الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

كم ننفق وكم ينفقون .. على الادوية ؟ 9/11/2014

كنت أعلم أن الولايات المتحدة هي أكثر بلاد العالم انفاقاً على الصحة وأعلم في نفس الوقت أن ذلك لا يعني نظاماً صحياً جيداً فسوءاته تبدو فاضحةً في الحقيقية الماثلة بأن حوالي خمسين مليون أميركي لا يغطيهم أي تأمين صحي وعليهم أن يتدبروا أمرهم لوحدهم وتخيلوا معي حال ((الفقراء)) منهم ! وكنت اعلم أن هذا الانفاق الباذخ الذي تنبأ جوزيف كاليفانو جونيور وزير الصحة في عهد كارتر في كتابه الذي نشره عام 1984 أنه سوف يبلغ في نهاية القرن حوالي 1,5 تريليون دولار وهو رقم هائل يذهب معظمه لمقدمي الخدمة الطبية في القطاع الخاص ! فهبّ في وجهه يومئذ منتقدوه واتهموه بتشويه سمعة وقدسية نظام السوق ! ولما ازف عام 2000 تبين أن الانفاق قد بلغ حقاً هذا الرقم ثم توالى الصعود حتى تجاوز الآن 2,7 تريليون دولار سنوياً لاسباب عديدة معروفة اولها غياب التأمين الصحي ((الحكومي)) الذي تتبناه معظم دول العالم وثانيها الانفاق المفرط على الادوية كما جاء في مقال بعنوان               Why We Allow Big Pharma to Rip Us Off كتبه Robert B. Reich في ICH في 6 تشرين أول الماضي وهو الاستاذ الاستشاري للسياسات العامة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ويُذكر أنه كان في السابق وزيراً للعمل في عهد الرئيس بيل كلينتون، وقال فيه ((ان أميركا تنفق على صحة الفرد الواحد أكثر من اي دولة في العالم مع أن هذا لا يعني ابداً أن صحة الاميركيين أفضل من صحة مواطني الدول المتقدمة الأخرى)).. ثم يركز على حصة الادوية من هذا الانفاق الكبير فيذكر أنها تصل الى 10% وهي نسبة عالية تحصل عليها صناعة الادوية وتزيدها وتضخمها باساليب متعددة كأن تدفع (!) لبعض الاطباء مكافآت مقابل الترويج لادويتها أو وصفها لمرضاهم وقد بلغ ما صُرف لهم في الاشهر الخمسة الاولى من عام 2013 وحسب الارقام الرسمية 380 مليون دولار وقد كانت حصة الواحد منهم تصل الى نصف مليون دولار وحصل عدد منهم على ملايين الدولارات عن مستحضرات دوائية ساهموا في تطويرها !   ويقول رايش: ((إن المبالغ التي تدفعها شركات الادوية للاطباء تمثل جزءً صغيراً من استراتيجيتها لتنظيف جيوبنا، فمثلا تقوم بتغيير بسيط على دواء قاربت مدة احتكار صناعته على الانتهاء، فيصبح بذلك دواءً جديداً يمنع البدائل الاصلية الرخيصة من النزول الى الصيدليات أو التداول في الاسواق، والنتيجة ارباح اكبر للشركات الدوائية وكلفة اكثر على المواطنين، ومثل آخر لطريقة أخرى هي شن حملات الدعاية لدواء معين تجعل المرضى يطلبونه من اطبائهم الذين كثيراً ما ينصاعون لهذا الطلب، وللعلم فان اميركا هي واحدة من عدد قليل من الدول المتقدمة التي تسمح قوانينها بالدعاية المباشرة للادوية التي يصفها الاطباء !!)).. ((وطريقة رابعة تلجأ لها شركات الادوية الكبرى هي عبارة عن رشوة مصانع الادوية الاصلية كي تؤخر طرح ادويتها البديلة الرخيصة فيما يسمىpay- for- delay agreement  ويحقق مصلحة مادية كبيرة للطرفين على حساب المستهلك المريض! وللعلم مرة أخرى فان هذا التلاعب اللاأخلاقي الذي لا تسمح بها اوروبا بقي مشروعاً في الولايات المتحدة لان أصحاب صناعة الادوية حاربوا بشراسه أي محاولة تشريعية يمكن أن توقفهم عند حدهم !)) .. ((وتزعم شركات الادوية أنها بحاجة لموارد اضافية حتى تغطي بها نفقات الابحاث المتعلقة بتطوير ادوية جديدة مع ان الحكومة في الواقع تقوم بمعظم هذه الابحاث التي تعتمد عليها الصناعة الدوائية الكبرى وذلك بواسطة المعاهد الوطنية للصحةNational Institutes of Health  فيما تتولى الصناعة الدوائية الانفاق على الاعلان والتسويق اكثر مما تفعل على الابحاث والتطوير! وهو أنفاق كبير يفوق ذاك الذي تروج به صناعة الاسلحة لمنتجاتها العسكرية !)) وينتهي الكاتب الى القول: ((كل ذلك لا يعرفه الجمهور الاميركي حق المعرفة أو أنه سلّم بان السوق الحر مستقل عن الحكومة لا بل يتربع فوقها !))

وبعد .. فان آخر الاسئلة ينبغي أن يخرج من عندنا: كم ننفق على الادوية من مجمل انفاقنا على الصحة في القطاعين العام والخاص ؟! تقول وثيقة ((الحسابات الصحية الوطنية في الاردن 2012 الصادرة عن المجلس الصحي العالي في آب 2014 إنه يبلغ 26,75 %، فهل هذا صحيح ومعقول ومقبول إذا قارناه بال 10% المشكو من بذخها في اميركا نفسها أم أن في الأمر خطأً لا أدركه ؟  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق