الاثنين، 19 سبتمبر 2011

عن جمال الدين الأفغاني والماسونية!

ليس سهلاً مناقشة «ماسونية» رجل في حجم جمال الدين الافغاني (1838 - 1897) من خلال مقال قصير كهذا لكن تكرار الحديث عنها امامي ثلاث مرات هو ما ألح عليّ كي افعل، كانت الثالثة وهي الاخيرة حين استمعت لمحاضرة عنه قبل أيام للشاعر الاردني سليمان المشيني في المركز المجمعي المسكوني (الكنيسة اللوثرية) استنكر فيها أن تكون له علاقة بالماسونية «لأن اخلاقه ووطنيته وفلسفته العظيمة لا يمكن أن تسمح له بذلك». وكانت الثانية قبل بضعة اسابيع حين شاهدت حلقة في البرنامج الثقافي «عصير الكتب» الذي يقدمه الاديب المصري بلال فضل على قناة D2 وكان موضوعها كتابٌ عن تاريخ الحركة الوطنية المصرية منذ ثورة أحمد عرابي 1882 الى ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول، وقد تحدث مطولاً مع ضيفه الشاعر شعبان يوسف باسهاب وإعجاب عن جمال الدين الافغاني ودوره الفكري الثوري الرائد، لكنهما مرا على ماسونيته مرور الكرام ! أما الأولى والأهم فكانت قبل بضعة شهور حين قرأت في «احاديث الثلاثاء - كلمات لمثقفين عراقيين» بحثاً مطولاً عن «الماسونية في البلاد العربية» بقلم نجدة فتحي صفوة وفي جزء منه دخول هذا المصلح الكبير في الحركة الماسونية إذ انتسب للمحفل المصري (كوكب الشرق) التابع للمحفل الاعظم الإنجليزي في عام 1875 وطلب انتسابه محفوظ في مكتبة البرلمان الايراني «... ارجو من اخوان الصفا وأستدعي من خلاّن الوفا أعني ارباب المجمع المقدس الماسون، الذي هو عن الخلل مطهر، أن يمنوا علي ويتفضلوا إليَّ بقبولي في سلك المنخرطين في ذلك المنتدى المفتخر...» ثم اخذ يرتقي في مراتب الماسونية سريعاً حتى وصل بعد ثلاثة اعوام الى مرتبة الرئاسة، ويتابع نجدة صفوة: وكان الافغاني في بداية اقامته في مصر بعيداً عن السياسه، يتجنب خوضها في احاديثه التي اقتصرها على شؤون الاصلاح الديني والاجتماعي ولكنه اخذ يتحول عن هذا الموقف تدريجياً مما ادى الى ظهور خلاف بينه وبين اعضاء المحفل فقد قال له احدهم: إن الماسونية لا دخل لها في السياسة وإننا نخشى على محفلنا هذا من بأس الحكومة وبطشها، فرد عليه الافغاني قائلاً: «كنت أنتظر أن أسمع وأرى في مصر كل غريبة وعجيبة، ولكني ما كنت أتخيل أن الجبن يمكنه أن يدخل من بين اسطوانتي المحافل الماسونية... أول ما شوّقني للعمل في بناية الاحرار (يريد الماسون) عنوانٌ كبيرٌ خطير: حرية، مساواة، إخاء، غرضه منفعة الانسان، سعيٌ وراء دك صروح الظلم، تشييدُ معالم العدل المطلق، ولكن مع الاسف ارى جراثيم الأثرة، والأنانية، وحب الرئاسة، والعمل من جماعات بمقتضى اهوائهم وغير ذلك من الأمور التي ما تأسست الماسونية الحرة إلا لملاشاتها...»، وعلى إثر هذا الخطاب انسحب الافغاني من المحفل لكنه لم ينسحب من الماسونية بل أسس محفلاً جديداً برئاسته وجعله تابعا «للشرق الأعظم الفرنسي» وانضم اليه اصحابه وتلاميذه ونجح المحفل الجديد نجاحاً فائقاً وبلغ عدد أعضائه ثلاثمائة وكانوا جميعاً من المفكرين والعلماء والوجهاء، وأصبح الأفغاني شخصية سياسية لها وزنها واخذ يكتب في الصحف ويخطب في الجماهير ثم الفّ حزبا سياسيا باسم «الحزب الوطني الحر» وكان له دور كبير في تنحية الخديوي اسماعيل عن الحكم وتنصيب توفيق خديويا مكانه، وكان هذا ماسونيا ورئيس شرف للمحافل الماسونية، كما كان محباً للافغاني معجبا بأفكاره ولذلك شعر هذا في عهده كأن الدولة المصرية كلها اصبحت طوع يده فاخذ يوجه اعضاء محفله نحو العمل الجدي لاصلاح الجهاز الحكومي فجعلهم عدة فئات واناط بكل فئة منهم مراقبة الدوائر في وزارة من الوزارات إحداها للحقانية وأخرى للمالية وثالثة للاشغال ورابعة للجهادية وهكذا، ثم تتصل كل منها بالوزير المختص وتبلغه بآرائها ومطالبها بأسلوب حازم صريح. ولم يكتف الأفغاني بذلك بل صار يطالب بالدستور وبإقامة نظام نيابي في مصر مما أدى إلى نشوب الخلاف بينه وبين الخديوي توفيق الذي حاول حمله على الكف عن هذه الدعوة، فلما أخفق في ذلك نفاه من مصر، إذ أُلقي القبض عليه في ليلة 26 أغسطس «آب» سنة 1879 ونُقل إلى باخرة كانت في طريقها الى الهند. ويقول الدكتور سامي عزيز: «يلاحظ من دراسة تاريخ الأفغاني أن الإنجليز سكتوا عنه وهو في مصر طالما كان عضوا في الماسونية الانجليزية ولكنه عندما خرج عليها وأنشأ المحفل التابع للشرق الفرنسي وأخذا يهاجم سياسة بريطانيا، عندئذ أشاروا على توفيق بضرورة التخلص منه».

وبعد.. ففي معرض الحديث عن ماسونية جمال الدين الافغاني وهل استخدمها أم استخدمته، نتذكر كثيرين سواه ممن احترمنا، ومازلنا، تاريخهم الفكري والنضالي أمثال الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وسعد الله الجابري وفارس الخوري والامير المجاهد عبد القادر الجزائري فاستغربنا انضمامهم للماسونية، رغم معرفتهم بالفتاوى الدينية الاسلامية ضدها وموقف الكنيسة الكاثوليكية الرافض لها ثم الآراء السياسية والفلسفية التي تناهضها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق