السبت، 23 يوليو 2011

‏30 /6 /2011‏

دومنيك ستروس – كان .. الوجه الآخر !‏
د. زيد حمزه

لست معنيا بالفضيحة الجنسية التي أسقطت الفرنسي دومنيك ستروس – كان عن ‏عرش أكبر مؤسسة مالية واقتصادية في العالم هي صندوق النقد الدولي ، ففي الدول الغربية ‏التي قطعت أشواطاً شاسعة في ابتعادها عن النظر الى الممارسات الجنسية على أنها خطايا ‏أخلاقية كما تفعل بلاد أخرى محافظة ، لا يمكن التصديق بأن القصد من الفضيحة تلطيخ ‏سمعة الرجل لدى عائلته ومجتمعه بل أمر آخر أخطر وأكبر كَشَفَ عنه مايك ويتني ‏Mike Whitney‏ في مقال له في‏I.C.H. ‎‏ بتاريخ 15 /5 /2011 إذ قال: هناك رائحة ‏مشبوهة تنبعث من قصة شتروس – كان لأن للرجل اعداءاً كثيرين كأولئك الذين ينافسهم على ‏منصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة عن الحزب الاشتراكي الفرنسي ومن بينهم ‏ساركوزي ، والأهم منهم أولئك الذين يشكلون أئتلاف البنوك الغربية وقد دأبوا عبر قرنين من ‏الزمان على تحقيق مصالحهم الجشعه بتطبيق سياسة مالية تمتعت في العقود الاخيرة بحماية ‏صندوق النقد الدولي وهبطت بالغالبية العظمى الى مستويات سحيقة من الفقر واليأس، وقد ‏فوجئوا بالسيد ستروس – كان أخيراً يحيد بالصندوق عن الخط المرسوم له في السياسة ‏الليبرالية المالية المتحررة من القيود والمنفلتة من الضوابط لانها في نظره ونظر العالِم ‏الاقتصادي الكبير المؤيد له جوزيف ستيغلتز ‏Joseph Stiglitz‏ غير منتجة كما يُزعم ، ‏وتفتقر تماما للكفاءة والاستقرار وكانت السبب الاول للازمة المالية العالمية التي أنفجرت في ‏صيف 2008.‏
ويقول ويتني : لقد حاول سترواس – كان أن يوجه الصندوق اتجاها ايجابيا جديداً لا ‏يؤدي بالحكومات الى التخلي عن سيادتها لتصبح اقتصاداتها مرتعاً لرأس المال الاجنبي الذي ‏يدخل البلاد بسرعة فيرفع الاسعار ويخلق شركات الفقاعات المالية ثم ينسحب بارباحه مخلفاً ‏وراءه كارثة البطالة والمصانع المعطلة والركود العميق .. كما بدأ ستروس – كان بارساء ‏خطة جديدة للصندوق لا يجبر بها تلك الحكومات على خصخصة الصناعات والمؤسسات ‏الخدمية التي تملكها الدوله كما كان يحدث في الماضي ، ولا يشترط عليها (( سحق )) النقابات ‏العمالية أو تخريبها من الداخل .. وقد قال في محاضرة له مؤخراً في معهد بروكنغ : (( إن ‏جوهر وظيفة الصندوق توفير العمالة وتحقيق العدالة فهما حجرا الأساس في الاقتصاد ‏المزدهر والاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي )) كما دعا في محاضرته في جامعة جورج ‏واشنطن في أول أيار 2011 الى إعادة النظر في العولمة التي عمقت الفجوة بين الاغنياء ‏والفقراء وإلى ضرورة توزيع الدخل على اساس تنظيم جديد للشركات المالية وهو كلام خطير ‏يعني أن رئيس الصندوق بدأ يخطط لاعادة توزيع الثروة ( يا للهول ! ) فهل يمكن أن يرضى ‏كبار رجال الاعمال بمثل هذا الكلام ؟ والى متى يصبرون عليه قبل أن يرسلوه في اجازة ‏ابدية ؟.. وهنا أيضاً قال ستغلتز: أراهن أنهم لن يصبروا طويلاً بعدما أصبح ستروس – كان ‏عبئا ثقيلا وعائقاً مزعجاً ينبغي التخلص منه ولو بطريقة خسيسة فقد خرج عن الخط المرسوم ‏وغامر بدخول المنطقة المحظورة ولا بد من سحقه كالحشرة بعد أن وقّع على شهادة وفاته ‏بيده !! ‏
ويُنهي الكاتب مايك ويتني كلامه بالتساؤل : هل كان هذا الرجل المعروف بحكمته ‏وحصافته ساذجاً لكي يعتقد أن ملوك البنوك وأصحاب الشركات الكبرى المتمتعين بحماية ‏الصندوق في نهبهم لثروات العالم وتحقيق المزيد من الارباح ولو على حساب فقرٍ أعم وأعمق ‏لكل الآخرين يمكن أن يرحبوا بسياسته الجديدة ويصبحوا فجأةً أصحاب ضمائر رحيمة يمدون ‏اليد لمساعدة الانسانية المعذبه ؟ (( يا ناس )) أفيقوا على الحقيقة والواقع .. ‏
وبعد .. أفلا يذكرّنا هذا المقال بما فعله بنا صندوق النقد الدولي وتوأمه البنك الدولي ‏وما تعانيه اليوم جراء ذلك من مديونية خانقه وعجز خطير في الموازنه ؟ ‏
‏ ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق