الاثنين، 24 مايو 2010

‏ 22 /5 /2010 ‏
‏(( لدغة الأفعى ))‏
د. زيد حمزه ‏
‏ ‏
لدغة الافعى ليست عنوان قصة تتحدث عن غدر حبيبة لحبيبها كما كان كثير من الكتاب ‏الذكوريين يتلذذون في وصفهم المهين للمرأة، ولا هي غمز سياسي من جانب دولة تلدغ جاراتها ‏منذ 62 عاماً رغم ترديد مقولة (( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين )) ! فالحديث هنا جدّيٌّ وعن ‏اللدغة الحقيقية للافاعي كمشكلة صحية تؤرق منظمة الصحة العالمية وتجعلها تدق ناقوس الخطر ‏إذ جاء في نشرتها الاعلامية في الرابع من شهر أيار الحالي معلومات محدَّثه تقول إن اكثر من ‏‏100 ألف إنسان في العالم تقتلهم لدغات الافاعي سنويا بالاضافة لحوالي 300 ألف آخرين تؤدي ‏بهم سموم الحية الى بتر الطرف الملدوغ أو الى تشوهات جسدية أخرى، أو الى شللٍ في عضلات ‏التنفس يسبب الاختناق أو الى نزيف داخلي شديد، أو تلفٍ في أنسجة الكلى يفضي الى فشلها، ‏والضحايا في العادة اكثرهم من النساء والاطفال والمزارعين الفقراء .. وتعزو منظمة الصحة ‏العالمية ذلك إما لنقص في الامصال المضادة لسم الثعبان أو عدم توفر النوع المنتج خصيصاً ضد ‏عضة الافاعي المعروفة في مناطق معينة، أو للجهل بالارشادات اللازمه لاستعمالها، لذلك ‏تحرص المنظمة على نشر المعلومات المتعلقة بانتاج الامصال وتنظيم حفظها وتوزيعها ومراقبتها ‏ومعلوماتٍ عن أماكن وجود الافاعي السامة وتصف شكلها ولونها لتسهيل التعرف عليها وتحدد ‏الامصال المناسبة لها ومن أين يمكن الحصول عليها أو شراؤها وتُحدّث هذه المعلومات باستمرار ‏على شبكة الانترنت .. وتُقّدر المنظمة عدد الذين يلدغون سنويا بخمسة ملايين، نصفهم بلدغات ‏مسممه تقتل منهم كما ذكرنا 100 ألف شخص .‏
‏ لكن وقبل أن يدب الرعب في قلوبكم متوهمين أن خطر الافاعي محدق بكم، يقتضيني ‏الواجب أن اطمئنكم على الحقائق التالية ومن أهمها أن الرعاية الصحية الأولية التي يعيرها ‏الاردن اهتماما كبيراً قد وفرت الامصال اللازمه مجاناً لحماية المواطنين حتى أن وزارة الصحة ‏كانت تنتج الترياق المضاد لهذه السموم في مؤسسة الامصال والمطاعيم في حرم مستشفى البشير ‏بالاضافة لمطاعيم أخرى لكنها أُغلقت منذ سنوات لعدم جدواها اقتصاديا بعد أن أمكن شراء هذه ‏الامصال من الخارج باسعار منافسه، وهي متوفرة الآن في مستشفيات الوزارة، ومن المتوقع ‏تزويد المراكز الصحية الشاملة بها للاستعمال المستعجل لأن التأخر في إعطائها للملدوغ يهدد ‏حياته . ‏
من الطريف أن نعلم أن وزارة الصحه ظلت الى عهد قريب تشتري المصل من سويسرا ‏ثم تبيّن لها من تجربة اطبائها أن المنتج في ايران هو الاكثر مطابقةً لاحتياجاتنا لان أفاعيها تشبه ‏المتوطنة في بلادنا والسعر ادنى بكثير، وهناك قصتان لكيفية الحصول عليه: الأولى أن الحصار ‏الاقتصادي الذي فرضته أميركا على إيران حرمنا منه فبادرت وزارة الصحة العراقية بتزويدنا به ‏كهدية .. والثانية أن مستودع أدوية اردني يستورده من أيران لكنها تحذره من تسرّبه الى العراق ‏لاستعمال القوات الأميركية الغازية ! ‏
وبعد .. المهم في الأمر أن الرعاية الصحية الأولية مازالت في بلدنا بخير وإلا لتحوَّل ‏إسعاف الملدوغين وإنقاذهم الى (( سلعة )) خاضعة للعرض والطلب حسب الفلسفة الاقتصادية التي ‏يتبناها المروّجون لخصخصة القطاع الطبي العام وليمتْ من لا يملك الثمن ! ‏
‏ 13 /5 /2010 ‏
الرواية أم التاريخ ؟ ‏
د. زيد حمزه ‏

هذا العنوان يعبرّ عن فحوى المحاضرة التي ألقاها الدكتور خالد زياده سفير لبنان في ‏القاهرة الشهر الماضي في الجامعة الاردنية، فهو أديب واستاذ جامعي قبل أن يكون دبلوماسياً وقد ‏شكّل كتابهُ (( حكاية فيصل )) الذي صدر في تسعينات القرن الماضي النموذج لاجراء المقارنة بين ‏الرواية والتاريخ، ورغم أن أكثر الحضور لم يكونوا قد قرأوا هذه الرواية نفسها إلا أن البعض ‏‏– وقد قرأوا بالطبع سواها – استطاعوا أن يدلوا بدلوهم ويطرحوا آراءهم ليتبلور في النهاية فهم ‏مشترك يفيد بأن الرواية سردٌ لوقائع ذات عمق تاريخي، أما التاريخ فسجلٌّ للاحداث قائمٌ على ‏قواعد علمية، وحتى لا يقال إن هذا الاستنتاج تبسيط ساذج للعلاقة بين الاثنين فمن الانصاف ‏العودة للمحاضرة حيث كان رأيُ الدكتور خالد زيادة أوسع وأعمق، وجاء متفقاً مع انطباعاتي ‏التي خرجت بها من روايات عديدة اتيح لي قراءتها ففي رواية أمين معلوف (( صخرة طانيوس )) ‏عشت جزءً معقداً من تاريخ جبل لبنان أيام الحكم العثماني في القرن التاسع عشر، وفي رواية ‏إيزابيل اليندي (( أينيس يا روحي )) تعرفتُ على حقبة دامية من تاريخ اغتصاب الجيوش الاسبانية ‏لتشيلي من سكانها الاصليين، وفي (( الجنرال في متاهته )) لغابرييل غارسيا ماركيز وجدت نفسي ‏في قلب الصورة المأساوية لسيمون بوليفار المنهكِ القُوى لكنه العنيدُ المصرُّ على كفاحه وحروبه ‏من أجل توحيد دول أميركا الجنوبية مبتدئاً بكولومبيا وفنزويلا وبيرو وبوليفيا، وفي (( عزازيل )) ‏ليوسف زيدان فهمتُ بعض ألغاز التاريخ القبطي وجانباً من النسطوريه والخلاف (( الفقهي )) بين ‏الكنائس القديمة وشهدتُ عن كثب جريمة المتعصبين دينياً وهم يحرقون مكتبة الاسكندرية ويقتلون ‏ويسحلون العالمه هايبيشيا بتهمة الكفر، ثم حين قرأت (( حكاية فيصل )) لاحقاً تعاطفتُ مع هذا ‏الملك العربي إبان محنته في سوريا وقد بلغتْ ذروتها في هزيمة ميسلون .. ومع ذلك فانا لا ‏أزعم أن هذه الروايات الرائعة يمكن أن تكون بديلة عن قراءة تاريخ تلك الازمنه أو سيرة حياة ‏اولئك القادة لكني وجدت فيها إضافة فنية بالغة الأثر والتأثير فقد أدهشتني على سبيل المثال ‏‏(( حكاية فيصل )) ببساطتها وعفويتها حتى ظننت نفسي أقرأ مذكرات حقيقيه للملك فيصل يصف ‏فيها مشاعره الشخصية التي تتراوح بين الرجاء والخيبة أو النشوة حد الحماسة ثم الاحباط ‏والقنوط، أو يتحدث عن أواصر أنسانية حميمه بين ملكٍٍ وأعوانه ومستشاريه رغم ما يشوبها ‏احيانا من التوتر والشكوك وسط مظاهر النفاق والتملق !.. ولعل مازادني استمتاعاً بصدق ‏‏(( الحكاية )) ذلك المشهد الدرامي في محطة القطار في درعا التي وصلها من دمشق بعد إنذار ‏الجيش الفرنسي وقد جاء مطابقاً لما رواه لي والدي ذات مرة أنه كان هناك موظفاً في مالية ‏الحكومة الفيصليه حين رأى الملك يذرع رصيف المحطة جيئة وذهاباً في حالة من الحزن ‏والأسى .. ‏
وبعد .. فلقد قرأت كتباً كثيرة عن تلك المرحلة من تاريخ وطننا الذي مزقته اتفاقية ‏سايكس بيكو، وكان آخرها (( مذكرات عوني عبد الهادي )) عندما عمل مع الملك فيصل ‏و(( الاوراق الشخصية )) لغيرترود بيل (الخاتون) ضابطة الاستخبارات البريطانية في العراق ‏ناهيك عما كتبه لورنس أو كُتب عنه، لكن قراءة (( الرواية )) شيء آخر .. ممتع .‏
‏ ‏
‏6 /5 /2010 ‏

اختلاط الدين بالدنيا ! ‏
د. زيد حمزه ‏

‏ ‏ هل صحيح أن مناقشة الأمور الدينية ينبغي أن تكون مقصورةً على أصحابها فقط ومن هم ‏أصحابها هؤلاء ؟ وهل صحيح أننا ممنوعون من الحديث في القضايا الفقهية الخلافية وعلينا ‏التخلي عن حقنا الطبيعي في التفكير بها لانها من اختصاص العلماء فقط، ومن هم العلماء ؟ ‏ونحن نعلم كم هم مختلفون الآن وكم اختلفوا عبر العصور، ولم يكن اختلافهم كله رحمه بل سبّب ‏لبعضهم العنت وللناس من بعدهم الفرقة ؟.. ‏
حتى عهد قريب كنا نتحرج من الحديث في هذه الشؤون على الملأ وكنا نخشى الكتابة ‏فيها خشيتنا من ردود الفعل الممتدة بين اللطيفة والعنيفه ! مع أننا كنا في مجالسنا الخاصة لا ‏نتورع عن الخوض فيها وتبادل الآراء حولها كما نفعل مع كل قضايانا السياسية والاجتماعية ‏والثقافية . التي تمس صميم حياتنا، وكانت مجتمعاتنا منذ ظهور الاسلام تتميز باختلاط الدين ‏بالدنيا في ظل انظمة حكم مدنيّة ليس فيها كهنوت ولا مؤسسات دينية تتحكم في احوال الناس أو ‏تتسلط على عقولهم وقد برز في تلك المجتمعات القديمة مفكرون اجتهدوا في أنواع الفقه المختلفة ‏وكانوا جميعاً بشراً مثلنا قاموا بالدراسة والبحث لكنهم لم يدّعوا العصمة من الخطأ ولم ينزّههم ‏أحد عن الهوى والغرض .. ‏
الدنيا تغيرت والناس أيضاً تغيروا وأصبحوا اكثرَ جرأة حتى لا أقول أقل خوفاً وجبناً، ‏بعدما تراجع المنطق عند أصحاب الأصوات العالية وضعفت الحجج لدى مدّعي امتلاك الحقيقة ‏ومحترفي التسلط الفكري، ومن يتابع هذه الايام ما يجري على الساحة الصحفية من حوار ساخن ‏حول قضايا ثلاث مثارة يختلط فيها الدين بالدنيا يدرك ما أقول فقد كانت تُحسم فيما مضى بمجرد ‏صدور صوت جهة واحدة تخرس كل الاصوات الأخرى واصبحنا نرى اشتباك مختلف الآراء في ‏جدل صحي يشارك فيه عامة الناس ففي الاولى يجري استفتاء (( الغد )) حول زواج القاصرات، ‏وفي الثانية تضطر احدى (( المرجعيات )) الدينية أن تدلي بدلوها بما لا يتفق مع المألوف السائد ‏حول اجهاض الجنين المشوّه خَلقْيا، ايكون قبل أن يبلغ 120 يوما حين تُنفخ فيه (( الروح )) أم ‏بمجرد التقاء الحيوان المنوي والبويضة لتكوين (( الحياة )) ؟ والقضية الثالثه المثارة هي حق ‏المرأة في الخلع مقابل حق الرجل في الطلاق .. ‏
وبعد .. ربما يهم القارئ أن يعرف أين أقف من هذه القضايا لكن الاهم أن يعرف أن ‏اصطفافي قوي لا يتزعزع مع لغة الحوار الصحي واستنكاري لمن يدافع عن وجهة نظره بتخوين ‏اصحاب الرأي المخالف . ‏
‏ 22 /4 /2010 ‏
هل تذكرون رالف نادر ؟ ‏
د. زيد حمزه ‏

بلغ رالف نادر أوج شهرته في أميركا كناشط اجتماعي اقتصادي سياسي في ستينات ‏القرن الماضي، وكان في عنفوان شبابه حين أسس حركة حماية المستهلك التي انتشرت فكرتها ‏بسرعة مذهلة حتى بلغت العديد من دول العالم، ولما وصل صيته الى بلادنا طربنا أيضاً لاسمه ‏المتحدر من أصل عربي .. ‏
دعونا نتتبع المسيرة الفريدة منذ بدايتها عندما اكتشفت الصحافة الأميركية في ذلك الوقت ‏مجموعة من الكتاب الجادين وهم يتابعون ويبحثون عن المعلومات ويتقصون الحقائق فراحت ‏تنشر تقاريرهم واقتراحاتهم ووثائقهم وتوزعها على مختلف المراسلين ثم تؤيدهم حين يتوجهون ‏الى الكونغرس ليدلوا بشهاداتهم وكان نادر في مقدمتهم، وقد تمكن مع حلفائه من الحزب ‏الديمقراطي بين عامي 1966 – 1973 في إقرار 25 تشريعاً تتعلق بحماية المستهلك مثل قوانين ‏السلامة على الطرق، وأمان السيارات ومراقبة اللحوم والدواجن وسلامة الزيوت والمنتجات ‏الصناعية وضبط تلوث الهواء والماء والبيئة وقد نجحت تلك التشريعات في انقاذ حياة الملايين من ‏الناس بمنع الشركات الكبرى ‏Corporates‏ من الغش والتلاعب بالنوعية والمواصفات، ويذكر ‏الناس الشعار الخطير الذي طرحه نادر بالنسبة لعدم أمان السيارات ‏Unsafe at any speed ‎‏ ‏وهزّ به اركان أكبر صناعة للسيارات في العالم هي الجنرال موتورز‏G M ‎‏ التي حاولت ابتزازه ‏وتشويه سمعته بأن وضعت في طريقه أمرأة جميله لاغوائه لكن الخطة باءت بالفشل وافتضح ‏أمرها واضطرت الشركة أن تقدم له اعتذاراً علنياً !‏
وسط حماس شعبي كبير أصبح رالف نادر في تلك الأيام المجيدة رابع أقوى شخصية ‏اميركية بعد الرئيس ريتشارد نيكسون والقاضي ‏Earl Warren‏ والزعيم العمالي ‏George ‎Meany‏ وهنا تنبهتْ لخطورته آلة الكوربوربيت الجهنمية فكلفت محامي الشركات الكبرى ‏المعروف‎ Lewis Powell ‎بدراسة الأمر ووضْع الخطة الشامله لمواجهة ما اعتبرته هجوماً على ‏النظام الاقتصادي الحر، فقدمَ مذكرته الشهيرة التي وصف فيها رالف نادر بالعدو اللدود للشركات ‏وأوصى بأنشاء هيئة الBusiness Round Table ‎‏ التي رصدت أموالاً ضخمة من أجل حشد ‏الجهود لتغيير سياسة الحكومة بالنسبة للتشريعات الآنفة الذكر واعادة تشكيل الرأي العام واستخدام ‏الطرق اللازمة لاسكات صوت أولئك الناشطين المعادين لمصالح الشركات في الجامعات واجهزة ‏الاعلام، وفي نفس الوقت ايصال اكاديميين معروفين بولائهم للشركات الى مواقع اساتذة الاقتصاد ‏في الجامعات أو محللين في اهم الاذاعات ومحطات التلفزيون بعد أن أمكنَ طرد الذين يتهمون ‏الشركات بتجاوز كل الحدود الاخلاقية لتحقيق الأرباح المنفلته، كما تم إنشاء مراكز دراسات ‏وخزانات فكر ‏Think Tanks‏ وتمويلها بسخاء كبير لانتاج (( ايديولوجيات )) ترد على الناشطين ‏وتفندّ آراءهم، كما فُتحت مكاتب قانونية مختصة تتبني مصالح الشركات في المحاكم ولا تتورع ‏عن السعي الخفي لتعيين قضاة متعاطفين معها ! ‏
ويمضي كريس هيدجز ‏Chris Hedges‏ في مقاله علىI.C.H. ‎‏ في 5 نيسان الجاري ‏بعنوان (( كيف كسرت الشركات الكبرى رالف نادر .. وأميركا أيضا )) ليصل الى الحديث عن ‏الصحافة فيروي عن رالف نادر قوله (( إن جنرال موتورز وشركات البترول ومصانع الادوية ‏مارست ضغوطاً على هيئات نشر الصحف فمثلاً فرضت ‏Abe Rosenthal‏ من كندا رئيساً ‏لتحرير النيويورك تايمز التي كانت تعاني من اوضاع مالية صعبة فسخرها لخدمة تلك الشركات ‏مقابل الاعلان فيها ! وكان معروفاً بأنه يميني يكره الاشتراكية ويكره التقدميين عموماً وقد صرّح ‏بانه لا يحبني ولا يحب نعوم شومسكي ومنَعَ مقالاتنا !.)). ‏
وبعد .. فان باقي قصة رالف نادر معروفة ونهايتها المحزنة إساءة لسمعة الديمقراطية ‏الاميركية.. ‏‎ ‎‏ ‏
هذا المقال لم ينشر في الجريده
‏ 29 /4 /2010 ‏
مع المعلمين .. ولكن ! ‏
د. زيد حمزه ‏

يحتدم الجدل هذه الأيام حول السماح بأنشاء تنظيم يضم المعلمين أسوة بغيرهم من ‏أصحاب المهن الأخرى، وقبل أن أدلى بدلوي وجدت من باب التذكير أن أورد ما كتبته في هذا ‏الشأن قبل ثلاث سنوات (10 /3/2007): (( نعرف الاسباب الكامنة وراء رفض الحكومات ‏المتعاقبة للمطلب المتكرر بانشاء نقابة للمعلمين منذ خمسينات القرن الماضي ومنها على سبيل ‏المثال المخاوف الأمنية والسياسية والحديث عن مضاعفات تربوية محتملة كما نعرف اسباباً ‏مشابهة احاطت بالنقابات العمالية فتم احتواؤها وإضعافها الى درجة أن اتحادها فشل على مدى ‏نصف قرن في ادخال مادة واحدة من سطر واحد على قانون العمل تقضي بتأمين العمال صحياً ! ‏ونعرف مع ذلك أن تلك الحكومات نفسها هي التي سهّلت للمهنيين من الاطباء والمهندسين ‏والمحامين وسواهم أنشاء نقاباتهم لكن بقوانين (( خاصة )) فرضتْ إلزامية العضوية فوفرّت لها ‏وصاية مطلقة على منتسبيها بما يخالف حقوق الانسان، لكن لا أحد ينكر بأنها حققت لاعضائها ‏على الصعيد المهني والمعيشي والوظيفي الشيء الكثير الذي يدفعنا للتساؤل لماذا لا يكون ‏للمعلمين أيضا تنظيمهم ؟ أليس التعليم مهنة ؟ ومن ذا الذي يستطيع الرد بأنهم لا يستحقون أن ‏يكون لهم من يتحدث بأسمهم ويضغط من اجل تحسين ظروف عملهم ومنحهم العلاوات المختلفه ‏التي يحصل عليها المهندسون والاطباء والصيادلة العاملون في الحكومة مثلاً ؟؟ ومن ذا الذي ‏يقول بان المهندس (!) الزراعي الذي يمارس مهنة التعليم أيضاً يتميز على معلم الرياضيات أو ‏الكيمياء مادام كلاهما حاصليْن على الشهادة الجامعية الأولى (البكالوريوس) وبنفس عدد السنوات ‏الدراسية ؟ )) ..‏
ما كتبته في مقالي القديم هو موقفي المبدئي منذ عشرات السنين التي راكمت فيها خبرةً ‏متواضعة تمكنني اليوم أن اخاطب القائمين على هذا المسعى المشروع لا لكي أدلهم على مخرج ‏ينجيّهم من قرار المجلس العالي لتفسير الدستور بل لكي أسلط الضوء على حقائق ربما فاتهم ‏الاطلاع عليها : ‏
الحقيقة الاولى : في بلاد العالم ليس هناك فرق سواء أكان اسم التنظيم نقابة أم جمعية أم ‏رابطة أم اتحاداً ، الفرق في العمل والاداء وما يحققه هذا التنظيم لاعضائه .. ‏
الحقيقة الثانية: ليس هناك فرق بين أن ينشأ التنظيم بقانون يستند الى مادة في الدستور أو ‏نظام يستند الى مادة في قانون فكل منهما تشريع دستوري يتوجب تطبيقه واحترامه، أما أن ‏النقابات المهنية لها قوانين فذلك (( اختراع خاص )) استند الى الماده 120 من الدستور التي لا ‏علاقة لها بالموضوع ولا ذكر فيها على الاطلاق لكلمة نقابة الموجوده فقط في المادة 23 ‏المخصصه تحديدا للعمال . ‏
الحقيقة الثالثة: المادة الوحيدة ذات العلاقة هي المادة 16 من الدستور، الفقرة 2 ‏‏(( للأردنيين الحق في تأليف الجمعيات والاحزاب السياسية ))، لذا فان صفة (( الجمعية )) هي التي ‏ينبغي الانطلاق منها لتشكيل أي تجمع للمواطنين من أي نوع كان .. ‏
الحقيقة الرابعه: لا بد من التذكير بأن ماجاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان (المادة ‏‏23) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ( المادة 8 ) هو الحق ‏المطلق لكل شخص بالاشتراك مع آخرين في تشكيل الجمعيات تحت أي عنوان: نقابة ، اتحاد، ‏رابطة، منظمة .. الخ وحرية الانتساب اليها وبالا يُلزَم احدٌ بالانضمام لها أي ان العضوية في اي ‏جمعية ينبغي أن تظل حرة ، ولهذا الأخير معناه الديمقراطي الاصيل .. ‏
وبعد .. تُرى هل أعلنت النقابات المهنية عن موقف قوي يؤيد المعلمين ؟
‏17 / 4 / 2010 ‏

مشكلة أطباء الصحه .. والحل الغريب ! ‏
د . زيد حمزه ‏

دعوني أولاً التقط من بريد صحيفة (( الغد )) 13 /4 /2010 رسالة بسيطة معبرة كتبها طبيب ‏‏(د.عمر دهيمات) يعلّقُ على قرار وزارة الصحه القاضي بالسماح لاطباء الوزارة بالعمل مدة شهرين ‏في السعودية من أجل تحسين احوالهم المادية ! فيقول عنه: (( إنه حل مؤقت لمشكلة متفاقمه، نشكر ‏وزير الصحه عليها ولكن هذا ليس الجواب، العمل لشهرين وتحصيل 10 الاف دينار ربما يبدو ‏كفرصة ذهبية، ما سيحصل هو أن الاطباء سيتصارعون على الذهاب وعدد منهم سيقدمون استقالاتهم ‏بعد هذه الفرصة، وسيتم التعاقد معهم من وراء الكواليس، وبالطبع سيكونون من ذوي الكفاءة ‏والتخصصات النادرة، وبالتالي ستتفاقم مشكلة نقص الاطباء . الاطباء بحاجة لتحسين جذري في ‏الرواتب والسماح لهم بالعمل مساء في القطاع الخاص وهم داخل البلد وإعطاء حوافز مناسبة ‏للمتميزين منهم وتلك أفضل من حلول مؤقته تهدف لحل مشكلة في السعودية وليس الأردن ! )) ما ‏جاء في هذه الرسالة دفعني لأن أستلّ من الملف مقالا قديماً كتبته بتاريخ 11/12/1997 جاء فيه: (( ‏خلافا لما هو مُتّبع في دول العالم قررت الحكومة الأردنية عام 1965 منع أطباء وزارة الصحة من ‏مزاولة العمل الخاص خارج أوقات الدوام الرسمي فحرمتْهم أولاً من دخل إضافي مشروع حاولتْ ‏دون جدوى ان تعوضهم عنه بعلاوات مختلفة المقادير والمسميات كلفت خزينة الدولة أموالا أصبحت ‏مؤخرا عاجزة عن أدائها ! وحرمَتْ ثانياً غالبية المرضى الفقراء من كفاءات الأطباء الذين راحوا ‏يستقيلون تباعا في سعيهم المشروع من أجل دخلٍ أفضل في القطاع الخاص ، وحرمتْ – ثالثا – ‏الأطباء الجدد من فُرص التدريب المتصل المستمر على أيدي الذين سبقوهم وراكموا الخبرة والتجربة ‏قبلهم ثم استقالوا .. ‏
كانت الحجة المعلنة يومذاك أنهم – أي أطباء الصحة – غير مؤتمنين على وقت الدوام وهم ‏المؤتمنون على أرواح وأعراض الناس وأدق أسرار حياتهم الصحية ! أما السبب غير المعلن فهو ‏درء تذمر أطباء الجيش المحرومين من حق العمل الخاص بقرار قديم من جلوب باشا (( ما غيره )) ‏منذ كانت خدماتهم مقصورة على العسكريين ولم تشمل بعد عائلاتهم ! ‏
هذا الموضوع أي نظام التفرغ القسري ما انفككتُ أتحدث عنه وأطالب بتصويبه وكدت – ‏حين كنت مسؤولا – أن انجح في إصلاحه لولا المعارضة الشرسة الخفية من قبل المتعصبين للنظام ‏أو أولئك الذين فشلوا في العمل الخاص فحقدوا عليه والأنكى أن نقابة الاطباء عارضت عمل اطباء ‏الصحة في اوقاتهم الخاصة لأنه يزاحم اطباء القطاع الخاص !. أما ما أثارني للحديث عنه فهو شكّي ‏بان النظام بدأ (( يفرط )) ويجري اختراقه سرا وعلانية لكن دون قرار رسمي بتغييره أو تعديله ، ‏فأطباء الخدمات الطبية أصبحنا نراهم يمارسون العمل جهارا نهارا في بعض المستشفيات الخاصة، ‏وأطباء الجامعة الأردنية أنشئت لهم عيادات خاصة في المستشفى فلماذا يستثنى أطباء الصحة فقط من ‏حق العمل في القطاع الخاص الذي لم يتوقفوا قط عن المطالبة به والذي سوف يستبقيهم في الخدمة ‏دون ان يُحمِّل خزينة الدولة مزيدا من العلاوات وتعقيداتها !؟ .. وبعد .. فالمفارقة التاريخية ان الذي ‏كان وراء فرض ذلك النظام عام 1965 – وليس ذلك بسر – هو نفسه الدكتور عبد السلام المجالي ‏رئيس الوزراء الآن .. وكم هو نبيل وحكيم أن يأتي إلغاؤه أو تعديله على يديه ..)) .‏
من الواضح أن نظام منع اطباء الصحة من العمل الخاص لم (( يَفْرُطْ )) كما توقعتُ قبل ثلاثة ‏عشر عاماً، أما طريقة الوزارة التي اعلنتْ عنها الاسبوع الماضي لتحسين احوال اطبائها المادية فلا ‏تعليق لي عليها سوى بوصفها بالغريبة كما أنها قد لا تنجح في الاحتفاظ بالكفاءات لخدمة الغالبية ‏العظمى من مرضى القطاع العام وهو الهدف الاساسي لوزارة الصحة الذي لن يتحقق – في تقديري ‏‏– إلا بالسماح بالعمل الخاص غير المنفلت لاطبائها الذين تنطبق عليهم شروط صارمه حددها مشروع ‏النظام لعام 1986 .. ‏

الاثنين، 12 أبريل 2010

‏10 / 4 / 2010 ‏
من هم أصحاب النفوذ ؟ ‏
د. زيد حمزه

‏(( نادراً ما تُروى قصة الفلسطينين دون تشويه، لذلك تبدو عجيبة غريبة حين تعرف على ‏حقيقتها، فحتى عام 1948 كانوا يعيشون في وطنهم وعلى ارضهم، وفجأة بين عشية وضحاها ‏طردوا شر طرده في حربٍ أدت الى نشوء دولة لأناس غرباء فروا من التطهير العرقي الوحشي ‏في أوروبا، أما هم فقد كُتب عليهم أن يعيشوا في حالة من الذهول متكدسين في 20 % من بلادهم ‏التي سُمح لهم الاحتفاظ بها ! ولم يتسنَّ لهم حتى بأن يحاربوا من أجل ما ضاع منهم فاكتفوا ‏بالبكاء.. وبحلم العوده ! الى أن كانت حرب 1967 وابتُلوا هذه المرة بالاحتلال الكامل حيث باتت ‏الدبابات والجيوش تجثم على صدورهم .. ويوما بعد يوم بدأ المستوطنون يستولون على أراضيهم ‏قطعة بعد أخرى بحجة أنها أرض منحها لهم الله ! )) ‏
هذا ما جاء في مقدمة مقال كتبه يوهان هاري ‏Johann Hari‏ في صحيفة الاندبندنت ‏‏12 /3 /2010 ثم استطرد : لقد صبر الفلسطينيون على مأساتهم وهم يسمعون غولدامئير تقول ‏‏(( لا يوجد فلسطينيون )) ووصفتهم بأنهم حيوانات ، كما وصفهم مناحم بيغن بأنهم (( وحوش تمشي ‏على ساقين )) وقال اسحق شامير: (( ينبغي سحقهم كم يسحق الجراد وأن تُحطّم رؤوسهم على ‏الصخور والجدران )) وحين حاولوا أن يقاوموا سلميا بالاعتصام والعصيان المدني رد عليهم ‏اسحق رابين بأوامره الى جيش الاحتلال الاسرائيلي (( بتحطيم عظامهم )) ... [ وقد جاء في ‏‏(( القدس العربي )) 28 /12 /2009 أن القناة الثانية من التلفزيون الاسرائيلي أختارت رئيس ‏الموساد مئير داغان رجل العام 2009 في الدولة، وقال مقدم البرنامج قبل الاعلان عن أسمه إنه ‏الرجل الذي لم يقدم في حياته الا الأمور الطيبة (!) إنه الشخص الذي اشتهر بقطع رؤوس ‏الفلسطينيين وفصلها عن اجسادهم باستخدام سكين ياباني، إنه الرجل الذي ولد والسكين بين ‏أسنانه..] ‏
الآن وبعد عقود طويلة من المعاناة والعذاب لا يوجد إلا القليل الذي يستطيع الفلسطينيون ‏أن يفعلوه لتغيير أوضاعهم البالغة السوء ، فهم عمليا مجردون من السلاح عدا بضعة صواريخ ‏بدائية وصبية يلقون الحجارة ضد جيش يعتبر رابع أقوى جيوش العالم، والحكومات الغربية تدعم ‏بشكل مباشر أو غير مباشر محو فلسطين من الوجود فالاتحاد الاوروبي يقوم بذلك من خلال ‏صفقات الأسلحة مع إسرائيل وتوفير أكبر الاسواق لمنتجاتها ، والولايات المتحده تزودها بالمال ‏اللازم نقداً ! ‏
وينهي يوهان هاري مقاله: كل ما يطلبه الفلسطينيون هو حرية كالتي تطلّع اليها ‏الاسرائيليون ذات يوم، ووطن آمن خاص بهم يعلنون فيه استقلالهم .. ومن واجبنا نحن – بلايين ‏الناس الذين يشهدون أوضاعهم عن كثب – أن نضغط على حكوماتنا كي تجعل حلمهم حقيقة لا ‏مجرد صرخة في الظلام ..‏
وبعد .. صحيح أن البلايين قد شهدت مسلسل الجريمة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني ‏على مدى أكثر من ستة عقود ، لكن حكوماتها مازالت تخضع لمصالح اصحاب النفوذ الحقيقي ‏فيها .. وهم معروفون ! ‏‎ ‎
3 / 4 / 2010 ‏
عطوفة المحافِظة ؟ هذا اختراق آخر ! ‏
د. زيد حمزه
‏ لقد تعودنا في الدولة الاردنية التي ما زالت في نظري فتيّة، أن نشهد بين الحين والآخر ‏اختراقات جريئه في التعامل الحضاري مع المرأة الاردنية على أنها صنو الرجل لا كما جاء في ‏‏(( الميثاق )) فحسب بل قبل ذلك بزمان طويل انسجاماً مع روح النصوص الواردة في الاعلان ‏العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين الصادرين بموجبه .. والحديث يطول لو شئنا تبيان ‏الأمثلة التي تشع ساطعة وسط ظلام الاخفاقات العديدة في مجال حقوق المرأة وهي اخفاقات ‏يتحمل المجتمع الاردني وزر عدم تحدّيها ويتحمل البرلمان الاردني الضلوع في بعضها كما ‏تتحمل الحكومات المتعاقبة مسؤولية التردد والخوف في مواجهتها .‏
في الشهر الماضي تفاجأ الاردنيون بسيدة وسيمة تستقبل جلالة الملك في جرش وتظهر ‏الى جانبه منفرجة الاسارير وهي تتحدث بثقة عن قضايا هذه المنطقة من بلدنا وتشرح لجلالته ‏جوهر المشاريع التي تتصدى لها، إنها السيدة رابحه الدباس حاكمة جرش ‏‎( Governess )‎‏ أي ‏التي تدير شؤون المحافَظَة، والمحافظة هي التسمية الرسمية للمقاطعة أو المنطقة التي نقلناها عن ‏غيرنا وقبلناها على مضض مع أنها لغوياً ضعيفة ففعل حافَظَ يُحافظُ غير متعدٍّ كفعل حَكَم يحكُمُ ‏لذلك يُتبع بحرف الجر ((على)) .. ومن هنا نقبل أن نقول إنها محافِظة جرش وليست محافِظ جرش ‏كما شاء الاعلام في ذلك اليوم ان يحرمها من تاء التأنيث عنوةً واستلابا كما فعل مع الأمينة ‏العامه والقاضية والنائبه وغيرها من الصفات والالقاب بشكل انتقائي فظ لا علاقة له باللغة أو ‏المنطق بل مرده – في تقديري – لبقايا الذكورية الكامنه في اعماق بعض النفوس ! ‏
لقد اقتحمت المرأة الاردنية العديد من مجالات العمل والنشاط التي كانت حكراً على ‏الرجال بعدما توهّم الناس ولردح طويل من الزمان أنها غير قادرة على القيام بها كقيادة الطائرات ‏وسلك القضاء، حتى الجيش وجدناها تعمل في بعض أسلحته التي تحتاج لجسارة فائقة فكان منها ‏المظليات مثلاً، ودخلت أجهزة الأمن والمخابرات وأبلت فيها بلاءً حسناً .. ‏
أما اختيارها الآن للعمل كمحافِظة فله رنة خاصة في أذني وصدى آخر عميق في أوساط ‏المجتمع كله ، والذين يعرفون جيداً نوع المهام الجسام التي سوف تتعامل معها المحافِظة والقضايا ‏الحساسة التي سوف تواجهها يدركون تماما ما أقول ويعتبرونه تحدياً ليس لها فحسب بل لكل ‏الذين سوف يأتمرون بأمرها او أولئك الذين يلجأون لها لحل مشاكلهم وأولئك الذين تقضي أعمالهم ‏ومشاريعهم ونشاطاتهم العودة لها للحصول على موافقتها أو بيان موقفها .. ‏
لكن الأهم من ذلك في تقديري هو أن امرأة أردنية سيكون لها لاول مرة ربما في تاريخ ‏العرب جميعاً دور في حل القضايا والنزاعات العشائرية وما يصاحبها ويتبعها من جاهات ‏وعطوات وجلوات وديّات ومن خلال ذلك سوف تتهاوى كثير من المسلمات الاجتماعية التي لم ‏يعد العصر يقبلها وقد آن الأوان لاستبدالها بما هو منطقي وعقلاني من دون أن يخرج على قواعد ‏الامانة والاستقامة والخلق . ‏
وبعد .. لقد تسلمت المرأة مواقع عديدة كانت محرمة عليها ولكي نكون منصفين ينبغي ‏الحكم عليها في ادائها كما الحكم على الرجل ، فالكفاءة هي المعيار وليس (( الجندر )) وإلا كنا ‏منافقين نخفي في داخلنا ذكورية توارثناها عبر قرون وقرون ! ‏

الأربعاء، 31 مارس 2010

27/3/2010

احقاً يمكن للمكارثية أن تعود ؟ ‏

‏ ‏
‏ ليس اجتهاداً مني كتبت فيما مضى عن عودة المكارثية الى أميركا بل تعليقاً على ما جاء ‏في كتاب ‏Take Over ‎‏ لمايكل سافيج وبعد ذلك عن وصولها الى اسرائيل كما كتب العديدون في ‏الاوبزرفر والاندبنديت البريطانيتين، واليوم اجدني اكتب مرة أخرى بعد أن قرأت لجو كاناسون ‏Joe Canason ‎‏ (الذي يكتب عادة للنييويورك أوبزرفر) مقالاً بعنوان (( المكارثية الجديده )) في ‏موقع ال ‏Inf. Cl. House ‎‏ 11 /3 /2010 جاء فيه: الجنون المتمسّح بالوطنية الذي عُرف ‏بالمكارثية بدأ قبل ستين عاماً في ويلنغ / فرجينيا الجنوبية عندما لوّح جوزيف مكارثي بقائمة ‏احتوت على 57 أسماً من موظفي وزارة الخارجية الاميركية وصفهم بأنهم شيوعيون وخَونَه وفي ‏آخر المطاف اكتشفت أميركا حقيقة القائمة المشهورة التي لوّح بها وأنها كانت مختلقه أي كان ‏كذّابا غوغائيا وفوق ذلك مدمن على الخمر ! ولم تكن الحملة المكارثية بالطبع وطنية بل كانت ‏تخدم اغراضاً شخصية وقد احدثت ضرراً بالغاً على مجمل السياسة الاميركية وعلى السمعة ‏الدولية للولايات المتحدة. لكن يبدو أن ورثة مكارثي في هذه الايام اشد مكراً وأقدر على التلاعب ‏بالالفاظ أما وسائلهم فهي نفس الوسائل الدنيئة، خذ مثلا اليزابيث تشيني ووليام كريستول ‏وحلفاؤهما من الاعلاميين وهم يتهجمون اليوم على المحامين المعتمدين من وزارة العدل الذين ‏وكلتهم للدفاع عن متهمين بالارهاب من المعتقلين في معسكر غوانتانامو ويتهمونهم زوراً بأنهم ‏أصبحوا عملاء (( للقاعدة )) ! كما أن هناك جماعة تدعى ‏‎(( Keep America Safe )) ‎‏ تهاجم ‏هؤلاء المحامين وتشكك في وطنيتهم وكأنهم فعلاً يشاركون رجال القاعدة عقيدتهم ، وهجوم هذه ‏الجماعه يطال في نفس الوقت الرئيس أوباما وإريك هولدر النائب العام .. ‏
‏ إن الاستقامة والعدل هي من القيم التي يشترك في اعتناقها معظم الاميركيين لكن هذه ‏الحمله الدنيئه تخرق تلك القيم فلو كان كل محام يدافع عن متهم بالارهاب يعتبر بهذا التصنيف ‏متعاطفا مع الارهاب فان ذلك يعني أن نظامنا القضائي قد أصبح موضع شك وريبه فالعدالة في ‏كل الدنيا تتطلب وجود محام لكل متهم بجريمة أياً كان نوع الجريمه .‏
ولكي يبعث جو كوناسون الأمل في النفوس يذكّر مواطنيه بأن نفراً من الاميركيين ‏الشرفاء تمكنوا ذات يوم من إزالة شبح المكارثية الرهيبة عن البلاد بايقاف مكارثي عند حده إذ ‏تقدموا الى الكونغرس بقرار لوم موجّه له على أفعاله وألاعيبه ومؤامراته ، ويمضي الكاتب: لقد ‏شهدنا الاسبوع الماضي لحظة صدق جديدة حينما تقدم تسعة عشر محاميا بارزاً من الجمهوريين ‏وبضمنهم كينيث ستار ‏Kenneth Starr‏ وآخرون من الذي كان قد عينهم بوش في وزارتي ‏العدل والدفاع ، بمذكرة تستنكر نشاطات ومساعي جماعة ‏Keep America Safe ‎‏ الظالمه ‏والمشينه والمخرّبه ..‏
وبعد .. في مقال سابق انتهيتُ للقول : (( يبدو أن المكارثية كامنه في نفوس اعداء ‏الديمقراطية وحقوق الانسان الموجودين في كل بلاد العالم والجاهزين دائماً لاتهام الآخرين بخيانة ‏الوطن .. دون دليل ! )) واليوم لا أزيد . ‏


20/3/2010

في تايلاند عام 1988 ‏
د. زيد حمزه

‏ حينما سلّمُت الدكتور آمون الطبيب المسؤول عن قسم الابحاث والدراسات في وزارة ‏الصحة التايلاندية جائزة منظمة الصحة العالمية في جنيف في 16 /5 /1986 لم أكن قد ‏استوعبت حجم العمل الرائد الذي انجزه حتى استحقها، وحينما زارني في مكتبي في عمان السنة ‏التالية 1987 ضمن وفد من المنظمة العتيدة لبحث نظام الرعاية الصحية الذي حقق في الاردن ‏انتشاراً واسعاً خلال فترة زمنية وجيزه، رجوته أن يشرح لي مشروعه عن (( القرى النموذجية )) ‏لعلنا نفيد من تجربته بعدما علمت من حيثيات الجائزه أنه طُبق بنجاح في أكثر من ألفين ومائتي ‏قرية في أقل من ثلاث سنوات.. بعد ذلك بشهور قليلة تلقت وزارة الصحة دعوة من منظمة ‏الصحة العالمية لتشكيل وفد متعدد الاطراف ( الصحة والزراعه والاعلام والجامعات والمجتمع ‏المدني ) لزيارة تايلاند والاطلاع على ما تم أنجازه على ارض الواقع وذلك كجزء من برنامج ‏كبير أُعدّ لوفود أخرى من دول منطقة شرق المتوسط لنفس الغرض ..‏
في 5 /1/ 1988 التحقت بالوفد الاردني المكون من د. سليمان الصبيحي ود. سليمان ‏قبعين ود. سعد حجازي وده. سيما بحوث وده. هيفاء أبو غزاله ود. غصوب العسلي وده. عيدة ‏المطلق وهاني الفرحان في مدينة صغيرة تبعد عن العاصمه التايلاندية مسافة مائة كيلومتر ‏بالسيارة وقد توجهنا في صباح اليوم التالي الى احدى القرى التي شملها برنامج آمون ، ومشياً ‏على الاقدام كان تجوالنا فيها وأول ما لفت نظرنا النظافة التامة في الشوارع والمدارس والبيوت، ‏ونظافة وبساطة وأناقة ملابس سكان القرية رغم فقرهم، كما لاحظنا التزام ممثليهم وانتظامهم في ‏اللقاء اليومي لتبادل الملاحظات والاستماع للانتقادات قبل توجّه كل منهم الى عمله في المدرسة أو ‏المركز الصحي او الجمعية التعاونية أو البلدية أو الحقل، وكان الراهب البوذي يستعمل مذياع ‏المعبد لنقل وقائع الاجتماع وخاصة فيما يتعلق بالتوعية الصحية والاجتماعية . ‏
عدنا من تايلاند متحمسين لتطبيق المشروع في الاردن سيّما وأنه لا يحتاج لتكاليف تذكر ‏بل يوفر على الدولة نفقات أخرى في الصحه والتربية والزراعة ويمكن جنيُ ثماره في وقت ‏قصير.. لكن .. ما أن بدأنا بإعداد خطة (( عمل الفريق )) الذي يضم عدة أطراف في الدولة ‏والمجتمع المدني حتى تقدمت هيئة من تلك التي تُسمّى مؤسسات مستقلة ماليا واداريا وطلبتْ أن ‏تقوم بمهمة تنفيذ المشروع ربما ظناً منها أن وراءه تمويلاً أجنبياً كبيراً ! ووافق بعض المسؤولين ‏على طلبها وسط أوهام تفيد بأن التحرر من الروتين والبيروقراطية أو على الأصح العمل خارج ‏الرقابة الادارية المتمثلة في ديوان الموظفين والرقابة المالية المتمثلة في ديوان المحاسبة سوف ‏يجعل تطبيق المشروع أسهل وأسرع .. لذلك لقد كان المتوقع أن ينجح المشروع في مئات القرى ‏الاردنية خلال وقت قياسي لتوفُّر البنية التحتية الجيدة التي تفتقر لها القرى التايلاندية لكن التوقع ‏شيء والواقع شيء آخر بعيد عنه كل البعد رغم مرور أثنين وعشرين عاماً !. ‏
وبعد .. إلى متى نعيش خدعة المؤسسات حيث لا مساءلة ولا محاسبة رغم الانفاق عليها ‏من خزينة الدوله !؟ ( ملاحظة : بالصدفة يتقاطع هذا المقال مع حديث رئيس الوزراء قبل أيام ‏عن تلك المؤسسات ). ‏

الأحد، 14 مارس 2010

‏13 / 3 / 2010 ‏
الرجوع عن الخطأ .. فضيلة ديمقراطية ‏
د. زيد حمزه

ليس صحيحاً أن النقد في بلدنا لا يجدي وأن ما تكتبه الصحف اعتراضاً على خطأ ما ‏يذهب ادراج الرياح وبالمقابل ليس أدعي الى الاحباط من القول الدارج (( ماحدا قاري ورق )) ! ‏ففي جعبتي العديد من الأمثلة على قضايا عايشتها وعالجتها بالكتابة الصحفية وسعدتُ بنتائجها ‏الايجابية وحتى لا أذهب بعيداً في الماضي المنسيّ أضربُ مثلا طازجاً هو مشروع قانون ‏الاخطاء الطبية الذي طُرح لاول مرة قبل سنوات عديدة واستمر وزراء الصحة المتعاقبون ‏يعرضونه للنقاش المفتوح في اجتماعات المجلس الصحي العالي ولا بد أنهم وسواهم من ‏المسؤولين المعنيين كانوا في نفس الوقت يُصغون بطريقة او بأخرى لما يقوله عنه المختصون ‏والمهتمون في الندوات العامه أو الحوارات التلفزيونية أو الصحف وذلك بحد ذاته سلوك ‏ديمقراطي حميد خصوصاً بعد ما تبيّن لهم ألاّ احد ضد مساءلة طبيبٍ يخطئ فيُحدث ضرراً ‏لمريضه أو يتسبب له بعاهة أو اعاقة او يودي به الى الموت، سواء كان هذا الخطأ إهمالاً أو ‏نقصاً في المعرفة أو ضعفاً في الحذق . ‏
ولقد تمثل تجاوب المسؤولين بتعديلٍ مهمٍّ ظهر في مشروع القانون لسنة 2007 إذ ألغيت ‏المادة التي كانت تُلزم الاطباء بأن يؤمّنوا أنفسهم لدى شركات التأمين لتغطية التعويضات الناشئه ‏عن ممارسة عملهم (على نمط التأمين على السيارات !)، وقد اعتبُر هذا الالغاء رجوعاً عن الخطأ ‏بعد الاتهامات التي وُجِّهت للمادة بأنها انصياع لاوامر صندوق البنك الدولي واتفاقية التجارة ‏العالمية، أو مجرد اعجاب البعض بأنظمةٍ مشابهةٍ في الدول الغربية ثبت مع الزمن أنها خّربت ‏العلاقة الانسانية بين الطبيب والمريض وحوّلتها الى علاقةِ تربُّصٍ واقتناصٍ وابتزاز لأن الهدف ‏الحقيقي زيادة ارباح تلك الشركات . ‏
لكن يبدو أن هذا الالغاء لم يكن جذريا فقد استبُدلت شركات التأمين بصندوق في نقابة ‏الاطباء (( يسمى صندوق المسؤولية الطبية لتغطية الاضرار الناشئه عن ممارسة الطبيب لعمله )) ‏ولقد قلنا وقال غيرنا الكثير في انتقاد هذا البديل الذي اقترحَتْه النقابة بحسن نية ربما تخلصاً من ‏مأزق تسليم رقاب الاطباء لشركات التأمين، فهو في نظرنا تورّطٌ محفوف بالمخاطر وعبٌء مالي ‏يقع على اكتاف كل اطباء هذا البلد ولم تُستشر فيه الهيئة العامه بأغلبية حقيقيه تبلغ الآلاف وليس ‏بالنصاب القانوني لأي عدد لا يتعدى ستين طبيباً في الجلسة الثانية !، ولو أُجريتْ اي دراسة ‏اكتوارية لقالتْ بعدم جدواه ولتنبأت بافلاسه في زمن قصير كي تتلقفه وتشتريه عندئذ شركات ‏التأمين فنعود الى سيطرتها من جديد ! هذا بالاضافة الى الاعتراض القائل: لماذا يدفع كل أطباء ‏المملكه وفيهم عدد كبير من محدودي الدخل كأطباء الحكومه ثمن أخطاء بضعة جراحين، هم ‏عادة في القطاع الخاص ومن ذوي الدخل العالي، يستطيعون لا بل عليهم وحدهم أن يتحملوا ‏عقوبة التعويض أو سواه .. ويمكن الاستنتاج بأن التجاوب مع هذه الانتقادات كان السبب المنطقى ‏لالغاء صندوق النقابة فآخر مشروع لقانون المسؤولية الطبية لسنة 2009 الذي وزعه علينا ‏المجلس الصحي العالي الشهر الماضي لمناقشته في اجتماع قريب خلا تماماً من هذه الماده.‏
وبعد .. إننا ونحن نثني على الروح الديمقراطية التي تجلت في طرح مشروع القانون ‏على المناقشة الحره لَنؤكدُ من جديد اننا مع المساءله لا ضدها وأن مرجعها الحقيقي هو القضاء ‏فمحاكمنا ومنذ تأسيس الدولة الاردنية كانت وما زالت تحكم على الطبيب المخطئ حين تدينه إما ‏بالسجن أو بالتعويض على المريض المتضرر بالمبلغ الذي تراه مناسباً لا الذي تحدده شركة ‏التأمين أو أي صندوق آخر بديل ! وأن على نقابة الاطباء أن تتفرغ لمعالجة ومتابعة شكاوى ‏المرضى من سلوكيات اعضائها بتطبيق حازم لدستورها الطبي، وعلى وزارة الصحه حسب ‏قانونها أن تحاسب المستشفيات الخاصه على ما يضج منه المواطنون كل يوم من مبالغات في ‏الاجور ومن استغلال ماديّ متمثل في كثرة استخدام الفحوص المخبرية والصور الشعاعية وبعض ‏الاجهزة التشخيصية الحديثة المكلفة بهدف (( تسمين )) الفاتورة النهائية ، ناهيك عن الاحتماء ‏اعلامياً وراء دور هذه المستشفيات في رفد الاقتصاد الوطني بدخل هائل(!) من وراء .. ‏‏(( السياحة العلاجية )) ! ‏

السبت، 6 مارس 2010

‏ ‏ 6 /3 /2010 ‏
‏ ‏
إنهم يسرقون .. حتى السمك !‏
د. زيد حمزه

أتحدث اليوم عن المقابلة التي اجراها ميشيل كولون ‏Michel Colon‏ وغريغوار لالو ‏Gregoire Lalieu‏ على موقعهما في 10 شباط 2010 في سلسلة من مقابلات (( لفهم العالم ‏الاسلامي )) مع محمد حسن وكانت حول الصومال وكيف دفعته القوى الاستعمارية الى حالة من ‏الفوضى الشامله، فمن هو أولاً محمد حسن هذا ؟ إنه خبير في شؤون العالم العربي من الناحية ‏الجيوسياسية، ولد في اديس أبابا (أثيوبيا) وشارك في بلده حين كان طالباً في الثورة الاشتراكية عام ‏‏1974 وقد درس بعد ذلك العلوم السياسية في مصر قبل أن يتخصص في الادارة العامه في ‏بروكسل ، وحين أصبح موظفاً في السلك الدبلوماسي عمل في سفارات أثيوبيا في كل من واشنطن ‏وبيجين وبروكسل وشارك في تأليف كتاب (( احتلال العراق )) عام 2003 وعدة كتب أخرى عن ‏القومية العربية والحركات الاسلامية .. ‏
يقدم الكاتبان للمقابلة بالقول : (( تَوفرَّت للصومال كل اسباب النجاح من موقع جغرافي ‏متميز ونفط ومعادن خام وديانة واحده ولغة واحدة لجميع من فيها (مع تنوع ثقافي واسع) وتلك ‏بمجملها تشكّل ظاهرة نادرة في افريقيا كان من الممكن بموجبها أن يصبح الصومال قوة كبرى في ‏المنطقة لكن الحقيقة المائلة مختلفة تماما، فالمجاعة والحروب القبلية والنهب والسلب والقرصنة هي ‏الحالة السائدة فيه فكيف حدث هذا التدهور المروّع ؟ لماذا ليس هناك حكومة صومالية حتى الآن ‏ومنذ عشرين عاماً تقريبا ؟ ما هي الخفايا وراء أولئك القراصنة الذين يخطفون سفننا ؟ في هذه ‏الحلقة الجديدة من سلسلة مقابلاتنا حول (( فهم العالم الاسلامي )) يشرح لنا محمد حسن أيضاً لماذا ‏وكيف طبقت القوى الامبريالية نظرية الفوضى ..)) ‏
من ناحيتي سوف اقتطف من المقابلة فقط ما جاء حول القرصنة الصومالية ومن هم أولئك ‏القراصنة الذين دوّخوا أساطيل الدول الكبرى في السنوات الأخيرة وقد كان جواب محمد حسن على ‏النحو التالي: منذ عام 1990 لم تعد هناك حكومة في الصومال وأصبحت البلاد في أيدي أمراء ‏الحرب ، وقد اغتنمت سفن الصيد الاوروبية والآسيوية الكبيرة المتخصصه فرصة هذه الحالة ‏الفوضوية وراحت تقوم بصيد الأسماك على طول الساحل الصومالي دون أي ترخيص أو أي ‏احترام لأبسط القواعد المرعية، ولم تراع حتى نظام الحصص المطبق في بلادها لحماية النوع ‏‏(الاحياء المائيه) فاستخدمت وسائل وطرقاً عنيفة في الصيد – ألى حد استعمال المتفجرات – أدت ‏الى تدمير واسع للثروة البحرية الصومالية فلم يعد بأمكان الصيادين الصوماليين البسطاء الذين كانت ‏لديهم وسائل بدائية لصيد السمك أن يعملوا ويجنوا رزقهم بعد أن سرقت شركات الصيد الكبرى ‏اللقمة من أفواههم، ولمقاومة هذا الوضع البائس والمصير المحتوم قرروا أن يتحولوا الى قراصنة ‏كي يحموا أنفسهم ومياههم، وهذا بالضبط ما لم تتورع الولايات المتحدة نفسها عن القيام بمثله خلال ‏الحرب الاهلية ضد البريطانيين ( 1756 – 1763 ) حين اضطر الرئيس جورج واشنطن الذي لم ‏يكن لديه اسطول يدافع به عن شواطئه أن يعقد اتفاقية مع عصابات القراصنة (!) للمحافظة على ‏الثروة البحرية الاميركية ..‏
وبعد .. أما باقي القصة المأساوية لهذا البلد العربي الذي كان أول من طُبقت عليه ‏‏(( نظرية الفوضى )) بعد أن أقرها اجتماع لمنظمة غير رسمية تدعى (( نادي السفاري )) ضم شاه ‏أيران وموبوتو ودولتين عربيتين وأجهزة مخابرات فرنسية وباكستانية عام 1977 وكان الغريب ‏حضور هنري كيسنجر دون أن تكون له في ذلك الوقت صفة حكوميه ! وقد جرى فيه استمالة ‏سياد بري رئيس الصومال آنذاك مع وعده بمساعدات سخية مقابل التحول عن تحالفه مع الاتحاد ‏السوفيتي .. فذلك ما يحتاج لمقال آخر ! ‏
‏ 27 /2 /2010 ‏
عن نعومي خازان مرة أخرى
د. زيد حمزه

ليس بالصدفة ولا توارد الخواطر بل من الواقع وتوارد المعلومات يظهر مقال في ‏الاوبزيرفر البريطانية يوم الاحد 21 /2 /2010 أي في اليوم التالي لمقالي السبت 20/2/2010 ‏ويتحدث عن نفس الموضوع الذي ناقشت فيه الجو السياسي المتوتر الذي أصبح يسود اسرائيل ‏مؤخراً فيفضي الى الانفعال في ردود الفعل الرسمية الحادة على الهيئات أو الناشطين السياسيين ‏الذين يتجرأون على انتقاد حكومتهم أو مؤسستهم العسكرية باتهامهم – وهم مواطنون من الدرجة ‏الاولى – بانهم يتنكرون لشرعية الدوله ! وقد ضرب كاتب المقال على ذلك نفس المثل الذي ‏أوردته في مقالي حول الهجوم الشديد الذي تعرضت له نعومي خازان كما كتب ‏Donald Macintyre‏ في الغارديان البريطانية 13 /2 /2010 وهي النائبة السابقة في الكنيست ‏والمختصه المرموقة في العلوم السياسية التي كانت تكتب عموداً منتظماً في صحيفة الجروسالم ‏بوست على مدى الاربعة عشر عاما الماضية وكيف أوقفت عن الكتابة واتهُمت بأن صندوق ‏اسرائيل الجديد ‏New Israel Fund‏ الذي ترئسه يخدم بطريقة غير مباشرة اجندة ايران وحماس ‏حين يقدم الدعم المالي لجماعات حقوق الانسان في إسرائيل التي تتحدى وتفضح تجاوزات ‏ترتكبها حكومة البلاد واجهزتها الأمنية كما أن هذه الجماعات زوّدت القاضي الجنوب أفريقي ‏ريتشارد غولدستون ببيانات ومعلومات ساعدته على إصدار تقريره المعروف الذي رفضته ‏اسرائيل واحتجت على ما جاء فيه وأساء لسمعتها في العالم .‏
كاتب مقال الأوبزيرفر هو روري مكارثي الذي لا علاقة له البته بسيء الذكر جون ‏مكارثي السناتور الأميركي الذي أشرت له في مقالي واشتُهرت باسمه (( المكارثية )) وهي الحملة ‏القمعية المناهضة للحريات التي قادها في أميركا في خمسينات القرن الماضي، فتشابُهُ الاسميْن ‏مصادفةٌ عكسية بحته ! وهو أي روري مكارثي مراسل الغارديان في القدس وقد كتب مقاله ‏الاخير قبيل مغادرته لاسرائيل بعد أن قضى فيها اربع سنوات وقد سلطّ فيه الضوء على ظاهرة ‏تَشنُّج إسرائيل تجاه اي اختلاف معها في الرأي وبيَّن ان جواً مختلفاً يسود الاسرائيلين الآن وقد ‏باتوا يشعرون بأنهم يعيشون في عالم لم يعد متعاطفاً معهم كما كان في السابق خاصةً بعد اهانة ‏أيالون نائب وزير الخارجية للسفير التركي واضطراره للاعتذار فيما بعد، وبعد رفضِهِ استقبال ‏وفد الكونغرس الأميركي لانه جاء مع اعضاء من ‏‎ J Street‏ وهي جماعة ضغط أميركية يهودية ‏شعارها (( مع اسرائيل لكن مع السلام )) وسياستها تتعارض مع سياسة جماعات اللوبي الصهيوني ‏المعروفه مثل الايباك وأخيراً بعد غضب بعض الدول الأوروبية التي استخدم قتلة المبحوح ‏جوازات سفرها .‏
لعل اخطر ما في مقال الاوبزرفر هو أن التساؤل والاعتراض يأتي في إسرائيل احيانا ‏من جهات لا تخطر على البال أبداً فمثلاً (( مجموعة كسر الصمت )) ‏Breaking the Silence‏ ‏التي يدعمها صندوق اسرائيل الجديد (نعومي خازان) هي منظمة شكلّها جنود سابقون في الجيش ‏يطالبون بحوار وطني عام حول (( الثمن الاخلاقي )) الذي يدفعه المجتمع الاسرائيلي مقابل ‏الاحتلال ! ويجمعون من أجل ذلك شهادات من الجنود عن تجاربهم الفظيعة وهؤلاء بالطبع لا ‏يمكن التفكير بأنهم معادون لاسرائيل ..‏
وبعد .. قبل النشر وصلني مقال جديد حول نفس الموضوع وبعنوان ((المكارثية الجديدة ‏في إسرائيل)) مؤرخ في 24 /2 /2010 يتحدث فيه من مقره في الناصره جوناثان كوك على ‏موقع‎ ‎‏ ‏Information Clearing House‏ عن مشروع قانون جديد اعدته لجنة وزارية مصغره ‏وسوف يعرض على مجلس الوزراء الاسبوع القادم والهدف منه التضيق على جماعات حقوق ‏الانسان في إسرائيل ! ‏

‏20 /2 /2010 ‏

هل وصلت المكارثية الى اسرائيل ؟
د. زيد حمزه

‏(( المكارثية )) نسبة للسناتور الاميركي سيء الذكر جوزيف مكارثي بعد أن قاد في خمسينات ‏القرن الماضي حملة مسعورة من اتهام الاميركيين المعارضين بعدم الولاء للوطن الى حد الاعتقال ‏والسجن تحت ذريعة الخطر الاحمر والخوف من الشيوعية وتبين أنها كانت حملة غير قانونية وأن ‏التهم بلا أدلة فقد أُبطلت جميعها فيما بعد .. وقد أخذت المكارثية يومذاك أشكالاً متعددة من الاعتداء ‏على الحريات الخاصة والعامه كالتنصت على التلفونات والمراقبة واقتحام البيوت وتفتيشها في غياب ‏ساكنيها ووصل الأمر حد حرق الكتب والصحف في الساحات العامه ومنع بعض النقابيين الناشطين ‏من التقدم لانتخابات نقاباتهم وملاحقتهم في عيشهم والتشهير بهم والايعاز بعدم تشغيلهم أو حرمانهم ‏من حقوقهم لدى أصحاب العمل ، حتى نقابات المهن السينمائية لم تَسلمْ من الحمله وقد شاع سراً اسم ‏الممثل الفاشل رونالد ريغان كعميل لمكتب التحقيقات الفدرالي ‏F.B.I‏ يتجسس على زملائه فينقل ‏أخبارهم وأفكارهم ويتسبب بالتالي بحجب فرص العمل عن كل من كان لديه اتجاه سياسي معارض أو ‏يساري أو اشتراكي .. ‏
لكن لماذا الحديث عن المكارثية الآن وقد مضى على عهدها الأسود نصف قرن ونيفّ ؟ ‏الجواب ليس لأنها لا تفتأ تظهر في صور أخرى كلما وجد اليمين الأميركي نفسه بحاجة لقمع قوى ‏المعارضة وتكميم أفواه المثقفين كما جاء في كتاب مايكل سافيج ‏Takeover‏ وكيف كان جورج بوش ‏وديك تشيني يوجهان عملية اعادة صياغة القوانين في الكونغرس كي تخدم هذا الغرض الخبيث ، ولا ‏لأن قانون الباتريوت نفسه الذي أُقحم على التشريعات الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وسَمَح ‏بالتجسس على المواطنين ومَسَخَ العديد من الحريات المدنية التي كانوا يتمتعون بها في ظل الدستور ، ‏ولا لأن المكارثية قد وصلت بلادنا العربية على حين غره فهي موجودة فيها دائماً تحت مسميات ‏مختلفة وبطرق (( قانونية )) ابتدعتها الحكومات وباركتها برلماناتها التي لها (( اتحاد عربي )) عتيد ! ‏بل لأنها وصلت أخيراً الى إسرائيل التي ظلت تتباهى – ومعها المخدوعون بها – بأنها قلعة ‏الديمقراطية وحصن حقوق الانسان في الشرق الاوسط الغارق في الأنظمة الشمولية أو الثيولوجية أو ‏العائلية، وهي تكتسحها الآن كما يكتب من القدس دونالد ماسنتاير ‏Donald Macintyre‏ في ‏الاندبندنت البريطانية (13/2/2010): (( أن المزاج المتوتر يفضي الى الرد الحاد على أولئك الذين ‏يتجرأون على انتقاد المؤسسة العسكرية أو الاختلاف مع السياسية الاسرائيلية الرسمية باتهامهم بانكار ‏شرعية الدولة ))، فمثلا أستاذة الجامعة نعومي خازان (63 سنه) النائبة السابقة في الكنيست ‏الاسرائيلي ورئيسة (( صندوق اسرائيل الجديده )) الذي حصل على مدى ثلاثين عاماً على تبرعات من ‏الولايات المتحدة وبريطانيا بلغت أكثر من 200 مليون دولار وقام بتوزيعها على 800 من مجموعات ‏حقوق الانسان أو جمعيات خيرية واجتماعية وهي التي (( تحب وطنها إسرائيل دون تحفظ على حد ‏تعبيرها )) ومعروف أنها صهيونية الفكر تعتقد بان اسرائيل لها حق البقاء كدولة ديمقراطية بغالبية ‏يهودية كما أن للفلسطينيين الحق في دولة غالبيتها فلسطينيون .. جرى فصلها ككاتبة عمود في ‏الجروسالم بوست بعد 14 سنة من العمل فيها واتُهمت في مقال بالجريدة وُزِّع على الصحفيين ‏الاجانب من قبل مكتب الصحافة الحكومي (( بأنها تخدم اجندة إيران وحماس )) ! كما اتهمتها ‏الجماعة اليمينية ‏Im Tirtzu ‎‏ أنها كانت وراء تقرير غولدستون بتزويده بمعلومات وبيانات جماعات ‏حقوق الأنسان التي ترعاها.. وقد دافع عنها الوزير العمالي في الائتلاف الحكومي اسحق هيرتزوغ ‏ووصف التعسف ضدها بالمكارثية ، أما خازان نفسها فتقول: هناك هجمة على الديمقراطية لخنق ‏الاصوات البديلة ، والاكثر خطورةً اعتبار النقد خيانة وخلف ذلك يقف أولئك الذين لا يريدون تسوية ‏سياسية ولا يريدون سلاماً، ويسعون لإلغاء شرعية حركة حقوق الانسان .. لقد أجْرتْ اسرائيل تحقيقاً ‏في كل الحروب التي خاضتها منذ 1973، لكن هذه هي المرة الأولى (الحرب على غزه) التي لا ‏تُجري فيها مثل هذا التحقيق .. ‏
وخازان التي تتعرض الآن لهجوم كاسح من المنظمات اليمينية ترحب بأن تحقق معها لجنة ‏من الكنيست وفي نفس الوقت تطالبها بأن تحقق في تمويل تلك المنظمات التي تتلقى مساعدات ‏مشبوهه من الخارج خاصة ‏Im Tirtzu‏ التي قبض رئيسها أموالاً من كنيسة جون هاجي ‏John ‎Hoggi Ministries‏ التي صرح مديرها القس الايفانجيلكي المتشدد علنا بأن الهولوكوست كان نعمة ‏من الله أدىّ الى خلق دولة إسرائيل !! ‏
وبعد .. يبدو أن (( المكارثية )) كامنه في نفوس أعداء الديمقراطية وحقوق الانسان الموجودين في كل ‏بلاد العالم والجاهزين دائماً لاتهام الآخرين بخيانة الوطن .. دون دليل !‏

الأربعاء، 17 فبراير 2010

صدر اول كتاب للدكتور

مذكرات زيد حمزة عن أمانة عمّان



عمان- الرأي- بدأت مديرية الثقافة في أمانة عمّان الكبرى إصداراتها الجديدة من الكتب، في ضوء عملية تطوير الشكل والمضمون التي انتهجتها مؤخراً، بإصدار مذكرات د.زيد حمزة، النقابي والكاتب ووزير الصحة الأسبق. يقع الكتاب في 284 صفحة من القطع المتوسط، وتشتمل على عدد وافر من الصور الملونة والوثائق.
صنّفت المذكرات ضمن سلسلة «المذكرات الوطنية»، وهي إحدى الحقول السبعة التي ستتوزع عليها منشورات الأمانة، إلى جانب حقول: الآداب، الفنون، العلوم، التربية والأسرة، الفكر والمجتمع، التاريخ والجغرافيا، حيث سيكون لكل واحد من هذه الحقول لوناً خاصاً من ألوان شعار الأمانة السبعة، فيما تشترك جميع أغلفة الإصدارات بإطار موحد، وقد اتخذت سلسلة المذكرات اللون البني.
وسيتوالى إصدار المذكرات الوطنية للشخصيات ذات الأدوار الاجتماعية خلال الشهور التالية، حيث يتوقع صدور مذكرات كل من رائدة العمل التطوعي هيفاء البشير، الفنان التشكيلي رفيق اللحام، المخرج المسرحي حاتم السيد، قريباً، ووفق آلية نشر المذكرات، يتولى أحد المتخصصين تسجيل المذكرات وتحريرها وإعداها للنشر، حيث قام الكاتب سامر خير، وهو المدير التنفيذي للثقافة في أمانة عمان، بتحرير وإعداد مذكرات زيد حمزة للنشر، فيما يتولى الباحث هاني الحوراني إعداد مذكرات اللحام، والمسرحي غنام غنام تحرير مذكرات السيد. يروي د.حمزة في مذكراته، أحداثاً مهمة من تاريخ الأردن المعاصر في المجالات النقابية والطبية، عايشها بنفسه وكان شاهداً عليها، ويتعرض لما خبره في العمل السياسي خلال قيادته لوزارة الصحة بين عامي 1985 و1989، ثم ترشحه لانتخابات العام 1989، وقيادته لحزب التقدم والعدالة في مطلع التسعينيات، واستقالته منه، فضلاً عن مواصلته الكتابة الصحافية منذ سبعينيات القرن العشرين.
يُشار إلى أن مديرية الثقافة في أمانة عمّان ستصدر قريباً عدداً من الكتب في حلتها الجديدة، منها كتاب التربية «طفلي يشغلني» لخولة مناصرة، والمجموعة الشعرية «مجاز خفيف» لنضال برقان، وستنظم حفلاً لإطلاق سلسلة المذكرات الوطنية وتوقيع مذكرات حمزة، في مكتبة سليمان الموسى المتخصصة بتاريخ الأردن، والتي افتتحتها الأمانة قبل ثلاثة شهور
.

عن العالمة هيباتيا للمرة الثالثة

‏13/2 /2010 ‏
‏ عن العالمة هيباتيا للمرة الثالثة ‏
د. زيد حمزه
‏ ‏
كتبت عنها اول مرة في تسعينات القرن الماضي حين سألتني ابنتي من أقاصي الدنيا ‏‏(بنما) : من هي هيباتيا هذه التي ماتت قبل خمسة عشر قرناً بوخز سمكة شوكية سامه في ‏مياه الشاطئ الاسكندري ؟ ولكي اجيبها بدقه عدت للموسوعة البريطانية فذهلت مما قرأت : ‏لقد كانت عالمة في الرياضيات والفلك والفلسفه في جامعة الاسكندرية ولم تكن تدين بالمسيحية ‏بل كانت من الوثنيين، ولم تمت بوخز سمكة شوكية سامة بل سُحلت وقُتلت بأصداف البحر ‏بطريقة بشعة على يد مسيحيين متعصبين سنة 415 ميلادية . ومن الجدير بالتذكير أن تلك ‏الجامعة العظيمة قد درّس فيها في فترات مختلفه علماء عظام كاقليدس ونيكوماخوس ‏‏(الجرشي أي من جرش الاردنية) وأرخميدس (من صقليه) وبايوس وأبو قراط . ‏
ثم كتبت عن هيباتيا مرة أخرى في العام الماضي (30 /5 /2009 ) ما يلي: مضت ‏سنوات والقصة الحزينة الدامية تنزوي في ركن من مخيلتي ولا تلبث أن تطفو على سطحها ‏بين فينة وأخرى حتى قرأتها من جديد في رواية عزازيل ليوسف زيدان بتفاصيل اكثر ترويعا ‏وأشد ايلاماً على لسان راهب مصري ((... ساعة الفجر فتحتُ عيني منتبهاً أنه يوم الاحد، ‏يعني يوم المحاضرة... سوف ارى هيباتيا... دخلتْ الصالة الفسيحة فوقف لها الجميع بمن ‏فيهم الرجال !.. لما حيتهم وجلسوا رأيتها ترتقي الدرجتين الى المنصة وتقف كالحلم أمام ‏الجمهور ... هيباتيا أمرأة وقورة جميلة بل هي جميلة جداً أو لعلها أجمل أمرأة في ‏الكون ولما تكلمت زاد بهاؤها ألقاً ... ظننت أولا أنني سأسمع محاضرة وثنية جداً ثم عرفت ‏أن الرياضيات لا شأن لها بالوثنية ولا بالايمان ... غير أنني تأكدت من همهمات الخدم الذين ‏يترددون بين المدينة والكنيسه أن كراهية البابا لهيباتيا كانت قد بلغت المدى حتى كان يوم ‏الاحد المشؤوم ففي صبيحة ذاك اليوم خرج البابا كيرولس الى مقصورته ليلقي على الجموع ‏عظته الاسبوعية ، كان بطرس القارئ أول من تحرك نحو الباب ثم تحرك من خلفه الناس ‏جماعات وهم يرددون عباراته الجديده : بعون السماء سوف نطهرّ ارض الرب، انتبهتُ الى ‏ذلك الرجل النحيل طويل الرأس الذي جاء من أقصى الشارع يجري وهو يصيح لبطرس ‏والذين معه : الكافرة ركبتْ عربتها ولا حراس معها، بطرس القارئ انطلق ببدنه الضخم ‏ليلحق بالعربة وهو يصرخ ويصرخ وراءه اتباعه بالفاظ غير مفهومه، قبل أن يصل اليها ‏بامتار وقف فجأة وتلفت فاندفع الى ناحيته احدهم وهو يصيح صيحة هائلة ويخرج من تحت ‏ردائه الكنسي سكيناً طويلا صدئاً، لما التقط بطرس السكين زعق فيها: جئناك يا عاهرة يا ‏عدوة الرب، سحبها من شعرها الى وسط الشارع ومضى يجر ذبيحته ، صارت هيباتيا عارية ‏تماماً ومتكومة حول عريها تماما ثم راحوا يجرونها، وهكذا سحلوا هيباتيا على الارض حتى ‏تسحّج جلدها وتقرّح لحمها، كانت هناك كومة من اصداف البحر، قشّروا بالاصداف جلدها ‏عن لحمها وجروا هيباتيا بعد ما صارت قطعة بل قطعاً من اللحم الاحمر المهترئ . عند بوابة ‏المعبد المهجور بطرف الحي الملكي القوها فوق كومة كبيرة من قطع الخشب بعدما صارت ‏جثة هامدة ، ثم اشعلوا النار )). ‏
في نفس شهر أيار من العام الماضي جاء في الانباء أن المخرج الاسباني اليخاندرو ‏أمينابار قدم في مهرجان كان السينمائي فيلماً باسم (( أغورا )) ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول ‏عبثاً مشاهدته ولو على قرص مدمج حتى حانت الفرصة الحقيقية بعرضه منذ أيام في دار ‏للسينما في عمان حيث عشت مرة أخرى مع مأساة هذه العالمة الفذه التي ظلت حتى أخر يوم ‏في حياتها متشبثة بمواصلة أبحاثها ومن بينها رأيها القائل بكروية الارض رغم اعتراض ‏المتدينين بأنها مسطحة ! أما نهايتها المرعبة ( الثابته تاريخياً ) فقد شاء المخرج أن يحجبها ‏عن عيون المشاهدين نظراً لبشاعتها أو مراعاة لمشاعر بعض المؤمنين واستعاض عنها إيماءاً ‏بأن جعل عاشقها الشاب المسيحي الذي لم يستطع أن يحميها من همجية المسعورين ‏المتربصين بها إلا بأن يضمها ويخنقها كي تموت فلا تحس بآلام الطعن والسحل والتقطيع ..‏
ولعل من أهم ما جاء في الفيلم إضافةً لهذه الجريمة جريمة أخرى تمثلت في حرق ‏مكتبة الاسكندرية أكبر واشهر مكتبة في العالم القديم بناها الملك بطليموس الثالث وكيف ‏حاولت هيباتيا وجماعتها من الوثنيين أن ينقذوا ما أمكن أنقاذه من محتوياتها من اللفائف ‏والكتب والمخطوطات. وللعلم فأن الذين حرقوا المكتبة العظيمة عام 391م هم أنفسهم الذين ‏ارتكبوا جريمة قتل هيباتيا عام 415م ..‏
وبعد .. ما زالت أمثال هذه الجرائم متواصلة بأشكال مختلفة وبفظاعة أشد وانكى ، ‏يرتكبها المتعصبون من كل الاديان والمعتقدات والايديولوجيات .. ضد الآخرين ! ‏

الأحد، 7 فبراير 2010

‏6 /2 /2010 ‏
توني موريسون .. ما أهميتها ؟ ‏
د. زيد حمزه

أنها الكاتبة الافريقية الاميركيةToni Morrison ‎‏ المولودة عام 1931 وأَقْدمُ حاصلةٍ على ‏جائزة نوبل للآداب ما زالت على قيد الحياة والتي اتيحت لي فرصة مشاهدتها على شاشة ‏الكومبيوتر في مقابلة اجرتها معها مندوبة مجلة التايم الاميركية قبل أيام حول كتابها الجديد ‏Mercy‏ فأسرتني أفكارها المفعمة بالحكمة والدالة بوضوح على تجربة طويلة عميقه، ثم ازددت ‏بها انبهاراً حين راحت تتحدث عن العبودية والألم بادٍ على ملامح وجهها لكن بلا غضب أو ‏تحامل وتشرح تاريخها وكيف مارستْها كلُّ الحضارات الكبيرة من دون استثناء ولو باشكال ‏مختلفة منذ أثينا حتى اليوم، لكن الذي ما انفك يحز في نفسها أن ترى العبودية تزداد ظلماً وقهراً ‏حين يصحبها التمييز العنصري، فهي في نظرها عندئذ ليست مجرد شراء وامتلاك العبيد ‏لاستخدامهم في المزارع والاقطاعيات أو سرقة جهد العمال في المصانع والمناجم والاستيلاء في ‏الحالتين على نتاج عرقهم فذلك مستمر – بشكل أو آخر – في ما يسمى الآن اقتصاد السوق، بل ‏هي فوق ذلك تتبدّى بأبشع صور الاذلال للكرامة الانسانية والاعتداء الذي يمارسه عنصر بشري ‏ضد آخر نفسياً كان أو جسديا.. ثم وجدتُ نفسي في النهاية اصغي باهتمام لتوني موريسون وهي ‏توجز بكلام بسيط وبنبرة هادئة وثقة بالنفس كبيرة اجاباتِها على أسئلة تبدو حساسة وشائكه، ففي ‏معرض حديثها عمن تؤيد من السياسيين أو السياسيات ترفض أن تبادر بالانحياز التلقائي من ‏منطلق الجندر لامرأة مرشحة لمنصب ما بل من أيمانها بمواقفها والمبادئ التي تنادي بها، كما لا ‏تسارع للتأييد الأعمى لقائد سياسي من أجل لونه بل حين تحس بادراكها الواعي أنه لا يكذب ولا ‏يزوّر ولا يخفي نواياه الحقيقية وراء الكلمات المعسولة ! ‏
وبعد .. لم أكن لاتحمس للكتابة عن ابداع هذه المرأة السوداء المناضلة لولا أنني بالمقارنة ‏ينتابني القنوط أحيانا بسبب الكم الكبير من الكلام الذي يُهدر في محاضراتٍ وندواتٍ وحوارت ‏نسمع فيها حديثاً خطابياً مكروراً تخفي عباراتُه المبهمة مدى المراوغة عند مناقشة معضلاتنا ‏الحقيقية ومدى الجُبْن في طرح الحلول الحقيقية لها ! لكن قنوطي يتبدد حين اتذكر أن لتوني ‏موريسون في تاريخنا العربي المعاصر شبيهاتٍ من نساء مناضلات رفعْنَ رؤوسنا عاليا في ‏ميادين مختلفه، منها السياسي ضد المستعمرين والمحتلين، ومنها الاجتماعي ضد قوانين القهر ‏التي ابتدعتْها ورعتْها الذكوريةُ المهيمنة منذ قرون، لذلك ولشدة ايماني بقدرات المرأة عموما ‏وفرط تفاؤلي بالمثقفة العربية الحقيقية – قوميا وأنسانياً – فقد بتُّ على يقين أنها سوف تقود جنباً ‏الى جنب مع ((المثقف)) معركة النهوض .. ذات يوم . ‏
zaidhamzeh@orange.jo

الأربعاء، 3 فبراير 2010

‏30 /1 /2010 ‏

هل يجوز تأجيل تنفيذ القانون ؟ ‏
د. زيد حمزه

قبل أيام دعاني صديق لتناول طعام الغداء في احد المطاعم واستجابةً لرغبتي أكد لي أنه ‏حجز طاولة في القاعة التي أعرف أن التدخين محظور فيها منذ زمان طويل ، لكننا فوجئنا عند ‏دخولها باثنين ينفثان دخان السيجار الغليظ وسط اكثر من ثلاثين (( زبونا )) لا يدخنون ! وفي ‏مطعم آخر قبل شهر وجدنا أن التدخين لا يزال مباحاً ولم نلحظ أي استعداد أو تحضير التزاماً ‏بقانون الصحة الجديد رقم 47 لسنة 2008 الذي يحرم في مادته 53 التدخين في الاماكن العامه ‏ومن بينها المطاعم مع أنه طُبق بشكل حازم على مطاعم الوجبات السريعة أما بالنسبة للمطاعم ‏الأخرى فقد جرى (( تأجيله )) ستة أشهر لاعطائها الفرصة لتوفير أماكن معزولة تماماً لاستعمال ‏المدخنين حتى لا يسببوا الأذى والضرر لغير المدخنين وهي الحكمة من هذه المادة تحديداً، ولم ‏يأت التأجيل لأن الوزارة اقتنعت برأي أصحاب المطاعم المبني على الفهم أو الوهم حتى لا نقول ‏الزعم بأن الخسائر المادية التي سوف يتحملونها نتيجة تطبيق القانون سوف تؤثر على دخلهم ‏وعلى الدخل السياحي المرتجى لاقتصاد هذا البلد ! ولقد انقضت المدة ولم (( تكيّف )) المطاعم ‏أوضاعها ، وربما كانت فكرة التأجيل في الأصل رهاناً على تغيّر وزير الصحه وكسب مزيد من ‏‏(( التأجيل )) مع وزير جديد! لذلك شهدنا تأجيلاً آخر وهناك انباء تفيد بأن المطاعم قد (( أعدت )) ‏لوزارة الصحة خطة جديده (!) تقضي بتأجيل تنفيذ القانون لسنوات عديدة قادمه وهو ما لم يحدث ‏في اي بلد طبقت المنع سواء كانت في أميركا أو أوروبا أو من دول الخليج ! ‏
لطالما كررتْ الجمعية الوطنية لمكافحة التدخين موقفها الداعم لوزارة الصحه خصوصاً ‏بعد تحويل (( نظام )) منع التدخين في الاماكن العامه الى جزء من (( قانون )) الصحة العامه ‏نظراً لاخطاره الشديدة على غير المدخنين، والجمعية بعد تاريخ طويل من عملها الدؤوب في ‏مجال مكافحة التدخين جنباً الى جنب مع وزارة الصحة الحامية الحقيقية لصحة كل المواطنين ‏والمسؤولة الأولى – حسب قانونها – عن جميع الشؤون الصحية في المملكة، ترى نفسها اليوم في ‏موقف تضطر فيه لمصارحتها بأن سياسة التساهل و(( المسايرة )) مع المطاعم في تطبيق القانون ‏لا تخدم صحة المواطنين ولا تتفق مع تجارب الدول الأخرى التي سبقتنا في هذا المجال وهي ‏مثلنا تعرف جيداً أن المنع قد يؤثر لفترة انتقالية وجيزه على دخل تلك المطاعم لكنه على المدى ‏الطويل والدائم سوف يزيد الدخل إذ يشجع غير المدخنين وهم الاكثرية على ارتيادها حين ‏يطمئنون الى خلو اجوائها من سموم دخان السجاير والسيجار والارجيلة .. ‏
وبعد .. فهذا الحديث موجه لوزارة الصحة كي تبادر الى الحزم في تطبيق قانونها لأن ‏المفترض في القوانين حين تصدر أن (( يُعمل بها من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية )) وليس ‏بناء على تاريخ يحدده أصحاب المصالح ! ‏

zaidhamzeh@orange.jo

الثلاثاء، 26 يناير 2010

اين امانة الترجمه؟

20 /1 /2010


لا أحب أن اقرأ كتاباً مترجما وأُفضّله بلغته الاصلية إذا كنت أجيدها، ومع تقديري لدور الترجمة في تبادل المعرفة بين الشعوب واحترامي الكبير للاساتذة المترجمين وجمعياتهم واتحادهم والتخصص البالغ الصعوبة الذي يدرسونه الآن في ارقى الجامعات الا أنني أحس أحياناً أن جزأً - ولو يسيراً – من روح الكتاب وكاتبه تنحسر بالترجمه، وذاك عيب متوقع بحكم الاختلاف بين وظيفتيْ المؤلف والمترجم وبين لغتين لكل منهما أصلها ونشأتها وظروف تطورها وتاريخ الأمة التي تتحدث بها، أما أن يبلغ الاختلاف بالمترجم حد التدخل المنحاز ضد الكاتب وفكره فسلوك غير مألوف لا بل غير مقبول، ففي كتاب The Bible Unearthed لمؤلفِّيْه إسرائيل فنكلشتاين أستاذ الآثار في جامعة تل أبيب ونيل إشر سيلبرمان المؤرخ والباحث الاميركي بدأ المترجم سعد رستم ذلك منذ الغلاف مُعنوِناً الكتاب على النحو التالي (( التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها )) وهو تدخّل يلمحه القارئ وربما تأباه جمعية المترجمين العرب خصوصاً حين يتتابع في صفحات عديدة أخرى يحشو المترجم في هوامشها آراءه المخالفة والمعارضة مُخّلاً بتسلسل أفكار القارئ المستغرق في فهم الكم الكبير من المعلومات والمقارنات والتحليلات والتفسيرات التي تشي بعدم التوافق والتطابق بين السرد الاسطوري للكتاب المقدس وبين تاريخ الموثق الى درجة التشكيك بالخروج الجماعي والتيه وقصة داود وسليمان ! وسوف أورد هنا عينةً من هذا التدخل الذي ينسف حيادية المترجم فقد جاء في صفحتي 305 و306 : (( في 701 ق.م قِدَم الملك الآشوري الجديد: سنحاريب الي يهوذا بجيش هائل . يضع سفرا المُلُوك وجهاً بطولياً في حصيلة هذه المواجهة: كان حزقيا بطلا عظيماً وملكاً مثالياً لا يقارن إلا بداود فقط . لقد سار على خطى موسى ، وطهَّر يهُوذا من كل تجاوزات الماضي وبفَضْلِ تقواه تراجع الآشوريون عن يهوذا، دون ان يتمكنوا من فتح أورشليم . كما سنرى ليست هذه هي القصة بكاملها ... ولكن المصادر الآشورية المعاصرة وعلم الآثار الحديث يظهران أن التفسير اللاهوتي للكتاب المقدس لثورة وعصيان يهوذا ضد الامبراطورية الآشورية يخفي خلفه حقيقة تاريخية مختلفة تماماً ... أن نقطة قصة الكتاب المقدس هي أن تظهر كيف أن مجرد قوة السلاح أو ميزان القوى ليس لهما أي تأثير على نتيجة الحرب بين الأمم ، لأن خلف ذلك كله توجد قوةُ توجيهِ يْهوَه الذي يستخدم الجيوش والمعارك ليجازي أولئك الذين يعبدونه – وحده – بإخلاص وغيره ويعاقب أولئك الذين لا يفعلون ذلك ..)) .

هنا يتدخل المترجم في حاشيته بأسفل الصفحة 306 قائلاً : (( من الواضح أن المؤلف لا ينطلق في استنكاره للتدخل الالهي لمعاقبة الاشرار الآثمين وإثابة المطيعين الأخيار من دليل ملموس معين ، سوى الانسياق وراء نزعته المادية التي تنكر عالم الغيب وما وراء الطبيعة جملةً)).. وهكذا فالمترجم لا يكتفي بالتعبير عن رأيه الشخصي بل يسفّه رأي المؤلف ويصفه – بطريقة اتهامية – أنه صاحب نزعة مادية !..

وبعد .. لم أعرف المؤلفيْن من قبل ومع ذلك سعدت بقراءة كتابهما الذي أضاف لمعلوماتي ذلك الجزء الهام عن مملكة العُمْريين الشمالية وعاصمتها شكيم (نابلس)، وأدهشني ما فيه من حقائق علمية آثارية اضاءت على كثير مما غمض في الكتاب المقدس حول تاريخ هذه المنطقة لكني – وأنا لا اتبنى بالضرورة كل استنتاجات المؤلفيْن – لا أجدني قادراً على هضم تدخل المترجم في تلك الاستنتاجات لمجرد أنها تخالف ما يعتقد هو أنه الصواب !

zaidhamzeh@orange.jo