الأربعاء، 17 فبراير 2010

عن العالمة هيباتيا للمرة الثالثة

‏13/2 /2010 ‏
‏ عن العالمة هيباتيا للمرة الثالثة ‏
د. زيد حمزه
‏ ‏
كتبت عنها اول مرة في تسعينات القرن الماضي حين سألتني ابنتي من أقاصي الدنيا ‏‏(بنما) : من هي هيباتيا هذه التي ماتت قبل خمسة عشر قرناً بوخز سمكة شوكية سامه في ‏مياه الشاطئ الاسكندري ؟ ولكي اجيبها بدقه عدت للموسوعة البريطانية فذهلت مما قرأت : ‏لقد كانت عالمة في الرياضيات والفلك والفلسفه في جامعة الاسكندرية ولم تكن تدين بالمسيحية ‏بل كانت من الوثنيين، ولم تمت بوخز سمكة شوكية سامة بل سُحلت وقُتلت بأصداف البحر ‏بطريقة بشعة على يد مسيحيين متعصبين سنة 415 ميلادية . ومن الجدير بالتذكير أن تلك ‏الجامعة العظيمة قد درّس فيها في فترات مختلفه علماء عظام كاقليدس ونيكوماخوس ‏‏(الجرشي أي من جرش الاردنية) وأرخميدس (من صقليه) وبايوس وأبو قراط . ‏
ثم كتبت عن هيباتيا مرة أخرى في العام الماضي (30 /5 /2009 ) ما يلي: مضت ‏سنوات والقصة الحزينة الدامية تنزوي في ركن من مخيلتي ولا تلبث أن تطفو على سطحها ‏بين فينة وأخرى حتى قرأتها من جديد في رواية عزازيل ليوسف زيدان بتفاصيل اكثر ترويعا ‏وأشد ايلاماً على لسان راهب مصري ((... ساعة الفجر فتحتُ عيني منتبهاً أنه يوم الاحد، ‏يعني يوم المحاضرة... سوف ارى هيباتيا... دخلتْ الصالة الفسيحة فوقف لها الجميع بمن ‏فيهم الرجال !.. لما حيتهم وجلسوا رأيتها ترتقي الدرجتين الى المنصة وتقف كالحلم أمام ‏الجمهور ... هيباتيا أمرأة وقورة جميلة بل هي جميلة جداً أو لعلها أجمل أمرأة في ‏الكون ولما تكلمت زاد بهاؤها ألقاً ... ظننت أولا أنني سأسمع محاضرة وثنية جداً ثم عرفت ‏أن الرياضيات لا شأن لها بالوثنية ولا بالايمان ... غير أنني تأكدت من همهمات الخدم الذين ‏يترددون بين المدينة والكنيسه أن كراهية البابا لهيباتيا كانت قد بلغت المدى حتى كان يوم ‏الاحد المشؤوم ففي صبيحة ذاك اليوم خرج البابا كيرولس الى مقصورته ليلقي على الجموع ‏عظته الاسبوعية ، كان بطرس القارئ أول من تحرك نحو الباب ثم تحرك من خلفه الناس ‏جماعات وهم يرددون عباراته الجديده : بعون السماء سوف نطهرّ ارض الرب، انتبهتُ الى ‏ذلك الرجل النحيل طويل الرأس الذي جاء من أقصى الشارع يجري وهو يصيح لبطرس ‏والذين معه : الكافرة ركبتْ عربتها ولا حراس معها، بطرس القارئ انطلق ببدنه الضخم ‏ليلحق بالعربة وهو يصرخ ويصرخ وراءه اتباعه بالفاظ غير مفهومه، قبل أن يصل اليها ‏بامتار وقف فجأة وتلفت فاندفع الى ناحيته احدهم وهو يصيح صيحة هائلة ويخرج من تحت ‏ردائه الكنسي سكيناً طويلا صدئاً، لما التقط بطرس السكين زعق فيها: جئناك يا عاهرة يا ‏عدوة الرب، سحبها من شعرها الى وسط الشارع ومضى يجر ذبيحته ، صارت هيباتيا عارية ‏تماماً ومتكومة حول عريها تماما ثم راحوا يجرونها، وهكذا سحلوا هيباتيا على الارض حتى ‏تسحّج جلدها وتقرّح لحمها، كانت هناك كومة من اصداف البحر، قشّروا بالاصداف جلدها ‏عن لحمها وجروا هيباتيا بعد ما صارت قطعة بل قطعاً من اللحم الاحمر المهترئ . عند بوابة ‏المعبد المهجور بطرف الحي الملكي القوها فوق كومة كبيرة من قطع الخشب بعدما صارت ‏جثة هامدة ، ثم اشعلوا النار )). ‏
في نفس شهر أيار من العام الماضي جاء في الانباء أن المخرج الاسباني اليخاندرو ‏أمينابار قدم في مهرجان كان السينمائي فيلماً باسم (( أغورا )) ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول ‏عبثاً مشاهدته ولو على قرص مدمج حتى حانت الفرصة الحقيقية بعرضه منذ أيام في دار ‏للسينما في عمان حيث عشت مرة أخرى مع مأساة هذه العالمة الفذه التي ظلت حتى أخر يوم ‏في حياتها متشبثة بمواصلة أبحاثها ومن بينها رأيها القائل بكروية الارض رغم اعتراض ‏المتدينين بأنها مسطحة ! أما نهايتها المرعبة ( الثابته تاريخياً ) فقد شاء المخرج أن يحجبها ‏عن عيون المشاهدين نظراً لبشاعتها أو مراعاة لمشاعر بعض المؤمنين واستعاض عنها إيماءاً ‏بأن جعل عاشقها الشاب المسيحي الذي لم يستطع أن يحميها من همجية المسعورين ‏المتربصين بها إلا بأن يضمها ويخنقها كي تموت فلا تحس بآلام الطعن والسحل والتقطيع ..‏
ولعل من أهم ما جاء في الفيلم إضافةً لهذه الجريمة جريمة أخرى تمثلت في حرق ‏مكتبة الاسكندرية أكبر واشهر مكتبة في العالم القديم بناها الملك بطليموس الثالث وكيف ‏حاولت هيباتيا وجماعتها من الوثنيين أن ينقذوا ما أمكن أنقاذه من محتوياتها من اللفائف ‏والكتب والمخطوطات. وللعلم فأن الذين حرقوا المكتبة العظيمة عام 391م هم أنفسهم الذين ‏ارتكبوا جريمة قتل هيباتيا عام 415م ..‏
وبعد .. ما زالت أمثال هذه الجرائم متواصلة بأشكال مختلفة وبفظاعة أشد وانكى ، ‏يرتكبها المتعصبون من كل الاديان والمعتقدات والايديولوجيات .. ضد الآخرين ! ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق