الأحد، 14 مارس 2010

‏13 / 3 / 2010 ‏
الرجوع عن الخطأ .. فضيلة ديمقراطية ‏
د. زيد حمزه

ليس صحيحاً أن النقد في بلدنا لا يجدي وأن ما تكتبه الصحف اعتراضاً على خطأ ما ‏يذهب ادراج الرياح وبالمقابل ليس أدعي الى الاحباط من القول الدارج (( ماحدا قاري ورق )) ! ‏ففي جعبتي العديد من الأمثلة على قضايا عايشتها وعالجتها بالكتابة الصحفية وسعدتُ بنتائجها ‏الايجابية وحتى لا أذهب بعيداً في الماضي المنسيّ أضربُ مثلا طازجاً هو مشروع قانون ‏الاخطاء الطبية الذي طُرح لاول مرة قبل سنوات عديدة واستمر وزراء الصحة المتعاقبون ‏يعرضونه للنقاش المفتوح في اجتماعات المجلس الصحي العالي ولا بد أنهم وسواهم من ‏المسؤولين المعنيين كانوا في نفس الوقت يُصغون بطريقة او بأخرى لما يقوله عنه المختصون ‏والمهتمون في الندوات العامه أو الحوارات التلفزيونية أو الصحف وذلك بحد ذاته سلوك ‏ديمقراطي حميد خصوصاً بعد ما تبيّن لهم ألاّ احد ضد مساءلة طبيبٍ يخطئ فيُحدث ضرراً ‏لمريضه أو يتسبب له بعاهة أو اعاقة او يودي به الى الموت، سواء كان هذا الخطأ إهمالاً أو ‏نقصاً في المعرفة أو ضعفاً في الحذق . ‏
ولقد تمثل تجاوب المسؤولين بتعديلٍ مهمٍّ ظهر في مشروع القانون لسنة 2007 إذ ألغيت ‏المادة التي كانت تُلزم الاطباء بأن يؤمّنوا أنفسهم لدى شركات التأمين لتغطية التعويضات الناشئه ‏عن ممارسة عملهم (على نمط التأمين على السيارات !)، وقد اعتبُر هذا الالغاء رجوعاً عن الخطأ ‏بعد الاتهامات التي وُجِّهت للمادة بأنها انصياع لاوامر صندوق البنك الدولي واتفاقية التجارة ‏العالمية، أو مجرد اعجاب البعض بأنظمةٍ مشابهةٍ في الدول الغربية ثبت مع الزمن أنها خّربت ‏العلاقة الانسانية بين الطبيب والمريض وحوّلتها الى علاقةِ تربُّصٍ واقتناصٍ وابتزاز لأن الهدف ‏الحقيقي زيادة ارباح تلك الشركات . ‏
لكن يبدو أن هذا الالغاء لم يكن جذريا فقد استبُدلت شركات التأمين بصندوق في نقابة ‏الاطباء (( يسمى صندوق المسؤولية الطبية لتغطية الاضرار الناشئه عن ممارسة الطبيب لعمله )) ‏ولقد قلنا وقال غيرنا الكثير في انتقاد هذا البديل الذي اقترحَتْه النقابة بحسن نية ربما تخلصاً من ‏مأزق تسليم رقاب الاطباء لشركات التأمين، فهو في نظرنا تورّطٌ محفوف بالمخاطر وعبٌء مالي ‏يقع على اكتاف كل اطباء هذا البلد ولم تُستشر فيه الهيئة العامه بأغلبية حقيقيه تبلغ الآلاف وليس ‏بالنصاب القانوني لأي عدد لا يتعدى ستين طبيباً في الجلسة الثانية !، ولو أُجريتْ اي دراسة ‏اكتوارية لقالتْ بعدم جدواه ولتنبأت بافلاسه في زمن قصير كي تتلقفه وتشتريه عندئذ شركات ‏التأمين فنعود الى سيطرتها من جديد ! هذا بالاضافة الى الاعتراض القائل: لماذا يدفع كل أطباء ‏المملكه وفيهم عدد كبير من محدودي الدخل كأطباء الحكومه ثمن أخطاء بضعة جراحين، هم ‏عادة في القطاع الخاص ومن ذوي الدخل العالي، يستطيعون لا بل عليهم وحدهم أن يتحملوا ‏عقوبة التعويض أو سواه .. ويمكن الاستنتاج بأن التجاوب مع هذه الانتقادات كان السبب المنطقى ‏لالغاء صندوق النقابة فآخر مشروع لقانون المسؤولية الطبية لسنة 2009 الذي وزعه علينا ‏المجلس الصحي العالي الشهر الماضي لمناقشته في اجتماع قريب خلا تماماً من هذه الماده.‏
وبعد .. إننا ونحن نثني على الروح الديمقراطية التي تجلت في طرح مشروع القانون ‏على المناقشة الحره لَنؤكدُ من جديد اننا مع المساءله لا ضدها وأن مرجعها الحقيقي هو القضاء ‏فمحاكمنا ومنذ تأسيس الدولة الاردنية كانت وما زالت تحكم على الطبيب المخطئ حين تدينه إما ‏بالسجن أو بالتعويض على المريض المتضرر بالمبلغ الذي تراه مناسباً لا الذي تحدده شركة ‏التأمين أو أي صندوق آخر بديل ! وأن على نقابة الاطباء أن تتفرغ لمعالجة ومتابعة شكاوى ‏المرضى من سلوكيات اعضائها بتطبيق حازم لدستورها الطبي، وعلى وزارة الصحه حسب ‏قانونها أن تحاسب المستشفيات الخاصه على ما يضج منه المواطنون كل يوم من مبالغات في ‏الاجور ومن استغلال ماديّ متمثل في كثرة استخدام الفحوص المخبرية والصور الشعاعية وبعض ‏الاجهزة التشخيصية الحديثة المكلفة بهدف (( تسمين )) الفاتورة النهائية ، ناهيك عن الاحتماء ‏اعلامياً وراء دور هذه المستشفيات في رفد الاقتصاد الوطني بدخل هائل(!) من وراء .. ‏‏(( السياحة العلاجية )) ! ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق