على مدى نصف قرن تقريباً وبتحديد أدق منذ هزيمتنا
المدوية في حرب حزيران 1967 وصعود ((العجرفة)) الاسرائيلية الى الأوج مختالةً بتحقيق أهدافها وانتصارها
على اعدائها واصلت الصهيونية حملتها الاعلامية التي كانت قد أطلقتها بعد النكبة
عام 1948 بهدف طمس الحقائق وتزوير وقائع التاريخ لتحويل صورة الفلسطينين كاصحاب حق
في وطنهم الى مجرد ((سكان)) عابرين في بقعة شرق
اوسطية ينبغي في النهاية الا يبقوا فيها وأن يتركوها (كلها) لاصحابها ((الأصليين)) من يهود العالم لأن
ربهم وعدهم بها ! وفي مواجهة ذاك الموج العرم لم يتمكن العقلاء والمنصفون من
مواطني اسرائيل أو من اصدقائها في اي بلد في العالم ان ينبسوا ببنت شفة، الى أن
بدأ الأمر يتغير قليلا في أواخر ثمانينات واوائل تسعينات القرن الماضي بظهور ما
سمي بالمؤرخين الجدد الذين تحركت ضمائرهم للبحث عن حقيقية ما جرى وذلك من خلال وثائق
الدولة العبرية نفسها فتبين لأولهم وهو بيني موريس ان الفلسطينيين لم يهاجروا من
وطنهم طوعاً أو بأوامر صدرت لهم من الزعماء العرب(!) بل طُردوا من قراهم ومدنهم
بقوة السلاح وتحت التهديد بالموت والاغتصاب وبعد مجازر رهيبة انفضحت في حينها فلم
يمكن اخفاؤها، وقد ألفّ عام 1987 كتابه الصادم لمصدقي المزاعم الصهيونية Problem The Birth of The
Palestinian Refugees ثم ولاسباب غير مجهولة لم
يلبث بعد بضع سنوات أن تراجع عن موقفه لا بل راح يثني على سيرة صهيوني متشدد كفلاديمير
جابوتنسكي ولا يمانع مثله في التطهير العرقي بحجة (( أن ذلك ضروري في بعض الظروف التاريخية كما جرى للهنود
الحمر في اميركا كي تصبح دولة ديمقراطية )) ! لكن آخرين شجعاناً من أولئك المؤرخين واصلوا السير على
درب الأمانة العلمية مثل اسرائيل شاحاك وإيلان بابه وايفي شلايم وتوم سيجيف رغم ما
لاقوا من العنت الرسمي و((الشعبي)) على حد سواء، كما ظهر فيما بعد شلومو ساند استاذ
التاريخ في جامعة تل أبيب لكي ينبش اعماق الزمن ويستخلص منه أن ((الشعب اليهودي)) وهمٌ وفريةٌ واسطورة
وذلك في كتابه ((اختراع الشعب اليهودي)) الذي صدر في عام 2008/
The Invention of the
Jewish People وأثار عاصفة من
الغضب والاستنكار ليس في اسرائيل فحسب بل حتى في الولايات المتحدة حيث عبرت مجلة
النيوزويك عن ذلك ((لأنه أكد ان اليهود لم يكونوا يوماً شعباً واحداً بالمعنى العلمي الجيني،
لذا فأن على اسرائيل ألا تبقى أسيرة الاعتقاد بالنقاء العرقي وأن تتبنى مفاهيم الديمقراطيات
الغربية)) وقالت عنه باتريك
كوهين في النيويورك تايمز ((أنه أثار في بريطانيا موجة واسعة من الجدل فقد استنكره
كثيرون كما امتدحه كثيرون)). هذا وقد أصدر شلومو زاند (كما يُلفظ اسمه بالعبرية) في
العام الماضي كتاباً آخر بعنوان How I Stopped Being a Jew ولا
أنوي التعليق عليه قبل ان أفرغ من قراءته بتمعن .
أما في دول أخرى غير اسرائيل فقد خرجت أصوات يهودية جريئة
تعبر عن رفض اصحابها من المفكرين المرموقين تصديق الدعاية الصهيونية المضلّلة التي
باتوا يخشون أن تقود اليهود بعد انكشافها الى المربع الاول في ((معاداة السامية))، كما قد تؤدي بهم الى كارثة جديدة تشبه الكوارث التي
مروا بها خلال تاريخهم الطويل .. ولعل من أهم هؤلاء نعوم شومسكي Noam Chomsky عالم اللسانيات واستاذ الفلسفة والناقد الاجتماعي والسياسي المعروف الذي ما تواني عن التأكيد بأن الاعتداء الاخير
على غزة – ككل اعتداء سابق على الفلسطينيين – ما كان ليحدث لولا رضى وموافقة
ومباركة الولايات المتحدة ..
وبعد .. فما زال هؤلاء المفكرون وغيرهم يطرحون أسئلة
مباشرة حول الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية مثل: من المستفيد ومن المتضرر
من استمرار ((الدراما)) الشرق اوسطية الطويلة
بكل تفرعاتها ومضاعفاتها !؟ وهل حقاً يتمتع اليهود الآن بحياة آمنة مطمئنة في
اسرائيل التي حتى لو جعلوها دولة يهودية خالصة فهل يضمنون بذلك ألا يتحولوا للعيش
في ((غيتو)) هو الاكبر عبر العصور؟
وماذا يجديهم لو اكتشفوا بعد فوات الأوان أن المستفيد الوحيد والمهيمن الأول على
إخراج هذه الدراما هو الولايات المتحدة ((الشركاتية))Corporate America ومن يلوذ بها ويأتمر بأمرها في
اوروبا وأسرائيل !؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق