30 /6 /2011
دومنيك ستروس – كان .. الوجه الآخر !
د. زيد حمزه
لست معنيا بالفضيحة الجنسية التي أسقطت الفرنسي دومنيك ستروس – كان عن عرش أكبر مؤسسة مالية واقتصادية في العالم هي صندوق النقد الدولي ، ففي الدول الغربية التي قطعت أشواطاً شاسعة في ابتعادها عن النظر الى الممارسات الجنسية على أنها خطايا أخلاقية كما تفعل بلاد أخرى محافظة ، لا يمكن التصديق بأن القصد من الفضيحة تلطيخ سمعة الرجل لدى عائلته ومجتمعه بل أمر آخر أخطر وأكبر كَشَفَ عنه مايك ويتني Mike Whitney في مقال له فيI.C.H. بتاريخ 15 /5 /2011 إذ قال: هناك رائحة مشبوهة تنبعث من قصة شتروس – كان لأن للرجل اعداءاً كثيرين كأولئك الذين ينافسهم على منصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة عن الحزب الاشتراكي الفرنسي ومن بينهم ساركوزي ، والأهم منهم أولئك الذين يشكلون أئتلاف البنوك الغربية وقد دأبوا عبر قرنين من الزمان على تحقيق مصالحهم الجشعه بتطبيق سياسة مالية تمتعت في العقود الاخيرة بحماية صندوق النقد الدولي وهبطت بالغالبية العظمى الى مستويات سحيقة من الفقر واليأس، وقد فوجئوا بالسيد ستروس – كان أخيراً يحيد بالصندوق عن الخط المرسوم له في السياسة الليبرالية المالية المتحررة من القيود والمنفلتة من الضوابط لانها في نظره ونظر العالِم الاقتصادي الكبير المؤيد له جوزيف ستيغلتز Joseph Stiglitz غير منتجة كما يُزعم ، وتفتقر تماما للكفاءة والاستقرار وكانت السبب الاول للازمة المالية العالمية التي أنفجرت في صيف 2008.
ويقول ويتني : لقد حاول سترواس – كان أن يوجه الصندوق اتجاها ايجابيا جديداً لا يؤدي بالحكومات الى التخلي عن سيادتها لتصبح اقتصاداتها مرتعاً لرأس المال الاجنبي الذي يدخل البلاد بسرعة فيرفع الاسعار ويخلق شركات الفقاعات المالية ثم ينسحب بارباحه مخلفاً وراءه كارثة البطالة والمصانع المعطلة والركود العميق .. كما بدأ ستروس – كان بارساء خطة جديدة للصندوق لا يجبر بها تلك الحكومات على خصخصة الصناعات والمؤسسات الخدمية التي تملكها الدوله كما كان يحدث في الماضي ، ولا يشترط عليها (( سحق )) النقابات العمالية أو تخريبها من الداخل .. وقد قال في محاضرة له مؤخراً في معهد بروكنغ : (( إن جوهر وظيفة الصندوق توفير العمالة وتحقيق العدالة فهما حجرا الأساس في الاقتصاد المزدهر والاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي )) كما دعا في محاضرته في جامعة جورج واشنطن في أول أيار 2011 الى إعادة النظر في العولمة التي عمقت الفجوة بين الاغنياء والفقراء وإلى ضرورة توزيع الدخل على اساس تنظيم جديد للشركات المالية وهو كلام خطير يعني أن رئيس الصندوق بدأ يخطط لاعادة توزيع الثروة ( يا للهول ! ) فهل يمكن أن يرضى كبار رجال الاعمال بمثل هذا الكلام ؟ والى متى يصبرون عليه قبل أن يرسلوه في اجازة ابدية ؟.. وهنا أيضاً قال ستغلتز: أراهن أنهم لن يصبروا طويلاً بعدما أصبح ستروس – كان عبئا ثقيلا وعائقاً مزعجاً ينبغي التخلص منه ولو بطريقة خسيسة فقد خرج عن الخط المرسوم وغامر بدخول المنطقة المحظورة ولا بد من سحقه كالحشرة بعد أن وقّع على شهادة وفاته بيده !!
ويُنهي الكاتب مايك ويتني كلامه بالتساؤل : هل كان هذا الرجل المعروف بحكمته وحصافته ساذجاً لكي يعتقد أن ملوك البنوك وأصحاب الشركات الكبرى المتمتعين بحماية الصندوق في نهبهم لثروات العالم وتحقيق المزيد من الارباح ولو على حساب فقرٍ أعم وأعمق لكل الآخرين يمكن أن يرحبوا بسياسته الجديدة ويصبحوا فجأةً أصحاب ضمائر رحيمة يمدون اليد لمساعدة الانسانية المعذبه ؟ (( يا ناس )) أفيقوا على الحقيقة والواقع ..
وبعد .. أفلا يذكرّنا هذا المقال بما فعله بنا صندوق النقد الدولي وتوأمه البنك الدولي وما تعانيه اليوم جراء ذلك من مديونية خانقه وعجز خطير في الموازنه ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق