17 /6 /2010
أقدس من كل المقدسات !
د . زيد حمزه
ليس من عادتي أن أكتب عن حدث (( ساخن )) فمقالي اسبوعي تسبقه عشرات المقالات اليومية التي يمكن أن تكون قد ناقشت ذلك الحدث حتى أصبح (( بارداً )) لا يحتمل مزيداً من التعليق، لكن الأمر اختلف قليلا مع ما حدث للمراسلة الصحفية الأميركية هيلين توماس لأجدني اليوم اكتب عنها بعد أن شاهدت على الانترنت شريطاً مصوراً لما فاهت به وأثار عليها غضب الذين اصطادوها لكي تقوله !
التاريخ : 27/5/2010، المكان : احدى حدائق واشنطن، المشهد: سيدة مسنه (92عاماً) وقد تقاعدت لتوها، تجلس مع اصدقاء على احد المقاعد الخشبية مستمتعةً بالشمس حين اقتحم عليها خصوصيتها بلا موعد مسبق الحاخام ديفيد ناسوناف عضو منظمة التراث اليهودي Jewish Heritage ( واظنها إحدى جماعات اللوبي الاسرائيلي في أميركا ) الذي يعمل صحفياً في البيت الابيض ويعرف أفكارها جيداً وقد باغتها – ومعه كاميرته – بسؤال عن إسرائيل فاجابته وهي تضحك وبحركة تنم عن عدم اكتراث (( لماذا يطردون الناس من أرضهم التي عاشوا فيها لمئات السنين ؟ دعهم يعودون من حيث أتوا )) وبالطبع عرف من تقصد فسألها: أين يذهبون؟ قالت الى بولندا وألمانيا .. وحتى أميركا ! وبعد أن هلّل سعيداً بنجاحه في اقتناصها ثم اصطنع الدهشة من اجابتها قال: اتعرفين تاريخ تلك المنطقة جيداً ؟ أجابت : بكل تأكيد ، فلا تنسَ أن أصلي عربي ! وهنا كانت مصيدته قد أطبقت عليها تماماً .
قام الراباي ناسوناف (( بتحرير )) الشريط أو بالاحرى الجزء الذي اقتطعه ولا يزيد عن دقيقة واطلقه من موقعه على الانترنت الى كل أنحاء الدنيا ليثير فوراً مسلسل الارهاب الفكري بالهجوم عليها وتشويه إنجازاتها المهنية التي عرفت بها على مدى ستين عاماً حتى أصبحت عميدة المراسلين الصحفيين في البيت الأبيض . ثم جاء أخيراً الانتقام الذي لم يرحم شيخوختها بحرمانها من حقوقها التقاعدية وسحب بطاقتها الصحفية .
لا أنوي الدفاع عن صحفية كبيرة مثل هيلين توماس جرى استغلال جوابها العابر على سؤال طرح عليها وهي تتشمس في حديقة لا في مقابلة اعلامية جادة فهي أقدر على ذلك سيما وأنها تعلم أكثر من غيرها ألا احد من العرب أنفسهم في هذه الايام يجسر علناً على مطالبة (( المهاجرين )) اليهود الذين تدفقوا على فلسطين من اوروبا وسواها وحلوا محل سكانها الاصليين أن يعودوا من حيث أتوا، فقد تغيرّت الدنيا وأصبح أقصى ما يمكن المطالبة به هو (( عودة )) المستوطنين اليهود من الضفة الفلسطينية الى (( وطنهم )) اسرائيل !
وبعد .. في بلد ديمقراطي يحترم الرأي الآخر ويرعى النقاش الحر في أي موضوع مهما بلغت حساسيته ويتحمل انتقاد الاديان والتشكيك بالمعتقدات ولا يعاقب على الالحاد ولا يعترض على كتب تنسف التاريخ التوراتي من أساسه وتَسخُر من قصص الانبياء على أنها اساطير ويُنتج أفلاماً تسيء لسمعة السيد المسيح وامه مريم العذراء ، نعم .. في هذا البلد نفسه أصبحت إسرائيل فقط أقدس من كل المقدسات ولا يجوز مسُّها .. حتى بكلمة !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق