الاثنين، 19 سبتمبر 2011

بعد أربعين عاماً.. لا اعتزال!

ليس شأنا شخصياً حديثي المتكرر عن مكافحة التدخين، وليس بدواعي المهنة الطبية فقط واصلت مع غيري هذا الجهد «الاجتماعي الصحي» لأكثر من أربعين عاماً أي منذ أقلعتُ عن التدخين وبدأت أتلمس طريقي لمحاربة هذه الآفة في بلدي، وفي بلاد أخرى كما سيأتي فيما بعد.. وحين أبدعتْ وزارة الصحة عام 1977 استنباطَ الشكل القانوني لمكافحة التدخين من فصل «المكاره الصحية» في قانون الصحة العامة رقم 21 لسنة 1971، اعتبرنا ذلك «تخريجة» ذكية بدوافع خيّرة أتاحت الفرصة عام 1981 لظهور الجمعية الوطنية الأردنية لمكافحة التدخين التي أسسها الدكتور زهير ملحس وحمل لواءها محاربا صادقاً لزمان طويل.. وقد أنجزتْ هذه الجمعية بالتعاون - طوال الطريق - مع وزارة الصحة ما لولاه لكان ضيقُنا هذه الأيام بشرور انتشار التدخين أشد وطأة، ولكانت حسرتنا من ارتفاع نسبة المدخنين بين شبابنا وشاباتنا أدعى للقلق المُمضّ، وفي كلا الحالين لسنا متشائمين ولسنا قانطين..

في تاريخ مكافحة التدخين يكفينا فخراً أن بلدنا كان من اسبق دول العالم في منع الإعلان عن التبغ ومشتقاته ولم تكن المهمة سهلة فقد واجهنْا ضغوطاً متواصلة مارستها شركات الإعلانات لكن الموقف المشرّف لصحفنا وإذاعتنا وتلفزيوننا احبطها، كما عانينا من حرب شرسة شنّها «المتضررون» في صناعة السجائر لأنهم خَشَوْا بعض الهبوط في أرباحهم الفاحشة التي يجنونها من إمراض الناس بسمومهم ومخدراتهم «المشروعة»! وهو ما يذكرني بموقف اعتز به حين كنت ذات يوم من عام 1986 على منصة الرئاسة في منظمة الصحة العالمية في جنيف أُرحّبُ بكلمة وزير الصحة الايرلندي التي أعلن فيها عن نية حكومته سن قانون لمنع الإعلان عن السجائر ثم اقترحُ على المنظمة اصدار قرار يدعو الدول الأعضاء لسن مثل هذا التشريع كما فعل الأردن عام 1977، وإذا ببعض الصحف السويسرية في اليوم التالي تهاجمني لأني «خرقت مبدأ الحياد الذي ينبغي على الرئيس الالتزام به»! وقد تبّين بعد ذلك بسنوات اثناء التحقيق في قضايا فساد داخل المنظمة أن احد موظفيها كان في نفس الوقت «عميلاً سرياً» لشركات التبغ وربما كان هو الذي أبلغها بتعليقي وأشار عليها «قانونيا» بان تومي للصحف التي لها عليها نفوذ «إعلاني» بأن تنتقدني! المهم إن اقتراحي على المنظمة والذي أيده الكثيرون استمر في ضميرها أمداً طويلاً ونال من الدراسات الكثير حتى تمخض عن الاتفاقية الاطارية لمنع اضرار التدخين وقد صادقت عليها الحكومة الأردنية في عام 2008 فشكلت نقطة انطلاق جديدة لمكافحة التدخين في بلدنا..

وبعد.. في تشرين الأول من عام 2009 شرفني رفاق الدرب في الجمعية الوطنية الأردنية لمكافحة التدخين برئاستها وها قد انقضت الدورة التي واصلت فيها مع زملائي في الهيئة الإدارية ما بدأه الأولون.. ولا أنوي التجديد، ليس تخلياً عن المسؤولية بل إيماناً بالتداول وباتاحة المجال لتدفق الدماء الشابّة وبضرورة تخفيف أعبائي وأنا مشرف على الثمانين، وليس اعتزالاً لاني سأبقى جنديا بسيطاً في خدمة الفكرة النبيلة حتى آخر عمري..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق