12 /6 /2010
.. ويكتب الآخرون تاريخنا !
د. زيد حمزه
إذ نعترف بأن صعوبة بالغة تواجه من يكتب سيرته الذاتية أو يحاول ذلك ! فأننا ندرك أنها تختلف شدةً من بلد لآخر، ليس فقط حسب نظام الحكم فيه ومدى قربه أو ابتعاده عن الديمقراطية بل حسب قيمه وتقاليده الاجتماعية أيضاً وبما يشمل علاقات الافراد والعائلات والعشائر .. والمذاهب ! وندرك كذلك أن هذه الصعوبة تزداد اكثر فأكثر عند التصدي لكتابة سير الآخرين، فقد تثير صداماً مع من يدّعون أنهم (( أصحاب الحق )) في هذه السير، بدءاً بالاهل الأقربين ومروراً بالأبعدين في العشيرة الكبيرة وإنتهاءً بالدولة نفسها إذا كان صاحب السيرة قد تبوأ مناصب سياسية هامة ولعب دوراً ما في قراراتها المصيرية ..
ومع أن كتابة السيرة مسؤولية جسيمة تتطلب البحث والتقصي مع درجة عالية من الموضوعية فان ذلك لا يشفع لكاتبها عند المعترضين على نهجه والمختلفين معه على استنتاجاته وذلك إما لغرض في أنفسهم أو خدمةً لمصالحهم، أو بسبب غياب ثقافة احترام الرأي الآخر لديهم وهو السائد في مجتمعاتنا عموماً ..
في الذهن أمثلة عديدة بعضها شخصي سأطرحه جانباً وكثير منها عام يستحق الاهتمام لأن له علاقة بتاريخ هذا البلد، وسأقف وقفة قصيرة عند واحد من أكثر الشخصيات الاردنية حضوراً سواء اختلفنا معه أم اتفقنا، ذلكم هو وصفي التل الذي ألّف الوزارة ثلاث مرات ( 1962 و1965 و1970) في نقاط زمنية فاصلة من حياة الاردن على الصعيدين الداخلي والخارجي ..
أعرف أن مقالات كثيرة دُبجّت في صحافتنا منذ مصرعه في تشرين ثاني 1971 لا ترقى لمستوى الدراسة النقديه الرصينة لحياته الحافلة بالمعارك كما أنها – في تقديري – لا تتجاوز المديح العاطفي من قبل محبيه والمعجبين به أو الثناء عليه من قبل المتعصبين لمواقفه وليس بينها ما يعبر عن رأي المخالفين لأفكاره والمنتقدين لسياساته، لكني لا أعرف كتاباً (( أردنيا )) أرّخ لوصفي التل يمكن أن يدخل المكتبات المرموقه ويصطف بين كتب السِيَر التي تتحدث عن ساسة كبار تركوا بصمات واضحة في تاريخ بلادهم والرجل بالنسبة للاردن واحد من هؤلاء، ومرة أخرى سواء اتفقنا معه أم اختلفنا ..
ما دفعني لأثارة هذا الموضوع هو ما عثرت عليه بالصدفة من حديث عن وصفي التل في الفصل الثامن من كتاب (( إيفي شلايم )) الاخير (2009) (( إسرائيل وفلسطين )) بناء على معلومات وردت في كتاب ايشر سوسر بعنوان (( على ضفتي الاردن / سيرة سياسية لوصفي التل)) الذي صدر في تل أبيب عام 1983 بالعبرية ثم نشر بالانجليزية في لندن عام 1994 ..
وبعد .. لا أريد أن أعلق على ما قاله ايفي شلايم عن وصفي التل قبل أن أقرأ كتاب سوسر، لكن سؤالاً واحداً يحوم في رأسي ويسبب لي صداعاً، هو: لماذا نرضى أن يكتب الآخرون تاريخنا، ونتهيّب القيام بهذه (( المهمة )) بأنفسنا ؟! ثم نقمع من يتصدى لها من بين ظهرانينا !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق