26 /5 /2011
الاساتذه .. قادمون !
د . زيد حمزه
لا يكفي أن أقول للقراء من الاجيال الجديدة أن أُولى نوافذ الاعلام التي انفتحت أمام جيلنا كانت الصحف المصرية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، فتلك (( أيام لها تاريخ )) على حد تعبير أحمد بهاء الدين في عنوان احد كتبه القليلة العظيمة ، حيث العالم بعد الحرب العالمية الثانية والانتصار على النازية والفاشية يضطرم باشواق الشعوب المتطلعة للحرية والاستقلال، ومن القاهرة يهب علينا نسيم الفكر السياسي محمولاً على مجلات وجرائد تتحدث عن الحياة الحزبية والانتخابات البرلمانية وتطفح بمقالات حماسية تطالب برحيل الاستعمار البريطاني وبجلاء قواته عن قناة السويس وتفضح فساد صفقات الاسلحه في حرب اغتصاب فلسطين، ويتجرأ كتابٌ شبابٌ يكسرون حواجز الخوف ويواجهون سلطة مستبدة حاملين ألوية التغيير متعاونين سراً مع الضباط الاحرار وصولا الى ثورة يوليو 1952، ومن بينهم احسان عبد القدوس واحمد بهاء الدين وعبد الرحمن الخميسي وعبد الرحمن الشرقاوي وصلاح حافظ ويوسف إدريس وكامل زهيري وفتحي غانم وخالد محمد خالد، يكتبون في (( روز اليوسف ))، وفي (( المصري )) (صحيفة حزب الوفد ذي الشعبية الواسعه) ويزحزحون عن مواقعهم كتابا كباراً كفكري أباظة ومحمد عبد القادر المازني ومصطفى امين واحمد الصاوي محمد ومحمد التابعي كانوا قد ازمنوا في صحف (( المصور )) و(( اخبار اليوم )) و(( آخر ساعه )) .
حتى احتواها السادات في السبعينات بقيت الصحف المصرية محتفظةً بمستوى مهني جيد وقدرات فنية متقدمه، لكنْ وحدها (( روز اليوسف )) استطاعت بصعوبة ولفترة محدودة أن تتمسك ببقية من هويتها المتفرده ومذاقها المختلف، لا بمن صمد من محرريها الشجعان فحسب بل كذلك بالمبدعين من رسامي الكاريكاتير السياسي الذين واصلوا السير على خطى الاوائل أمثال عبد السميع وزهدي وصلاح جاهين ومن بعدهم رجائي والبهجوري واللباد والليثي وحجازي والقائمة تطول ..
ثم .. لا يلبث الاعلام المصري أن يدخل في نفق معتم طويل ويصبح الصحفيون مجرد أحجار شطرنج ينقلها بين المؤسسات الصحفية على هواه رجلٌ واحد لم يتزحزح عن مواقع المسؤولية لاربعة عقود منذ نجح أول مرة في التقاط صور سرية ابتزازية لسياسيٍّ مع امرأة ! فهبطت الى الحضيض صحافة سُميت (( قومية )) وما هي في حقيقة الأمر إلا حكومية مأمورة تنضح نفاقاً وخداعاً .. أما التلفزيون الرسمي وبعد أن كانت له الريادة على مستوى الوطن العربي فقد راح يتراجع ويخبو بريقه ويلوّثه الفساد حتى أنبلج فجر الثورة في 25 يناير فإذا بالمواهب التي أُحبطت وقُمعت ومنُعت ردحا من الزمن تقفز الى المشهد المضيء فيبهرنا اصحابها من مذيعين ومحاورين مثل يسري فوده ومنى الشاذلي ووائل الابراشي وعمرو الليثي وأبراهيم عيسى وريم ماجد وبلال فضل واحمد المسلماني وحسن فوده وأماني الخياط وجابر القرموطي والكبير دائماً حمدي قنديل ونتسمر أمامهم لساعات طويلة نتأمل باحترام واعجاب قدراتهم ومهنّتيهم وجرأتهم وأدبهم الجم ونتمنى لو تواضع بعض اعلاميينا وانتسبوا لمدرستهم ! ..
وبعد .. ألم أقل منذ العنوان .. الاساتذه قادمون ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق