13 / 3 / 2010
الرجوع عن الخطأ .. فضيلة ديمقراطية
د. زيد حمزه
ليس صحيحاً أن النقد في بلدنا لا يجدي وأن ما تكتبه الصحف اعتراضاً على خطأ ما يذهب ادراج الرياح وبالمقابل ليس أدعي الى الاحباط من القول الدارج (( ماحدا قاري ورق )) ! ففي جعبتي العديد من الأمثلة على قضايا عايشتها وعالجتها بالكتابة الصحفية وسعدتُ بنتائجها الايجابية وحتى لا أذهب بعيداً في الماضي المنسيّ أضربُ مثلا طازجاً هو مشروع قانون الاخطاء الطبية الذي طُرح لاول مرة قبل سنوات عديدة واستمر وزراء الصحة المتعاقبون يعرضونه للنقاش المفتوح في اجتماعات المجلس الصحي العالي ولا بد أنهم وسواهم من المسؤولين المعنيين كانوا في نفس الوقت يُصغون بطريقة او بأخرى لما يقوله عنه المختصون والمهتمون في الندوات العامه أو الحوارات التلفزيونية أو الصحف وذلك بحد ذاته سلوك ديمقراطي حميد خصوصاً بعد ما تبيّن لهم ألاّ احد ضد مساءلة طبيبٍ يخطئ فيُحدث ضرراً لمريضه أو يتسبب له بعاهة أو اعاقة او يودي به الى الموت، سواء كان هذا الخطأ إهمالاً أو نقصاً في المعرفة أو ضعفاً في الحذق .
ولقد تمثل تجاوب المسؤولين بتعديلٍ مهمٍّ ظهر في مشروع القانون لسنة 2007 إذ ألغيت المادة التي كانت تُلزم الاطباء بأن يؤمّنوا أنفسهم لدى شركات التأمين لتغطية التعويضات الناشئه عن ممارسة عملهم (على نمط التأمين على السيارات !)، وقد اعتبُر هذا الالغاء رجوعاً عن الخطأ بعد الاتهامات التي وُجِّهت للمادة بأنها انصياع لاوامر صندوق البنك الدولي واتفاقية التجارة العالمية، أو مجرد اعجاب البعض بأنظمةٍ مشابهةٍ في الدول الغربية ثبت مع الزمن أنها خّربت العلاقة الانسانية بين الطبيب والمريض وحوّلتها الى علاقةِ تربُّصٍ واقتناصٍ وابتزاز لأن الهدف الحقيقي زيادة ارباح تلك الشركات .
لكن يبدو أن هذا الالغاء لم يكن جذريا فقد استبُدلت شركات التأمين بصندوق في نقابة الاطباء (( يسمى صندوق المسؤولية الطبية لتغطية الاضرار الناشئه عن ممارسة الطبيب لعمله )) ولقد قلنا وقال غيرنا الكثير في انتقاد هذا البديل الذي اقترحَتْه النقابة بحسن نية ربما تخلصاً من مأزق تسليم رقاب الاطباء لشركات التأمين، فهو في نظرنا تورّطٌ محفوف بالمخاطر وعبٌء مالي يقع على اكتاف كل اطباء هذا البلد ولم تُستشر فيه الهيئة العامه بأغلبية حقيقيه تبلغ الآلاف وليس بالنصاب القانوني لأي عدد لا يتعدى ستين طبيباً في الجلسة الثانية !، ولو أُجريتْ اي دراسة اكتوارية لقالتْ بعدم جدواه ولتنبأت بافلاسه في زمن قصير كي تتلقفه وتشتريه عندئذ شركات التأمين فنعود الى سيطرتها من جديد ! هذا بالاضافة الى الاعتراض القائل: لماذا يدفع كل أطباء المملكه وفيهم عدد كبير من محدودي الدخل كأطباء الحكومه ثمن أخطاء بضعة جراحين، هم عادة في القطاع الخاص ومن ذوي الدخل العالي، يستطيعون لا بل عليهم وحدهم أن يتحملوا عقوبة التعويض أو سواه .. ويمكن الاستنتاج بأن التجاوب مع هذه الانتقادات كان السبب المنطقى لالغاء صندوق النقابة فآخر مشروع لقانون المسؤولية الطبية لسنة 2009 الذي وزعه علينا المجلس الصحي العالي الشهر الماضي لمناقشته في اجتماع قريب خلا تماماً من هذه الماده.
وبعد .. إننا ونحن نثني على الروح الديمقراطية التي تجلت في طرح مشروع القانون على المناقشة الحره لَنؤكدُ من جديد اننا مع المساءله لا ضدها وأن مرجعها الحقيقي هو القضاء فمحاكمنا ومنذ تأسيس الدولة الاردنية كانت وما زالت تحكم على الطبيب المخطئ حين تدينه إما بالسجن أو بالتعويض على المريض المتضرر بالمبلغ الذي تراه مناسباً لا الذي تحدده شركة التأمين أو أي صندوق آخر بديل ! وأن على نقابة الاطباء أن تتفرغ لمعالجة ومتابعة شكاوى المرضى من سلوكيات اعضائها بتطبيق حازم لدستورها الطبي، وعلى وزارة الصحه حسب قانونها أن تحاسب المستشفيات الخاصه على ما يضج منه المواطنون كل يوم من مبالغات في الاجور ومن استغلال ماديّ متمثل في كثرة استخدام الفحوص المخبرية والصور الشعاعية وبعض الاجهزة التشخيصية الحديثة المكلفة بهدف (( تسمين )) الفاتورة النهائية ، ناهيك عن الاحتماء اعلامياً وراء دور هذه المستشفيات في رفد الاقتصاد الوطني بدخل هائل(!) من وراء .. (( السياحة العلاجية )) !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق