الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

محاضرة ، فندوة ، فكتاب ! 23 /11 /2014

الثورات العربية كانت قاسماً مشتركا في مناسبتين حظيتُ بحضورهما في الايام القليلة الماضية، الاولى هي المحاضرة التي القاها رئيس الوزراء الفلسطيني السابق الدكتور سلام فياض في المدارس العصرية وادارها الدكتور اسعد عبد الرحمن بعنوان ((الربيع العربي الى أين ؟)) فادهشني بسعة اطلاعه وعمق تحليلاته وغزارة معلوماته التاريخية التي استخدمها في الحديث عن تلك الثورات ولم يطلق عليها صفة ((الربيع)) وقال انها مستمرة صعوداً وهبوطاً لكنها في النهاية لا بد بالغةٌ أهدافها ككل الثورات الكبرى في التاريخ ومنها الاميركية والفرنسية والروسية والصينية التي عانت الشعوب فيها كثيراً قبل ان تصل الى الاستقرار الذي تنعم به الآن مقارنةً بالسبات الأقرب للغيبوبة الذي ظلت تغط فيه شعوبنا زمناً طويلاً قبل ان تتحرك مؤخراً  !
وفي تعقيبي القصير قلت انني اتفق مع المحاضر في أغلب ما ذهب اليه بالاضافة الى قناعتي بألا حاجة بنا للتسميات الدخيلة كالربيع وسواها من المفردات التي تتيح لبعض الساسة ان يستعملوها للهزء والسخرية من هذه الثورات بسبب الانتكاسات التي ألمت بها وهم الذين بحكم مواقعهم ومصالحهم وعلاقاتهم السابقة لم يتمنوا لها يوماً الا الفشل ! لكني وددت لو لم يغفل ثورات شعوب اميركا اللاتينية التي استمرت طوال القرن المنصرم تواجه ببسالة وصبر النتائج المأساوية للمؤامرات الاجنبية التي كانت تحاك ضدها والانقلابات العسكرية العميلة التي كانت تقمعها ! وقد وافقني المحاضر الكريم على ذلك .
والمناسبة الثانية هي الندوة التي عقدت في مؤسسة عبد الحميد شومان للحوار حول الفلسفة وانحدارها في العالم العربي بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة كما أقرته منظمة اليونيسكو في الخميس الثالث من نوفمبر من كل عام وأدارها وتحدث فيها الدكتور احمد ماضي وشاركه كل من الدكتور هشام غصيب والدكتور عامر شطاره والدكتور عزمي طه السيد، وقد أشار الدكتور ماضي بصراحة الى أن تدهور علوم الفلسفة في الاردن تحديداً بدأ بعد أن قررت وزارة التربية والتعليم في اوائل سبعينات القرن الماضي إلغاء موضوع الفلسفة من مناهجها ولم يكن صعبا التكهن بمن كان وراء ذلك القرار التجهيلي ! أما نصيب الثورات العربية في هذه الندوة فجاء في كلمة الدكتور هشام غصيب حين دعاها باسمها الحقيقي وليس باسم ((الربيع)) الذي أطلقه عليها ((الآخرون)) ثم نوّه الى افتقارها حتى الآن لفلسفة واضحة تقودها لكنها سوف تتمخض عنها لا محالة، وكفاني بذلك مؤونة التعقيب على تحليله العلمي الرصين وان كان بودي ان أضيف ماجاء على لسان الشاعر المصري الوطني الكبير عبد الرحمن الأبنودي بعد شهور قليلة من قيام ثورة 25 يناير 2011 حين وجه كلامه للمتذمرين من بعض اخطاء ناشطيها وللمستعجلين على تحقيق انتصارها من دون ان يشاركوا فيها فقال: دي لسّه في اول الطريق وعايزالها كمان عشر سنين مع قيادة فكرية منظمة علشان تقدر تقف على رجليها !
وفيما له علاقة غير مباشرة بالمناسبتين السالفتين كنت أمس أعيد قراءة صفحات من كتاب قديم هو  ((المانيفستو)) بالانجليزية لكارل ماركس وفريدريك انجيلز الصادر في شباط عام 1848 حيث التحليل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لطبيعة الثورة، والاسباب الرئيسية لانتقال المجتمعات البشرية عبر مراحل واضحة المعالم من العبودية الى الاقطاع الى الراسمالية ثم اخيراً توجهها الى مرحلة ((جديدة)) من الاشتراكية أو العدالة الاجتماعية وصون كرامة الانسان وغير ذلك مما يحفل به هذا الكتاب ويصلح أن يكون مرجعاً      للمؤرخين والباحثين ودليلا مرشدا لاولئك الرواد الذين يهبّون لتحقيق التقدم والتغيير ويحملون على كواهلهم في بعض مفاصل التاريخ مصائر شعوبهم ..        
وبعد .. إن للبشرية منذ الأزل مسيرةً متصلة من ثورات متعددة الانواع والأنماط تفرض بواسطتها طبقاتٌ محددة أنظمةً جديدةً تخدم مصالحها وتحل محل القديمة التي تختفي وتتلاشى ! فلماذا التعجب   الآن .. أو التعامي ؟ 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق