العقلي الى درجة السقوط في حومة السؤال البسيط الخبيث: هل هو في مصلحة اليهود ؟       Is it good for the Jews ?    وحين ((يتنزل)) عليهم الجواب العاجل الجاهز رغم سطحيته ((نعم)) يصدقون وتهدأ نفوسهم فتمضي ((دولة)) اسرائيل في غيها لا تلوي على شيء ! وربما كانت بدايات سيكولوجية الرضى والقبول قد تجذرت عندهم بعمق منذ استخدمت الحركة الصهيونية ((بعبع)) معاداة السامية قبل الهولوكوست بزمان طويل ونجحت في تجميع كل يهود العالم حولها من اجل هدف واحد هو إنشاء دولة خاصة بهم تنهي الى الابد حالة الهوان والعذاب التي عاشوها عبر القرون، ثم اتسع استعمال هذا السؤال ليتكرر على لسان كل يهودي في مواجهة أي قرار تصدره حكومة ما أو موقف تقفه هيئة من الهيئات له مساس باسرائيل ولعل الابرز ما كان في الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها .
لورانس دافيدسون Lawrence Davidson استاذ التاريخ المتقاعد من جامعة وست تشستر في بانسلفانيا (وهو يهودي علماني) يسخر من هذا السؤال التقليدي في مقال له على موقع ICH 2/9 /2014 ويطرح السؤال المقابل: هل مازلنا نعتقد أن الصهيونية واسرائيل كانتا أصلاً لمصلحة اليهود ؟ رغم ان سياستهما نحو الفلسطينيين تضمنت دائماً استخدام اساليب التطهير العرقي والقتل الجماعي بحجة الدفاع عن النفس، وفي آخر عدوان على غزة مثلا وحسب تقديرات الامم المتحدة فإن 73% من الضحايا كانوا من المدنيين، كما ان تدمير اقتصادها لم يكن إلا لافقار أهلها اكثر فأكثر، حتى ان نائب وزير الداخلية إلي يشائي  Eli Yishaiلم يتورع عن القول ((إن هدف هذه العملية العسكرية هو إعادة غزة الى العصور الوسطى)) ! وماذا كان يا ترى شعور يهود إسرائيل تجاه ذلك أو على الأصح شعورهم الذي تمت برمجته مسبقاً ؟ 97 % منهم حسب استطلاعات الرأي أيدوا العملية و63 % قالوا إن العالم كله ضدنا ! وهذا يعني ان عدداً قليلاً منهم يعون حقيقية ما يحدث في دولة مصممة على إقصاء شعب آخر من وطنه وابتلاع ارضه بالكامل، ومن هؤلاء زئيف ستيرنهيل  Zeev Sternhell العالم المعروف والحائز على جائزة الدولة الذي يقارن بين إسرائيل الحاضر وفرنسا فيشي التي سقطت في ايدي اليمين مؤيدَّة بالغالبية العظمى من السكان وبضمنهم المثقفون من اساتذة جامعات وصحفيين، وبالمثل فأن العدوان على غزة نال ترحيب وموافقة نفس هذه الطبقة في اسرائيل وساهم في ذلك افلاس الاعلام الحر(!)  وانهيار الديمقراطية التي نتغنى بها !
ثم يصف كاتب المقال (دافيدسون) مشاعر الخوف التي تنتاب اليهود في الخارج جراء سياسة اسرائيل هذه، مستشهداً برأي شخصية يهودية بارزة مثل هنري سيغمان  Henry Siegmanالرئيس التنفيذي السابق للمؤتمر الاميركي اليهودي (ومجلس الحاخامين في اميركا) الذي يتحدث عن الهجوم الاخير على غزة قائلاً ((إن ذبح المدنيين الفلسطينيين وتدمير اجزاء كبيرة من غزة وتحويلها الى ركام على يد القوات العسكرية الاسرائيلية يشبه ما حدث لمدينة دريسدن في المانيا جراء الغارات الجوية الاميركية والبريطانية اثناء الحرب العالمية الثانية، وقد تم باسم مواطني اسرائيل وبذريعة الدفاع عن أمنهم وسلامتهم وهو زعم كشف عن مدى النفاق والكذب الذي يكتنف التعامل مع الفلسطينيين وإنكار حقهم في النهوض والتخلص من الاحتلال حتى ان الناطق الرسمي باسم الحكومة الاسرائيلية قال أثناء العدوان الاخير إن إسرائيل لا تحتل غزة فقد انسحبت منها قبل ثماني سنوات، وهو تعبير صارخ عن الخوتسبا((  ]وChutzpa  كلمة عبرية تعني: اوقح من الوقاحة نفسها [ .
ويشارك سيغمان في هذا الاستنكار يهود آخرون في الخارج كالناجين من الهولوكوست او أبنائهم وقد نشروا مؤخراً على صفحات النيويورك تايمز بيانا قالوا فيه: ((أننا مرتاعون من المعاملة العنصرية اللاإنسانية التي تسلكها اسرائيل ضد الفلسطينيين، خصوصاً تلك الدعوات المتطرفة التي ظهرت في صحف التايمز الاسرائيلية والجروساليم بوست على لسان ساسة ومجموعات تدعو صراحة للتطهير العرقي للفلسطينيين وتتبنى بفخر شعارات النازية الجديدة ..)) .
وفي النهاية يقول دافيدسون إن رؤية العالم من خلال المنظار الصهيوني والتعصب الاسرائيلي سوف يستمر في حجب الحقيقة عن أن عنف الفلسطينيين ضد اسرائيل حين ينفجر احيانا هو رد فعل طبيعي للسياسات الاسرائيلية المتمثلة في بقاء الاحتلال ومصادرة الاراضي وحكم الدولة البوليسية .  

وبعد .. فليس القصد دغدغة المشاعر بالحديث عن تعاطفٍ ما مع قضية الشعب الفلسطيني، لكن القصد هو إلقاء الضوء على عقدة واحدة من عقد كثيرة أدركها بعض اصحاب الضمائر الحية والعقول النيرّة من اليهود وهم يتصدون الآن لحلها .. من أجل مصلحة اليهود أنفسهم .      

من يكره الموسيقى والرقص 8 /9 /2014

يقول المتعصبون وضيقو الأفق إن الرقص حرام. لا أظن أن الله ((عز وجل)) منحنا الموسيقى – لا الموسيقى التي نصنعها بأصواتنا وآلاتنا فحسب، بل الموسيقى التي تغلف كل أشكال الحياة، ثم حرّم علينا أن نسمعها. ألا يرون أن الطبيعة برمتها تغني ؟ فكل شيء في هذا الكون يتحرّك بإيقاع: خفقات القلب، ورفرفة أجنحة الطير ، هبوب الريح في ليلة عاصفة وطرقات الحداد وهو يطرق الحديد، أو الاصوات التي تغلف الجنين داخل الرحم .. كل شيء يشارك في انبعاثها، بحماسة وتلقائية، في نغم واحد رائع . وما رقصة الدراويش إلا حلقة في تلك السلسلة الدائمة . وكما يحمل ماء البحر في داخله المحيط برمته ، فإن رقصتنا تعكس أسرار الكون وتغلفها .
لولا العبارة الاخيرة في هذه المقدمة لظن القارئ ان الحديث متعلق بفنون الموسيقى والرقص في حياتنا وكم هي جميلة ومهمة وصحية، غذاءاً للروح وضرورة فسيولوجية للجسد ومع ذلك لم يتوقف عن الاساءة لها ولنا طوال تاريخنا المتعصبون وضيقو الافق ! والحقيقة أنها سطور على لسان شمس التبريزي في قونية، حزيران 1246 كما جاءت في رواية عظيمة عنوانها ((قواعد العشق الاربعون)) (عن جلال الدين الرومي) كتبتها الروائية التركية إليف شافاك عام 2012 وترجمها خالد الجبيلي، والغريب أن المتعصبين وضيقي الافق مازالوا حتى بعد مرور كل هذه المئات من السنين يقيمون بين ظهرانينا ويتغلغلون في حياتنا، يفسدون علينا الاستمتاع بما فُطرنا عليه ويكرهون أن يرونا سعداء فرحين بل يريدوننا أن نبقى مثلهم عابسين متجهمين تعساء وأن نؤجل سعادتنا وفرحنا الى .. الى متى ؟  ليس ذلك فحسب بل يريدون ان يفرضوا علينا نمط الظلامية الفظة التي يتوهمون – ويوهمون الناس أنها كانت السائدة وأنها حققت الأمجاد لأمتنا في ماضيها التليد، ويريدون أن يقضوا على من لا يتفقون معهم في هذا الفهم او الوهم إن بأعدامهم بالرصاص أو جز رقابهم بالمدى ! والأنكى أن في صفوفنا وحتى في قياداتنا الفكرية والسياسية من لا يزال يسايرهم أو يداهنهم أو يجاملهم، إما جبنا عن مواجهتهم أو طمعاً في احتوائهم واستخدامهم عند الحاجة !  
أما مولانا جلال الدين الرومي فمازال كما الصوفية نفسها موضع احترام وتقدير في الاوساط الفكرية والاكاديمية في معظم بلاد العالم المتقدم، واما تلميذه ومريده وصفيّه وصديقه الحميم شمس التبريزي الذي قتله المتطرفون فهو القائل في حضرته: ((عندما كنت طفلاً رأيت الله ، رأيت ملائكة ، رأيت اسرار العالميْن العلوي والسفلي . ظننت ان جميع الرجال رأوا ما رأيته . لكني سرعان ما ادركت انهم لم يروا ..)) .

وبعد .. ليس ضروريا أن نعتنق الصوفية حتى نحب الفنون !  

سبع سنوات .. نفس الكلام ! 2 /9 /2014

على مدى سبع سنوات ونحن نسمع من المسؤولين عن المشروع النووي الاردني كلاماً مكرراً وبعضه ((كبير)) ينبغي مناقشته بروية وهدوء كالتأكيد على أن المشروع سوف يدخلنا في ((العصر النووي)) وكأن أحداً يكره أن يتقدم بلده في مجال العلوم والتكنولوجيا النووية ! لكن من ذا الذي يقبل أن يكون هذا التقدم مرهوناً بشراء مفاعل نووي تبنيه لنا شركة اجنبية ؟ ومتى ؟ في الوقت الذي نرى دولا كبرى  عديدة من بينها المانيا واليابان ماضية في تقدمها ولم تخرج من العصر النووي رغم قراراها بالتوقف عن انشاء مفاعلات نووية جديدة وتفكيك الموجود منها، ونرى استراليا تتقدم كثيراً في هذا المجال  دون أن تملك مفاعلاً نووياً واحداً، مع أن عندها اليورانيوم بكميات كبيرة وبتراكيز عالية تسوّقه عالميا منذ عشرات السنين، ولم تتخذه ذريعة لبناء مفاعل نووي كما نعلن نحن الذين لم يكفنا الفشل الذريع الذي انتهى اليه التنقيب عنه عندنا من قبل واحدة من اكبر شركات تعدينه في العالم هي اريفا الفرنسية التي عملت اكثر من عامين في اراضينا وبعدما تأكدت أن تراكيزه منخفضة وكمياته غير كافية أو مجدية اقتصاديا غادرت البلاد بخفي حنين، لكن ذلك لم يثْنِ هيئة الطاقة الذرية عن عنادها بتخطئة اريفا التي كانت في الماضي القريب تكيل لها المديح واصرارها على اطلاق الوعود والاحلام بوجود اليورانيوم ((التجاري)) فانشأت لهذا الغرض شركة حكومية ((خاصة)) أي أن رأسمالها من خزينة الدولة ! ولم تفل هذه المرة كما كانت تقول في السابق إنها سوف تغطي من ارباحه نفقات إنشاء المفاعلات لكنها مازالت تخفي على الناس الاخطار البيئية والصحية الكبيرة التي ترافق تعدين اليورانيوم نفسه فاشعاعاته الضارة يمكن أن تُسأل عن نتائجها الكارثية دول أخرى لاقت الأمرين في مناجم اليوارنيوم عندها ولا تزال تعالج مضاعفاتها من تشوهات جنينية وسرطانات من مختلف الانواع ، ناهيك عن الانفاق الهائل على التخلص من فضلات تلك المناجم بعد أغلاقها فالمانيا مثلاً يكلفها ذلك ستة مليارات من الدولارات سنوياً !!
أما القول بأن المشروع النووي سوف يحقق الاستقلال في مجال توليد الطاقة الكهربائية في الاردن، فلا يعبر عن الحقيقة المعروفة بأن ((تخصيب)) اليورانيوم هو بيد دول كبرى بعينها إذا شاءت منحت وإن لم تشأ منعت ! كما ان القول بأنه ينقذنا من اعتمادنا على الطاقة المستوردة بنسبة 97 % من حاجتنا للخليط  (كحال معظم دول العالم) فغير صحيح إذ لا يغطي في افضل الحالات اكثر من 16 % من هذه النسبة ، لانه لا يولد إلا 40 % من الطاقة الكهربائية كحد اعلى ودون باقي انواع الطاقة المطلوبة (في كوريا الجنوبية – وهي من اكثر بلاد العالم تقدماً في هذا المجال – لم تستطع المفاعلات ان تغطي اكثر من 23% من الطاقة الكهربائية) !!
وبعد .. لن نكرر ما قلناه مراراً من ان مواردنا المائية شحيحه وأننا موجودون في منطقة زلازل ومن حولنا اضطرابات امنية منفلته وأننا محظوظون بطاقة طبيعية آمنة دائمة كالشمس والرياح وشبه دائمة كالصخر الزيتي، لكننا فقط أحببنا أن نؤكد أننا لسنا ضد التقدم العلمي النووي بل ضد الاخطار البيئية والصحية للمفاعلات وضد الاقتراض الهائل من اجل مشروع محفوف بامكانيات الفشل والخسارة .. !