الاثنين، 19 سبتمبر 2011

ما زال السؤال.. من يملك الصحيفة؟

«في جلسة نادرة كأنها ندوة فكرية طال التحضير لها، دار النقاش الهادئ حول الصحافة في بلدنا، دورها ووظيفتها، علاقتها بالوطن والحكومة والشعب، حدودها وحقوقها وواجباتها.. وكان هناك هجوم وكان هناك دفاع، كانت هناك مفاهيم مثالية عن حرية الصحافة وكان هناك توضيح واقعي للحدود التي على الصحافة الا تتعداها.. كان هناك كلام كثير عن الصحافة الرسمية»المقولبة» والصحافة الشعبية المتحررة من كل القيود، كان هناك نقاش حول الاخطاء التي تقع فيها الصحيفة والعقوبات التي تصدر بحقها، من المسؤول عن الاخطاء ومن المسؤول عن حجم العقوبة؟ من الذي يحاسب ومن الذي يعاقب؟ من يحمي الصحيفة من حكم جائر ومن يحمي أمن الوطن من صحيفة تزعزع ثقة المواطن؟ وتشعّب الحديث حتى كاد ان يتوه في التفاصيل الصغيرة التي لا معنى لها ولا جدوى وراءها، وعادت الامور الى نصابها حينما طُرح السؤال الكبير: من يُصدر الصحيفة؟ من يملكها ويدير فعلا تحريرها؟ وبالاجابة على هذا السؤال يمكن تفسير الحرية الصحفية في مختلف البلدان وتطبيقه على مختلف الصحف في العالم..

هناك ثلاثة انواع من الصحف في العالم:

صحف تصدرها حكومات باسم الحزب الواحد كما في الدول الاشتراكية وبعض الدول العربية.

صحف تصدرها الاحزاب السياسية في البلاد المتعددة الاحزاب كما في ايطاليا وفرنسا وبريطانيا.

صحف تصدرها مؤسسات صحفية كبيرة»وهي في الاصل شركات تجارية مالية ضخمة» كما في امريكا وغيرها..

وانطلاقا من هذا التصنيف يمكن تطبيق معادلة الحرية الصحفية وتفسيرها بطريقة عملية مادية لا ظل فيها للمثاليات والشعارات. ففي النوع الاول ليست هناك حرية صحافة بالمعنى الليبرالي المجرد، وانما الصحف خادمة لكل اهداف ومبادئ الحزب أو الحكومة التي يفترض فيها انها تخدم مصالح الشعب. وفي النوع الثاني يكون التزام الصحيفة بمبادئ الحزب الذي تمثله وتعبر عن اهدافه هو ما يحكم سياستها ونوع مقالاتها وتعليقاتها، ويكون الحزب هو المسؤول عن اخطائها ومعاقبة المخطئين فيها، وحتى في هذا النوع من الصحافة ليست هناك حرية مطلقة تجاه الوطن وأمن الدولة، بل هناك قيود غير مرئية تخضع لها جميع الصحف مهما تعددت ألوانها وتنوعت مبادئ احزابها.. أما في النوع الثالث حيث الصحف تصدرها المؤسسات الصحفية المالية الكبرى فالتزام الصحيفة أمر تلقائي نحو المؤسسة التي تصدرها كما أنها مرتبطة بمؤسسات مالية اخرى ذات نفوذ كبير كشركات الدعاية والاعلان.. وتحرير هذه الصحف يتحرك حركة واسعة في خدمة الطبقة التي تملكها، والحرية فيها تبعا لذلك فضفاضة حتى لتكاد تطمس كل الحريات الحقيقية للفئات والطبقات الاخرى، وهذه المؤسسات الصحفية فوق ذلك تنتمي في جوهرها للنظام الحاكم.. اذن فهي وبرغم كل مظاهر الحرية تبقى»مقيدة» بمبادئ الطبقة الحاكمة في مجتمعها.

وبعد.. فهل هذه كل انواع الصحف في العالم؟ الواقع ان هناك انواعا صغيرة اخرى كثيرة لا تدخل في هذه الابواب التي عددتها، ولا يهمنا هنا منها الا نوعان نعرفهما وينبغي لنا ان نحللهما:

النوع الاول.. صحافة لبنان التي كانت تصدر في جو غير طبيعي من الحريات ربما كان سببه الحقيقي»غيبة الدولة»، وكان وراء معظم تلك الصحف سفارات او جهات أجنبية أو احزاب سياسية ليست بلا ارتباطات خارجية.

والنوع الثاني.. في الاردن، صحف قليلة معروفة يملكها ويصدرها شخص أو بضعة اشخاص ( الى ان صدرت»الشعب».. التي تملكها شركة يساهم فيها اكثر من الف مواطن.. ) هذه الصحف في بلدنا تمثل من ياترى؟ ما الذي يحكم سياستها ومن الذي يرسم لها الطريق؟ هل تتحكم فيها عوامل الربح والخسارة.. أم تندفع فقط وبطريقة مثالية في خدمة الاهداف الوطنية الكبرى والمبادئ الانسانية السامية؟ هل يلتزم محرروها بسياسة الحكومة ام بمطالب الناس ام باجتهاداتهم الشخصية؟ هل ترتبط كل صحيفة بسياسة معينة تخدمها ولا تحيد عنها أم انها تميل مع الريح وتتجاوب مع الظروف؟!

ان الجريدة التي يملكها شخص او بضعة اشخاص، كل محرريها مجندون للكتابة فيما يرضي هذا المالك، وقد يكون صاحب فكر سياسي معين لا يتفق مع افكارهم ومبادئهم، اذن فالحرية الصحفية هنا تحدها رقابة المالك قبل ان تصل حدود الرقابة الحكومية!

والمالك يهمه بالدرجة الاولى الا تتوقف جريدته عن الصدور، لذلك يجد نفسه في كثير من الحالات يحابي الجانب الرسمي-ربما دون اقتناع-حتى لا يتعرض للخسارة المالية، ومن جهة اخرى سيجد نفسه مضطراً في كثير من الاحيان لمسايرة افكار سياسية حتى لو كان في قرارة نفسه يمقتها جريا وراء مزيد من التوزيع ومزيد من الربح وطلبا للتفوق في المنافسة مع باقي الصحف، ومع ذلك فان اقلاما شجاعة تُفلت بين الحين والاخر من بين كل القيود لتسجل صفحات ناصعة في تاريخ الصحافة ويتحمل اصحابها في سبيل ذلك المنع والقمع..».

وبعد.. فهذا مقال كتبتُه في جريدة»الشعب» قبل خمس وثلاثين سنة (10 آب 1976) عن حديث دار على عشاء اقامه صديق وشارك فيه زيد الرفاعي ( بعد استقالته من رئاسة الحكومة ) وسليمان عرار ومحمد البشير ( وزيرا الداخلية والصحة في الحكومة الجديدة التي شكلها مضر بدران ) وكاتب هذه السطور، ولقد خطر لي استعادته بعد أن سمعت مؤخراً عن احتمال بيع إحدى صحفنا اليومية والخوف من تخلي ((المشتري)) عن مبدأ «الفصل بين ادارة تحرير الجريدة وصاحب رأس المال»! فهل سلّطتُ بذلك بعض ضوءٍ «قديم» على.. مشكلة»جديدة»!؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق