الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

الرأسمالية الوطنية منذ ثلاثينات القرن الماضي .. 21/10/2014

وأنا أشهد في الشهر الماضي توقيع اتفاقية مشروع الصخر الزيتي كانتاج وطني ينهض به القطاع الخاص برأسمال كبير لم يكن غريباً أن تعود بي الذاكرة عشرات السنين الى الجدل الذي دار حول الرأسمالية الوطنية حين كان يكتب عنها في خمسينات القرن الماضي الدكتور راشد البراوي استاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة وأحد اعلام الفكر الاشتراكي الحر الذي كنا نتلهف على قراءة مقالاته الداعية للعدالة الاجتماعية في جريدة ((المصري)) جريدة حزب الوفد آنذاك، وكنا معجبين بتحليله العلمي لواقع الاقتصاد المصري ودور الرأسمالية الوطنية في حمايته ودعمه ولم تكن في ذلك الوقت قد غابت عن الساحة المصرية ذكرى طلعت حرب الاقتصادي الذي يحتل تمثاله واحداُ من أهم ميادين القاهرة بعد أن مثل الرأسمالية الوطنية أروع تمثيل حين حوّل بنك مصر في ثلاثينات القرن الماضي من مجرد مؤسسة مالية مصرفية الى محرك فاعل وقوي في إنشاء المشاريع الانتاجية الصناعية في جميع أنحاء مصر فأسس صناعة الغزل والنسيج العملاقة وصناعة الملح والصودا، واهتم كذلك بصناعة السينما كجزء من عقيدته بان هذا الفن الصاعد الذي بدأت هوليود تغزو به اسواق العالم قبل سنوات قليلة لا بد أن يكون في المستقبل عنصرا من عناصر بناء الحضارة الجديدة، وانشأ من اجل ذلك ((استوديو مصر)) لانتاج الافلام السينمائية كما بنى داراً لعرض افلام هذه الشركة في شارع عماد الدين باسم سينما ستوديو مصر، اذ كانت جميع دور العرض الاولى يومئذ مملوكة لشركات اجنبية كسينما مترو وسينما كايرو بالاس وسينما قصر النيل .. وللتدليل على أهمية هذا التوجه حرصت وزارة المعارف على اطلاع التلاميذ على هذا الصرح الجديد فقد كانت ثاني رحلاتنا المدرسية حين كنا طلابا في الصف التوجيهي بالمدرسة السعيدية الى ستوديو مصر كجزء من برنامج توسيع مداركنا، وقد كانت الأولى قبلها الى أسطول خفر السواحل على سواحل مدينة الاسكندرية !
كان راشد البرّاوي يتحدث يومذاك عن الرأسمالية الوطنية وكيف يمكن أن تفعل الكثير من اجل تقدم اقتصاد البلاد ولم يكن يفاجأ بمن يهاجمه ويهاجم افكاره من كتاب اليسار المتطرف الذين يختزلون الأمر كله الى أن الرأسمالية ليس لها سوف هدف واحد هو الربح ويرد عليهم بان المستثمرين من اصحاب رؤوس الأموال هم اولا وأخيراً مواطنون فاذا لم يكونوا مرتبطين باهداف الرأسمال الاجنبي فان خيرهم يثمر في بلدهم من اجل الوطن حتى لو لم يقصدوا ذلك بشكل مباشر، وكان يرد عليهم كذلك بضرورة المحافظة على الرأسمالية الوطنية وافساح المجال لها كي تنمو وتزدهر وإلا فكيف تتكون الطبقة العاملة التي يؤمنون بأنها أداة التغيير للانتقال الى المراحل الأخرى من تطور المجتمع ..
وفي نفس السياق تذكرت بلداً آخر هو العراق برز فيه الرأسمال الوطني كذلك منذ ثلاثينات القرن الماضي وبدافع واضح جلي من حب الوطن والرغبة في بنائه وتقدمه وتذكرت اسماً سطع في سمائه لأمد طويل هو اسم سليمان فتاح باشا الذي أنشأت اول صناعة ناجحة للنسيج وانتاج البطانيات والاجواخ العراقية، وقد قرأت عنه مؤخراً ما يثلج الصدر في كتاب ((شخصيات نافذة)) لعبداللطيف الشواف الذي اهدانيه الصديق الدكتور حمدي التكمجي .
وبعد .. فالرأسمالية الوطنية الاردنية لم تبدأ فقط باسهامها في انشاء مشروع استغلال الصخر الزيتي بل منذ زمان طويل في تعدين الفوسفات الاردنيايضاً في ثلاثينات القرن الماضي، وبينهما .. مشاريع عديدة نذكرها بالفخر والاعتزاز .       


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق