الأحد، 6 مارس 2011

‏17 /6 /2010 ‏
أقدس من كل المقدسات !‏
د . زيد حمزه

ليس من عادتي أن أكتب عن حدث (( ساخن )) فمقالي اسبوعي تسبقه عشرات المقالات ‏اليومية التي يمكن أن تكون قد ناقشت ذلك الحدث حتى أصبح (( بارداً )) لا يحتمل مزيداً من ‏التعليق، لكن الأمر اختلف قليلا مع ما حدث للمراسلة الصحفية الأميركية هيلين توماس لأجدني ‏اليوم اكتب عنها بعد أن شاهدت على الانترنت شريطاً مصوراً لما فاهت به وأثار عليها غضب ‏الذين اصطادوها لكي تقوله ! ‏
التاريخ : 27/5/2010، المكان : احدى حدائق واشنطن، المشهد: سيدة مسنه (92عاماً) ‏وقد تقاعدت لتوها، تجلس مع اصدقاء على احد المقاعد الخشبية مستمتعةً بالشمس حين اقتحم ‏عليها خصوصيتها بلا موعد مسبق الحاخام ديفيد ناسوناف عضو منظمة التراث اليهودي ‏Jewish Heritage‏ ( واظنها إحدى جماعات اللوبي الاسرائيلي في أميركا ) الذي يعمل صحفياً ‏في البيت الابيض ويعرف أفكارها جيداً وقد باغتها – ومعه كاميرته – بسؤال عن إسرائيل ‏فاجابته وهي تضحك وبحركة تنم عن عدم اكتراث (( لماذا يطردون الناس من أرضهم التي عاشوا ‏فيها لمئات السنين ؟ دعهم يعودون من حيث أتوا )) وبالطبع عرف من تقصد فسألها: أين يذهبون؟ ‏قالت الى بولندا وألمانيا .. وحتى أميركا ! وبعد أن هلّل سعيداً بنجاحه في اقتناصها ثم اصطنع ‏الدهشة من اجابتها قال: اتعرفين تاريخ تلك المنطقة جيداً ؟ أجابت : بكل تأكيد ، فلا تنسَ أن ‏أصلي عربي ! وهنا كانت مصيدته قد أطبقت عليها تماماً .‏
قام الراباي ناسوناف (( بتحرير )) الشريط أو بالاحرى الجزء الذي اقتطعه ولا يزيد عن ‏دقيقة واطلقه من موقعه على الانترنت الى كل أنحاء الدنيا ليثير فوراً مسلسل الارهاب الفكري ‏بالهجوم عليها وتشويه إنجازاتها المهنية التي عرفت بها على مدى ستين عاماً حتى أصبحت ‏عميدة المراسلين الصحفيين في البيت الأبيض . ثم جاء أخيراً الانتقام الذي لم يرحم شيخوختها ‏بحرمانها من حقوقها التقاعدية وسحب بطاقتها الصحفية . ‏
لا أنوي الدفاع عن صحفية كبيرة مثل هيلين توماس جرى استغلال جوابها العابر على ‏سؤال طرح عليها وهي تتشمس في حديقة لا في مقابلة اعلامية جادة فهي أقدر على ذلك سيما ‏وأنها تعلم أكثر من غيرها ألا احد من العرب أنفسهم في هذه الايام يجسر علناً على مطالبة ‏‏(( المهاجرين )) اليهود الذين تدفقوا على فلسطين من اوروبا وسواها وحلوا محل سكانها الاصليين ‏أن يعودوا من حيث أتوا، فقد تغيرّت الدنيا وأصبح أقصى ما يمكن المطالبة به هو (( عودة )) ‏المستوطنين اليهود من الضفة الفلسطينية الى (( وطنهم )) اسرائيل ! ‏
وبعد .. في بلد ديمقراطي يحترم الرأي الآخر ويرعى النقاش الحر في أي موضوع مهما ‏بلغت حساسيته ويتحمل انتقاد الاديان والتشكيك بالمعتقدات ولا يعاقب على الالحاد ولا يعترض ‏على كتب تنسف التاريخ التوراتي من أساسه وتَسخُر من قصص الانبياء على أنها اساطير ويُنتج ‏أفلاماً تسيء لسمعة السيد المسيح وامه مريم العذراء ، نعم .. في هذا البلد نفسه أصبحت إسرائيل ‏فقط أقدس من كل المقدسات ولا يجوز مسُّها .. حتى بكلمة ! ‏‎ ‎‏ ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق