الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

العولمة .. لمصلحة طرف واحد ! 29/9/2014


في كتابها الموسوعي (565 صفحة) ((مذهب الصدمة .. صعود رأسمالية المصائب))            
        The Shock Doctrine (The Rise of Disaster Capitalism)
الذي صدر عام 2007 شرحتْ الكاتبة الكندية المبدعة نومي كلاين Naomi Klein باسهاب كيف تستغل الحكومات المتواطئة مع الشركات الكبرى حالة الصدمة التي تمر بها الشعوب إثر الكوارث أو الحروب لتمرير سياسات اقتصادية لم يكن من الممكن تطبيقها في الظروف العادية مثل الخصخصة على نطاق واسع حتى لو طالت خدمات الصحة والتعليم، وتغيير التشريعات من اجل اطلاق العنان لنظام السوق المنفلت وإلغاء الدعم للسلع الأساسية حتى لو أدت هذه السياسة الى ارتفاع نسب البطالة واغراق طبقات جديدة في مستنقعات الفقر المدقع، كما تحدثت الكاتبة عن المحافظين الجدد The Neocens في أميركا وهم الذين كنت اتابع سياستهم باهتمام منذ تسعينات القرن الماضي واكتب عنهم بين حين وآخر وكان من ابرز منظريهم Richard Parle الذي لعب دوراً مهماً كمستشار سياسي في الادارات الاميركية المتعاقبة منذ عهد الرئيس ريغان حتى بلغ منصب مساعد وزير الدفاع واستقال عام 2003 بسبب شبهات الفساد وتضارب المصالح فقد اتهم بقبض عمولات من شركات اسرائيلية لصناعة الأسلحة المضادة للتجسس حين كان وكيلا لاحداها ومن عقد صفقات بترول عراقي مع زعيم كردي أو من التعامل مع مستثمرين سعوديين أو كمستشار للعقيد معمر القذافي (تحقيق الصحفي الاستقصائي المعروف سايمور هيرش) .. وربما جاءت استقالته آخر الأمر بعد ان اطمأن الى أن هناك من امثال بول وولفوفيتس (إياه !) من يحمل رسالته ((الفكرية)) التي اعتمدت على ((التخطيط)) للحروب الاستباقية وفي مقدمتها كانت الحرب على العراق واستغلال أي توتر مع دولة أخرى يمكن أن تعادي الولايات المتحدة بخلق حالة تشبه ما كان معروفاً مع الاتحاد السوفيتي السابق بالحرب الباردة وما أدت اليه من سباق التسلح المكلف الذي ارهق الاقتصاد الاشتراكي لكنه كان يخلق في الغرب رواجاً لكل انواع السلع الاستهلاكية وفي مقدمتها صناعة الأسلحة وفتح الاسواق الأخرى لها حسب نظام الاقتصاد الحر ((المنفلت)) الذي وضع ميلتون فريدمان مبادئه الجديدة في مدرسة شيكاغو (الاقتصادية) وبدأت تجربته الدموية الاولى بانقلاب سوهارتو في اندونيسيا عام 1967 ثم انقلاب بنوشيه في تشيلي عام 1973 وبعد ذلك في دول عديدة أخرى كالبرازيل والارجنتين والاورغواي وكلها بالتعاون والتآمر مع أجهزة الاستخبارات .      
نعود لريتشارد بيرل الذي استقال من منصبه عام 2003 ليتفرغ للعمل في الشركة الاميركية الاوروبية التي ساهم في تأسيسها والمختصة بصناعة الاجهزة التجسسية والمقاومة للتجسس كالكاميرات الخفية والحواسيب والاسلحة الالكترونية التي اصبحت معظم الحكومات (والمؤسسات الخاصة) مضطرة لاستخدامها خاصة بعد حالة الرعب (الحقيقية والمفتعلة معاً) التي سادت العالم إثر احداث 11 سبتمبر 2001 ، فتضاعفت مبيعاتها خلال سنوات قليلة وارتفعت اسعار اسهمها عاليا ..
ونتذكر تبعاً لذلك انعكاس حالة الرعب تلك على تشدد بلغ درجة الهوس لدى بعض الحكومات وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الاوروبية عند منح تاشيرات الدخول الى اراضيها، فخلقت لذلك اجهزة بيروقراطية كبيرة وشبكة اتصالات استخبارية معقدة خوفاً من أن يتسرب أي ((مخرب)) آت من الشرق الاوسط ليقوم بعمل ارهابي فيها، أو ((مهاجر)) غير شرعي للحصول على فرصة عمل، هذا بعكس المعاملة المتميزة التي يلقاها مواطنوها عند سفرهم الى الخارج حيث يحصلون على تأشيرات الدول الأخرى في دقائق ويجري الترحيب بهم في المطارات كسواح او مستثمرين حتى لو كان معروفاً (!) أنهم غير ذلك، وقد كلفها التشدد مبالغ طائلة لم تكن في الحسبان لكن الأهم أنه تسبب بمضايقات لا حصر لها لدى الذين يضطرون للحصول على تأشيراتها، وفي الاردن صورة واضحة لتلك المضايقات التي تبلغ احيانا حد المعاناة الحقيقية ليس من الانتظار الطويل لمدة اسبوعين على الاقل قبل الحصول على التأشيرة أو الجواب برفض الطلب فحسب بل ما يستتبعه ذلك من اضطراب في مواعيد السفر وحجز الطائرات ناهيك عن الحالات العائلية الطارئة عند مرض احد الافراد او موته ! هذا بالاضافة للمهانة التي يجد المراجعون انفسهم فيها كالوقوف على قارعة الطريق (أو الرصيف) في صفوف الدوْر لتقديم الطلبات والتعامل الفظ من قبل بعض موظفي تلك السفارات مما يذكرنا بتعاملهم المتغطرس معنا في زمن استعمارهم لنا !

وبعد .. في تسعينات القرن الماضي اوهمونا أن العولمة تعني انفتاح الدول على بعضها حتى يصبح العالم كله ساحة ((انسانية حرة واحدة)) لتبادل الازدهار، وصدق كثير منا هذه الصورة الوردية الزاهية ولم يمض طويل وقت حتى انفضح زيفها وتبين أن العولمة هي انفتاح لطرف واحد لتصبح الحدود مباحة لدخول مواطنيه الى بلادنا واغراقنا بسلعه واشياء أخرى، أما على الجانب الآخر فغير ذلك تماماً .. الطريق   مسدود أو سالك بصعوبة !. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق