3 / 4 / 2010
عطوفة المحافِظة ؟ هذا اختراق آخر !
د. زيد حمزه
لقد تعودنا في الدولة الاردنية التي ما زالت في نظري فتيّة، أن نشهد بين الحين والآخر اختراقات جريئه في التعامل الحضاري مع المرأة الاردنية على أنها صنو الرجل لا كما جاء في (( الميثاق )) فحسب بل قبل ذلك بزمان طويل انسجاماً مع روح النصوص الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين الصادرين بموجبه .. والحديث يطول لو شئنا تبيان الأمثلة التي تشع ساطعة وسط ظلام الاخفاقات العديدة في مجال حقوق المرأة وهي اخفاقات يتحمل المجتمع الاردني وزر عدم تحدّيها ويتحمل البرلمان الاردني الضلوع في بعضها كما تتحمل الحكومات المتعاقبة مسؤولية التردد والخوف في مواجهتها .
في الشهر الماضي تفاجأ الاردنيون بسيدة وسيمة تستقبل جلالة الملك في جرش وتظهر الى جانبه منفرجة الاسارير وهي تتحدث بثقة عن قضايا هذه المنطقة من بلدنا وتشرح لجلالته جوهر المشاريع التي تتصدى لها، إنها السيدة رابحه الدباس حاكمة جرش ( Governess ) أي التي تدير شؤون المحافَظَة، والمحافظة هي التسمية الرسمية للمقاطعة أو المنطقة التي نقلناها عن غيرنا وقبلناها على مضض مع أنها لغوياً ضعيفة ففعل حافَظَ يُحافظُ غير متعدٍّ كفعل حَكَم يحكُمُ لذلك يُتبع بحرف الجر ((على)) .. ومن هنا نقبل أن نقول إنها محافِظة جرش وليست محافِظ جرش كما شاء الاعلام في ذلك اليوم ان يحرمها من تاء التأنيث عنوةً واستلابا كما فعل مع الأمينة العامه والقاضية والنائبه وغيرها من الصفات والالقاب بشكل انتقائي فظ لا علاقة له باللغة أو المنطق بل مرده – في تقديري – لبقايا الذكورية الكامنه في اعماق بعض النفوس !
لقد اقتحمت المرأة الاردنية العديد من مجالات العمل والنشاط التي كانت حكراً على الرجال بعدما توهّم الناس ولردح طويل من الزمان أنها غير قادرة على القيام بها كقيادة الطائرات وسلك القضاء، حتى الجيش وجدناها تعمل في بعض أسلحته التي تحتاج لجسارة فائقة فكان منها المظليات مثلاً، ودخلت أجهزة الأمن والمخابرات وأبلت فيها بلاءً حسناً ..
أما اختيارها الآن للعمل كمحافِظة فله رنة خاصة في أذني وصدى آخر عميق في أوساط المجتمع كله ، والذين يعرفون جيداً نوع المهام الجسام التي سوف تتعامل معها المحافِظة والقضايا الحساسة التي سوف تواجهها يدركون تماما ما أقول ويعتبرونه تحدياً ليس لها فحسب بل لكل الذين سوف يأتمرون بأمرها او أولئك الذين يلجأون لها لحل مشاكلهم وأولئك الذين تقضي أعمالهم ومشاريعهم ونشاطاتهم العودة لها للحصول على موافقتها أو بيان موقفها ..
لكن الأهم من ذلك في تقديري هو أن امرأة أردنية سيكون لها لاول مرة ربما في تاريخ العرب جميعاً دور في حل القضايا والنزاعات العشائرية وما يصاحبها ويتبعها من جاهات وعطوات وجلوات وديّات ومن خلال ذلك سوف تتهاوى كثير من المسلمات الاجتماعية التي لم يعد العصر يقبلها وقد آن الأوان لاستبدالها بما هو منطقي وعقلاني من دون أن يخرج على قواعد الامانة والاستقامة والخلق .
وبعد .. لقد تسلمت المرأة مواقع عديدة كانت محرمة عليها ولكي نكون منصفين ينبغي الحكم عليها في ادائها كما الحكم على الرجل ، فالكفاءة هي المعيار وليس (( الجندر )) وإلا كنا منافقين نخفي في داخلنا ذكورية توارثناها عبر قرون وقرون !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق